“مساحة جالوص” .. تشكيليون في مرمى العنف بالسودان
19 يناير 2023
اعتدى مجهولون على معرض تشكيلي بالعاصمة السودانية مُخلفين عدداً من الإصابات وسط المشاركين ونهب وتحطيم أعمال فنية، فيما أوقفت الشرطة أحد المتهمين ويجري التحقيق معه حول الحادثة توطئة لتقديمه إلى المحاكمة- حسب إدارة المعرض.
وأعادت الحادثة إلى الأذهان العنف الممنهج تجاه هذا النوع من الفنون خلال حقبة النظام البائد، كما زادت حدة المخاوف من العودة إلى هذا العهد في ظل الاضطراب السياسي الذي تشهده البلاد.
وفي 20 أكتوبر الفائت، داهمت قوة أمنية معرضاً تشكلياً داخل مقر “مجموعة المعمل المدني” واعتقلت مجموعة من الفنانين قبل مصادرتها عدد من لوحات المعرض.
وسبق أن قضت محكمة سودانية في 19 سبتمبر 2020 بالسجن لمدة شهرين لخمسة أعضاء في مركز “فيد” للفنون التابع لمجموعة “المعمل المدني” بعد إدانتهم بتهمة الإزعاج العام والإخلال بالسلامة العامة. وتعود القضيةإلى العاشر من أغسطس في نفس العام حين قدّم سكان في حي الزهور في الخرطوم بلاغا ضد مجموعة “فيد” بسبب تجارب الأداء التي تجريها في مقرها وخرق الحظر المفروض بسبب كوفيد-19.
وقال مدير ومؤسس “مساحة جالوص” التي استضافت المعرض، المغيرة عبدالباقي، في مقابلة مع (عاين)، إن “مجموعة تضم أكثر من 30 شخصاً إقتحمت الغاليري الاثنين الماضي، بالتزامن مع إنطلاق فعاليات معرض (مابعد الأسطورة) للفنان محمد صديق، واعتدت على المشاركين ومارست العنف والضرب ونهب أعمال فنية”.
وأضاف عبد الباقي، أن “الإعتداء قام به أشخاص معروفون لديهم موقف رافض لوجود مساحة جالوص في حيهم السكني، وسبق واعتدوا علينا عدة مرات لفظياً وحصبونا بالحجارة، لكن هذه المرة كان الهجوم أعنف وبعدد أكبر من الأشخاص”. واستبعد أن يكون الهجوم ذو “بعد سياسي او من جهة متطرفة”.
وفي بيان صحفي، أوضحت إدارة المعرض أنه مجموعة مسلحين بأسلحة بيضاء يفوق عددهم الثلاثون شخصاً اقتحمت مقر جالوص الكائن بحي الخرطوم 3 بشارع كترينا عقب يوم من افتتاح معرض (ما بعد الاسطورة) للفنان محمد صديق، تعدوا على المتواجدين ساعتها من الفنانين والعاملين”.
وأشار البيان الذي اطلعت عليه (عاين)، إلى إصابة الفنان التشكيلي محمد صديق بكسر في ساعد اليد اليمنى، وإصابة الفنان مصطفى عثمان في الرأس، واصابة يوسف سواحلي في اليد، والحسن يحيى بجروح ورضوخ”.
وبحسب البيان، فقد نهب المقتحمون اربعة أعمال فنية تخص ( د. خالد كاجولي، د.أشرف عبد المنعم)، وتكسر إطار لوحة للفنان وليد محمد وللفنان مظفر رمضان)، كما حطمت أعمال تلوين على الفخار للفنان المغيرة عبدالباقي.
كما أقدم المعتدون على تهشيم مجموعة من الأعمال الفنية الأخرى وبعض الأثاث، ونهب مجموعة من الآلات الموسيقية تضم (عدد 2 جيتار، عدد 1 كمان، عدد 2 سماعة جيتار، و إتلاف آلة الدرامز)، كما تم تحطيم أجزاء دراجة نارية تؤول ملكيتها لاحد العاملين بجالوص.
وقال البيان “إننا إذ نخاطبكم بهذا التوضيح نعتذر إبتداءاً عن تأخر صدوره من هول هذا الجرم الذي وقع وحرصاً منا على توخي الدقة في الإجراءات القانونية التي شرعنا بتدوينها مع الجهات الرسمية. ونعتذر لكل الجيران مما تسبب لهم من إرهاب وازعاج من قبل هذه المجموعة”.
وأضاف البيان: “نؤكد استمرار المعرض بمقر جالوص وجميع نشاطاتنا الثقافية، وأيضاً على تمسكنا بالمعنى والمسعى المدني إنزالاً للحقوق وكفالةً لحرية التعبير والبحث الجمالي باعتباره حقاً أصيلاً وسعياً مكتسباً وهدفاً جوهرياً”.
بدوره، أوضح مؤسس مساحة جالوص، المغيرة عبدالباقي، أن المعرض عاود نشاطه ولكن ليس بنفس الزخم بعد التوجس الذي يسود المشاركين والجمهور ومخاوفهم من تكرار الهجوم.
وقال عبد الباقي، إن الشرطة ألقت القبض على أحد الضالعين في الهجوم على مساحة جالوص وهو شاب معروف لديهم بمعارضته لبقاء الغاليري في الحي السكن وتم إيداعه الحراسة ويجري البحث عن المتهمين الآخرين.
وشدد عبدالباقي، إن وجود المعرض في الحي السكني سيجعل رسالة الفن التشكيل أقوى نتيجة للتفاعل الذي يحظى به من المجتمع السكاني خاصة الأطفال، وأكد أن مثل هذه الإعتداء لن يوقف مسيرتهم في الفن التشكيلي وسيستمر بيت الجالوص.
من جانبه، أعرب صاحب معرض (ما بعد الأسطورة) الفنان التشكيلي محمد صديق عن بالغ حزنه وأسفه للهجوم الذي تعرض له، فإلى جانب الأذى الجسدي بسبب كسر يده، فقد عاش حالة نفسية قاسية جراء الحادثة التي وصفها بالجبانة.
وقال صديق في مقابلة مع (عاين): “كان لنا برنامج مصاحب للمعرض يتمثل في ورش عمل فنحن مضطرين لإلغائها والإعتذار عنها بسبب الإتلاف الذي تعرض له المعرض في مساحة جالوص، وهو ما دعاني للحزن والأسف”.
وأضاف صديق: “رغم صعوبة الحادثة لكننا قادرون على تجاوزها وسوف نستمر في عملنا الإبداعي بذات القوة لأجل رسالة نبيلة يحملها الفن التشكيلي”.
وتأسست مساحة الجالوص قبل حوالي 8 أشهر بجهد من الفنان التشكيلي المغيرة عبدالباقي، وإنضم إليه تشكيليين ساهموا في رسم عدد من الجداريات بساحة اعتصام السودانيين أمام مقرات قيادة الجيش السوداني في 2019.