الدواء في السودان شُح وغلاء و30% من صيدليات العاصمة خارج الخدمة
25 أبريل 2021
يقف المصاب بمرض الشلل الرعاش، أحمد عبد الرحمن، على أبواب صيدلية مركزية حكومية لبيع الدواء في العاصمة السودانية، ويقول إن الأدوية التي يحتاجها خلال اسبوع واحد، ارتفع سعرها من 75 جنيها قبل 3 أشهر إلى 900 جنيه حاليا.
وبينما يشير عبد الرحمن، إلى عدم توفر هذه الأدوية لدى صيدلية صندوق الإمدادات الطبية، لكن يجد نفسه مضطراً للحضور لصيدلية الصندوق لتأكيد عدم وجودها، وتضمين ذلك في الروشتة من موظفي الصندوق، حتى يتم سداد فارق السعر بين شرائها من الصيدليات التجارية لانه مؤمن عليه لدى هيئة التأمين الصحي. ويقول أحمد لـ(عاين)، أنه يضطر احيانا للتجول بين صيدليات الخرطوم والخرطوم بحري، حتى يتمكن من العثور على أدويته، وأوضح أن سعر دواء الشلل الرعاش ارتفع خلال 3 أشهر من 75 جنيها إلى 350 ثم إلى 600 حتى وصل إلى 900 جنيهاً.
” بطء الإجراءات الحكومية والبنكية الخاصة بإيداع مبلغ الـ 21 مليون يورو يتسبب في عدم استلام صندوق الامدادات للاموال“. |
أما سمير الحاج، قال انه اشترى أدوية ربو وسكري من الصيدلية التابعة لصندوق الإمدادات الطبية، بمبلغ 1500 جنيه، علما بأنه حصل عليها عبر بطاقة التأمين الصحي التي تغطي 75% من قيمة الدواء، ما يعني أن السعر التجاري لهذه الأدوية لدي صندوق الإمدادات الطبية هو 6 آلاف جنيه، وهي المبلغ الذي يغطي الحاجة الشهرية للأدوية. وأوضح الحاج لـ (عاين)، أن هذه الأدوية مضاف اليها (بندول) ومضادات حيوية أخرى، لم يكن سعرها يتجاوز 400 جنيهاً، قبل بضعة أشهر، وأشار إلى أنها تباع في الصيدليات التجارية حالياً بمبلغ قد يصل ضعف ثمنها في صيدلية الإمدادات الطبية.
– خروج صيدليات عن الخدمة
يقول نائب رئيس اللجنة التسييرية لإتحاد ملاك الصيدليات بولاية الخرطوم، أنس الحسين، أن سياسة تحرير سعر الصرف قد تسببت في الأزمة الحالية، وقال إن الحكومة كان حينما أٌقرت هذه السياسية كان عليها أن تراعي بعض السلع الحيوية مثل الأدوية. 30% من الصيدليات خرجت عن الخدمة بسبب عدم توفر الأدوية والزيادة الكبيرة في أسعارها.
ويرى الحسين ايضاً أن العجز عن توفير موارد النقد الأجنبي وغياب التنسيق بين الأطراف ذات الصلة باستيراد الأدوية لها دور مباشر في الأزمة. وأوضح لـ (عاين)، أن تلك الأزمة انعكست عليهم كملاك صيدليات، حيث تراجع عدد الصيدليات التي جددت تراخيصها هذا العام بولاية الخرطوم من 3400 إلى 2400 صيدلية تقريبا، حيث خرجت نحو 30% من الصيدليات من الخدمة بسبب عدم توفر الأدوية والزيادة الكبيرة في أسعارها.
وأشار الحسين إلى أن بعض شركات استيراد الأدوية قد أوقفت التعامل مع صندوق الإمدادات الطبية بسبب تراكم مديونيتها عليها، وأن الصندوق جهة وكل المشكلات المتصلة به تعود للسياسات الحكومية. وطالب بأن تولى الحكومة اهتماما أكبر لقضية استيراد الأدوية، لاسيما أن مستوردي الأدوية لا يتعرضون للخسائر بل يحققون ارباحاً عالية في ظل هذه الندرة، وأن من يخسر هو مالك الصيدلية، ومن يعاني هو المريض.
– تفاقم الأزمة
يوما بعد يوم تتفاقم أزمة الدواء في السودان والتي عجزت الحكومة ممثلة في وزارتي الصحة والمالية عن حلها خلال الأشهر الماضية، ليتراجع مخزون ادوية الطوارئ لدى الصندوق القومي للإمدادات الطبية التابع لوزارة الصحة إلى 40% في أبريل الحالي. وتتمثل أهم مسببات الأزمة بحسب معلومات كشفت عنها مصادر رسمية، في عدم إكتمال إجراءات التمويل المخصص لاستيراد الادوية المنقذة للحياة وأدوية الطوارئ، والذي يقدر بمبلغ 21 مليون يورو.
بجانب عقبات إدارية سببها عدم التنسيق الكافي بين الأطراف ذات الصلة بعمليات تمويل واستيراد الأدوية والتي تتبع لوزارتي الصحة والمالية. وأواخر مارس الماضي، أعلنت وزارة الصحة بدء تحويل المبالغ المخصصة لصالح صندوق الإمدادات الطبية وشركات إستيراد الأدوية حتى تتمكن من إتمام عملية الإستيراد.
وناقش اجتماع ضم – حينها – وكيل الوزارة السابق، أسامة أحمد عبد الرحيم، المعوقات التي تواجه الإمداد الدوائي، والأسعار الجديدة للأدوية وكيفية دعم أدوية الأمراض المزمنة والمنقذة للحياة وإيجاد الحلول لها.وذكر وكيل الوزارة في تصريحات صحفية، أن الإجتماع خلص الى توصيات تصب في صالح صندوق الإمدادات الطبية، من شأنها إحداث إنفراج وإستقرار في الإمداد الدوائي مطلع شهر أبريل.
” يوما بعد يوم تتفاقم أزمة الدواء في السودان والتي عجزت الحكومة ممثلة في وزارتي الصحة والمالية عن حلها خلال الأشهر الماضية، ليتراجع مخزون ادوية الطوارئ لدى الصندوق القومي للإمدادات الطبية التابع لوزارة الصحة إلى 40% في أبريل الحالي“. |
– تراجع المخزون الدوائي
لكن بحلول شهر أبريل استمر تفاقم الأزمة ليتراجع مخزون الأدوية – بحسب وزارة الصحة – إلى 40% من الكمية المطلوبة لتغطية حاجة البلاد، ما دفع مجلس الوزراء السوداني لعقد اجتماع طارئ الأسبوع الماضي، ضم وزيري الصحة والمالية وممثلين للصندوق القومي للإمدادات الطبية، والمجلس القومي للصيدلة والسموم، والادارة العامة للصيدلة، وغرفة مصنعي الأدوية، وغرفة مستوردي الأدوية، وممثلي لجنة الصيادلة المركزية، والتجمع الصيدلي.
وخلص الإجتماع لاتخاذ حزمة إجراءات للمساعدة على تجاوز الأزمة، تمثلت في إلتزام الصندوق القومي للإمدادات الطبية بإكمال إجراءات التمويل المخصص لإستيراد الأدوية المنقذة للحياة وأدوية الطوارئ والبالغ 21 مليون يورو، بجانب إلتزام وزارة المالية بدفع 5 ملايين دولار فوراً، لسدادات بعض مديونيات الصندوق القومي للإمدادات الطبية لشركات استيراد الأدوية وجدولة المتبقي بصورة عاجلة.
كما التزمت وزارة المالية بدفع 800 مليون جنيه سوداني، لسد فارق دعم استيراد أدوية الأمراض المزمنة بالعملات الاجنبية. بالإضافة الى تشكيل آلية من وزارتي الصحة والمالية والمجلس القومي للصيدلة والسموم واللجنة التسييرية لغرفة مستوردي الأدوية والإمدادات الطبية، لمتابعة سير الاستيراد وتوفير الدواء بصورة عاجلة على أن تكون في حالة انعقاد دائم حتى ضمان انسياب الدواء بصورة طبيعية.
– بطء الإجراءات الحكومية
بطء الإجراءات الحكومية والبنكية الخاصة بإيداع مبلغ الـ 21 مليون يورو يتسبب في عدم استلامصندوق الامدادات للاموال. وبحسب معلومات تحصلت عليها (عاين)، يعود تأخر استلام الصندوق القومي للإمدادات الطبية للمبالغ المخصصة لإستيراد الدواء، إلى بطء الإجراءات الحكومية والبنكية الخاصة بإيداع مبلغ الـ 21 مليون يورو. حيث تم الاتفاق بين وزارة المالية وبنك السودان، بأن يسدد أحد البنوك المبلغ للإمدادات الطبية، إلا أن الأخير اشترط فتح حساب خاص للتوريد، الأمر الذي واجه إجراءات معقدة بين الأطراف الثلاثة، ما أدى لتعطيل استلام المبلغ لنحو شهر.
وكان الصندوق القومي للإمدادات الطبية، قد أعلن في وقت سابق أن مديونية لدى شركات استيراد الدواء قد وصلت الى 75 مليون يورو، بينما يغطي التصنيع المحلي نسبة ضئيلة تتراوح ما بين 20 إلى 30%. ووفقاً لمعلومات (عاين)، فإن الأدوية المتوفرة لدى الصندوق القومي للإمدادات الطبية خلال شهر أبريل تشمل 605 صنفاً، من مجموع 1778 تمثل الحاجة الفعلية. وإن أدوية العلاج المجاني تبقت منها 67 صنفاً، أما أدوية ومستهلكات قساطر القلب البالغة 196 صنفاً، تبقت منها 33 صنفاً فقط.
– توحيد سعر الصرف
وخلال مقابلة بثتها الإذاعة السودانية، الجمعة الفائتة، قال وزير الصحة السوداني، عمر النجيب، إن سياسية توحيد سعر صرف العملات الأجنبية التي أٌقرتها الحكومة مؤخراً، دفعت عدة شركات للتوقف عن البيع، لجهة أنها كانت تحصل على سعر تفضيلي للعملات الأجنبية قبل اعتماد السياسية الجديدة. وأشار الوزير إلى اجتماعه بالمصنّعين المحليين والإتفاق معهم توفير الدواء للمراكز الطبية التخصصية بالسعر الذي يناسبها، مقابل إلتزام الحكومة بدفع فارق سعر تكلفة الإنتاج والذي يصل إلى 800 مليون جنيه سوداني شهرياً للصندوق القومي للإمدادات الطبية.
وأقر الوزير بوجود أخطاء إدارية في استيراد الدواء قال انها ساهمت في مضاعفة الأزمة أعلن عن الشروع في معالجتها، وأشار إلى أن قضية الدواء تحتاج لترتيب أكثر في إدارته ووصوله وتوزيعه وتخزينه. وكشف الوزير عن وعود مصرية بتوفير الأدوية الضرورية للسودان لمدة 6 أشهر، بالإضافة للإعتماد على الإستيراد والتصنيع المحلي، فيما بدأ واثقاً من انجلاء الأزمة قريباً.
– الدور الحكومي في الأزمة
صيدلي يحمل الحكومة مسؤولية أزمة الدواء بإصرارها على تولي القطاع الخاص باستيراد الأدوية من جانبه يرى الصيدلي ورئيس الجمعية السودانية لحماية المستهلك، ياسر ميرغني، أن الحكومة هي المتسبب في أزمة الدواء بإصرارها على تولي القطاع الخاص مسؤولية استيراد الأدوية، وأشار إلى انها اهدرت أموالاً طائلة في هذا الصدد دون فائدة.
وأوضح ميرغني لـ (عاين)، بأن شركات القطاع الخاص تسلمت من وزارة المالية 60 مليون دولار، في عهد الوزيرة السابقة، هبة محمد علي، إضافة إلى 800 مليون جنيه، لإستيراد الأدوية المنقذة للحياة، كان يجب أن تذهب للصندوق القومي للإمدادات الطبية.
كما أشار لعدم وجود رقابة في توزيع الأدوية الأمر الذي تسبب بشكل مباشر في الندرة الحالية، في وقت اتهم الحكومة بإطلاق أرقام لمبالغ قال انها ليست حقيقية ولم يتم تسليمها للجهات المعنية. وبحسب ميرغني فإن حل مشكلة الأدوية تتمثل في الاعتماد على الصناعة الوطنية بشكل أساسي، بجانب ابعاد القطاع الخاص عن عملية الإستيراد.