فيصل محمد صالح في حوار خاص مع (عاين) قحت وتضييع الفرص
عاين 10 أغسطس 2019م
في حوار خاص مع شبكة ((عاين)) شخص الاستاذ فيصل محمد صالح مكامن الأزمات والضعف التي تعتري الوضع الحالي المرتبك في البلاد ووضع تصوراته لكيفية حل تلك الأزمات والعبور بالفترة الانتقالية الى بر الامان وصولا إلى إجراء انتخابات حرة ونزيهة تضع لبنة صلبة لبناء الدولة المدنية في البلاد. وأشار صالح إلى ان العديد من أزمات البلاد مثل قضايا بناء الدولة المدنية والحرب والسلام لن تحل بصورة جذرية خلال الفترة الانتقالية نسبة للتعقيدات الكبيرة التي تتسم بها، الأمر الذي قد يحتاج لسنوات أخرى لمخاطبة جذورها.
ووجه فيصل محمد صالح الحائز على عدة جوائز دولية في مجال الصحافة وحرية التعبير، انتقادات لقوى الحرية والتغيير بسبب ما وصفه بعدم جاهزيتها للتفاوض مع المجلس العسكري الأمر الذي مكن الأخير من التمدد في السلطة. وحذر صالح من الوضعية الحالية لقوات الدعم السريع والسلطة المطلقة التي تتمتع بها تلك القوات، واصفا وجودها بالقنبلة الموقوتة التي يمكن ان تفجر الأوضاع في البلاد في أي وقت.
إشكالية قحت
يرى فيصل محمد صالح، ان قوى إعلان الحرية والتغيير “قحت”. لم تستفد من الفرص التي أُتيحت لها منذ الحادي عشر من أبريل المنصرم إذ أضاعت فرصا عديدة مكنت المجلس العسكري من التقاط أنفاسه عقب سقوط البشير واستعادة السيطرة على المشهد السياسي في البلاد. وتمكن المجلس العسكري من التمدد في السلطة، وبحث عن تحالفات ومحاور اقليمية لتوطيد نفسه حاكماً للبلاد. كاشفاً عن أن الحوار بين المجلس العسكري، و قوى الحرية والتغيير فيه إشكاليات كبيرة، واستدرك بالقول: “انا من انصار أنه لم يعد مجال الا نتفاوض”. واستطرد “ربما في الأسبوعين الأوائل لو الناس كانوا جاهزين كان يمكن أن يخرجوا بمكتسبات كبيرة لكن التطويل كان غفلة واعطى المجلس مساحة كبير للتحرك”. لذلك التفاوض أصبح لا مفر منه؛ لأن المجلس العسكري صار حكومة أمر واقع.
موضحاً عبر (عاين) أنه تمت مطالبة قوى الحرية والتغيير بإيقاف التفاوض أثناء قتل الأبرياء خاصة وان ” استمرار التفاوض في هذه الظروف شأن مقلق ولابد من اتخاذ مواقف قوية” على أن تتبع هذه المواقف إجراءات أمنية، كـسحب المظاهر العسكرية من الشارع. خاصة وأن التظاهرات في كل مراحلها كانت في كامل سلميتها لكنها قُوبلت بالرصاص. مضيفاً لـ(عاين) “اظن اننا ابدينا ضعف في عملية التفاوض ولم يتم تأهيل كادر للتفاوض” واتبع التفاوض أصبح علم يدرس في الجامعات؛ لكن كانت هناك إشكاليات كبير في قوى الحرية والتغيير؛ تتمثل هذه الإشكاليات في التباينات السياسية وعدم الثقة فيما بينها. فأحد مظاهر القوة أن يذهب للتفاوض شخصين أو ثلاثة، لكن وفد الحرية والتغيير كان مترهلاً وتظهر فيه عدم ثقة!.
إشكالية يجب حلها
فيما يختص بالأحداث الدامية في الفترة من 11 ابريل الى مجزرة الأبيض وإحداث امبدة، التي رشح فيها الى الأذهان وجود قوة ثالثة، تتولى ضرب المدنيين في مقتل لتفريق التظاهرات بغرض افقادها سلميتها، قال فيصل محمد صالح لـ(عاين) من الملاحظ منذ بداية الاعتصام ان الهجمات في 8 – 9 ابريل قبل وصول الجيش إلى السلطة وإزاحة البشير كانت من جهاز الأمن. لكن ما حدث بعد ذلك كان من قوات الدعم السريع. موضحاً انه انا ليس هناك سبب اتهام اي جهة اخرى؛ في الاُبيض- ضرب المتاريس – أحداث 8 رمضان وفض الاعتصام. كلها كانت من الدعم السريع. وهي مسئولية السلطات الامنية والعسكرية في البلاد. وقال اذا أرادت أن تُحاسب عليها أن تأتي بمن جنى. انا كمواطن ما الذي يجعلني أن أقول هذا او ذاك لابد من توجيه اتهامنا لمن رأينا. واضاف السلطة إذا كانت جادة عليها أن تُحاسب من ارتكب الجرائم. واستطرد في الحديث عن الدعم السريع قائلاً فيه: “الدعم السريع إشكالية لابد من حلها وسؤال لابد من الإجابة عليه”. كاشفاً عن أنه لا يمكن أن تقبل مليشيا قبلية قائمة على الولاء لفرد واحد صنواً للقوات المسلحة. واتبع “الكلام عن قانون يتبعها للقوات المسلحة هذا كلام غير واقعي، انها مستقلة تماما لا يمكن لفرد دعم سريع أن يتلقى تعليماته من لواء أو أي فرد أعلى منه في القوات المسلحة”!.
أما عن وجود قوات الدعم السريع بسلطات منفصلة و قوة مسلحة، يرى فيصل انه يسبب إشكاليات امنية تتمثل في وجودها بصلاحيات مطلقة، يقول مالا بد منه هو تصفيتها ودمجها في القوات الرسمية. و يمضي فيصل قائلاً : الشيء الذي لا يمكن تجنبه ان تكون هناك دولة داخل دولة لها مؤسساتها الاقتصادية والعسكرية ، هذا ملف لابد من معالجته بقرار سياسي ولابد من قرار لتصفية هذه القوات وطريقة التنفيذ والجدول الزمني. كما أنه يرى في وجود جهاز الأمن اشكالية اخرى. مطالباً بحلة لأنه يمكن التعامل مع جهاز أمن بني على الولاء الحزبي، أما كتائب الظل حمل صالح مسؤوليتها للاجهزة التي يعملون فيها
تباينات وعدم نضح
في الحديث عن تباينات القوى السياسية عقب ذهاب نظام الانقاذ قال فيصل “في الاول كانت وجهة النظر مرتكزة على أن السلاح هو الشارع؛ والمزج بينها ووسيلة التفاوض يهدف منها الوصول إلى مهام السلطة الانتقالية التي تبدأ في تهيئة الأجواء لبناء ديمقراطي”. وقال مستدركاً “لكن لأسباب ما هناك جهات امالت الى الشارع وتجاهلت التفاوض وفي جهات أملت على الشارع وتجاهلت الوسيلة الاخرى افتكر دي المشكلة الحاصلة”. مستدلاً بضعف المواقف التفاوضية وقوة الشارع في آن واحد لكن لم يتم الرجوع إلى الشارع بشكل جماعي بالتالي اصبحت هناك تباين واضح في المواقف. أبرزها موقف الحزب الشيوعي الذي وصفه صالح بـانه أحدث ربكة، وقال “ما قام به الحزب الشيوعي هو بمثابة ادانة للعملية كلها رقم مشاركته فيه”، قائلاً ان الموقف اعاد المشهد إلى الربكة مجدداً وهو ما زاد من الامر تعقيداً لان ماتم الاتفاق عليه سياسياً الحزب الشيوعي جزء منه، وماتم التوقيع عليه في الوثيقة الدستورية كان جزاءً من إعداده، بالتالي أي شرخ سيضر بوحدة قوى الحرية والتغيير فالموقف فيه نوع من عدم النضج السياسي. هذا يخلق اشكالية بازدياد الامر تعقيدً، موضحاً إن المجلس العسكري ظل يراهن على تناقضات قوى التغيير وإطالة أمد التفاوض أثر سلباً على الحراك الجماهيري وافقد الثورة زخمها بسبب البطء.
صراع السلطة والتجرد
في الحديث عن المحاصصة وتصدير مفهوم للشارع العام بان قوى التغيير تسعى بقوة للوصول الى السلطة وليس بناء مؤسسات تقود إلى الدولة المدنية المنشودة. قال فيصل “للاسف مواقف بعض الأطراف اعطت انطباع عام بأن القوة السياسية تتصارع نحو السلطة. هناك قوة تعمل بتجرد، ان كان هناك شخص أجمع عليه الناس، 90% من القوى السياسية أعلنت أنها لن ترشح اي فرد بما في ذلك حزب المؤتمر السوداني وحزب الأمة”. واضاف “اي اتفاق او حكومة فيها محاصصة فهذا خطأ كبير لابد ان تدرك القوى السياسية في الترشيح وليس المشاركة سيكون هذا هزيمة للمشروع نفسه. المجلس السيادي على أساس المناطق السودانية وليس الأحزاب. اذا ذهبت 67 سيكون هذه بمثابة ردة لمشروع الثورة”. موضحاً إن النضال للدولة المدنية يجب أن يكون طويل. حتى وان عاد الجيش إلى ثكناته لا يعني أن الدولة المدنية قد تحققت الموضوع يحتاج إلى عمل مستمر لان مستقبل السودان الى في ظل دولة مدنية مستقلة.
السلام وآليات التنفيذ
فيما يختص بالسلام الشامل واسكات صوت البندقية في مناطق النزاع الثلاث جنوب كردفان – النيل الازرق – دارفور، طالب فيصل محمد صالح بإشراك ممثلين من الحركات المسلحة في حكومة الكفاءات المزمع تشكيلها اعتباراً لجهودها في التغيير بالوسيلة التي اختاروها موضحاً أن فترة الستة أشهر الأولى كافية لتحقيق اتفاق سلام. وأشار الي إن المطلوب في هذه الفترة هو الوصول إلى اتفاق خلال ستة أشهر. إذا كانت هناك إرادة حقيقية يمكن أن يحصل اتفاق سلام تتبعه الية تنفيذ وهي التي تحتاج الى فترة زمنية طويلة. وقال : ” اعتقد اذا بدء الحوار مع الحركات منذ اليوم الاول يمكن جداً ان يتم التوصل إلى اتفاق مع الحركات المسلحة”. واصفاً ذلك بالخطوة الأولى، التي تتطلب عملاً واسعاً كـ اعادة النازحين، دمج وتسريح القوات، توفير أسباب الحياة “العيش” العائدين الى مناطقهم، وهو مايتطلب تخطيط ميزانية، مشوار طويل للبناء الدولة السودانية.وقال: سيتحقق السلام إذا استشعر الكل بمصلحته في الاستقرار والسلام