أهالي “النيل الازرق” يترقبون السلام في واقع متناقض لـ”الحلو وعقار”
تقرير: 24-يونيو2020
“يحاول البعض إضفاء صبغة قبلية على القضايا المطلبية في ولاية النيل الأزرق بحصرها في انتماءات قبلية ضيقة، والواقع أننا عانينا من نفس محركات الحرب والمبنية على أساس إثني وقبلي”، يقول المواطن بولاية النيل الازرق، سعد الله احمد، محذراً، ويضيف لـ(عاين)، ” نتطلع إلى سلام دائم، وليس فقط مسألة الترتيبات الأمنية، واستيعاب أبناء المنطقة في القوات النظامية وغيرها”.
في العام 2017 ظهرت الخلافات في الحركة الشعبية لتحرير السودان- شمال، والتي تقاتل الحكومة في ولايتي النيل الازرق وجنوب كردفان على إثر مفاوضات سلام أديس أبابا مع حكومة الرئيس البشير في ذلك الوقت، قبل أن تؤدي انقسام الحركة إلى فصيلين، لا يعترف أي منها بالآخر، ولم يقف الأمر عند تلك النقطة في ولاية النيل الأزرق التي أحداثاً دامية بين الفصيلين، وساهمت هذه الوضعية في تأزم الوضع الإنساني في الإقليم على نحو خاص.
توقعات ما بعد ثورة ديسمبر
حملت ثورة ديسمبر 2018 والتي انطلقت شرارتها الأولى من “الدمازين” حاضرة ولاية النيل الأزرق، حاملة آمال سكان المنطقة ورغبتهم في تحقق سلام شامل وعودة النازحين إلى أراضيهم وتحسن مستواهم المعيشي. ليعود السؤال القديم مجدداً عن كيفية تحقيق السلام، وتعود الحركة الشعبية إلى طاولة التفاوض. لكن مع عدة تغييرات؛ فالحكومة هذه المرة هي حكومة إنتقالية أتت بها ثورة ديسمبر، والأمر الآخر أن الحركة الشعبية تعود إلى التفاوض فصيلين؛ فصيل بقيادة عبد العزيز الحلو، وهو يسيطر على الأراضي الأكبر في كل من جنوب كردفان “كاودا” والنيل الأزرق، وفصيل يقوده مالك عقار الذي يوجد في أجزاء من النيل الأزرق وسط تباينات في توجهات كل طرف ويشبه الأستاذ المشارك في معهد دراسات السلام والتنمية والمحاضر في جامعة بحري د. جمعة كندة، المفاوضات الجارية كالتي جرت في عهد الرئيس المخلوع عمر البشير.
لكن كندة يعود ويقول لـ(عاين):” هناك نسبة أعلى من الإرادة السياسية؛ بإعتبار أن المفاوضات تجرى وليست هنالك حرب ومعارك ميدانية، وكل أطراف التفاوض تدعي أنها جزء من عملية الثورة والتغيير”.
معطيات الجديدة
وحول كيفية تأثير المعطيات الجديدة في عملية التفاوض التي تجري في جوبا، وهل ستؤدي إلى الوصول إلى تحقيق سلام شامل يكون هو الضامن لاستقرار إنسان المنطقة، ويعيد النازحين في المعسكرات المختلفة إلى أراضيهم وبناء سلام شامل وتعايش إجتماعي في الإقليم. يجيب الناشط المدني في قضايا السلام، سانديوس كودي، لـ(عاين)،:”التحديات التي تواجه المفاوضات تتمثل في أن الحركتين يختلفان بصورة جوهرية في نظرتهما للقضايا المطروحة، وتكمن الصعوبة هنا أنهما يفاوضان من نفس المنبر، ويناقشان قضايا نفس المنطقة، والمشكلة أنه في مرات كثيرة تتجاوز المواقف التفاوضية –بقصد أو دون قصد – طاولة التفاوض لتعبر عن جوهر الخلاف بين الحركتين”.
وتشير مجريات التفاوض الحالية إلى إقتراب توقيع إتفاق سلام مع الحركة الشعبية فصيل مالك عقار في مقبل الأيام وذلك بعد الإتفاق الإطاري الذي تم توقيعه ، والتي توجد في إقليم النيل الأزرق، بينما ما تزال المفاوضات متوقفة مع فصيل الحلو حول علمانية الدولة وحق تقرير المصير في جبال النوبة والنيل الأزرق.
وفي هذا السياق، يضيف سانديوس كودي:” لنمضي إلى الأمام، أي في حال توقيع اتفاقيتي سلام، فستظهر مشاكل جديدة في كيفية إنزالهما أرض الواقع. فستكون مثلاً قد تتفق الحركتان على ملف ترتيبات عودة النازحين والمساعدات الإنسانية وتخصيص نسب للحكم المحلي، لكن التعقيدات الكبيرة ستحدث في ملفات الترتيبات الأمنية. وهنا ينبغي البدء من سؤال كيف سيتم صياغة هاتين الاتفاقيتين في إتفاقية واحدة؟ وهو سؤال يحتاج إلى الكثير من العمل للخروج بإجابات على المستوى الكلي للاتفاقيات ومحاولة تقريب وجهات النظر بين الحركتين”.
وكانت ولاية النيل الأزرق قد شهدت نشاطاً لمجموعات وأجسام مدنية، عبر وقفات إحتجاجية وإصدار بيانات وذلك للضغط تجاه عملية السلام ووضعها كأولوية وحل القضايا الأساسية لإنسان المنطقة. وكان آخر نشاط عبارة عن مسيرة ووقفة احتجاجية قام بها نساء وشباب (ضحايا الحرب في النيل الأزرق) رافق الموكب إصدار بيان يعبر عن عدم الرضا عن الإتفاقية التي ستوقع بين الحكومة والحركة الشعبية بقيادة عقار وجاء في البيان أن الإتفاقية “لا تعالج القضايا الرئيسية لشعب الولاية، وإذ تمثل حلقة من حلقات التآمر ضد شعب الولاية، كونها تجاوزت الكثير من القضايا الجوهرية إلى جانب عدم شموليتها لبقية الأطراف المؤثرة والموجودة على الأرض”.
بخصوص الإتفاقيات الموقعة إلى الآن ومدى قربها من تحقيق السلام الشامل يشير، جمعة كندة: إلى “إن كل الإتفاقيات التي وقعت حتى الآن وإذا أردنا تقييمها بقربها للسلام الشامل في السودان، فلا يمكن أن تتجاوز ال20%، أي أن هنالك 80% خارجها، بإعتبار أن الحركات التي لها قوة سياسية معتبرة وتأثير عسكري وسيطرة على الأراضي هي خارج التفاوض حتى الآن. ويجب بدء التفاوض معها بمنهجية جديدة ورؤية جديدة للتقليل من المشكلات التي صاحبت مفاوضات السلام السابقة.
وعلى الحكومة عمل وثيقة تفاوضية تناقش قضايا السودان بشكل متكامل. وتقدم للحركات التي لم توقع إتفاقيات سلام. وفي حالة لم يحدث ذلك سننتهي بإتفاقيات سلام مجزئة ومتنافرة، وتحمل في نفسها كل عوامل تفجير الوضع في أي مرحلة من مراحل تنفيذ الإتفاقيات”. ويضيف كندة، “التقييم لعملية السلام حتى الآن هو أننا يمكن أن نصل لإتفاقيات سلام، لكن يظل السؤال هل ما يتم التوصل إليه من إتفاقيات سلام هو السلام؟ وهو ما لا يمكن الإجابة عليه بنعم”.
توقعات وآمال
وطوال سنوات الحرب فإن سكان النيل الأزرق بالإضافة إلى اللاجئين في المعسكرات بدولتي جنوب السودان وإثيوبيا هم الأكثر رغبة في السلام فهم الذين عانوا من الحرب في فقدان الأرواح والتهجير وتدهور الحركة الإقتصادية، ، وقد نشطت عدد من الأجسام والمبادرات المدنية في الولاية التي تهتم في المقام الأول بموضوع السلام وكيفية تحقيقه، وتسعى في سبيل ذلك إل تقريب وجهات النظر وحل الخلافات بين الحركة الشعبية بفصيليها، والوصول إلى إتفاقيات سلام تضع حلاً نهائياً لمسألة الحرب، وتحقيق سلام يمثل الأساس للتنمية، ومن هذه الأجسام (مبادرة أهل المصلحة، مبادرة الإخاء والإصلاح، ومبادرة نداء النيل الأزرق)، إضافة إلى عدد من المبادرات التي أطلقها لاجئون من الولاية من دولة جنوب السودان.
انقسام محلي
ويقول الباحث معاذ عيسى، أحد سكان الولاية لـ(عاين):” الجو العام في الولاية هو الرغبة في تحقيق السلام، وعدم حدوث أي حرب جديدة فيها. لذلك يرحب الأغلبية بأي خطوة في تحقيق ذلك. فهنالك قبول بالإتفاق الذي سيوقع مع مالك عقار باعتباره خطوة في عملية بناء السلام . لكن في نفس الوقت هنالك انتظار وأمل لاتفاقية السلام مع عبد العزيز الحلو بما يضمن وضع نهاية للحرب في الولاية”. ويقول عيسى :” حتى في حالة التوصل لاتفاقيات سلام، فإن إنفاذها يتطلب عملاً مشتركاً بين الحركتين والمكونات الإجتماعية المختلفة في سبيل تحقيق السلام الشامل”.