إلى أين يتجه ملف السلام في السودان؟

عاين- 9 ديسمبر 2024

تزداد المخاوف يوما بعد يوم من تحطيم الحرب في السودان رقما قياسيا في عدد الضحايا المدنيين، ومع استمرار المعارك فإن وقف الصراع المسلح في هذا البلد مرهون بالتدخلات الإقليمية والدولية خلال الفترة القادمة فما هي أبرز هذه التطورات؟.

تدخل الحرب شهرها الـ 20 وأدت إلى نزوح نحو 11 مليون شخص بنهاية هذا العام من 6 مليون نازح في مثل هذا الوقت من العام الماضي كما قتل عشرات الآلاف من المدنيين بسبب المعارك العسكرية والآثار الناتجة عن الصراع المسلح مثل الوبائيات والجوع وانعدام الرعاية الصحية.

خلال الأسبوع الأول من ديسمبر الجاري التقى وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي مسؤولي مجلس السيادة السوداني ببورتسودان، وناقش ملفات موضوعة على الطاولة أبرزها استضافة بلاده مؤتمرا العام القادم لإدارة حوار بين القوى والفصائل السودانية المدنية والمسلحة وإمكانية تحقيق أرضية مشتركة وهو المؤتمر الثاني من نوعه إذ تم عقد خلال هذا العام في العاصمة المصرية.

تحرك دولي فاتر

أما في أروقة المجتمع الدولي فإن الولايات المتحدة بتأييد منها انخرطت في اجتماع الرباعية وهي الآلية الدبلوماسية التي ضمت أربع دول هي الولايات المتحدة الأميركية والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية ومصر لبحث الحلول السلمية إزاء حرب السودان على هامش اجتماعات مجموعة السبع في إيطاليا في 26 نوفمبر 2024 ناقشت الرباعية وقف الصراع المسلح في السودان ونزع السلاح وإحياء العملية السياسية.

الاجتماع الذي جرى في إيطاليا على هامش مجموعة السبع جاء بمشاركة وزراء خارجية الولايات المتحدة الأميركية ومصر والمملكة المتحدة والإمارات العربية ركزت على تهدئة الوضع في السودان وإيصال المساعدات الإنسانية ومن ثم الانتقال إلى إمكانية وقف إطلاق النار.

خلاف سعودي إماراتي حول مفاوضات السلام السودانية المرتقبة في يناير المقبل

مصدر دبلوماسي

وحسب مصدر دبلوماسي، اختلفت السعودية والإمارات خلال اجتماع الرباعية على مكان استضافة المفاوضات المرتقبة خلال يناير القادم بينما تتمسك الرياض بإحياء منبر جدة شددت أبوظبي على ضرورة الذهاب إلى منبر جنيف لاستئناف المحادثات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع لإدخال المساعدات الإنسانية ووقف إطلاق النار.

وأضاف المصدر الدبلوماسي في مقابلة مع (عاين): “الموقف السعودي يؤيد الجيش الموحد في السودان بينما الإمارات لا تريد أن تختفي الدعم السريع من المشهد العسكري والسياسي والاقتصادي من خلال عملية الدمج والتسريح فهي تريد أن تكون هذه القوات موجودة لذلك لدى أعضاء مجلس السيادة بقيادة البرهان رغبة تتنامى يوميا للتواصل مع أبوظبي وإبرام تفاهمات تحقق اختراقا لصالح الطرفين”.

إزاء التحرك الدولي الذي وصفه دبلوماسيون سودانيون بـ(الفاتر)، فإن هناك اتجاها قويا سيما بين الولايات المتحدة الأميركية والمملكة العربية السعودية ومصر لعقد مفاوضات بين الجيش وقوات الدعم السريع خلال مطلع العام 2025 وقد تعقد المحادثات بين شهري يناير وفبراير من العام الجديد حسب مصادر دبلوماسية.

ويؤكد المصدر الدبلوماسي الذي تحدث لـ(عاين) أن الولايات المتحدة الأميركية ومصر لم تتمكنا من اتخاذ موقف واضح حيال الانقسام السعودي والإماراتي بين منبر جدة وجنيف سيما وأن تمسك الجيش السوداني بمنبر جدة يجعل الطرف الإماراتي أكثر إلحاحا لنقل المحادثات إلى جنيف.

فيما يقول مصدر حكومي تحدث لـ(عاين) إن زيارة وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي إلى بورتسودان تتعلق بدعم العلاقات بين السودان ومصر وسلم قائد الجيش ورئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان رسالة خطية من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وفي “إطار دعم شرعية مجلس السيادة الانتقالي”.

قائد الجيش السوداني بقاعدة جبيت العسكرية قبل طائرة سقوط مسيرة في المكان- 31 يوليو 2024

ويوضح المصدر الحكومي، أن مجلس السيادة الانتقالي لديه تحفظات على مشاركة الإمارات في أي دور بخصوص وقف الحرب في السودان لأنها تقدم المساعدات العسكرية لقوات الدعم السريع بالتالي لا تعتبر وسيط موثوق به.

ولوقت طويل تحدث مسؤولون في الحكومة المدعومة من الجيش السوداني من مقر العاصمة البديلة في بورتسودان شرق البلاد عن الاستمرار في المعارك الحربية إلى حين القضاء على قوات حميدتي عسكريا. ومع تأرجح القتال وسط البلاد واقليم دارفور فإن أوضاع ملايين المدنيين باتت على المحك بفقدان المأوى إلى جانب النزوح والعنف الجنسي الذي طال مئات السيدات والفتيات في ولاية الجزيرة الشهر الماضي بواسطة قوات حميدتي- حسب اتهامات غرف الطوارئ ولجان المقاومة.

تناقضات ومصالح متقاطعة

ويقول المحلل السياسي عبده مختار، إن “قائد الجيش عبد الفتاح البرهان باعتباره الطرف المنتظر منه الموافقة على الانخراط في المفاوضات متردد حيال هذا الأمر بين ضغوط الإسلاميين خاصة مع ملامح الانشقاق بين معسكرين كما إن الضغوط الغربية على البرهان ليست كبيرة بالتالي هو يستخدم هامش المناورة إلى حين تحسين الوضع الميداني للقوات المسلحة ضد قوات حميدتي”.

ويرى مختار، أن التيار الرافض للمفاوضات داخل مجلس السيادة الانتقالي يستغل انقسام المجتمع الدولي حول ملف السودان لأن مصر والولايات المتحدة الأميركية والسعودية والإمارات وبريطانيا ودول الجوار لا تملك رؤية موحدة وكل طرف لديه مصالح يريد وضعها ضمن الأزمة بالتالي يفتقر الفاعلون الدوليون لاستراتيجية الحل بشأن وقف إطلاق النار بين الجيش والدعم السريع.

تحالفات (البرهان) المتناقضة أوشكت على الانهيار وقد تدفعه للذهاب نحو التفاوض

محلل سياسي

ويرى مختار في حديث لـ(عاين)، أن البرهان تلقى أكثر من دعوة من مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة رمطان لعمامرة للانخراط في حوار لوقف إطلاق النار، ويحاول قائد الجيش إدارة الأمور المعقدة أمامه بنوع من التوازن رغم أن الوضع ميدانيا بالنسبة للجيش لم يتحسن كثيرا وقبل الانخراط في أي محادثات يسعى الجيش استعادة أجزاء واسعة من الخرطوم وولاية الجزيرة وهو مايفسر التصعيد العسكري بين الطرفين خلال الآونة الأخيرة.

وتابع: “الوضع معقد بالنسبة للبرهان لأن التناقضات والتحالفات السياسية التي أدارها لعامين أوشكت على الانهيار أمامه، وبالتالي عليه أن يتخذ قرارات راديكالية بالذهاب إلى التفاوض وفي هذه الحالة يخشى دفع الثمن والذي قد يصل مرحلة الاطاحة به بواسطة انقلاب داخلي. هذا التهديد يلاحق قائد الجيش من بعض التيارات السياسية المتنفذة داخل مفاصل القوات المسلحة “.

خيار عسكري

فيما يعزو أستاذ العلوم السياسية بالجامعات السودانية مصعب محمد علي، انسداد الأفق بشأن وقف الحرب في السودان إلى تمسك الجيش وقوات الدعم السريع بالخيار العسكري ومع رغبة كل طرف على زيادة رقعة المناطق الواقعة تحت سيطرته فإن الحديث عن التفاوض يتراجع كثيرا إلى الوراء وهذا الأمر يشعر به المجتمع الدولي تماما وهو الآخر يشعر بالعجز حيال التعامل مع الأزمة.

ويقول محمد علي لـ(عاين): إن “انقسام القوى المدنية السياسية أيضا يفاقم في تعقيد المشهد لأنها كانت ستساعد كثيرا في دفع الطرفين إلى طاولة المفاوضات بنزع شرعية الحرب”.

بقايا اسلحة بشارع فرعي داخل أحد أحياء مدينة أم درمان بالعاصمة السودانية

ويعتقد مصعب محمد علي، أن المجتمع الدولي فشل في منع تدفق الأسلحة إلى السودان لذلك يمضي الطرفان في حرب بلا هوادة مع تنامي الوجود الروسي خاصة في جلسة مجلس الأمن الدولي حيث استخدمت الفيتو ضد المشروع البريطاني الخاص بحماية المدنيين في السودان.

ملامح حكومتين

الفرق بين العامين 2023 و2024 في السودان يتجلى في نزوح 13 مليون شخص داخليا وخارجيا ووصول 7 ملايين شخص على أعتاب المجاعة ونقص التمويل الدولي للخطة الإنسانية ومع ذلك لم ينجح الفاعلون الدوليون في تسريع وتيرة الاتفاق الإنساني الذي وافق عليه الجيش والدعم السريع في جنيف خلال أغسطس الماضي.

20 شهرا من القتال تقود إلى ملامح حكومتين مع مؤشرات انقسام البلاد

باحث

 يقول معمر حسين، وهو باحث في مجال السلام، إن “عجز المجتمع الدولي سيما الدول المهتمة بالشأن السوداني وهي الولايات المتحدة الأميركية والمملكة المتحدة والسعودية ومصر قد تحول السودان إلى ساحة حرب إقليمية وفوضى عارمة وقد وتؤدي إلى نشوء حكومتين غير معترف بهما دوليا، وفي ذات الوقت قد تعملان خلف الكواليس مع المجتمع الدولي لتأمين مصالح الدول”.

ويشير حسين في مقابلة مع (عاين) إلى صعوبة نقل الجنرالين المتحاربين إلى طاولة المفاوضات في الوقت الراهن على الأقل لأن الجيش لا يزال يظن أن بإمكانه وضع النار تحت أقدام قوات الدعم السريع وتتطلع القوات المسلحة للسيطرة على ثلثي العاصمة السودانية والجزيرة على الأقل خلال مطلع العام 2025.

وتابع: “هناك مقترح أميركي لبدء المفاوضات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع خلال يناير 2025 لتوقيع وقف إطلاق النار وإيصال المساعدات الإنسانية بالعودة إلى مدينة جنيف السويسرية ويعتقد الأميركيون الفاعلون في الشأن السوداني أن الجيش لديه وضع ميداني يتيح له الحضور للمحادثات عكس الوضع في أغسطس الماضي”.

ويرجح حسين بقوة، وجود تواصل بين الجيش وقوات الدعم السريع في مرحلة من المراحل وهذا التواصل في نظره لم ينقطع وظل مستمرا إلى جانب الشعور الذي بات يسيطر على القوى السياسية من الانقسام الماثل في البلاد إلى بلدين خاصة مع استبدال العملة وتلويح الدعم السريع باستخدام الدولار الأميركي في مناطق سيطرتها وهي مناطق واسعة جدا تصل إلى حوالي ثماني ولايات.

ويعتقد أن هذه المخاوف قد تعجل بممارسة الضغوط المحلية على قادة الجيش والدعم السريع لإنهاء الحرب ووقف إطلاق النار.

قائد قوات الدعم السريع في مطار الخرطوم متوجها إلى روسيا، 23 فبراير 2022- الصورة وسائل اعلام سودانية

أما المحلل السياسي عبده مختار، يشير إلى أن توقف الحرب مرهون بالاستجابة لمخاوف الجنرالات والإسلاميين وقادة الدعم السريع أولا بوضع تعهدات دولية بعدم المحاسبة وقيادة مرحلة ما بعد الحرب على الصعيد الحكومي.

ويقول مختار، إن “الحرب في السودان لم تعد صالحة للاستمرار بشكلها الحالي إما أن يضع الجانبين البنادق أرضا أو أن تتجه الأمور إلى حرب أهلية عنيفة

وأردف: “خلال شهر ديسمبر قتل ما لا يقل عن 140 شخصا بسبب المعارك العسكرية التي تتمثل في القصف المدفعي والجوي”.

ومع تتطاول أمد الحرب في البلاد، تظل انظار السودانيين وآمالهم معلقة مع أي بادرة تفاوض من شأنها أن انهاء معاناتهم المستمرة منذ منتصف ابريل من العام الماضي.

أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *