برلمان ثوري .. أحلام السودانيين تتبخر
11 أغسطس 2021
بعد عامين من توقيع المدنيين والعسكريين في السودان على الوثيقة الدستورية الحاكمة والتي نصت على تشكيل المجلس التشريعي خلال 90 يوما لم تعد حتى البنود الخاصة بطريقة توزيع نسبة البرلمان الانتقالي في محلها ناهيك عن الالتزام بالمصفوفة الزمنية إذ أن اتفاق السلام الموقع في أكتوبر 2020 بين الوفد الحكومي الذي هيمن عليه العسكريين منحت الحركات المسلحة 75 مقعدا وهي نسبة 25% من المجلس التشريعي الانتقالي خصما من نسبة قوى الحرية والتغيير .
وعندما وقع العسكريون والمدنيون الوثيقة الدستورية في أغسطس 2019 لتقاسم السلطة الانتقالية نصت الوثيقة على منح المدنيين “قوى الحرية والتغيير” 67% من مقاعد المجلس التشريعي و33% من المقاعد تُقسم بالتشاور بين العسكريين والمدنيين. وفي ذلك الوقت رأى المدنيون أن استحواذ قوى الحرية والتغيير الحاضنة السياسية للسلطة الانتقالية على نسبة 67% من مقاعد المجلس التشريعي تقدما كبيرا لتحقيق أهداف الثورة.
خرق الوثيقة
لكن سكرتير الاتصال السياسي في الحزب الشيوعي وعضو وفد التفاوض بين المدنيين والعسكريين صديق يوسف، يعتقد ان ما حدث مؤخرا من تعديل الوثيقة ومنح الحركات المسلحة 25% من مقاعد المجلس التشريعي يعد خرقًا للوثيقة الدستورية. ويعلل يوسف ذلك بالقول إن الحركات المسلحة عندما تفاوض المدنيين والعسكريين كانوا جزءً من قوى نداء السودان وهي كانت كتلة داخل قوى الحرية والتغيير.
ويضيف قائلا : “نسبة الحركات المسلحة تأتي ضمن كتلة نداء السودان ولا تتجاوز 15 مقعدا في البرلمان الانتقالي لكنهم الآن حصلوا على 75 مقعدا خصما من نسبة قوى قامت بثورة ديسمبر وهي لجان المقاومة”. وتابع يوسف في مقابلة مع (عاين)، “حتى نسبة الـ 33% اتفقنا في قوى الحرية والتغيير على منحها للجان المقاومة أي أن البرلمان سيكون ممثلًا بشكل مطمئن بواسطة قوى حية قادت الحراك السلمي الذي أطاح بنظام الرئيس المعزول”.
المجلس التشريعي المزمع تشكيله اشبه ببرلمان النظام المخلوع، وبدلاً من تشكيل برلمان ثوري، تجرى المحاولات لتشكيل برلمان لن يكن حقيقيا وصلبا”- سكرتير الاستصال بالحزب الشيوعي، صديق يوسف.
ويُنتظر أن يتكون المجلس التشريعي من 300 مقعدًا وفي الشهور الأخيرة أجرت قوى الحرية والتغيير تحركات واسعة لتكوين البرلمان الانتقالي ونفذ وفد من المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير جولة على 18 ولاية سودانية.
دائرة الشك
حددت الحرية والتغيير نسبة تمثيل لجان المقاومة في المجلس التشريعي والتي بلغت بحسب تصريحات صحفية لقيادات بالائتلاف الحاكم (31) مقعدًا على أن تحصل كل ولاية على مقعد واحد عدا تنسيقيات لجان المقاومة ولاية الخرطوم التي خصصت لها (14) مقعدًا بواقع مقعدين لكل محلية.
ويشير عضو لجنة المجلس التشريعي بالمجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير أحمد حضرة لـ(عاين) إلى أن اللجنة بصدد استلام قائمة مرشحي لجان المقاومة للمجلس التشريعي. ويرفض حضرة الاتهامات التي تصدر بحق المجلس المركزي بعدم الاستقلالية في تكوين المجلس التشريعي موضحا أن اللجنة طرقت جميع الأبواب لتشكيل البرلمان الانتقالي بما يتوافق مع أهداف الفترة الانتقالية المتمثلة في العدالة والسلام والحرية.
ويوضح حضرة، بأن لجنة تكوين المجلس التشريعي في المجلس المركزي لتحالف الحرية والتغيير بصدد التواصل مع شركاء السلام “الحركات الموقعة على السلام” والمكون العسكري للشروع في تشكيل البرلمان الانتقالي لأنه تأخر كثيرا. وأضاف: “مطلع الشهر القادم يمكننا الوصول إلى عتبة المجلس التشريعي وإنجاز أهم أركان الفترة الانتقالية”. ويؤكد حضرة ان اختيار ممثلي الولايات في المجلس التشريعي يراعي نسبة السكان لكن في نفس الوقت هناك حرص على تمثيل جميع المناطق في المجلس التشريعي.
بالمقابل يقول الناشط في منظمات المجتمع المدني، الطاهر بدر الدين في مقابلة مع (عاين) إن المجلس التشريعي يجب أن يُراعي تمثيل الكتل الاجتماعية مثل النساء والنازحين والشباب الذين قادوا حركة التغيير. ويرى بدر الدين، ان تمثيل الأحزاب التي تشارك في الحكومة الانتقالية في المجلس التشريعي بمثابة”صدى للصوت الحكومي” مشددًا على أهمية تقليل نسبة الأحزاب المشاركة في السلطة الانتقالية حتى لا يتحول المجلس التشريعي إلى مؤسسة تابعة الى السلطة.
وانحصرت طريقة تكوين المجلس التشريعي على أعضاء المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير إذ أن حركات المقاومة المدنية وتجمع النقابات تقول إن “مركزي الحرية والتغيير” غير مؤهل لتكوين البرلمان الانتقالي لأنهم ينتمون إلى أحزاب تسيطر على الحكومة الانتقالية ولن تكون الإجراءات مستقلة.
اختراق
ويرى المتحدث الرسمي بإسم تجمع المهنيين السودانيين -تجمع نقابات قاد الحراك السلمي الذي أطاح بنظام البشير- وليد علي أحمد أن المجلس المركزي للتحالف السياسي الحاكم غير مؤهل لتكوين المجلس التشريعي الانتقالي. وأضاف أحمد: “مركزي قحت لا يمثل الثورة السودانية والغرض من الحراك الراهن لتكوين المجلس التشريعي إجازة قانون الانتخابات وحماية مصالح الطبقة الحاكمة والنظام البائد”.
وأردف متحدث تجمع المهنيين السودانيين: “تعمدت جهات في السلطة تعطيل تكوين المجلس التشريعي قبل عامين حتى تتمكن من اختراق قوى الحرية والتغيير ولجان المقاومة وعندما تمكنت من ذلك سمحت بتكوين البرلمان الانتقالي”. وتابع أحمد: “هناك اختراقات حزبية للجان المقاومة التي شكت مرارا من وجود أجسام تسرق لسانها ومواقفها وحدث اختراق واضعاف لقوى الحرية والتغيير والمجلس المركزي وهو ما تبقى من التحالف الحاكم مجرد أحزاب مشاركة في السلطة الانتقالية تحمي مصالح النظام البائد”.
تشكيل المجلس التشريعي الانتقالي يمثل الطبخة القادمة لتمرير القوانين المعيبة لأن السلطة الانتقالية تشبعت من تمرير القوانين سيئة السمعة في التشريعي المؤقت بين السيادة ومجلس الوزراء”- متحدث بأسم تجمع المهنيين
ويؤكد وليد علي أحمد لـ(عاين)، ان أعضاء المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير بضمان تمثيل لجان المقاومة في المجلس التشريعي ذر للرماد في العيون لأن طريقة اختراق لجان المقاومة بواسطة عناصر حزبية تظهر تحركات قحت لضمان تمثيل يتوافق مع مصالحه في المجلس التشريعي.
طريقة مثالية
لكن مستشار السلام لرئيس الوزراء الوكيل السابق بوزارة الحكم الاتحادي حسان ناصر يرى في تصريحات لـ(عاين) أنه لا توجد طريقة أخرى لاختيار المجلس التشريعي عدا طريقة تحرك المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير والمكون العسكري وشركاء السلام باعتبارها أطراف وقعت على الوثيقة الدستورية. وقال حسان، إن الطريقة المثالية لتكوين المجلس التشريعي هي اللجوء الى الانتخابات لكن هذا غير ممكن في الوقت الراهن بالتالي لا بد من اللجوء الى طريقة تعيين البرلمان الانتقالي. وحول استقلالية البرلمان وتوليه مقام الجهة الرقابية على الحكومة الانتقالية لا يستبعد حسان ناصر ذلك.
الأحزاب التي تشارك في السلطة الانتقالية حريصة على تقوية مؤسسات الفترة الانتقالية ولا تملك مصلحة في تكوين مجلس تشريعي ، والقوى الحريصة على التحول الديمقراطي عليها ان لاتتفرج على الوضع وأن تتقدم خطوات للمشاركة والضغط من داخل المؤسسات الانتقالية” – مستشار رئيس الوزراء للسلام
لكن سكرتير الاتصال السياسي بالحزب الشيوعي صديق يوسف يتوقع ان يكون المجلس التشريعي الانتقالي المرجح إعلانه قريبا ضعيفا وأشبه ببرلمان النظام المخلوع بدلا من تكوين برلمان ثوري طرحه مفكرون سياسيون وفاعلون في العمل المدني السلمي. وتابع: لـ(عاين)، “هناك أصوات طالبت بالبرلمان الثوري لكن اصواتهم لم تجد الآذان الصاغية ويمكن أن يتم تشكيل مجلس تشريعي انتقالي ويفتح أبوابه بالعاصمة لكن هل سيكون برلمانا حقيقيا وصلبا أعتقد لا “. يضيف يوسف.