مفاوضات (جدة والمنامة).. هل تقود إلى اتفاق يستبعد المدنيين ؟

عاين- 14 فبراير 2024

ضرب الطرفان المتحاربان في السودان – الجيش والدعم السريع- سياجا محكما على اجتماعات عُقدت في العاصمة البحرينية المنامة خلال يناير الماضي استغرقت ثلاثة جولات ووصلا إلى مرحلة وشيكة من وقف إطلاق النار قبل أن تنفض هذه الاجتماعات وسط اتهامات بتسريب عناصر السفارة السودانية في المنامة الموالية لتيار الإسلاميين معلومات التفاوض.

جاءت الاجتماعات السرية التي عقدت بين وفد الجيش السوداني برئاسة الفريق ركن شمس الدين الكباشي ووفد قوات الدعم السريع برئاسة نائب القائد الفريق عبد الرحيم دقلو في العاصمة البحرينية المنامة بترتيب من أجهزة المخابرات من الولايات المتحدة الأميركية والمملكة المتحدة ومصر والإمارات والمملكة العربية السعودية.

 تطمينات للسعودية

وحسب مصدر دبلوماسي سابق عمل مع حكومة حمدوك تحدث لـ(عاين)، فإن اجتماعات المنامة جاءت بترتيب مصري إماراتي وتحدثت الدولتان مع المملكة العربية السعودية وأرسلتا تطمينات للرياض أنهما لا تخططان لانتزاع الملف السوداني من منبر جدة بل تنويان العمل على تحقيق اختراق في المنامة والتي أُختيرت لأنها محايدة بالنسبة لطرفي النزاع المسلح.

ويشرح المصدر الذي فضل حجب اسمه، طبيعة الاجتماعات التي عقدت بين الجنرالين “الكباشي” و”دقلو” في المنامة بأنها تأتي لتحريك جمود المفاوضات المتعثرة في منبر جدة منذ مطلع ديسمبر 2023.

ويضيف: “الغرض من التحرك الإماراتي المصري هو تحقيق اختراق في الأزمة السودانية مع إدارة عملية سياسية عقب وقف الحرب ومنح المدنيين مستوى معقول من المشاركة أي ليس سلطة مدنية كاملة بل يضمن وجودا عسكريا على كابينة السلطة وطاولة القرار السياسي في الدولة”.

ولم يعلق الجيش والدعم السريع على الاجتماعات السرية في التي استضافتها المنامة خلال شهر يناير الماضي حيث انخرط الطرفان في ثلاثة اجتماعات خلال هذا الشهر.

إغلاق باب المدنيين

ويقول عضو لجنة تفكيك النظام وإزالة التمكين المحلولة، عروة الصادق لـ(عاين) إن الموقف الحالي للتفاوض ذات طابع إنساني أمني وتجاهل الجانب السياسي والاقتصادي. لكن المدنيون عملوا أولا على حث طرفي النزاع في السودان لوقف الحرب ولم يستجيبوا.

ويعتقد الصادق، إن اجتماعات المنامة بين الكباشي وعبد الرحيم دقلو وصلت إلى مرحلة اتفاق نهائي لوقف العمليات العسكرية لكن ما يصفهم بـ”أمراء الحرب” ضد أي اتفاق بين الجيش والدعم السريع كانوا بالمرصاد، وقامت عناصر من السفارة السودانية في البحرين بتسريب معلومات إلى الخارجية السودانية والإعلام.

تسريب معلومات التفاوض يُفسر ضبابية الرؤية داخل المؤسسة العسكرية بوجود تيار موالي للحركة الإسلامية وهو الذي يشدد على استمرار الحرب وآخر يفضل انهاء الحرب عبر المفاوضات.

وعما اذا كانت اجتماعات المنامة تستهدف عزل المدنيين عن أي مشاركة في مستقبل حكم السودان يجيب عروة الصادق بالقول: “وجود المدنيين في المنابر مهم حتى ولو كانوا كمراقبين لكن هناك أطراف سياسية دائما تفسد مشاركة المدنيين”.

ويضيف: “التحركات الجارية حاليا للقوى المدنية هي عملية تهيئة للمنصات المناهضة للحرب وإذا اتفق الطرفان على وقف إطلاق النار يجب أن تبدأ عملية سياسية تمكن المدنيين من الوصول إلى السلطة الكاملة”.

تتراوح مشاعر السودانيين في ظل استمرار الحرب ما بين الأمل والقلق فالأول يعني وقف الحرب والعودة إلى المنازل واستئناف الحياة العامة أم الثاني يعني استمرار القتال بين الجيش والدعم السريع والانزلاق إلى الفوضى.

وأفرزت الحرب مع تمدد رقعة القتال بين الجيش والدعم السريع واقعا اقتصاديا صعبا يواجه نحو ثمانية ملايين شخص في السودان إلى جانب بقاء 19 مليون طفل بلا دراسة منذ تسعة أشهر ومقتل 13 ألف من المدنيين بالغارات الجوية والقصف المدفعي والرصاص الحي.

ترك الجنرالين يتحكمان

ذكر مصدر دبلوماسي عمل في دول أفريقية خلال فترة حكومة عبد الله حمدوك الانتقالية في حديث لـ(عاين) أن اجتماعات المنامة بين الجيش والدعم السريع قد تحقق تقدما كبيرا لإطفاء جبهات القتال في السودان لكنها لا تختلف عن منبر جدة من حيث عدم منح المدنيين الأولوية في مستقبل الحكم خلال مرحلة ما بعد الحرب.

جنرالات السودان يتقاسمون جهازي المخابرات والشرطة لسيطرة مطلقة

ويرى المصدر الدبلوماسي، أن المدنيين يجب أن يعملوا على تكوين لجنة عسكرية مهمتها تقديم العون الفني لمسائل الترتيبات الأمنية والعسكرية والضغط على المجتمع الدولي لإيجاد موطئ قدم في المفاوضات التي ستعقد خلال هذا الشهر في منبر جدة بين الجيش والدعم السريع.

ويشدد المصدر الدبلوماسي على أن أي مفاوضات محتملة في منبر جدة يجب أن تضع خارطة طريق للترتيبات الأمنية والإصلاحات الجذرية في المؤسسة العسكرية وأضاف: “ينبغي أن لا يترك الأمر في يد الجنرالين وينبغي أن يذهب المدنيون إلى أبعد من ذلك بعدم وضعهما في مركز  القرار خلال فترة ما بعد الحرب”.

وحول مستقبل المدنيين في المفاوضات التي قد تجرى في منبر جدة بالمملكة العربية السعودية. قال المصدر: إن “رعاة منبر جدة يودون الوصول إلى مرحلة وقف إطلاق النار ولا توجد خطط فيما يتعلق بالعملية السياسية التي تتيح مشاركة المدنيين في تريتب حكم السودان بمعزل عن الجيش والدعم السريع”.

وأضاف: “لدي شكوك قوية أن منبر جدة لا يملك أي خطط عن الوصول إلى مرحلة الجيش الموحد ولا توجد رؤية واضحة عن مستقبل الدعم السريع بعد الحرب فيما يبدو أن ترك القوتين العسكريتين المتحاربتين دون حلول جذرية هو المفهوم السائد لدى الوسطاء السعوديين ولا يمكن أن يقتنع الجنرالين بأهمية تكوين جيش موحد عبر إصلاح جذري للمؤسسة العسكرية دون إشراك المدنيين في هذا القرار لأنه غالبا المدنيون أكثر حرصا  على ممارسة الضغوط عليهما – البرهان  وحميدتي”.

دول الإقليم تتجاهل المدنيين

بينما يرى الباحث السياسي كمال الطيب في حديث لـ(عاين)، أن المجتمع الدولي لا يتحمس إزاء مساعدة المدنيين على الوصول إلى الحكم المدني من خلال عملية سياسية تكون موازية لاي اتفاق محتمل على وقف إطلاق النار بين الجيش والدعم السريع سواء عبر “تفاهمات المنامة” أو عبر منبر جدة.

ويقول الطيب، إن “الانقسام الذي يسود بين المدنيين يطرح السؤال من هم المدنيون الذين يتعين عليهم مسك المقود في الحكم المدني ووضع الثقة لدى المجتمع الدولي أنهم جديرين بالبقاء في السلطة المدنية”.

ويضيف : “المجتمع الدولي خاصة الدول الغربية والإقليمية المهتمة بالملف السوداني تفضل حكما شموليا على ما يسمونها فوضى المدنيين حال وصولهم إلى السلطة في السودان”.

ويرى الطيب، أن الأطراف المتحاربة أو حتى الوسطاء الإقليمين والدوليين يستخدمون الكروت السائدة في أفريقيا وهي مقايضة الشعوب بالأمن والاستقرار مقابل التنازل عن الديمقراطية والحكم المدني هذا الأمر سيحدث في السودان إذا توقفت الحرب لن يجرؤ أحد على المطالب المتعلقة بالديمقراطية مفضلا الاستقرار عليها وهذا مؤسف لكنه الواقع.

تقاطع المصالح يعزل المدنيين

وتتفق أراء الطيب، مع الرأي الذي تبناه الباحث في شؤون الشرق الأوسط عبد الواحد كمبال الذي يعتقد أن قرار وقف الحرب بحوزة العسكريين من الطرفين – الجيش والدعم السريع- والمدنيون فقدوا أوراق الضغط لأن الاعتماد على الكتلة الجماهيرية غير متوفرة حاليا داخل السودان بسبب القبضة الأمنية والعسكرية والحرب التي شردت الملايين.

ويقول كمبال: إن “المجتمع الدولي لا يضع أولوية للحكم المدني في السودان حتى وأن تبنى هذا الخطاب علنا لأن حسابات السودان تختلف في الأجندة الدولية هناك اعتقاد أن المصالح الكبرى للدول الغربية يقوم بتأمينها الجنرالات فقط”.

ويذهب كمبال، إلى أبعد من ذلك ويقول إن ترتيب اجتماعات المنامة لا يضع في الاعتبار الحكم المدني وإشراك القوى المدنية في المفاوضات بقدر اهتمامه بوقف الحرب في السودان وتعيين الجنرالين لحراسة مصالحها في السودان.

غموض يثير شكوك المدنيين

ويقول عضو تحالف الحرية والتغيير المجلس المركزي، معتز محمد صالح لـ(عاين): إن “الاجتماعات بين الجيش والدعم السريع تركز على تحقيق اختراق ينقل الطرفين في منبر جدة إلى “موقف أفضل” وكسر جمود المفاوضات المتعثرة بينهما منذ شهور.

ويلفت معتز صالح، إلى أن اجتماعات المنامة جاءت بطريقة سرية جدا ورغم النوايا التي سادت بالنسبة للجهات التي رتبت هذه اللقاءات وهي جهات إقليمية لكن لا يمكن  بأي حال الوثوق في توطيد الحكم المدني في السودان إذا سارت الأمور بهذه الطريقة.

ويقول صالح، إن الحديث عن الحكم المدني في فترة ما بعد الحرب يبدو ظاهريا متداولا لدى بعض الوسطاء أو دول الإقليم لكن في حقيقة الأمر لا نرى حماسا تجاه منح المدنيين الأولوية في حكم البلاد.

"إعلان جدة" ... هل يكون أول خطوات وقف القتال في السودان؟

وأضاف: “من الواضح أن اجتماعات المنامة هي محاولة تسوية بين الجيش والدعم السريع بإيعاز من أطراف إقليمية تدعم كل طرف في هذه الحالة لن يجد المدنيون نقطة للولوج إلى هذه التسوية ناهيك عن وضع شروطها كما ينبغي أن يكون”.

وأردف صالح: “مثلا الإيقاد لديها رغبة لإشراك المدنيين لكنها أيضا تفضل التسوية أولا بين الطرفين المتحاربين في السودان ومن ثم في مرحلة لاحقة يمكن إقامة عملية سياسية وخارطة الطريق”.

وقال صالح: إن “دول كينيا وإثيوبيا التي لديها تأثير على الملف السوداني أيضا ترغب في إشراك المدنيين في صنع القرار في فترة ما بعد الحرب لا يشعر هذين البلدين بالقلق من الحكم المدني في السودان عكس بعض دول الإقليم التي لا تفضل وصول القوى المدنية الديمقراطية إلى السلطة لحماية مصالحها”.

تقاسم مستبعد للسلطة بين العسكريين

المتحدث باسم القوى المدنية الديمقراطية (تقدم) والعضو السابق لمجلس السيادة الانتقالي محمد الفكي سليمان في حديث لـ(عاين) يستبعد حدوث تسوية بين الجيش والدعم السريع خلال اجتماعات المنامة بإقصاء القوى المدنية من المشهد السياسي في فترة ما بعد الحرب.

وقال الفكي: إن “هناك عوامل كثيرة لا تسمح للطرفين المتحاربين في السودان اللجوء إلى تقاسم السلطة في فترة ما بعد الحرب على الرغم من التصريحات المتواترة من أعضاء في التيار الإسلامي”.