كيف رأيت ثاني أكبر مدن السودان بعد معارك 7 أشهر؟
عاين – 26 فبراير 2024
“ستة أشهر من المواجهات المتواصلة في مدينة نيالا، كانت كفيلة بتحويل ثاني أكبر المدن السودانية إلى مدينة أشباح”، هذا ما بدت عليه المدينة التي غادرتها في يوليو الماضي بجانب آلاف المدنيين الفارين من جحيم الحرب، قبل أن أعود إليها لبضعة أيام. يكتب مراسل لـ(عاين).
بعد مرور أكثر من (10) أشهر على الحرب المستمرة بين الطرفين عاد بعض المدنيين إلى عاصمة ولاية جنوب دارفور المُدمرة بعد تراجع سلسلة الغارات التي يشنها سلاح الجو التابع للجيش على المدينة، عقب انسحابه من الولاية السودانية المهمة، إلا أن صدمتهم بمشاهد الخراب أفسدت عليهم فرحة العودة بعد أن لاحقت الأخبار مسامعهم بعودة الأمان والحياة بشكل تدريجي بعد توقف الهجمات الجوية التي كان يشنها طيران الجيش على أهداف وسط المدينة، والتي خلفت قتلى وسط المدنيين، بجانب تدمير منشآت خدمية حيوية في المدينة.
دمار كبير
لحق بالمدينة دماراً كبيراً في المقار السكنية والبنيى التحتية، وكثير من الأهالي وجدوا مساكنهم ومتاجرهم قد نهبت أو دمرت تماماً، وقليل من حالفه الحظ، وجد منزله سالماً”
تبدو الحياة طبيعية عند مداخل المدينة والأحياء والأسواق الطرفية وبعض الطرق الرئيسية، لكن سرعان ما تظهر مشاهد المدينة أكثر دمارا، كلما توغلت إلى أحياء الوسط التي هجرها السكان، وتنعدم الحياة في شوارعها الداخلية تماماً.
انتشار كثيف لعناصر قوات الدعم السريع في التقاطعات المهمة وحول مقر قيادة الجيش الذي أصبح خاوياً كأن لم يكن من قبل أهم موقع عسكري يتوسط المدينة، وتتكرر المشاهد نفسها أمام مباني أمانة حكومة “مكتب حاكم الولاية”. قصر الضيافة الذي كان من أجمل موقع في المدينة بجانب “الملعب الرياضي” والمؤسسات الحكومية والمستشفيات العامة والخاصة.
تحولت أحياء مثل “السينما، الجمهورية، الامتداد، المزاد، الاسبتالية، الموظفين والوادي” العريقة، إلى مناطق مهجورة تماماً، قبل أن تلحق بها أحياء الخرطوم بالليل، ورايق، والنهضة، وكرري، وعدد من أحياء تكساس، والجير التي يوجَد بها القليل من أفراد الأسر الباقيين لحماية المنازل التي تتعرض لسرقة الأبواب والنوافذ والأسقف ليلاً.
تقسيم المدينة
قسمت الحرب مدينة “نيالا” إلى ثلاث مدن أو مراكز سكنية وأسواق منفصلة عن بعضها البعض، وعندما تريد الانتقال من جهة إلى أخرى تعبر مركز المدينة “السوق الكبير” ومجمع المصارف والمؤسسات الحكومية، ويتملكك العابرون الحزن والإحباط الشديد عند مشاهدة آثار الدمار الذي أخفى معالم المدينة خاصة أعمدة ومحولات الكهرباء التي تساوت بالأرض.
تتمركز الكثافة السكانية حول سوق الجبل الذي يقع شرق المدينة، بينما يقوم تجمع شمال شرق المدينة حول سوق المواشي والملجة، بجانب التجمع الشمال الغربي سوق موقف الجنينة، أما تجمع جنوب الوادي حول السوق الجديد، أو ما يعرف بسوق “الأندلس أو قادرة” بجانب عودة بعض الباعة الجائلين إلى الطرق الرئيسية في السوق الشعبي
وتشهد هذه الأسواق البديلة لسوق نيالا الكبير انفتاحاً كبيرا، وذلك لبعدها من مركز المدينة ومسرح العمليات العسكرية حول القيادة العامة للجيش ومركز الصراع وسط المدينة.
مخاوف العودة
رغم محاولة قوات الدعم السريع بسط الأمن ومحاربة الجريمة وتنظيم الحياة، إلا أن عمليات النهب لا تزال هاجساً يؤرق المدنيين، علاوة على تخوفهم من عودة الهجمات الجوية للطيران الحربي خاصة في ظل وُجود تجمعات وتمركزات قوات الدعم السريع بالمدينة.
عدد من السكان الذين تحدثت حول مخاوفهم من العودة إلى منازلهم تأتي إجابتهم سريعً “إنهم قلقون من معاودة الطيران الحربي القصف الذي يستهدف مواقع في المدينة، بجانب تخوفهم من عودة قوات الجيش للمنطقة، وتجدد المواجهات مجددا”. فيما يرى آخرون أن انعدام الخدمات ومصادر الدخل؛ سبب آخر أمام العودة إلى المدينة.
فيما يتعلق بالمواصلات الداخلية يعتمد السكان العالقون في المدينة على المواتر “تكتك والركشات” في المواصلات العامة، ولا يوجد أي أثر للحافلات والمركبات، إلا قليل من المركبات التي لا تحمل لوحات مرورية وهي ومعظم أصحابها أفراد تربطهم علاقة بعناصر الدعم السريع.
يقول “محمد حسن” وهو أحد سكان حي النهضة لـ(عاين): إن” منازلهم تعرضت لنهب كامل بالتزامن مع انسحاب الجيش من المدينة، وأن المليشيات المساندة للدعم السريع استباحت منازلهم، وقضت على كل شيء ظناً منهم أنهم يدعمون الجيش، وأن المليشيات يدركون أن إحياء النهضة والجير ممتلئة بالسيارات والأموال”.
ويضيف حسن: أنهم “عادوا إلى مساكنهم، ولكن لا توجد مستشفيات ومدارس وكهرباء وارتفاع كبير في أسعار الخدمات الضرورية، وأن آلاف الشباب والأسر غادروا بعد سقوط قيادة الجيش في المدينة للبحث عن الأمان والعمل في دول ليبيا وتشاد وجنوب السودان وآخرين نزحوا إلى ولايات ومحليات أخرى”.
ويتابع: “آلاف الأسر أمثال عائلتي عادوا وهم يفترشون الأرض لجهة أنهم فقدوا كل شيء. إما بسبب النهب أو السرقة أو بيع المقتنيات لشراء الطعام”.
خدمات معدومة
وإن كانت المعاناة الناتجة عن الدمار هي الأكبر، إلا أن نقصا حادا طال معظم حياة ومعيشة السكان في المدينة وهم بحاجة ماسة للمساعدات الإنسانية، فالقطاع الصحي شبه معطل في وُجود بعض أطباء القطاع الخاص، إلى جانب النقص الحاد في الأغذية وارتفاع أسعارها.
بعد تعطل شبكة مياه المدينة اعتمد معظم السكان على مصادر المياه من آبار المياه حول وادي نيالا “ممرر مائي موسمي” يقسم المدينة إلى نصفين، وذلك بعد الخراب الذي لحق بشبكة المياه.
لكن الدمار الأكبر كان في قطاع كهرباء المدينة التي تساوت معظم أعمدتها وأسلاكها بالأرض بجانب إتلاف ونهب المحولات ونهب معداتها وأجهزتها بصورة ممنهجة الأمر الذي يدرك على إثره سكان المدينة بأن عودة الكهرباء ليست بالمهمة السهلة، خاصة وأن المدينة كانت تعاني مشاكل في التيار الكهربائي لسنوات طويلة، ولا يمكن أن تعود إلى الأفضل في ظل الأوضاع الحالية، لذلك اتجه السكان إلى مشروع الطاقة الشمسية.