العاصمة السودانية.. أكثر من سبب وراء الانفلات الأمني   

10 يناير 2023

 مع تصاعد الحوادث الأمنية خاصة المتعلقة بالنهب والقتل في العاصمة السودانية تسود مخاوف من تفشي “حالة من الذعر” بين المواطنين بسبب تدهور الوضع الأمني.

ويواجه المواطنون في العديد من شوارع العاصمة السودانية ظاهرة تسمى شعبيا بـ”تسعة طويلة” وهي عملية اختطاف حقائب النساء والهواتف من أيدي المارة وتهديدهم أو الاعتداء عليهم مباشرة وفي العادة تُنفذ هذه الجريمة عن طريق شخصان يمتطيان الدراجة النارية. إلى جانب العديد من حوادث القتل التي شهدتها العاصمة مؤخراً بغرض السرقة.

الانفلات الأمني في الخرطوم، يدفع الناشط الحقوقي، منتصر الزين، للتحذير من من خسارة السودان للتصنيفات التي عُرفت بها باعتبار أن الخرطوم عاصمة آمنة لأن الوضع الأمني سيؤدي إلى عزوف الاستثمارات الأجنبية وحتى القطاع الخاص المحلي تأثر بالتدهور الأمني ولا يغامر بالتوسع خوفا من النهب كما يحدث في بعض المصانع والأعمال الميدانية للشركات.

ويقول الزين لـ(عاين): إن “حالة من الذعر” تسود بين المواطنين بسبب الهشاشة الأمنية وزادت معدلات الحماية الشخصية في العاصمة السودانية إما بشراء الأسلحة الشخصية وتقنينها وإما بمغادرة البلاد نهائيا والنجاة من المحرقة-على حد قوله.

مناورة سياسية

تقول إحصائيات حصلت عليها (عاين)، إن العدد الكلي لأفراد الشرطة في العاصمة السودانية 17 ألف شرطي والحاجة الفعلية 30 ألف جندي أي النقص حوالي 13 ألف جندي أغلبهم تسربوا من جهاز الشرطة بسبب تدني الأجور والعمل خارج البلاد.

وخلال هذا العام قالت وزارة الداخلية إنها قامت بإخلاء بعض أقسام الشرطة في العاصمة السودانية متهمة المتظاهرين بالهجوم عليها لكن القوى المدنية التي تعارض الانقلاب العسكري بقيادة الجنرال عبد الفتاح البرهان تحمله مسؤولية التدهور الأمني بعدم السيطرة على المؤسسات الأمنية والسماح بعودة عناصر أمنية موالية للرئيس المخلوع عمر البشير.

وبين بنود الاتفاق الإطاري الموقع بين المدنيين والعسكريين في الخامس من ديسمبر الماضي بند يقضي بتشكيل جهاز الأمن الداخلي ومهتمه مكافحة الجرائم وتحقيق الاستقرار الأمني.

وينوه الباحث في الشؤون الأمنية، أحمد حسان في حديث لـ(عاين)، أن الأمن في المجتمع مسؤولية الشرطة التي تحتاج إلى دعم كبير لتوفير العتاد والمركبات ورفع كفاءة الأفراد.

وتابع حسان: “دون تحويل مهنة الشرطة إلى مهنة جاذبة لا يمكن ضمان بقاء أفرادها يعملون في ظروف قاسية ولساعات طويلة وحتى لو استمروا في العمل سيكون رد فعلهم سيئا إما بالحصول على الرشاوى أو التقاعس عن ملاحقة المجرمين الذين ينهبون الهواتف في وضح النهار وسط العاصمة”.

ويشير حسان، إلى أن الحوادث الأمنية متوقعة في بلد مثل السودان ينتقل من الشمولية إلى الحكم المدني، والوضع معقد هنا نوعا ما لأن الثورة المضادة منظمة” إلى جانب الوضع الاقتصادي المتدهور حيث يعاني الملايين من الفقر ومعروف أن الجريمة ترتفع في المناطق الأكثر فقرا.

دور خارجي

وبالنسبة لحسان، تبدو الإصلاحات الأمنية هي الأكثر إلحاحا بالنسبة للقوى المدنية التي وقعت مؤخراً اتفاقا مبدئيا مع الجيش. وأشار حسان، إلى أن الوضع الأمني في العاصمة الخرطوم تحول إلى “قضية سياسية” وهناك ضرورة ملحة لإعمال الإصلاحات داخل جهاز الشرطة والقوات الأمنية.

اعتداء مجموعات ما يعرف شعبيا بـ 9 طويلة- على مواطنة لسرقة حقيبتها- الصورة من فيديو متداول على مواقع التواصل الاجتماعي

فيما يعتقد الناشط الحقوقي، منتصر الزين، أن حالة تردي الوضع الأمني في العاصمة والمدن مرتبطة بالصراعات الخارجية والداخلية. ويقول لـ(عاين):”يجب عدم إغفال الدور الخارجي في الوضع الأمني ومن المهم حينما يقدم المدنيين على الاتفاق السياسي مع الجيش منح أولوية للإصلاح الأمني والعسكري لأن الأمن مسألة سياسية”.

فيما يرى المستشار الإعلامي السابق بمجلس الوزراء في عهد حكومة الفترة الانتقالية الأولى،  فائز الشيخ السليك، إن الحوادث الأمنية صنيعة استخباراتية القصد منها خلخلة الفترة الانتقالية وإسقاط الحكومة المدنية كما حدث العامين الماضيين.

وأشار السليك، إلى أن بعض الجهات تلعب بـ”الكرت الأمني” وكأنها تريد القول إن السودان لا يحكم إلا عبر القبضة الأمنية والشمولية والظواهر الأمنية التي صعدت إلى السطح غير بعيدة عن “أيدي الإسلاميين” عبر ذراعهم جهاز الأمن الشعبي.

ويشير فائز السليك، إلى أن السيولة الأمنية في بعض الأحيان تدار عن طريق الشائعات من الغرف الأمنية بنشر خطاب الكراهية والإقصاء على الشبكات الاجتماعية.

وفي ذات الوقت يعدد السليك، أسباب تدهور الأمن في الخرطوم بالقول إن الوضع الاقتصادي يلعب دورا في توسيع رقعة الجريمة. علاوة على قرار عضو مجلس السيادة عائشة موسى في العام 2020 حينما أطلقت سراح آلاف السجناء من مرتكبي الجرائم بحجة تفريغ السجون في وباء كورونا- يضيف السليك.

مقاومة الإصلاحات

تقول لجنة التفكيك وإزالة التمكين التي شنت حملات ضد النظام البائد خلال الفترة الانتقالية إلى أن “الدولة القديمة” تقاوم الإصلاحات داخل الأجهزة الأمنية حتى قوائم المحالين إلى التقاعد في الشرطة والأمن لا تخلو من “الأجندة السياسية” بحسب مصدر من هذه اللجنة لـ(عاين).

بالمقابل يحمل المدافع عن حقوق الإنسان منتصر الزين “عدم تفعيل النقاشات حول الوضع الأمني” إلى منظمات المجتمع المدني والأحزاب قائلا إنها لا تكترث بالوضع الأمني وتركت المواطن “طريدة وفريسة لعصابات النهب والقتل”.

ويعتقد الزين، أن الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني يجب أن تمارس ضغوطا باستمرار على مؤسسات الدولة المعنية بمكافحة الجريمة وإحداث الاستقرار الأمني واصفا الوضع في العاصمة السودانية بـ”الخطير”. وقال إن الهشاشة الأمنية بلغت مرحلة سيئة جدا وكل شيء متوقع حدوثه.

تحديث الأجهزة الأمنية

بالنسبة للمستشار الإعلامي السابق بمجلس الوزراء فائز السليك، فإن قضية الإصلاحات الأمنية يجب أن تأخذ في الاعتبار استيعاب الشباب والفتيات من مؤيدي الثورة في الأجهزة الأمنية لحماية أهداف الثورة والانتقال.

ويشدد السليك، على أهمية أن تكون طلائع الثورة جزءا من صناعة المشهد الأمني لإحداث الاستقرار لأن المصلحة تحتم عليها ذلك مع الإبقاء على الكوادر المؤهلة في المؤسسات الأمنية.