مجموعات عسكرية بشمال السودان.. كيف تشكلت ومن هم قادتها؟
عاين- 24 يوليو 2025
على مر تاريخها الحديث، لم تنشأ في مدن ومناطق شمال السودان، أي تنظيمات عسكرية مناوئة للسلطة المركزية أو متحالفة معها، وانحصر السلاح على الأجهزة النظامية والعسكرية فقط، لكنه وبعد اندلاع حرب 15 أبريل 2023، نشأت حوالي ست مجموعات مسلحة تتوزع على محليات ومدن ولايتي نهر النيل والشمالية، ومع تقاطعها في الأهداف والمصالح، إلا أنها تجمع على القتال ضد قوات الدعم السريع، ويشرف على بعضها ضباط في الجيش وأخرى تحت رعاية المقاومة الشعبية، وأخرى يقودها أفراد مرتبطون بمصالح التجارة الحدودية وعمليات تنقيب الذهب المنتشرة في الولايتين.
خلال أسبوع واحد من شهر يوليو الحالي، وفي حادثتين غريبتين على المجتمع المحلي، هاجم مسلحون مجهولون قسمي شرطة القدار، وامنتجو بوحدة دنقلا العجوز في محلية القولد بالولاية الشمالية، وأسفر الهجوم الأول عن مقتل ضابط في الشرطة وإصابة آخرين من أفراد القسم. ولم تصل السلطات المحلية في الولاية للمهاجمين.
أولاد قمري.. نفوذ وتسليح عال
يثير تعدد المجموعات المسلحة خارج الجيش مخاوف السكان المحليين في الولايتين الشماليتين؛ نظرا للعديد من الانتهاكات التي ارتكبتها هذه القوات بمقابل صمت رسمي تجاه هذه الانتهاكات.
وفقا لمصادر (عاين)، في 22 ديسمبر 2024 أفلت “حسين” أحد قادة “مليشيا أولاد قمري” والتي عُرفت لاحقا بالكتيبة الاستراتيجية- أولاد البلد، من تحقيقات الشرطة إثر اشتباه قوات الأمن على طريق رئيسي بمدينة دنقلا شمال السودان في “شُحنة غامضة” وفور احتجازها جاء قائد هزيل الجسم إلى موقع شرطة مكافحة التهريب برفقته 12 عنصرا مسلحا على متن مركبة عسكرية عُرف لاحقا بأن الرجل يدعى حسين أحد قادة “ميليشيا أولاد قُمري” بالشمالية.
لم تمر سوى أشهر قليلة على هذه الواقعة التي تعكس سيرة حافلة بالنشاط غير القانوني لهذا الرجل، حتى استعرض حسين وشقيقه حسن عربات قتالية في ساحة رئيسية بمدينة دنقلا بالتزامن مع وصول قائد الجيش ورئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان للمشاركة في التعبئة الحربية ضد قوات الدعم السريع.
تسليح على أُسس عرقية
أطلقت “مليشيا أولاد قمري” التي تتباهى بالانتماء العرقي إلى المجموعات العربية للقبائل النوبية شمال البلاد أطلقت على نفسها “كتيبة الاستطلاع الاستراتيجية”.
بجانب التحالف مع الجيش السوداني خلال الحرب ينشط الشقيقان في أعمال التعدين وإدارة شحنات تجارية بين السودان ومصر وليبيا مستغلة توسع رقعة الصحراء وعدم وجود رقابة عسكرية محكمة وتحول المنطقة لاحقا إلى نقاط نزاع بين هذه البلدان.

لم يكن تاريخ هذين الشقيقين بمعزل عن العمل مع قوات الدعم السريع، وشاركا في أنشطة تجارية وأمنية وُصفت بالمشبوهة في صحراء الشمالية وصولا إلى الحدود الليبية بين أعوام 2019 و2022 شملت ملاحقة المهاجرين الأفارقة وتهريب الشحنات التجارية مثل الوقود والسلع الغذائية من ليبيا إلى السودان دون التقيد بالنقاط الجمركية، وحققا ثروات مالية.
ركز الشقيقان اللذان يقودان “مليشيا أولاد قمري” أو “كتيبة الاستطلاع الإستراتيجية” حسن وحسين على اصطياد رجال الشرطة والجيش والأمن الذين فُصلوا من الخدمة العسكرية لقضايا جنائية أو أسباب أخرى وإغرائهم بالعمل معهما في قيادة المقاتلين في الصحراء والحصول على أموال طائلة بإيصال الشحنات إلى وجهتها وحمايتها بالسلاح.
الذهب والسلاح
أما قوات “درع الشمال” التي تخطط قيادات تنتمي إلى حزب المؤتمر الوطني “المحلول” ذات التوجهات الإسلامية من بين قيادتها العسكرية ضباط برتبة رائد اسمه محمد الحافظ عُقلة في العقد الرابع من العمر لتوسيع دائرة نفوذها عبر تمويلها من تجار الذهب.
في العادة لا تملك الجماعات المسلحة التي تتبع للمقاومة الشعبية في ولايتي نهر النيل والشمالية أي تأثيرات كبيرة عكس “المليشيات” التي نشأت على خلفية النفوذ العائلي والعرقي والقبلي بالولايتين اللتين بقيتا بمعزل عن ظاهرة التسليح طوال السنوات الماضية.
محمد الحافظ عُقلة، أطلق على نفسه قائد قوات الحرس الوطني بـ”درع الشمال” ومن خلال تتبع سيرته الذاتية ينحدر عُقلة من ولاية نهر النيل، والتي تعد المركز العسكري لقوات “درع الشمال” التي تشكلت بإيعاز من قيادات المؤتمر الوطني “المحلول” منذ نهاية العام 2024- وفقا للناشطة الحقوقية سلام عبد الحميد التي تعتقد في مقابلة مع (عاين)، إن قيادات من حزب البشير تخطط لكل شيء بشأن قوات “درع الشمال” بما في ذلك تنسيق التسليح مع الجيش السوداني ومواقع الانتشار.
تضيف الناشطة الحقوقية سلام عبد الحميد: “لا تأثير لتهديدات عقلة على الواقع لأنه شخص مثير للجدل وما يردده تغطية لتحرك شخصيات نافذة من المؤتمر الوطني – المحلول- خلف الكواليس”.
في ولاية نهر النيل أيضا هناك قوات “درع أبو حمد” التي جرى تأسيسها في مارس 2025، وافتتحت معسكراتها رسميا في مايو الماضي، ويقودها من الناحية العسكرية ضابط في الجيش السوداني برتبة مقدم اسمه سيف اليزل، وتقتصر مهامه على العمل الفني العسكري. أما سياسيا تتبع هذه القوات إلى المقاومة الشعبية ويشرف عليها عبد الرحمن العمرابي أحد قادة المقاومة الشعبية بالمحلية.
وعمرابي مكُلف بمهمة التنسيق مع الاستخبارات العسكرية ولديه أطماع بالتوسع في أعمال التعدين، وتوعد خلال تدشين هذه القوات بشن غارات على مربعات التعدين لملاحقة “المجرمين” وفق تعبيره.
“الغرض من تكوين درع أبو حمد منح موطئ قدم لقيادات حزب المؤتمر الوطني “المحلول” في السلطة المركزية”. كما يقول الناشط الحقوقي محمد السنوسي لـ(عاين) لأن الجنرال عبد الفتاح البرهان يرى أن من لديه البندقية سيكون موجودا في مؤسسات الدولة، ويشير إلى أن هناك شعورا لدى قيادات أهلية وسياسية على علاقة بالسلطة الحاكمة في بورتسودان بأن هذه القوات يجب أن تعمل على ضبط الأوضاع في مناطق تعدين الذهب بولاية نهر النيل. ويضيف السنوسي: “تكوين درع أبو حمد له صلة برغبة قيادات المؤتمر الوطني – المحلول- بإحداث سيولة في الوضع الأمني وعسكرة الحياة العامة.
“لم تُحظ معسكرات درع أبو حمد باستجابة من شبان المحلية والقرى المجاورة، واقتصرت على عشرات المنخرطين في حياة الجندية رغبة في الحصول على أجور شهرية إلى جانب التباهي بحمل السلاح في الشوارع والأسواق”، يقول عضو تجمع نقابي من الولاية الشمالية مصعب قمر الدين لـ(عاين).
أمراء الحرب وبريق الذهب
لم تتوقف عسكرة الحياة العامة في شمال السودان على نهر النيل، بل امتدت إلى مدينة الدبة بالولاية الشمالية ولدى رجل الأعمال اسمه “أزهري المبارك” علاقات وطيدة بصفقات المال والتجارة العمومية بتسهيلات من مسؤولي الحكومة، وتحول خلال النزاع المسلح بين الجيش والدعم السريع إلى حالة شبيهة بـ”أمراء الحرب”، ولدى أزهري اعتقاد راسخ وفق مقربين أن السلاح يجلب السلطة.
أزهري المبارك المولود في العام 1975 ببلدة العفاض شمال السودان كان شخصا مغمورا قبل أن يحصل على ثروة هائلة من التعدين الأهلي بالشمالية بالحصول على كميات من الذهب مكنته من فتح أبواب النشاط التجاري والتصنيف ضمن رجال الأعمال بالولاية.

حقق أزهري المبارك الذي أُختير رئيسا للمقاومة الشعبية بالولاية الشمالية في فبراير 2024 شهرة واسعة، ويقول مصدر حقوقي في المنطقة لـ(عاين)، إن “الرجل الذي يعمل بشكل مُعلن في دعم المجموعات المسلحة شمال السودان مول صفقة أسلحة بقيمة 5 مليون دولار بين عامي 2024 و2025.
وتابع المصدر الحقوقي: “أزهري المبارك هو الشخص المسؤول عن صفقات الأسلحة وتمويلها ولديه علاقة وطيدة مع أعضاء الشق العسكري في مجلس السيادة الانتقالي”.
من حميدتي إلى البرهان
في خضم موجة التسليح شمال السودان أعادت الحرب إلى الواجهة أحد أبرز المتعاملين مع قوات الدعم السريع من 2020 حتى 2022 وهو الشاذلي أنور الإدريسي، والذي يقطن في مدينة الدبة بالولاية الشمالية.
في فبراير 2022 وصلت قوة عسكرية تتكون من 20 عربة قتالية متحالفة مع قوات الدعم السريع وهي من أهلية “القرعان” التي تنشط على الحدود بين السودان وليبيا وتشاد وصلت إلى مدينة الدبة بحثا عن الشاذلي الإدريسي.

هذه السيرة توضح كيف أن الشاذلي الإدريسي الذي يقطن في مدينة الدبة إحدى أكبر مدن الولاية الشمالية والقادم من عائلة ذات نفوذ قوي في التجارة وإنشاء علاقات مع مسؤولي الحكومة بدءاً من الولاية حتى مجلس السيادة الانتقالي توضح هذه السيرة نشاط الرجل الذي يقود اليوم كتيبة عسكرية أطلق عليها “إخوان الشاذلي” وعاد خلال الحرب متحالفا مع الجيش بعد أن حاول التقارب مع حميدتي خلال الفترة الانتقالية ومرحلة الانقلاب العسكري 2019 – 2023 وصنع إمبراطورية اقتصادية في صحراء الشمال بالاعتماد على الذهب وتجارة الحدود مع بلدان الجوار.
القاسم المشترك بين المجموعات المسلحة بالشمالية الاستثمار في تعدين الذهب والتجارة مع دول الجوار
القاسم المشترك بين قادة المليشيات المسلحة بالشمالية الاستثمار في تعدين الذهب والتجارة مع دول الجوار التي لا تمر في الغالب عبر النقاط الجمركية الحكومية في السودان تحت سطوة السلاح؛ لأن هناك سباقاً على إدخال شحنة المخدرات إلى البلاد بين قادة المليشيات خاصة العشائرية- حسب ما تقول الناشطة في حقوق الإنسان سلام عبد الحميد لـ(عاين).
تجاهل دعوات التسليح
لم تجد مبادرات تكوين ” مجموعات مسلحة” في محليات دلقو ووادي حلفا إقبالا وسط سكان هذه المناطق.
وفي مدينة مروي أسست المقاومة الشعبية “قوات درع النخيل”. وكان القيادي الإسلامي، الناجي مصطفى خاطب احتفال تدشين “قوات درع النخيل” في احتفال نظمته المقاومة الشعبية مطلع يونيو 2025 بمحلية مروي بالولاية الشمالية.
وطالب الناجي مصطفى الذي اشتهر بمناهضة الحكومة الانتقالية بقيادة عبد الله حمدوك، وقاد تظاهرات ضد بعثة الأمم المتحدة في السودان برئاسة فولكر بيرتس في العام 2022 طالب “قوات درع النخيل” بـ”الزحف” إلى إقليم دارفور لقتال قوات الدعم السريع.
ويقول الباحث في القطاع الأمني والعسكري أحمد السني لـ(عاين): إن “إنشاء مليشيات في جميع الولايات الواقعة تحت سيطرة الجيش السوداني تنافس بين أعضاء الشق العسكري في مجلس السيادة لتحقيق مكاسب سياسية.
وتابع: “هناك تنافس بين الإسلاميين والجيش على عسكرة الحياة العامة، وكل طرف يجهز نفسه لليوم الذي يحرك فيه هذه المجموعات المسلحة لمصلحته، بينما يود الإسلاميون تحقيق مكاسب ميدانية إلى أقصى الحدود يتحسس العسكريون بنادقهم الموزعة بين المجتمعات لمقابلة شر قد تضمره قيادات إسلامية”.