مسار المفاوضات وتحدي السلام في السودان

 

مسار المفاوضات وتحدي سلام في السودان

تقرير: عاين 16 يوليو2019م
لم يدم تفاؤل المواطنين السودانيين بمناطق النزاعات في جنوب كردفان والنيل الأزرق ودارفور بوضع حد للحرب والدمار والقتل في مناطقهم عقب سقوط الدكتاتور السابق عمر البشير، إذ برزت خلافات حادة بين قوى الكفاح المسلح والمجلس العسكري، بل وحتى بين جزء من حركات التمرد وقوي اعلان الحرية والتغيير التي تعمل معظم المعارضة السودانية تحت مظلتها. وأعلنت قوى مؤثرة من الحركات المسلحة كالحركة الشعبية قيادة (الحلو) وحركة تحرير السودان قيادة (عبد الواحد) رفضها للاتفاق الذي ينتظر توقيعه بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير، وقالت انه لن يفضي إلى سلام عادل في البلاد، واتهمت الطرفين اقتسام كعكة السلطة في البلاد.

فيما شكت بعض الحركات المسلحة المتحالفة مع القوى المدنية السودانية المعارضة في نداء السودان مما وصفته بعدم إشراكها في صنع القرارات الهامة وأخذ مقاعدهم في المفاوضات الجارية مع المجلس العسكري. ورغم تأكيدات قادة المجلس العسكري المتكررة على المضي قدما في تحقيق السلام، إلا أن تكرار الانتهاكات في أقاليم السودان المختلفة وعدم تسليم السلطة للمدنيين دفعت بظلال من الشك في رغبات المجلس العسكري في تحقيق السلام. 

انتشار السلاح الخطر الذي يهدد مستقبل السودان
يقول محمد الناير، المتحدث الرسمي باسم حركة تحرير السودان بقيادة عبد الواحد لـ(عاين) “الوصول إلى إتفاقية مع الحركة الشعبية السودان في نيفاشا استغرق عامين رغم الوسطاء، الضغوط الإقليمية، الدولية والإغراءات. فكيف يكون الأمر للتفاوض مع أكثر من حركة مسلحة، تعقيدات الأزمة، مسألة محاكمات المجرمين المتهمين بارتكاب جرائم إبادة، وجرائم حرب وتطهير عرقي؟

زمن قصير 

المجلس العسكري، وطرفه المفاوض الأكبر قوى إعلان الحرية والتغيير، توصلوا إلى إعلان خاص بالحرب والسلام. حيث وثيقة الفترة الانتقالية التي نصت على أن تكون الستة أشهر الأولى لبناء السلام. قابلتها الحركات المسلحة بردود أفعال مختلفة فمنها آمن على الوثيقة، وآخر رفض الاتفاق جملة وتفصيلا كأكبر مهدد له. وهو ما قد يُؤطر لاستمرارية الحرب بين الرافضين للاتفاق والحكومة القادمة. وسعت قوى إعلان التغيير ناحية الحركات لتقريب الشقة. وبالرغم من خروجها وبعض الأطراف المسلحة بمسودة تحقيق السلام في السودان. إلا أن هناك قوة حيوية فاعلة في العمل المسلح نأت جانباً ولم تكلف نفسها حتى عناء الوصول الى مقر الاجتماعات بأديس أبابا. 

ترى حركة تحرير السودان برئاسة (عبد الواحد نور) أن فترة الستة أشهر غير كافية لمناقشة قضية الحرب في السودان بكل تعقيداتها ومآلاتها والقضايا المتعلقة بها، ويقول المتحدث الرسمي باسمها (محمد الناير) لـ(عاين) الوصول إلى إتفاقية مع الحركة الشعبية السودان في نيفاشا استغرق عامين رغم الوسطاء، الضغوط الإقليمية والدولية، والإغراءات. 

وتسائل الناير “فكيف يكون الأمر للتفاوض مع أكثر من حركة مسلحة، تعقيدات الأزمة – مسألة محاكمات المجرمين المتهمين بارتكاب جرائم إبادة، جرائم حرب وتطهير عرقي، التعاون مع المحكمة الجنائية الدولية؛ قضايا النازحين واللاجئين، عودتهم إلى مناطقهم الأصلية؛ تعويضهم فردياً وجماعياً وطرد المستوطنين في مناطقهم”. كما تطرق الناير الى قضاية اخرى يفترض ان تناقش مثل “تفكيك المليشيات القبلية ونزع سلاحها، قضية الأرض والحواكير، هيكلة القوات المسلحة والأجهزة الأمنية الأخرى. الترتيبات الأمنية لقوات الحركات وغيرها من القضايا الأخرى المرتبطة بالحرب في فترة ستة أشهر”. مؤكدا بالقول “هذه فترة ليست كافية لحسن النوايا ناهيك عن سلام!”

لكن الحركة الشعبية بقيادة (مالك عقار) ترى أن فترة الستة أشهر تشكل اللبنة الرئيسة للوصول الى سلام وإقتلاع اسباب الحرب. ويري الناطق الرسمي باسمها (مبارك اردول) لـ(عاين) “في الستة أشهر تجربة ايجابية لم تحدث في تاريخ الثورات بالسودان”، وأضاف “يمكن أن تتم معالجة أسباب الحرب ومعالجتها بعد الوصول لاتفاق سياسي؛ ثم الدخول الى فترة التنفيذ الذي قد يمضي إلى ما بعد الست اشهر، ليناقش قضايا السلام مكتملة كالترتيبات الأمنية وقضايا اللاجئين والنازحين. وهي أمور مرتبطة ارتباط وثيق بالفترة الانتقالية”. موضحاً أن موقفهم في الحركة هو موقف قوى الحرية والتغيير. قاطعاً بأنه إذا كان لهم اي موقف سيكون في الإطار الداخلي وعبر القنوات الرسمية للتحالف. معتبراً الاتفاق بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير خطوة يمكن البناء عليها وتطويرها بإكمال النواقص.

تباين حملة السلاح بين مطرقة استمرار الحرب وسندان السلام
يقول إسماعيل أبو، مسؤول العلاقات الخارجية لتجمع قوى تحرير السودان نيابة عن التحالف لـ(عاين) “رفضنا الاتفاق بكل بساطة لان مطلب الشعب السوداني هو الدولة المدنية. الإتفاق يعني شراكة النظام القديم بوجهه الجديد المتمثل في المجلس العسكري”

جذور الأزمة

تحالف الكتلة التاريخية الذي يضم الحركة الشعبية بقيادة (عبد العزيز الحلو) وتجمع قوى تحرير السودان، ومؤتمر البجا التصحيحي، اعلن رفضه الصريح للاتفاق الوشيك بين المجلس العسكري والحرية والتغيير. وقال (إسماعيل أبو) مسؤول العلاقات الخارجية لتجمع قوى تحرير السودان نيابة عن التحالف لـ(عاين) “رفضنا الاتفاق بكل بساطة لان مطلب الشعب السوداني هو الدولة المدنية. الإتفاق يعني شراكة النظام القديم بوجهه الجديد المتمثل في المجلس العسكري “. موضحاً أن رؤيتهم ككتلة تاريخية للسلام في المقام الأول، ترتكز على مناقشة جذور الازمة السودانية التي قادت الى حمل السلاح، مشيرا الي أن هذه القضايا تتمثل في الكرامة، المظالم التاريخية، التهميش، والإقصاء الممنهج من قبل النخب السياسية في المركز لبقية أهل السودان. كما ذكر أبو مشاكل أخرى يجب حلها مثل إعادة السودان إلى أصله في الارث التاريخي وإحياء تراثه الثر وربطه بالحاضر، كذلك إعادة النازحين و اللاجئين إلى قراهم ومناطقهم الأصلية وتعويضهم افرادا وجماعات، من ثم اعادة الاعتبار لهم، ثم تأتي المصالحة الوطنية الجامعة بين جميع مكونات المجتمع السوداني. 

هبوط ناعم 

 كانت العاصمة الإثيوبية أديس أبابا. قد شهدت اجتماعاً ضم كتلتي نداء السودان وقوى اعلان الحرية والتغيير، برعاية الوساطة الافريقية للسودان. ناقش الاجتماع كيفية العبور من المرحلة الحالية، كما إفراد مساحة للحوار في فترة الستة أشهر المقترحة واحتواء التباينات التي ظهرت في التحالف، والتطرق الى قضايا المناطق المهمشة وتوحيد الجيش السوداني. لكن كيان الكتلة التاريخية استبق الاجتماع بالرفض، ووصفه بالاجتماع الداخلي الذي يضم المكونات المنضوية تحت قوى إعلان الحرية و التغيير والقوى الموقعة عليها؛ وهم في الأصل من قوى الإجماع الوطني، نداء السودان، الجبهة الثورية، بقية الأحزاب المدنية، وتجمع المهنيين. وقال أبو لـ(عاين) ” نحن في تجمع قوى تحرير السودان و حلفائنا في تحالف ميثاق الكتلة التاريخية السودانية غير معنيين بذلك”. وزاد أبو “لا اعتقد ان هناك شيء جديد و لا شيء يتغير لا اظن يخرجون بتوصيات وهذا مواصلة اجتماعاتهم التي كادت تهبط بهم في مشروع الهبوط الناعم”. مضت في ذات الاتجاه حركة تحرير السودان قيادة (عبد الواحد نور) قائلةً ” ليس لدينا علم بمخرجات اجتماع أديس أبابا ولسنا طرفا فيه، ولا تعنينا مخرجاته طالما هدفه إيجاد دعم للاتفاق الثنائي بين المجلس العسكري وقوي الحرية والتغيير”. وقال الناير : “أثبتت التجربة فشل سلام المحاصصة وتقاسم الكعكة، واي سلام لا يحس به المواطن في عيشه ليس بسلام”.

تباين حملة السلاح بين مطرقة استمرار الحرب وسندان السلام

 أهداف الثورة

 في ذات الوقت الذي وقفت فيه مجموعات حاملة للسلاح موقفاً رافضاً لإجتماع أديس أبابا، إلا أن هناك مجموعات اخرى. أقدمت على اديس ابابا جالسة مع قوى الحرية والتغيير؛ منها حركة العدل والمساواة التي أشارت إلى أن اجتماع أديس أبابا تناول قضايا جوهرية تطابقت مع مواقف الطرفين. وقال المتحدث باسم حركة العدل والمساواة، معتصم احمد لـ(عاين) “رؤية الحركة واضحة وتتمثل في مخاطبة أسباب الحروب؛ جذور الأزمة المتمثلة في اختلال موازين تقسيم السلطة والثروة، قضايا التنمية بجانب العدالة، التعويضات، الحواكير، التمييز الإيجابي، استخدام الوزن السكاني معيارا لتقاسم السلطة و ثروات البلاد، وعقد مؤتمر شعوب السودان للفصل فيما يتعلق بالمحاور المشار إليها”.

انتشار السلاح الخطر الذي يهدد مستقبل السودان

من جانبها اوضحت حركة تحرير السودان بقيادة (مناوي) ان موقفها من الاتفاق في أنه يحتاج لعملية توافق كل مكونات المعارضة المدنية منها والمسلحة. يضيف باسمها (محمد اوباما) لـ(عاين) “نحن كحركة نعتقد أنها تحتاج لنقاش وغربلة وإضافات وبعض التعديلات حتى يكون اتفاق متوافق عليه من كل السودانيين”. واتهم أوباما المجلس العسكري بالسير في خطى نظام ( البشير) موضحاً أن الإتفاق رسالة واضحة بأنهم (أي المجلس العسكري) غير معنيون بمسألة الحرب، وغير مستعدين لدفع فاتورة السلام الحقيقي، الذي يقود إلى الأمن والاستقرار وطي ملف الحرب.

الى ذلك قالت الحركة الشعبية قيادة (مالك عقار) انها جزء من اجتماع أديس أبابا ومتوقعة أن يخرج بنتائج ايجابية لتحقيق أهداف الثورة المتمثلة في حرية سلام وعدالة. وقال اردول لـ(عاين) “نحن نرى أن الاتفاق به نوع من الضعف يمكن تقويتها. نحن موقفنا مع الحل الشامل و أي اتفاق يجب أن يشمل كل حركات الكفاح المسلح الأخرى. ولابد من مناقشة جذور الأزمة بشكل متكامل لوقف الحرب نحن ندعم هيكلة القطاع الامني بشكل يحفظ وحدة السودان وقوميته. ويبقى الأمل معقوداً في الوصول الى سلام حقيقي في السودان بجلوس كافة الأطراف في حوار يناقش جذور الازمة وابتداع الحلول اللازمة لحلولها واسكات صوت البندقية”.