العقوبات الأميركية هل تطفئ حرب السودان؟

عاين- 21 يناير 2025

أُدرج قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان في منتصف يناير 2025 الجاري ضمن لائحة عقوبات وزارة الخزانة الأميركية جنبا قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو الذي سبقه بنحو أسبوعين فقط.
وتدرج العقوبات الأميركية الصادرة من وزارة الخزانة بين قادة الصف الثاني من الجيش والدعم السريع طيلة الشهور الماضية منذ سريان الأوامر التنفيذية في مايو 2023، إلا أن وصولها إلى قائدي الجيش والدعم السريع الأسبوعين الماضيين ربما يحدث تحولات سياسية وعسكرية في هذا البلد الممزق من الصراع المسلح منذ 21 شهرا.
ويشرح المحلل الدبلوماسي مصطفى بشير خطورة العقوبات الأميركية على مستقبل السودان بتلاشي الأمل أمام الجنرالين طالما وضعا على لائحة العقوبات الذكية بالاستمرار في الحرب وترسخ قناعة الحسم العسكري لديهما مشيرا إلى أن العزلة الدولية للجنرالين لا تعني أنهما سيتوجهان نحو طاولة المحادثات لإنهاء الصراع المسلح وحقن دماء السودانيين هذا غير وارد؛ لأن الحرب في السودان مرت بمراحل كثيرة والعقوبات لا تجد نفعا.
العقوبات الأميركية جاءت نتيجة عجز إدارة بايدن تجاه الملف السوداني
محلل دبلوماسي 
ويقول بشير لـ(عاين): إن “العقوبات الأميركية جاءت نتيجة عجز إدارة بايدن تجاه الملف السوداني فالمطلوب منها وقف تدفق السلاح من الإمارات إلى قوات الدعم السريع وعدم مساواة الجيش مع قوات حميدتي في المفاوضات وإلزامها بتنفيذ اتفاق جدة بالخروج من منازل المدنيين”.
وأردف: “العقوبات الأميركية تتويج طبيعي لعدم وجود استراتيجية واضحة من إدارة بايدن تجاه حرب السودان، وربما يمضي الرئيس المنتخب حديثا دونالد ترمب نحو خطط جديدة بوقف الحرب في السودان بالمرور عبر المملكة العربية السعودية والإمارات وهذا وارد جدا”.
البرهان ومفترق الطرق
وحول طريقة التعامل مع العقوبات الأميركية سيما التي طالت عبد الفتاح البرهان أخبر مصدر دبلوماسياً عمل مع الحكومة الانتقالية خلال الفترة من 2019 حتى 2021 (عيان) بأن القائد العام للقوات المسلحة السودانية ورئيس المجلس السيادي الحاكم الفعلي على الأرض في السودان سيما في مناطق سيطرة الجيش يعتقد أن التوجه شرق نحو موسكو والصين خيار مناسب للتخلص من العقوبات الأميركية، في حين أن الفرص أمامه لا تزال سانحة بإجراء إصلاحات سياسية بإيقاف الحرب مع وصول إدارة دونالد ترمب إلى البيت الأبيض.
يقول المصدر الدبلوماسي الذي عمل في هيئة الإيقاد، إن “إدارة بايدن تعمدت وضع العقوبات على البرهان قبل أيام قليلة من مغادرتها البيض الأبيض، حتى تجعله مضطرا لمراجعة خططه السياسية وكبح ضباط كبار من لديهم انتماء إلى الإسلاميين ولديهم صلة كبيرة بصفقة الأسلحة الكيمائية”.
وأضاف: “الأسلحة الكيمائية هي التي أجبرت الولايات المتحدة على الدخول إلى العراق لذلك لا تتهاون واشنطن ضد مستخدمي هذه الأسلحة والتقارير الأميركية، وثقت استخدام الجيش السوداني للأسلحة المحرمة دوليا مرتين خلال الحرب الحالية داخل الأراضي السودانية، وتخشى انتقالها إلى المرافق المدنيين ومناطق مأهولة بالسكان”.
اقتباس:
مورد الأسلحة الكيميائية محمد عبد الله المشمول بالعقوبات يطمح في لعب دور سياسي في حكومة البرهان
دبلوماسي
وتابع المصدر الدبلوماسي: “محمد عبد الله مقرب من البرهان والمشمول بعقوبات الخزانة الأميركية هو مورد الأسلحة الكيمائية، ويطمح في تقلد دور سياسي في الحكومة التي يعتزم البرهان تشكيلها عقب الاستحواذ على مدن جديدة سيما العاصمة السودانية وتراجع قوات حميدتي”.
وقال محمد صديق الباحث في مجال العلاقات الأميركية السودانية إن العقوبات التي أصدرتها الخزانة الأميركية تؤثر في الشعب السوداني فقط لأن الجنرالين يتقاتلان بإيعاز من قوى إقليمية تمنح لهما تعهدات بالحماية في مجلس الأمن الدولي كما فعلت الإمارات مع الجنرال محمد حمدان دقلو خلال شهر يونيو 2024 لم يتمكن أعضاء مجلس الأمن من التصويب على حصار قوات الدعم السريع للفاشر، وصدر القرار بشكل روتيني لذلك لجأت الولايات المتحدة إلى العقوبات الذكية.
عزلة دولية جديدة
ويرى صديق في مقابلة مع (عاين)، أن العقوبات الأميركية ستلحق الضرر بالشعب السوداني؛ لأن قائداً مثل عبد الفتاح البرهان سيلجأ إلى إحكام قبضته العسكرية والأمنية والبطش بالمعارضين المدنيين لسلطته والفاعلين الإنسانيين.
وصدرت العقوبات الأميركية بحق من تعتبرهم يؤججون الصراع المسلح بطريقة متدرجة منذ نهاية العام 2023 وهم علي كرتي الأمين العام للحركة الإسلامية والمتهم بالوقوف وراء دعم الجيش سياسيا وتجهيز المقاتلين، ويعرقل خطط الجيش للذهاب نحو المفاوضات إلى جانب ميرغني إدريس سليمان مسؤول الصناعات الدفاعية وقائد السلاح الجوي وقائد الاستخبارات العسكرية وأخيرا القائد العام للقوات المسلحة عبد الفتاح البرهان من جانب الجيش السوداني.
أما من جانب قوات الدعم السريع تشمل العقوبات الأميركية محمد حمدان دقلو “حميدتي” وشقيقه قائد ثاني الدعم السريع عبد الرحيم دقلو والقوني دقلو وعبد الرحمن جمعة وعلي يعقوب قائد قوات حميدتي في وسط دارفور الذي قتل في معارك الفاشر منتصف العام 2024 وعثمان حامد الشهير بعثمان عمليات القائد الميداني البارز بقوات الدعم السريع.
خفض طموحات الجنرالين
ويقول المستشار الإعلامي السابق لرئيس الحكومة الانتقالية فائز السليك، إن “العقوبات الأميركية ذات أثر معنوي وصفعة في وجه الجنرالين، لكنها على المستوى القريب تعرقل عملية السلام في السودان على نحو مؤقت”.
ويتابع السليك في مقابلة مع (عاين): إن “العقوبات ستعرقل عملية السلام مؤقتا؛ لأنها وصلت إلى مستوى القادة العسكريين سيما عبد الفتاح البرهان ومحمد حمدان دقلو بالتالي وجودهما على رأس القائمة يبعدهما عن أي توقيع سلام محتمل.
وتابع: “واشنطن وسيط في عملية المفاوضات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع والتقاليد السياسية والدبلوماسية تحظر مصافحة المسؤولين الأميركيين لأي مسؤول أجنبي موضوع على لائحة العقوبات أو اتهامات جرائم الحرب مثلما كانوا يتفادون مصافحة ومقابلة الرئيس المخلوع عمر البشير”.
ويرى السليك، أن العقوبات تبعد أيضا البرهان وحميدتي من أي دور سياسي، وقد تفتح الباب أمام الإطاحة بهما مستقبلا من موقع القيادة العسكرية برغبة الضباط في الرتب الأدنى في إزاحتهما عن المشهد كونهما يواجهان عقوبات دولية”.
وأردف السليك: “نص القرار الصادر من وزارة الخزانة الأميركية يحظر منح تأشيرات الدخول والمعاملات البنكية ومصادرة الأصول داخل الولايات المتحدة الأميركية للأجانب المشمولين بالعقوبات”.
واعتمد الرئيس الأميركي السابق جو بايدن الأوامر التنفيذية وإمكانية وضع قادة عسكريين وسودانيين على لائحة العقوبات الصادرة من وزارة الخزانة الأميركية مطلع مايو 2023 بعد ثلاثة أسابيع من اندلاع القتال بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، ومن الناحية الإجرائية تعلن وزارة الخارجية الأميركية العقوبات الصادرة من وزارة الخزانة لتقييمها سياسيا ودبلوماسيا.
تأخرت كثيرا
ويقول المحلل السياسي والكاتب الصحفي الجميل الفاضل لـ(عاين): إن “العقوبات الأميركية قضت على المستقبل السياسي لقائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان وقائد الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو؛ لأنهما سيُبعدان من أي دور سياسي طالما أنهما لن يتمكنا من الدخول الولايات المتحدة الأميركية، ولا يمكنهما لعب دور سياسي مع هيمنة الولايات المتحدة على العالم.
وأضاف: “العقوبات وقفت حائط صد أمام طموحات الجنرالين نحو السلطة على أنقاض الحرب السودانية التي ارتكبت خلالها انتهاكات وفظائع بحق المدنيين”.
السودان مقبل على فترة صعبة ومعقدة، وربما تعود فترات معاداة الغرب
محلل سياسي وكاتب صحفي 
ويقول الفاضل: إن “الجنرالين سيعززان سلطاتهما، ويحاولا الحصول على مكاسب سياسية لإبعاد شبح العزلة الدولية ما يعني أن السودان قد يكون مقبلا على فترات تشبه عهد الرئيس المخلوع عمر البشير الذي تلاعب بمستقبل السودانيين بالرهان على معاداة الغربيين مقابل البقاء في السلطة”.
ويشير الفاضل، إلى أن العقوبات الأميركية شملت كل شخص له نفوذ سياسي على قرارات الحرب في السودان من الجيش وقوات الدعم السريع بالتالي لا يمكن للجنرالين أن يضمنا تحمس القادة العسكريين والسياسيين للاستمرار في الحرب مع سيف العقوبات المسلط على الجميع.
وقلل قائد الجيش السوداني ورئيس مجلس السيادة الانتقالي عبد الفتاح البرهان بالتزامن مع العقوبات الأميركية التي صدرت بحقه من هذه الإجراءات ومع ذلك فإن مستقبل الجنرال الطامح نحو السلطة قد يكون معرضا لخطر الانقلاب العسكري وفق محمد آدم الباحث في الشأن الاستراتيجي.
مستقبل الجنرالين
يرى آدم في مقابلة مع (عاين)، أن العقوبات الأميركية تشكل خطرا كبيرا على مستقبل قائدي الجيش والدعم السريع. أما بشأن البرهان جاءت لرفضه الانضمام إلى مفاوضات جنيف في أغسطس الماضي، وتعمدت إدارة بايدن المنتهية ولايتها هذا الأسبوع من وضع عراقيل على طريق عبد الفتاح البرهان قد تلازمه طيلة حياته السياسية والعسكرية، ولن يتمكن من إجراءات لقاءات مهمة مع المسؤولين الغربيين، ولن يسمح للمسؤولين الأميركيين الذين يزورون السودان بمقابلته كما كان يحدث مع المخلوع البشير.
ويوضح آدم، أن ردود الأفعال التي صدرت من حكومة عبد الفتاح البرهان في بورتسودان لم تكن على قدر المسؤولية إزاء العقوبات الأميركية، ولا يمكن التقليل بشأنها مهما صور مستشاريه له الأمر؛ لأن وزارة الخارجية السودانية فشلت في إسداء النصائح للبرهان عندما رفض الذهاب إلى مفاوضات جنيف.
ويقول الباحث في الشأن الاستراتيجي محمد آدم إن “العقوبات الأميركية تعقد الأزمة السودانية لطالما كان الأنظمة العسكرية تتمسك بالسلطة، وتفرض إجراءات الطوارئ لقمع المعارضين والاحتجاجات الشعبية، وهذا ما حدث مع البشير حتى أطاحت به ثورة ديسمبر الشعبية بالمقابل، فإن البرهان وحميدتي لم يستغرقا الكثير من الوقت ليصلا إلى مرحلة البشير قبل مرور أعوام قليلة على تقلدهما قيادة الجيش والدعم السريع”.
 البرهان بدا مضطربا ومنزعجا من العقوبات الأميركية
باحث 
وأضاف: “الدول الإقليمية تفضل عادة وجود مسؤولين لديهم سجل العقوبات الدولية أو الأميركية، حتى يحققا مصالحهما مقابل وعود بحماية الجنرالين من الملاحقة أو إبعاد العزلة الدولية عنهما، وهذه المسألة تنطبق على البرهان إلى حد كبير الذي بدا مضطربا ومنزعجا منذ توقيع العقوبات الأميركية، وخرج إلى الشارع يصافح المواطنين في عطبرة وأم درمان لمرتين خلال أسبوع واحد وكأنه يقول إنه يملك شعبية كبيرة”.