في اليوم العالمي للسلام.. حرب السودان ووعود سلام مهزوزة
عاين- 21 سبتمبر 2025
في منتصف ليل الرابع من يناير 2024، اقتحمت مجموعة مسلحة منزل معاوية سعد الله، تاجر الأواني المنزلية والمقيم في حي الحاج يوسف بالخرطوم. لم تكن تلك الليلة سوى حلقة في سلسلة من الاعتداءات المتكررة التي تعرض لها سكان الحي، وفق روايته.
“حاولت الدفاع عن نفسي مستخدمًا سيخة، لكن أحدهم، كان يقف بعيدًا بسلاح كلاشنكوف، أطلق النار عليّ وأصابني”، يروي معاوية من منزل والده في دنقلا بالولاية الشمالية، حيث يقيم طريح الفراش. رغم إصابته البالغة، استطاع أن يستنجد بالجيران حينها بالحاج يوسف بالتهليل والتكبير قبل أن يفر المعتدون.
لم تنته معاناته عند الإصابة. نُقل أولاً إلى مستشفى البان جديد حيث تمت السيطرة على النزيف، ثم أُحيل إلى مستشفى شرق النيل حيث مكث 27 يومًا. وتفاقمت أزمته باعتقال صديقه الذي رافقه إلى المستشفى من قبل قوة ادعت أنها تتبع للاستخبارات العسكرية للدعم السريع، وفقدان هاتفه، وتعرض منزله للسرقة لاحقًا. “قالوا بالحرف الواحد: لأنك قاومتنا، لن نترك لك شيئًا”، يوضح.
اليوم، يحتاج معاوية إلى عملية تركيب مفصل صناعي بتكلفة تقارب 10 مليارات جنيه سوداني، وهو مبلغ يعجز عن جمعه. ويقول: “الألم لا يتركني أنام، والمسكنات التي كانت تخفف عني لم أعد قادرًا على شرائها منذ قرابة عام. كل ما تبقى معي هو فواتير طبية وتقارير وخطاب دعم من لجنة الحي، أنا في انتظار معجزة”.
قصة معاوية التي تمثل جرح آلاف المصابين في الحرب، فإن ما تخلفه الحرب المستمر في السودان لأكثر من عامين من أزمات وصفت بالكارثية في مجالات عدة، يأمل السودانيون في إنهاء القتال ويتوقون للسلام.
واليوم، الحادي والعشرين من سبتمبر من كل عام، يحتفل العالم باليوم العالمي للسلام، لكن في السودان، يبدو هذا اليوم وكأنه صورة ساخرة عن واقع مرير. فبدلاً من أن يكون مناسبة للتضامن، تحول إلى منصة لإصدار بيانات متضاربة تكرس للانقسام.
فقد وجّه قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو “حميدتي”، رسالة فيديو في ذكرى اليوم العالمي للسلام 2023 أعلن فيها استعداد قواته ” لوقف إطلاق النار في جميع أنحاء السودان للسماح بمرور المساعدات الإنسانية والبدء في محادثات سياسية جدية”. وفي المناسبة نفسها، طالب الفريق أول عبد الفتاح البرهان، قائد الجيش السوداني، المجتمع الدولي بـ”تصنيف الدعم السريع كمنظمة إرهابية”.
هذا التناقض في الخطاب لم يكن مقصورًا على هذا العام. ففي سبتمبر 2024، أعاد دقلو التأكيد على “التزامه بمفاوضات وقف إطلاق النار”، بينما ركز البرهان على “محاسبة الخصم”. في حين ظل المدنيون، مثل معاوية وسكان الفاشر المحاصرة، يدفعون ثمن هذا الاستقطاب الذي لم يتحول إلى فعل ملموس على الأرض.
وأبرز مثال على التعنت الذي يطبع مواقف الأطراف هو ملف الممرات الإنسانية. فبالرغم من التصريحات المعلنة عن الاستعداد لفتحها، تُظهر الوقائع عرقلة متكررة لوصول المساعدات.
فقد وثّقت تقارير لمنظمة “هيومن رايتس ووتش” حوادث عدة تم فيها عرقلة قوافل المساعدات أو نهجها من قبل الأطراف المتحاربة. كما أفادت مصادر إنسانية عن ضرورة الحصول على “تصاريح أمنية متعددة ومتباينة من طرفين متنازعين”، مما يجعل عملية إيصال المساعدة “مهمة شبه مستحيلة” في العديد من المناطق، لا سيما تلك التي تشهد حصارًا مشددًا مثل الفاشر.
بينما يستلقي معاوية سعد الله في دنقلا يحلم بعملية جراحية تعيد إليه قدرته على المشي، ويشتد الحصار على أهل الفاشر بين الموت جوعًا أو قنصًا، تُرفع في العالم شعارات السلام، وسط أمنيات السودانيين وسؤالهم الدائم “متى يحل السلام في السودان”.