السودان: ماذا وراء تصعيد العمليات العسكرية في كردفان؟

عاين – 8 مايو 2024

شهدت ولاية شمال كردفان يوم الاثنين، إحدى أكبر المعارك العسكرية بين الجيش وقوات الدعم السريع، وسط تضارب في المعلومات بشأن حصيلة القتلى والجرحى بين الطرفين، بينما لم تسجل أي خسائر في صفوف المدنيين، وسط مخاوف سكان المدن خاصة الأبيض ومناطق أخرى في خط النار.

ونقل شهود عيان لـ(عاين) أن عشرات الجرحى من الجيش وصلوا إلى المستشفيات المدنية والعسكرية في الأبيض وكوستي، وامتلأت مستشفيات مدينة الرهد أبو دكنة، والدبيبات بمصابي قوات الدعم السريع، بينما تحدث كل من الجيش والدعم السريع عن أنه ألحق خسائر في الأرواح تقدر بالمئات في صفوف الطرف الآخر.

وهاجم الجيش قوات الدعم السريع على محورين بالتزامن، ومن خلال متحركين، أحدهما قادم من مدينة تندلتي بولاية النيل الأبيض، واشتبك مع قوات الدعم السريع على طريق الأسفلت في مدينة ود عشانا، وتقدم حتى منطقة الغبشة القريبة من مدينة أم روابة التي تتمركز فيها قوات الدعم السريع بشكل رئيسي.

وتحرك المحور الثاني بحسب مصادر تحدثت مع (عاين) من مدينة الأبيض شرقاً، واشتبك مع قوات الدعم السريع في منطقة “جبل كردفان” التي تضم قاعدة عسكرية استراتيجية استولى عليها الدعم السريع في وقت سابق، وتتضارب الأنباء حول السيطرة على هذا المعسكر، حيث أكد إعلام الجيش استعادته، لكن الدعم السريع ينفي ذلك.

وبحسب شهود، فإن مجموعة من قوات الدعم السريع تمكنت من دخول مقر قوات الاحتياطي المركزي في مدينة الأبيض لأول مرة منذ بداية الحرب، ولكن دفع الجيش بتعزيزات إضافية، وتمكن من استعادة السيطرة عليه خلال ساعات قليلة.

فك الحصار

وهي المرة الأولى التي تخرج فيها الفرقة الخامسة مشاة الهجانة التابعة للجيش، إلى هجوم كبير ضد قوات الدعم السريع التي ظلت طيلة الأشهر الماضية، تفرض ما يشبه الحصار الكامل على الأبيض عاصمة ولاية شمال كردفان، حيث كان الدعم السريع يتمركز في ثلاثة مداخل إليها، وهي منطقة المثلث جنوباً، وضاحية الـ13 غرباً، وجبل كردفان شرقاً.

قادة عسكريون في شمال كردفان- الصورة: مواقع التواصل الاجتماعي

وبحسب الخبير العسكري أمين إسماعيل مجذوب، فإن تحركات الجيش كانت نتاجاً لحصار طويل على مدينة الأبيض وإغلاق الطريق القومي الذي يربطها مع كوستي والخرطوم، وتدمير إمدادات المياه للمدينة، فكان لزاماً اتخاذ هذه الهجمات لفتح الطرق القومي أولا، واسترداد منطقة جبل كردفان التي يقع فيها مركز التدريب القتالي والدروع الخاص بالهجانة، مما يعطي أفضلية لتأمين المطار”.

ويقول مجذوب في مقابلة مع (عاين) إن “فتح الطريق القومي الغربي سيمكن من توصيل الإغاثة إلى إقليمي كردفان ودارفور، وإرسال قوات كبيرة وإمدادات عسكرية من الجيش لفك الحصار الذي تفرضه قوات الدعم السريع على عاصمة ولاية شمال دارفور الفاشر، واستخدام مطار المدينة في عمليات الإسناد الجوي”.

ويضيف “تحول الجيش من الدفاع إلى الهجوم وما تم في كردفان ليس بمعزل عن المتحركات الأخرى في الخرطوم ومصفاة النفط، وولاية الجزيرة فهناك تنسيق بينها للانطلاق في زمن واحد، وسوف تنجح هذه الاستراتيجية في تأمين شمال كردفان، وفتح الطريق لفك الحصار عن مدينة الفاشر بإقليم دارفور غربي البلاد”.

بدورها، تستميت قوات الدعم السريع في الحفاظ على سيطرتها على الطريق الغربي الرابط بين الأبيض والفاشر، وسيطرتها الجزئية على طريق الأبيض كوستي بغرض تأمين خطوط إمدادها اللوجستية والعسكرية، وقطع إمدادات الجيش.

معارك قادمة

وتجيء الاشتباكات العسكرية بالتزامن مع ضغوط دولية واسعة على طرفي الحرب لاستئناف مفاوضات السلام في مدينة جدة السعودية، والتي أبدت قوات الدعم السريع مرونة حيالها، بينما يضع الجيش حزمة اشتراطات للعودة إلى طاولة الحوار، من بينها خروج كامل لقوات الدعم السريع من منازل المواطنين والمرافق الخدمية.

من جهته، يقول الخبير العسكري عمر أرباب لـ(عاين) إن “الغرض من هجمات الجيش الأخيرة فتح طريق إمداد للهجانة المحاصرة وإعادة تشغيل مطار الأبيض، حتى يستفاد منه في الإسناد الجوي لإقليم؛ لأن الطلعات ومن قاعدة وادي سيدنا في مدينة أمدرمان إلى غرب البلاد مكلفة، وتستغرق وقتاً طويلاً ووقوداً، وهي كذلك مقدمة لما سيدور في الفاشر التي سيهدد سقوطها مدينة الأبيض فور، فربما أراد الجيش تعزيز سيطرته عليها.

ويشير إلى أن الجيش يرغب في شغل الدعم السريع عن مدينة الفاشر من خلال وضعه في كمين بقطاع كردفان، ويرى أن القوات المسلحة خسرت في المتحرك القادم من النيل الأبيض، بينما فقدت قوات الدعم السريع قادة مؤثرين في معركة الاثنين، وهذا سيعزز من فرضية هجمات ومعارك جديدة قريباً لتعزيز الانتصار وتعويض الخسارة من جانب الطرفين.

مأساة إنسانية

ويأتي تصاعد وتيرة القتال في كردفان في ظل تراجع مضطرد في الأوضاع الإنسانية للمدنيين الذين يعيشون تحت وطأة حرب ضارية على ثلاث جبهات، يقودها الجيش مع قوات الدعم السريع من جهة، ومع الحركة الشعبية – شمال قيادة عبد العزيز الحلو من جانب آخر، وتجلت المأساة في ندرة وغلاء المواد الغذائية وشح الأدوية، وذلك نتيجة لانعدام المسارات الإنسانية الآمنة.

خلال الأسبوع الماضي وقع الجيش والحركة الشعبية – شمال قيادة عبد العزيز الحلو في عاصمة جنوب السودان جوبا، اتفاقية لإيصال المساعدات الإنسانية إلى ولاية جنوب كردفان ومناطق سيطرة الحركة في إقليم جبال النوبة، لكن ثمة تعقيدات تعتري وصول العون الإنساني في ظل سيطرة قوات الدعم السريع على مسارات رئيسية.

معارك في الخرطوم والأبيض واتساع عمليات السلب والنهب

ويرجح المحلل السياسي أحمد حمدان أن تكون تحركات الجيش في ولايتي شمال كردفان والنيل الأبيض تأتي في سياق الاتفاق الموقع مع الحركة الشعبية – شمال، والذي ربما لم يتوقف عند حد الشؤون الإنسانية، ويتعداها إلى جوانب عسكرية فنية.

ويقول حمدان في مقابلة مع (عاين) “يملك الجيش قوات عسكرية كبيرة في مدينة كادقلي، لكنه لا يستطيع تحريكها والاستفادة منها لفتح الطرق وفك الحصار عن الأبيض، لأن سيفقد جنوب كردفان في هذه الحالة في ظل وُجود الحركة الشعبية، لذلك من المتوقع أن يشمل الجانب التفصيلي من الاتفاق وقفاً غير معلن للعدائيات”.

ويضيف: “ربما يراهن الجيش على تفاهمات لوقف العدائيات مع الحركة الشعبية – شمال تتيح له الاستفادة من قواته في كادقلي وتحريكها شمالا لإسناد الأبيض وفتح الطرق، لذلك بدأ في مهاجمة قوات الدعم السريع بقوة وثقة غير مسبوقة”.