“النفط والحدود”.. مخاوف (جوبا) من حرب السودان

عاين- 14 ديسمبر 2023

يثير ملف مرور النفط عبر الأراضي السودانية، والحدود الممتدة بين البلدين مشاغل الحكومة في “جوبا” ومخاوفها من تأثيرات مباشرة بعد اقتراب الحرب من حدود البلدين وتهديدها مصالح جنوب السودان داخل الاراضي السودانية.  

ومؤخرًا، فرضت قوات الدعم السريع سيطرتها على ولايتي جنوب وشرق دارفور، وتمددت في ولاية غرب كردفان الحدودية ايضًا، ما يلقي بأعباء على الحكومة في “جوبا” لضبط الحدود أمام أنشطة متوقعة في تدفق السلاح إلى مقاتلي قوات “حميدتي” أو  إلى المليشيات التي تشن هجمات بين الحين والآخر في منطقة أبيي المتنازع عليها بين البلدين.

خلال شهر أكتوبر الماضي، تمكنت قوات الدعم السريع من السيطرة على ولاية جنوب دارفور والتي تحادد جنوب السودان في منطقة أم دافوق الواقعة قريبًا من الحدود بين البلدين كما شنت قوات الدعم السريع في ذات الفترة هجمات عسكرية على ولاية غرب كردفان، وسيطرت على حقول نفطية ومطار عاصمة الولاية وهي أيضا مناطق نفطية متاخمة لمنشآت تنقل نفط جنوب السودان.

واللافت أن قوات الدعم السريع تقع تحت سيطرتها جميع الولايات المنتجة للنفط في السودان – شرق دارفور- وغرب كردفان – وهي ولايات متاخمة لحدود جنوب السودان التي تحمل أنابيب نفط هذا البلد لمئات الكيلومترات نحو موانئ التصدير في مناطق تشهد حرب بين الجيش وقوات الدعم السريع.

وتعُد إمدادات النفط المنقولة من جنوب السودان عبر خط الأنابيب إلى الأراضي السودانية ومنها إلى موانئ التصدير من الأزمات التي تؤرق متخذي القرار في “جوبا” الدولة التي تعتمد في اقتصادها على النفط بنسبة 70% من ميزانيتها السنوية من توقف هذه الإمدادات جراء الحرب في السودان.

ويرى مصدر حكومي من وزارة الإعلام في جنوب السودان في مقابلة مع (عاين) أن الرئيس سلفاكير ميارديت، ناقش مع رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، إمكانية عرض الوساطة لوقف الحرب في السودان لأنه يخشى من انتقال تأثيرات الحرب إلى جنوب السودان هذا الأمر متوقع إذا لم يتوقف القتال في الشمال.

خيارات أمام جوبا

“اقائد ثاني قوات الدعم السريع، نقل تطمينات لحكومة جنوب السودان عقب سيطرة قواته على ثلاثة ولايات سودانية تقع على الحدود مع جنوب السودان بأن الأمور ستكون تحت السيطرة وسيعمل على كبح الجماعات المسلحة التي تثير الاضطرابات في جنوب السودان والتي تنطلق من الأراضي السودانية إلى جانب حماية المنشآت النفطية”. يقول مصدر من وزارة الإعلام بحكومة جنوب السودان.

ويتابع المصدر ، بأن قائد الدعم السريع الجنرال محمد حمدان دقلو، سلم رسالة إلى حكومة جوبا تتعلق بثلاثة خيارات مع ملف مرور النفط عبر الأراضي السودانية والرسوم المفروضة عليه والتي تورّد إلى الخزانة العامة في السودان.

وأضاف المصدر: “الخيار الأول هو إيداع رسوم مرور النفط في حساب خاص وحفظه إلى حين تكوين حكومة في السودان، والخيار الثاني ذهاب نصف رسوم تمرير نفط جنوب السودان عبر السودان إلى الدعم السريع ويحفظها في حساب خاص إلى حين وصول حكومة جديدة في السودان. والخيار الثالث، فأن استمرار جوبا في دفع رسوم النفط إلى حكومة السودان في مقرها ببورتسودان، عليها تحمّل تبعات هذا الخيار خاصة في ظل سيطرة الدعم السريع على أجزاء واسعة من منشآت النفط في السودان أبرزها خط الأنابيب والمحطات المركزية”.

 

 

 

 

 

على مرمى النيران

ويقول الباحث في شؤون الديمقراطية والسلام، أبو هريرة أحمد في حديث لـ(عاين)، إن “جنوب السودان تقع على مرمى النيران من حرب السودان لأن الدعم السريع يسيطر على ثلاث ولايات سودانية تجاور هذه الدولة التي قد تجد صعوبة في تمرير إمدادات النفط عبر الأراضي السودانية خاصة في المناطق الخاضعة تحت سيطرة قوات حميدتي”.

وتابع أبوهريرة أحمد: “وارد جدَا تعرض منشآت النفط لقصف جوي أو من المسيرات هذه الحرب حدودها مفتوحة نحو المزيد من الفوضى بين الطرفين لأنهما أفلتا من الأدوات الدولية الخاصة بالضغط عليهما جراء شعورهما أن العالم غير مكترث لما يحدث في هذه البؤرة الساخنة”.

وأردف أحمد : “ولايات شرق دارفور، وجنوب دارفور، وغرب كردفان تقع على الحدود مع جنوب السودان وسيطرت عليها قوات الدعم السريع الشهرين الماضيين بعد إنهاء وجود خجول للجيش السوداني”.

مخاطر محدقة

ويقول الصحفي والمحلل السياسي من جنوب السودان، أتيم سايمون، في مقابلة (عاين): إن “حكومة جنوب السودان تمارس الصمت إزاء مخاطر جديدة أطلت عليها من الحرب التي تدور في الجارة الشمالية وتتزايد المخاطر مع سيطرة قوات الدعم السريع على ثلاث ولايات سودانية تجاورها وقد تلجأ إلى إغلاق الحدود إذا واجهت المزيد من المخاطر الأمنية والإنسانية”.

ويربط سايمون، بين الاضطرابات الأمنية في منطقة أبيي  المتنازع عليها بين البلدين وبين الحرب في السودان. ويقول: إن “القادم قد يكون أسوأ اذا لم تتحرك جوبا و تطلب من منظمة الإيقاد التحرك باعتبارها الجهة الاعتبارية المسؤولة عن الوضع في الإقليم”.

وأردف سايمون: “أتحدث هكذا لأن السلطة المركزية القديمة في الخرطوم ماعادت موجودة وانتقلت إلى بورتسودان وهناك سؤال مع من سيتعامل قادة جنوب السودان في ملفات النفط والحدود هل مع القادة الميدانيين في قوات الدعم السريع أم مع سلطة الحكومة في بورتسودان؟”.

والحدود بين السودان وجنوب السودان والبالغة نحو ألفي كيلو متر شهدت توترات أمنية خلال السنوات الماضية قبيل اندلاع الحرب في الجارة الشمالية كما تبادل الطرفان اتهامات بتمويل جماعات مسلحة لإثارة الاضطرابات في الدولتين.

بالمقابل فإن الخيار المطروح لدى قادة جنوب السودان التعامل مع “الأمر الواقع” بمعنى التواصل مع أي طرف يسيطر على المنطقة التي تشكل أهمية اقتصادية واجتماعية وأمنية لجنوب السودان. هكذا رد أحد الأعضاء في برلمان جنوب السودان على سؤال لـ(عاين) حول كيفية التعامل مع حرب السودان التي تقترب من حدود بلادهم.

وأضاف مشترطا عدم نشر اسمه: “إذا كانت المنشآت النفطية تحت سيطرة الجيش شرق السودان وهي تصدر النفط سنقوم بالتعامل معه في مناطق سيطرته إذا كانت هناك مناطق نفطية وأنابيب نفط ومحطات تحت سيطرة الدعم السريع لا مفر من التواصل معهم أيضا”.

وأجرى رئيس جنوب السودان سلفاكير ميارديت الذي يستعد لجولة انتخابية العام القادم اتصالات مع الأطراف السودانية المتصارعة لطرح مبادرة لإيقاف الحرب خلال الشهر الماضي، كما يشارك الزعيم الجنوب سوداني الذي يحظى بعلاقات جيدة مع الجنرالين السودانيين المتحاربين ضمن تحركات منظمة الإيقاد التي تتطلع إلى إنهاء النزاع المسلح في السودان.

ويقول الباحث في مجال الديمقراطية والسلام أبو هريرة أحمد: إن “الحرب السودانية لها تأثيرات على دول الجوار وقد تكون جنوب السودان التي تعاني من عدم وحدة القرار الحكومي ضحية جديدة لهذه الحرب”.

ويرى أحمد، أن حكومة جوبا ليست كتلة واحدة وقد تتعاون بعض الأطراف العسكرية مع طرف في السودان حول تدفق الأسلحة إلى جانب ذلك يجب الوضع في الاعتبار أن الحدود بين البلدين تضم مجموعات لديها تاريخ مشترك في النزاع القبلي بينها.

ومجموعة المسيرية والرزيقات المنخرطة في قوات الدعم السريع في حرب السودان لديها نزاعات مع مجموعات حدودية في جنوب السودان منذ سنوات طويلة خاصة في فصل الصيف عندما تتوغل جنوبا بحثا عن المراعي للماشية.

و يذهب الصحفي والمحلل السياسي أتيم سايمون، في ذات الاتجاه ويقول: إن “المجموعات الحدودية المشتركة التي تدخل في صدامات عرقية منذ سنوات بينها مجموعات كبيرة منخرطة في قوات الدعم السريع من الجانب السوداني”.

سلفاكير وبرهان- ارشيفية

وأردف: “يجب أن لا تغفل جوبا التحذيرات الدولية التي قالت إن الحرب في السودان  لديها تأثيرات سالبة على جنوب السودان”.

ويتساءل سايمون، عن مصير التفاهمات بين حكام الولايات الحدودية في أعالي النيل والوحدة مع ولايات النيل الأبيض وغرب كردفان من الجانب السوداني خاصة في قضايا تدفق اللاجئين والمنظمات الإنسانية والتجارة الحدودية.

فيما  يحذر الباحث في مجال فض النزاعات ضرار أحمد ضرار في حديث لـ(عاين) من تدفق السلاح بين حدود البلدين خاصة مع وجود صراع تاريخي بين قبائل التماس حول قضايا المراعي خلال فترات الصيف.

وأردف ضرار: “فيما يتعلق بالنفط لم تظهر جوبا أي قلق وهواجس ما يعني أنها ربما حصلت على ضمانات لحماية منشآت البترول الخاصة بجنوب السودان في مناطق سيطرتها في الأراضي السودانية وعدم إلحاق الأضرار بها”.

لم يترك الانقسام في حكومة جنوب السودان التي تشكلت نتيجة اتفاق سلام أنهى حربا داخلية في العام 2018 برعاية الرئيس السوداني المعزول عمر البشير أية فرصة أمام جوبا للتوجه وهي موحدة صوب التفاهمات مع طرفي القتال في السودان.

ويعُد زعيم المعارضة المسلحة في جوبا والذي أبرم اتفاقا مع سلفاكير في العام 2018 الجنرال رياك مشار من أبرز المقربين إلى الحكومة السودانية من جانب الجيش بحسب مصادر تحدثت إلى (عاين) لذلك فإن وحدة القرار الجنوب سوداني هنا منعدمة تماما.

ويقول المستشار السابق في مجلس الوزراء السوداني، جمعة كندة، في مقابلة مع (عاين) إن “ملف النفط يشكل أولوية قصوى لجنوب السودان أكثر من ملفات الحدود لأن قوات الدعم السريع لا تقاتل في الأطراف والولايات الواقعة على الحدود الدولية مع جنوب السودان بل يتركز القتال والاهتمام في المدن مثل نيالا في جنوب دارفور والضعين في شرق دارفور وكذلك في مدن غرب كردفان الواقعة في نطاق حقول النفط”.

ويرى كندة، أن اهتمام جنوب السودان دبلوماسيا وسياسيا إزاء التعامل مع حرب السودان يتركز في الحصول على ضمانات لمرور النفط عبر الأراضي السودانية حتى موانئ التصدير وقد يكون هذا التعامل فيه نوع من “البراغماتية” وهي مضطرة لفعل ذلك لحماية مصالحها الاقتصادية والتي تتمثل في ضمان إيرادات النفط.