الشرطة السودانية …إصلاحات تصطدم بـ “بيادق” العسكريين
27 أبريل 2021
قُبرت الطفلة سماح بمدينة الصالحة غربي العاصمة السودانية الشهر الماضي بعد أن اخترقت خمس رصاصات جسدها وفق ما أفاد أطباء شرعيون نبشوا المقبرة بعد دفنها بيوم واحد.
الإجراءات التي اتخذتها الشرطة السودانية والتي بموجبها دفنت هذه الطفلة رغم إصابتها بخمسة رصاصات ويواجهة أبيها تهمة إطلاقها تُظهر حسب منظمات حقوقية مدى حاجة وكالات إنفاذ القانون في البلاد إلى إصلاحات عاجلة وجذرية.
وتحاول القوى المدنية إدخال إصلاحات إلى الشرطة السودانية، والعام الماضي وقعت قوى الحرية والتغيير مصفوفة زمنية مع المكون العسكري في مجلس السيادة الانتقالي لإحراز تقدم في إصلاح المؤسسة العسكرية من بينها الشرطة سيما بعد الانتهاكات العديدة والتجاوزات التي ظلت الشرطة ترتكبها من وقت لآخر.
“ثلاثة بنود رئيسية لإصلاح الشرطة الأول تخفيف التسليح والثاني دعم شرطة النجدة والعمليات والسواري لمنع وقوع الجرائم والثالث تطبيق المؤسسية“. خبير أمني |
هذا إلى جانب تصاعد الجرائم المتعلقة بـ النهب في شوارع العاصمة والمدن إلى جانب انتشار المسلحين في مناطق دارفور وجنوب كردفان والتي يواجه في معظم هذه الحالات جهاز الشرطة اتهامات بالتواطؤ والتلكؤ في إنفاذ القانون مع إشارات باتهامات بأن جهاز الشرطة ما زال في قبضة عناصر النظام المخلوع.
ويقول الخبير الأمني وعضو لجنة إصلاح الشرطة في مصفوفة العام 2020 التي وقعت بين تحالف الحرية والتغيير والمكون العسكري عمر عثمان في مقابلة مع (عاين) إن المصفوفة الموقعة بين “قحت” والمكون العسكري في أبريل 2020 نصت على إصلاح المنظومة العسكرية والأمنية ومن بينها الشرطة.
وأضاف : “رغم تشكيل لجنة مشتركة بين التحالف الحاكم والمكون العسكري إلا أن الإجراءات لم تحرز أي تقدم و الإصلاح شبه متعطل ولا ندري ما هي خطة الشرطة حول الإصلاحات المطلوبة .. أود أن أعرف هل تنوي تنفيذ إصلاحات داخلية”.
في الشهر الماضي وتحت ضغط الرأي العام اضطرت قوات الشرطة إلى تغيير مدير شرطة ولاية الخرطوم على خلفية تصريحات أدلى بها حول إعادة قانون وشرطة النظام العام سيئة السمعة.
-
استمرار الانتهاكات
ورغم أن الوثيقة تمنح الصلاحيات لرئيس مجلس الوزراء حول وزارة الداخلية إلا أن الإصلاحات التي تحققت في عهد عبد الله حمدوك لا ترتق لدرجة وصفها بـ المطلوبة. ويرى رئيس حزب المؤتمر السوداني وعضو مجلس شركاء الفترة الانتقالية عمر الدقير في مقابلة مع (عاين)، أن إصلاح الشرطة بيد رئيس الوزراء عبد الله حمدوك لأن الوثيقة كفلت له ذلك لكن رئيس الوزراء بطئ ولا يستجيب لدعوات إصلاح المؤسسة العسكرية.
ويعتقد الدقير، أنه من دون إصلاح الشرطة والمنظومة العسكرية لا يمكن تحقيق التحول الديمقراطي ولا يمكن معالجة الأزمة الاقتصادية ولا يمكن صعود سلم الديمقراطية في ظل بقاء المنظومة العسكرية والتي تشكل الشرطة عمودها الفقري بهذا الشكل الذي تركه الرئيس المعزول. وتابع الدقير : “الشرطة تعج بالتمكين وعناصر موالية للبشير والحركة الإسلامية ولا أدري ماذا ينتظر رئيس الوزراء من عناصر موالية للنظام البائد”.
في شهر فبراير الماضي اعترض موظف في شركة طيران محلية بمطار الخرطوم رجل شرطة من سلطات الجمارك أثناء محاولته تسليم حقيبة مليئة بالذهب إلى طائرة متجهة إلى مصر. باحث حقوقي: رفع الحصانة عن أفراد الشرطة من أعقد الإجراءات في الفترة الحالية وتنتهي غالبية التحقيقات المتعلقة بالانتهاكات إلى حفظ الملفات لأن الشرطة تماطل في رفع الحصانة عن منسوبيها.
“رفع الحصانة عن أفراد الشرطة من أعقد الإجراءات في الفترة الحالية وتنتهي غالبية التحقيقات المتعلقة بالانتهاكات إلى حفظ الملفات لأن الشرطة تماطل في رفع الحصانة عن منسوبيها“. |
عندما أبلغ موظف شركة الطيران سلطات الجمارك بالواقعة حاولت التستر عليها عقب ممارسة الضغوط تدخل مسؤول من وزارة الداخلية أوقفت رجل الشرطة وأحيل إلى التحقيق لكن رفع الحصانة عنه استغرق وقتًا طويلًا. ويقول الباحث في منظمة هيومن رايتس ووتش المعنية بمراقبة انتهاكات اجهزة الشرطة والأمن أحمد عثمان في مقابلة مع (عاين) إن رفع الحصانة عن أفراد الشرطة من أعقد الإجراءات في الفترة الحالية وتنتهي غالبية التحقيقات المتعلقة بالانتهاكات إلى حفظ الملفات لأنها تماطل في رفع الحصانة عن منسوبيها.
-
تفكيك الشرطة
يقول أعضاء الائتلاف الحاكم ان بنود إصلاح الشرطة اصطدمت بعقبة كوؤدة داخل المكون العسكري في مجلس السيادة الانتقالي وإدارات عليا في الشرطة تعرقل الإصلاحات.
من أبرز الملامح التي قدمتها قوى الحرية والتغيير لإصلاح الشرطة وفقا للمصفوفة التي وقعتها مع المكون العسكري في العام 2020 تفكيك إدارات الشرطة ومنحها الاستقلالية مثل شرطة السجون وشرطة الجمارك وشرطة الحياة البرية واستبدال العقيدة القتالية للشرطة إلى تطويرها كجهاز مدني لكن جميع هذه البنود اصطدمت بعقبة كوؤدة داخل المكون العسكري في مجلس السيادة الانتقالي وإدارات عليا في الشرطة تعرقل الإصلاحات كما يقول أعضاء الإئتلاف الحاكم.
ويضيف عمر عثمان عضو اللجنة : “من الصعب على مدير الشرطة إدارة قوات وإدارات بهذا الحجم لابد من تفكيكها ومنحها استقلالية لأن السجون إدارة قائمة بذاتها ولا تتناسب مع وضع الشرطة أما الجمارك مؤسسة مدنية ينبغي أن تكون تحت ولاية وزارة المالية”. كما وضعت المصفوفة بنود وصفتها بالمهمة لإصلاح الشرطة بتخفيف عملية التسليح التي نفذها النظام البائد في هذا الجهاز وركزت البنود على أن مهمة الشرطة تتعلق بإنفاذ القانون ولا علاقة لها بالتسليح الكبير إلا في حدود حماية الجندي ومنع وقوع الجريمة.
ويشدد الباحث في منظمة هيومن رايتس ووتش، أحمد عثمان على أن الشرطة منذ العام 2019 ومنذ تشكيل الحكومة الانتقالية لم تكف عن ارتكاب انتهاكات جسيمة وقمع المتظاهريين السلميين في العاصمة السودانية والمدن الأخرى وقمع تحركات المحتجين لدرجة مقتل اثنين في جسر المنشية شمال العاصمة في أكتوبر الماضي برصاص الشرطة.
“إصلاح الشرطة يواجه بمقاومة شرسة من داخل المؤسسة العسكرية لكن لا بديل للقوى المدنية سوى السير في حقول الألغام وممارسة ضغوط على المكون العسكري لتحقيق الإصلاحات المطلوبة وتحويل الشرطة إلى مؤسسة معنية بحماية المواطن وتنفيذ القانون“. رفعت مكاوي عضو مركز إنصاف للعدالة |
نظريا تتبع لـ “التنفيذية”
ورغم أن عضو مجلس شركاء الفترة الانتقالية عمر الدقير، وهو أحد مفاوضي قوى الحرية والتغيير مع المجلس العسكري في أغسطس 2019 والتي نتجت عنها الوثيقة الدستورية يشدد على أن وزارة الداخلية تحت صلاحية رئيس الوزراء عبد الله حمدوك إلا أن المحلل القانوني وعضو مركز إنصاف للعدالة رفعت مكاوي، يرى أن تبعية وزارة الداخلية إلى السلطة التنفيذية على الصعيد النظري فقط لكن عمليا تتبع إلى المكون العسكري في مجلس السيادة الانتقالي يقول مكاوي لـ(عاين).
وينوه إلى أن إصلاح الشرطة يواجه بمقاومة شرسة من داخل المؤسسة العسكرية لكن لا بديل للقوى المدنية سوى السير في حقول الألغام وممارسة ضغوط على المكون العسكري لتحقيق الإصلاحات المطلوبة وتحويل الشرطة إلى مؤسسة معنية بحماية المواطن وتنفيذ القانون.
وتتخوف القوى المدنية من أن دفعات بأكملها من ضباط الشرطة تدين بالولاء لتنظيم الإسلاميين وتم قبولهم في الكليات بناءاً على توصيات صادرة من قيادات الحركة الإسلامية. خبير أمني: ثلاثة بنود رئيسية لإصلاح الشرطة الأول تخفيف التسليح والثاني دعم شرطة النجدة والعمليات والسواري لمنع وقوع الجرائم والثالث تطبيق المؤسسية.
لكن الخبير الأمني عمر عثمان، يقلل من هذه المخاوف، ويقول “تحولت الشرطة إلى مؤسسة واُستبدلت عقيدتها إلى جهاز معني بحماية المواطن وتنفيذ القانون بدلًا من الايدلوجيا التي تأثرت بها الشرطة جراء سياسات التمكين ثلاثون عاما كانت الشرطة من أكثر الجهات التي نفذت فيها إقالات للكوادر المؤهلة واستبدالها بموالين للتيار الإسلامي”.
ويضع عمر عثمان، ثلاثة بنود رئيسية لإصلاح الشرطة الأول تخفيف التسليح والثاني دعم شرطة النجدة والعمليات والسواري لمنع وقوع الجرائم والثالث تطبيق المؤسسية. وتابع في مقابلة مع (عاين): “وزارة الداخلية تهمل شرطة النجدة وتركز على الإدارات التي تجلب الإيرادات المالية مثل الجوازات والجمارك وإذا ذهب إلى مجمع خدمات الجمهور ستلاحظ الفرق بينها وبين قسم الشرطة والحراسات”. وتواصلت (عاين) مع المتحدث الرسمي باسم قوات الشرطة السودانية عمر عبد الماجد وطرحت عليه الأسئلة المتعلقة بالإصلاحات لكنه اعتذر عن الرد.