هل يضع قانون الانتقال الأمريكي شركاء حكم السودان في مواجهة أخرى؟
30 ديسمبر 2020
بين تعقيد للمشهد السياسي الانتقالي في السودان، وإنهاء سيطرة العسكريين وتفوقهم في في ادارة الحكم الانتقالي في البلاد، استقبل السودانيين بتباين في الآراء حول قرار الكونغرس الأخير المتعلق بدعم التحول الديمقراطي في البلاد، والداعي إلى إنهاء سيطرة الجيش على المؤسسات الاقتصادية.
وأقر الكونغرس الأميركي، مشروع قانون داعم للتحول الديمقراطي في البلاد، ويشدد الرقابة على قوى الأمن والاستخبارات السودانية، ويتضمن تقييماً لإصلاحات القطاع الأمني في البلاد من قبل الحكومة السودانية، كتفكيك الميليشيات، وتعزيز السيطرة المدنية على القوات العسكرية. وقد سمي هذا المشروع باسم «قانون الانتقال الديمقراطي في السودان والمساءلة والشفافية المالية للعام 2020»، وهو يحظى بدعم واسع من الحزبين الديمقراطي والجمهوري، لهذا فقد تم إدراجه ضمن مشروع التمويل الدفاعي الذي مرره الكونغرس بإجماع كبير من الحزبين. ويتحدث القانون عن مراقبة أموال الجيش والأجهزة الأمنية والعسكرية، وأصولها، وميزانيتها، والكشف عن أسهمها في جميع الشركات العامة والخاصة.
بينما جاء تصريح رئيس الوزراء عبدالله حمدوك، أن حكومته ترغب في تحويل الشركات المملوكة للجيش إلى شركات مساهمة عامة يمكن للجمهور للاستثمار فيها، أما رئيس المجلس السيادي عبدالفتاح البرهان، أكد ان الجيش حصر 450 شركة حكومية غير تابعة له، وما يعمل منها بصورة رسمية 200 شركة فقط، ونفى احتكار شركات الجيش تصدير السمسم أو المواشي او الذهب، والفاشلين هم من يريدون تعليق شماعة اخفاقاتهم الاقتصادية على القوات المسلحة.
تأثير على الشراكة
يرى عميد معهد الدراسات الاستراتيجية بجامعة ام درمان الاسلامية، صلاح الدين الدومة، ان قرار الكونغرس الامريكي بشأن إنهاء سيطرة الجيش على المؤسسات الاقتصادية، أنه قرار يجبر المجلس العسكري أن يعود لرشده، وقال صلاح الدين لـ(عاين) ان القرار الأمريكي يضغط على المجلس العسكري لتنفيذ الوثيقة الدستورية التي تحكم الفترة الانتقالية بعقلانية، لصالح التحول الديمقراطي، وايضا يجبر ما يسميه ب “المجلس الانقلابي” على الالتزام والعمل وفق الوثيقة، ويضيف أن جيوش العالم تستثمر في دولها، عندما تكون جيوشا طبيعية، وأوضح لن يؤثر هذا القرار على الشراكة بين قوى الحرية والتغيير والمكون العسكري، بل انه يجبر العسكر على الالتزام بما جاء في الوثيقة الدستورية.
ويقول الدومة لـ(عاين)، “المؤسسة العسكرية السودان بها خلل كبير، تخيل القائد الأعلى للجيش السوداني يحيي رئيس دولة تحتل أراضيه، أما فيما يتعلق بالاقتصاد، استثمارات الجيوش في الدولة تكون في المجالات العسكري، بأحكام وهناك رقابة على استثماراتها من قبل وزارة المالية.
إنهاء سيطرة العسكر
يرى القيادي في قوى الحرية والتغيير خالد بحر، أن قانون الإنتقال الديمقراطي في السودان والمساءلة والشفافية الذي إجازة الكونغرس الأمريكي مؤخرآ، انه سيساهم بشكل كبير جدا في دعم فترة الإنتقال الديمقراطي في السودان، وينهي سيطرة المكون العسكري على مفاصل السلطة، لأنه تحدث بصراحة عن ضرورة تقييد تدخل المؤسسة العسكرية في المجال الاقتصادي، والسيطرة المتوارثة لهذه المؤسسة على مقاليد الإقتصادي تلعب دور كبير في تباطؤ وتيرة الانتقال، وإعاقة حركة المدنيين للقيام هم بأدوارهم المفترضة في ظل حكومة مدنية انتقالية.
ويقول خالد لـ(عاين)، أن القانون وضع في منضدة الكونغرس قبل ما يقارب عام من الآن، إلا أن إجازته في هذا التوقيت تشكل عامل حاسم في المناخ السياسي المحتقن بين المكونين المدني والعسكري، يكشف أن المؤسسة العسكرية تناهض هذا القانون في الباطن، إلا أنها لا تُظهر ذلك في الظاهر بشكل كبير، خاصة أن البرهان أعلن اكثر من مرة أن المؤسسة العسكرية ليست لها استثمارات في القطاع الإقتصادي، وهذا حديث خالي من الحقيقة، ولكن رغم ذلك المؤسسة العسكرية وانحيازهم للمعتصمين في القيادة العامة ساهمت في لعب دور مفصلي في إسقاط النظام السابق، ونحن نعرف أن كلاسيكيات الانتقال السياسي تتطلب بالضرورة انحياز بدعم من المؤسسة العسكرية على الأقل في تجارب الثورات في العالم الثالث والسودان بوجه الخصوص.
الخروج من الحياة الاقتصادية
لكن المحاضر في الجامعة الأمريكية بالقاهرة دكتور حامد علي، يرى بأن على الجيش الخروج من الحياة الاقتصادية، والمكون المدني إدارة العجلة الاقتصادية كي تتحرك الموارد وتساعد في النمو الاقتصادي، وخلق التوظيف وتساعد في جلب العملات الصعبة. ويقول يفترض أن يكون القرار الامريكي قرارا وطنيا داخليا، وليس للولايات المتحدة الحق أن تطلب من بعض المؤسسات الخروج من الحياة الاقتصادية، يقول حامد لـ(عاين)، من الأفضل الاعتماد على الآليات والنظم الداخلية، وأن يكون هناك توافق بين جميع المكونات.
ويدعو حامد، لعدم الاعتماد على الخارج لحل مشاكل البلاد، ويقول “علينا الاعتماد على أنفسنا لحل المشاكل الداخلية الاقتصادية والامنية، وينصح حكومة حمدوك ان تتولي زمام الإصلاح الاقتصادي، والضغط في اتجاه بناء مؤسسات حقيقية، وايضا ينصح الجيش ان يهتم بادائه في مسألة الدفاع عن حدود البلاد، ويبتعد عن التدخل في الحياة السياسية، ويرى أنهم أفسدوا السياسة، وليس للجيش القدرة على الدفاع عن حدود السودان، لانه مشغولة بالعمل السياسي والبيزنس والشركات، ويوضح حامد، على الجيش الخروج من الحياة الاقتصادية والسياسية، والتركيز على حماية حدود السودان، وترك المجال للمجتمع المدني والقوى السياسية للتفاكر في سبيل ايجاد حلول للمشاكل الاقتصادية، يشير حامد إلى أن قرار الولايات المتحدة الامريكية، يدخل في إطار مزايدات القوى السياسية في الداخل، ومزايدة التيار المدني على التيار العسكري، في نهاية الامر ليس لها أثر، أمريكا لا تستطيع عمل كل شيء.
أهمية الشراكة
المتحدث باسم الجبهة دكتور محمد زكريا جميع الأطراف المشاركة في الفترة الانتقالية تعمل بخطى حثيثة لضمان نجاح هذه الفترة، مهما كانت العقبات على الطريق، وتقوم على شراكة متوازنة بين قوى الحرية والتغيير والمكون العسكري اضافة الى الجبهة الثورية باعتبارهم أطراف السلام، ويقول زكريا لـ(عاين) يجب توطيد العلاقة بضمان استمرار هذه الفترة، وتحقيق التحول الديمقراطي، كل المؤشرات أكدت اهمية الشراكة بين المكونات الثلاثة، اعطى مثالا لذلك، حادثة تورط هيئة العمليات في جهاز الامن والمخابرات الوطني، تصدت لها القوات النظامية من القوات المسلحة والدعم السريع.
فيما يتعلق بالقرار الأمريكي لإنهاء سيطرة الجيش على المؤسسة الاقتصادية في البلاد، يدعو محمد، الجميع إلى إعادة قراءة هذا القرار، أنه صادر من دوائر أمريكية هدفها الحفاظ على التحول الديمقراطي واغلاق الابواب امام الردة والعودة إلى العهود الدكتاتورية السابقة، يضيف هذا القرار أيضا قد يشكل تعقيد في المشهد السياسي، بعد ظهور التوترات في شرق السودان، مع وجود تناغم في المؤسسة العسكرية يدفع تحقيق أجندة السلام.
ويشير زكريا، إلى القرار يحتاج أن يتعامل معه بوعي، كذلك قد يولد مخاوف حقيقية، بتدخل أمريكي في الشأن السوداني، كما يحدث في فترة النظام السابق، يعتقد أن التخوف ليس مشروع ولكنه مبرر، باعتبار ان حكومة الفترة الانتقالية مدنية، وجود العسكر فيها مؤقت، وأيضا هذا القرار قد يعقد المشهد في البلاد، ويرسل رسائل قلقة الي القوات المسلحة أنها مستهدفة، وتتمثل خطورته في اضعاف الفترة الانتقالية، هذه الفترة تحتاج إلى قرارات واعية، من دون أن يكون هناك رد سلبي من الجانب العسكري، يؤكد زكريا اهمية العلاقة مع الولايات المتحدة الامريكية، ان السياسة الخارجية مبنية على لغة المصالح، في إطار التعامل مع الاخر، يكرر يجب اعادة قراءة هذا القرار من الجميع، بما فيها المؤسسة العسكرية، يجب ان نتذكر ان هناك تحول جديد داخل الولايات المتحدة الأمريكية، انتقال الحكم من الجمهوريين إلى الديمقراطيين، ربما يكون هناك تحول أمريكي جديد في الشأن، في فترة الرئيس الجديد جون بايدن، وينصح الدبلوماسية السودانية الجلوس الى الادارة الامريكية ومخاطبة مخاوفها بشأن هذا القرار، والعمل على بناء علاقات مهمة تحقق مصالح الاقتصادية في هذه الفترة وما بعدها.