أي مسار يسلكه السودانيين لإسقاط العسكريين؟
24 نوفمبر 2021
بين حدثين مهمين في تاريخ الثورة السودانية، الأول بإنقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر الماضي، وتوقيع رئيس الوزراء المعزول بأمر الانقلاب عبد الله حمدوك أتفاقا في الحادي والعشرين من نوفمبر الجاري، يُصعد الشارع السوداني من موقفه الرافض للإنقلاب العسكري وا تبعه من اتفاق سياسي.
في غمار التصعيد الثوري وحراك الشارع المصمم على إسقاط الحكم العسكري وتحقيق مدنية الدولة تتحرك العديد من الأسئلة في شأن البرنامج المطروح لاستكمال مهام الثورة في ظل تعدد الرؤى التي هي بحاجة للمزيد من التجويد وفقا لمتطلبات القوى الثورية الفاعلة في الشارع السوداني.
تجمع المهنيين السودانيين الذي قاد الحراك الثوري في سبتمبر 2018 والذي أسفر عن الاطاحة بنظام الرئيس عمر البشير طرح ميثاقا سياسيا يقول انه جاء بعد توصله إلى أن السلطة في السودان سلطة عسكرية.
ويعتقد المتحدث الرسمي باسم تجمع المهنيين، أن القوى السياسية والقوى الشعبية السودانية تحتاج لإعادة بناء فيما بينها وطريق بناء الثقة هو مزيد من الشفافية، ومع ذلك لم يعرض الإعلان السياسي للتجمع على أحزاب سياسية إلى الآن ، والمستهدف بالميثاق هي القواعد الشعبية الحقيقية من لجان المقاومة وقواعد الاحزاب وهذا تحصين للإعلان من الاختطاف من بعض الانتهازيين واصحاب التقديرات الخاطئة .
ويقول الوليد لـ(عاين)، “الميثاق السياسي المطروح من التجمع يطور اعلان الحرية والتغيير ويوسعه ومن ثم وثيقة دستورية جديدة ليتم اسقاط الشراكة بوثائق مكتملة”.قبل أن تدلف للرؤية السياسية المطلوبة في المرحلة الحالية، تطرح الكاتبة والمحللة السياسية رشا عوض سؤالاً رئيسيا حول التيار السياسي الذي سيقود النضال من أجل مدنية وديمقراطية الدولة وتحقيق أهداف الثورة بشكل.
وتضيف عوض لـ(عاين)، “البسالات والتضحيات وحدها لن تنزع السلطة من الانقلابيين وتبلور البديل السياسي الجديد بل نحتاج الى تيار سياسي منظم تكون له رؤية واضحة وأدوات نوعية وفعالة للعمل النضالي لأن عملية انتزاع السلطة من قوى انقلابية قاشمة متمرسة على القتل والألاعيب السياسية يحتاج الى تيارات سياسية منظمة ومؤسسات مجتمع مدني راسخة في العمل المؤسسي والتنظيمي والسياسي ورؤى وخطط سياسية واضحة المعالم” .
قيادة موحدة
يقول تجمع المهنيين السودانيين انه يعمل وفق ما طرحه من ميثاق سياسي ان تكون هناك منصة وقيادة واحدة للشارع السوداني ولا يسيطر جسم بعينه وسيكون كل ممثلي الشارع السوداني في قيادة الحراك ما بعد إسقاط حكم العسكر ، و تجمع المهنيين منذ أن خرج من المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير وأعلن خروجه لايعني ذلك خروجه من قضايا الشارع السوداني بل غادر الكتل التي ترعى المصالح الضيقة لسياسين محددين مصالحهم عابرة لقواعدهم حيث لم يعد المجلس يمثل الشارع ولا قواعد الأحزاب.
ويقول متحدث التجمع، ” نحن على قناعة في تجمع المهنيين بأنه لا ديمقراطية بدون أحزاب سياسية لكن يجب على الأحزاب السياسية أن تصلح ادواتها وتصبح قياداتها معبرة فعلا عن قواعدها في الشارع السوداني، ولم ينقطع تنسيق تجمع المهنيين بأي حال من الأحوال مع لجان المقاومة على مستوى الأحياء والتنسيقيات والكتل المشكلة بواسطة اللجان والاجسام الاخرى واللجان التمهيدية النقابية واللجان التسييرية النقابية وبعض الأجسام الفئوية والمطلبية وظل التنسيق مستمر حتى المواكب الاخيرة” .
معركة ليست سهلة
تنظر المحللة السياسية رشا عوض الى الوثائق السياسية في الساحة ومنها الوثيقة الدستورية التي تتأسس عليها الأوضاع القائمة حالياً في البلاد بأنها تصلح كاطار للعمل ولكن تحتاج الى مزيد من التفاصيل والتعديلات، وترى أن الوثيقة الدستورية فيها عطب كبير وامور كثيرة يمكن ان تكون معيقة للتحول الديمقراطي بالتالي لابد أن تكون هذه الوثائق مفتوحة على الحوار والنقاش والتغيير والتعديل.
“الانقلابيون مزقوا الوثيقة تمزيقا وابقوا النصوص المفصلة على مقاس سيطرتهم” تقول رشا عوض، وتشير الى ان الوثائق وحدها لا تكفي يجب ان تكون مسنودة بتنظيمات مؤسسية لها القدرة على الدفاع عن المطالب الشعبية والصمود في وجه الإغراءات لأن الزحف الانقلابي لم يتوقف يوما وسيظل، والانقلابيون في السودان وتحديدا المكون العسكري هم حراس لمصالح ضخمة اقتصادية و مكتسبات سياسية يجب ألا نستسهل المعركة معهم .
نقطة بداية
“عدنا الى نقطة البداية” تقول القيادية بقوى الحرية والتغيير المجلس المركزي، عبلة كرار معلقة على الانقلاب العسكري وما تلاه من عودة حمدوك، وتضيف مستدركة في مقابلة مع (عاين)، ” نحن موجودين في الشارع ونعلم ان الدرب طويل”.
وتشير كرار إلى انهم في التحالف الحاكم السابق، إلى أنهم لم يخبروا الحكم جيدا لكنهم يعرفون درب النضال جيداً، قبل ان تقلل كرار مما تسميه خطابا عنيفا ضد الاحزاب ظل يسوق له منذ العهد البائد في كل العهود وتتم شيطنة الأحزاب السياسية وهذه مسألة تراكمية يفقد المواطن على اثرها الثقة في الأحزاب وأي شخص لا يرغب في وجود الأحزاب لا يريد ديمقراطية.
نصف انقلاب
من ناحيتها تقول القيادية بحزب المؤتمر السوداني أحد فصائل الحرية والتغيير، عبلة كرار ، ان الاتفاق السياسي بين (حمدوك والبرهان) الذي تم بمبادرة سميت بالمبادرة الوطنية دون طموحات الحرية والتغيير ودون طموحات الشارع الحي الذي عبر عن رفضه للاتفاق الذي وصفته بالهزيل والاخطر انه اتى بحمدوك بتعيين مباشر من العسكر، هذا اتفاق ثنائي يمثل السيد عبد الله حمدوك ولا يمثل الحاضنة السياسية التى تجاوزها.
وتصف ان ماحدث عقد المشهد السياسي اكثر وزاد صعوبة اسقاط الانقلابيين، واعطى الانقلاب شرعية بمحاولة لكسب المجتمع الدولي الذي رحب بهذا الاتفاق الذي مثل خذلان كبير لمطالب الشارع، وحدث ذلك مع اقتراب تسليم السلطة للمدنيين حيث تكشف الخصم الموجود في الشراكة وقام المكون العسكري بترتيب لحاضنة جديدة مع بعض الحركات المسلحة والانقلاب على الشرعية الدستورية ، وأضافت “قوى الحرية والتغيير كانت محاصرة بالاعداء حتى لا تنجح في فترة الانتقال والمستهدف نجاح التجربة المدنية”.
ولكن الكاتبة والمحللة السياسية، رشا عوض، ترى أن الشارع السوداني مازال في حاجة للتماسك للوصول الى الدولة المدنية الديمقراطية التي تليق بالشعب وتطلعاته، والمدنية بالمعنى الحقيقي تفصلنا عنها مسافات بعيدة جداً ، وتقول في مقابلة مع (عاين) ان الاعلان السياسي الاخير الذي تم توقيعه بين الدكتور عبد الله حمدوك والفريق عبد الفتاح البرهان لم يستعيد المدنية وإنما هو ضرب من ضروب استعادة العملية السياسية الانتقالية بشكل جزئي وهذا غير مرضي لطموحات الشارع السوداني لا يمكن أن يقبل بنصف انقلاب بعد كل هذه التضحيات اما ان يدحر الانقلاب نهائياً ونعود الى مدنية الدولة واما يجب ان يستمر النضال الجماهيري.
أدوات مواجهة
وعن أدوات مواجهة الانقلابيين توضح رشا عوض ان وحدة الصف المدني الذي له قاعدة اجتماعية عريضة متماسكة وموحدة حول الأهداف والغايات الكبرى ولابد أن تتراجع طاقة الخلافات والشقاق البينية بين القوى المدنية الحادبة على التحول الديمقراطي والتراجع عن المصالح الحزبية والاعتبارات الضيقة ، والتحول الديمقراطي لن يتحقق إلا بالوحدة والتماسك وامتلاك المؤسسات الفاعلة المحصنة من الاختراق والمؤهلة فكرياً وتنظيمياً وسياسياً لخوض المعركة وتعقيداتها الكبيرة.
رشا عوض: المعركة مازالت طويلة ومعقدة ولكن الشيء الغائب هو وجود الفكرة المكتملة لما نريد تحقيقه وكيف يحقق ذلك بلغة الترتيبات الدستورية والسياسية.
ومن بين هذه القوى لجان المقاومة التي تعتبرها عوض، رأس مال وطني كبير يجب ان لا تفرض الوصاية عليهم وإنما أن تبادل الخبرات السياسية والتنظيمية والمؤسسية معهم، ولابد أن يكونوا جزء من الحركة الديمقراطية، وعمل لجان المقاومة تغلب عليه المبادرات والتطوع والعمل الفدائي المدفوع بالحماس لأهداف التغيير.
ودعت عوض، إلى ان هذه اللجان يفترض أن تعقد مؤتمرات قاعدية تمارس هي الديمقراطية وتنتخب قيادتها، تكون لها أشكال تنظيمية ورؤي سياسية واضحة وتلاحم مع بقية التيارات الفكرية في المجتمع، لأننا نحتاج توسيع قاعدة المشاركة التي تعني أن كل الأجسام لابد تلتف حول الأهداف الوطنية الديمقراطية المدنية .
انقلاب على سلام جوبا
قوى سياسية تواجدت في الساحة السياسية السودانية بموجب اتفاق جوبا لسلام السودان وبينها قوى وحركات مسلحة ساندت العسكريين في انقلابهم، لكنه وبعد الإنقلاب الذي انقض على الوثيقة الدستورية يحدد مدير مشروع الفكر الديمقراطي في السودان، شمس الدين ضو البيت بأن أي تقويض لبنود الوثيقة الدستورية هو تقويض لاتفاق سلام جوبا إذ لا يمكن فصلهما من بعض.
شمس الدين ضو البيت: الانقلاب الذي حدث تم قوّض الديمقراطية وهو انقلاب على السلام والديمقراطية.
ويشير ضو البيت في مقابلة مع (عاين)، إلى المادة (1-3) من اتفاق سلام جوبا تقول ان مرجعية سلام جوبا هو الوثيقة الدستورية وان السودان جمهورية ديمقراطية فيدرالية تقوم على الحقوق والواجبات والمواطنة المتساوية وبالتالي أي اعتداء أو خروج على الوثيقة هو في الواقع انقلاب على اتفاق جوبا لسلام السودان الذي يحوي بند ينبذ العنف والسلاح في العمل السياسي يمهد لنقل الحركات المسلحة إلى العمل المدني .
ويأسف ضو البيت لعدم تنفيذ اتفاق جوبا، سوى ثلاثة بنود من (270) بند ملزمة التنفيذ، ويقول “تم تنفيذ البند المتعلق بمشاركة الحركات المسلحة في مجلس الوزراء والسيادة ولكن هناك بنود متعلقة بمخاطبة جذور مشكلة الحرب الاهلية في السودان مع الاخذ في الاعتبار الترتيبات المتعلقة بالمناطق المتأثرة بالحرب والمناطق الأقل نموءاً والجماعات المتأثرة، هذه البنود لم يتم تطبيق أي بند منها وحدثت بفعل فاعل لغياب الإرادة السياسية والوجه الاستراتيجية لسلام جوبا هي تحول ديمقراطي نهائي مرتبط بالسلام، لا يمكن تحقيق سلام في ظل نظام ديكتاتوري ولا يمكن للديمقراطية أن تزدهر في ظل الحرب الاهلية” .
ويوضح ضو البيت، بأن الإطار الكلي الذي يسمح بالمشاركة هو الإطار الديمقراطي لذلك السلام لا ينفصل عن الديمقراطية، والآن بالانقلاب الذي حدث تم اجهاضها هو انقلابا على السلام والديمقراطية.