السودان وإسرائيل..هل يتأجل التطبيع لسنوات قادمة؟
5 سبتمبر 2020
محطة أخيرة توقف عندها ملف التطبيع بين السودان واسرئيل، وهي “تأكيد مجلس الوزراء السوداني الانتقالي بأن قرار التطبيع مع إسرائيل خارج تفويضها ومتروك لمؤسسات الحكومة المنتخبة”، لكن في خضم ذلك من الرابح ومن الخاسر ، وحجم التباين بين مكونات القوى السياسية، سيما وأن ملف التطبيع ارتبط بشكل مباشر بالعلاقات السودانية- الأمريكية
وبالتالي العقوبات المفروضة على السوداني والتي تكابد الحكومة الانتقالية في السودان لرفعها لما لها من إسهامات في تحسين الاقتصاد المتدهور.
تطبيع مبرر
يرى الأمين السياسي للحزب الجمهوري المؤيد للتطبيع عصام خضر أنهم مع التطبيع من حيث المبدأ حيث لا مانع في رأيه من إقامة علاقات طبيعية مع إسرائيل، لأن عدم اقامة علاقة مع دولة عضو في الأمم المتحدة وبدون سبب مباشر يتعلق بنا كدولة ذات سيادة كاحتلال لأرضنا أو ما شابه ذلك ، أمر لا مبرر له. ويضيف خضر لـ(عاين)، أن الفلسطينيين أصحاب القضية أصبحت لديهم علاقات بإسرائيل بعد توقيعهم لاتفاقية السلام، على حد قوله، فضلا عن أن معظم الدول العربية و الإسلامية لها الآن علاقات مع اسرائيل على مستويات مختلفة. والسودان حسب رأي خضر يحتاج للخروج من كبسولة العداء التاريخي مع إسرائيل والانفتاح أكثر في علاقاته الخارجية.
سباق انتخابي
يرى د.الصادق خلف الله السياسي والدبلوماسي الأمريكي أن التطبيع مع إسرائيل فرض على الخرطوم من قبل واشنطن كجزء من تفاهمات رفع السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب ويدلل خلف الله على حديثه أن وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو وصل إلى السودان لهذا الغرض بصورة معلنة حتى أنه جاء للخرطوم برحلة مباشرة من تل أبيب لأول مرة في التاريخ وهي خطوة تعمد الترويج لها عبر زيارته باعتبارها تدشينا للتطبيع بصورة عملية. كما يؤكد خلف الله ان زيارة بومبيو زيارة انتخابية بامتياز أرادت بها الإدارة الأمريكية الحالية خدمة إسرائيل لتضمن دعم اللوبي اليهودي لها ماديا وسياسيا وإنتخابياً في الانتخابات القادمة.
ملف سيادي عسكري
ويتعجب خلف الله من عدم إمساك وزارة الخارجية بهذا الملف الحساس حيث أن ضربة البداية في ملف التطبيع أطلقها البرهان بلقائه مع نتنياهو في عنتيبي ونفت حينها وزارة الخارجية مشاركتها في اللقاء مما يؤكد حسب إفادة خلف الله لعاين أن ملف التطبيع بيد البرهان لا بيد وزارة الخارجية. يدلل خلف الله على وجهة نظره هذه بالإشارة إلى أن بومبيو قد قضى وقتا أكثر مع البرهان مقارنة بحمدوك إبان زيارته للخرطوم.
ولا يعتقد خلف الله أن وزارة الخارجية ليست على علم بالخطوات الجارية نحو التطبيع بل يتوقع أن تكون هناك تفاهمات بينها وبين المجلس السيادي ليتولى البرهان زمام هذه القضية نسبة لاختلاف وجهات نظر الأحزاب المكونة للحكومة المدنية نفسها تجاه التطبيع.
تطبيع بدون ضمانات
رغم تأكيده على أن زيارة بومبيو للسودان تعتبر في حد ذاتها زيارة لها إيجابياتها حيث أن آخر زيارة لوزير خارجية أمريكي للسودان كانت قبل 15 عاما وقد تمثل بلاشك دفعة معنوية للدبلوماسية السودانية إلا خلف الله يرى أن الزيارة ذات فائدة لأمريكا وإسرائيل أكثر من كونها مفيدة للسودان حيث ان دفع السودان نحو التطبيع يصب في صالح نجاح صفقة القرن التي تتولاها حكومة ترمب وتواجه كثيرا من الفشل، كما أنها تصب في صالح إسرائيل حيث تساهم في فك عزلتها في محيطها العربي.
“أما بالنسبة للسودان فلا فائدة مضمونة حتى وإن اتخذت امريكا قرارا برفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب” يقول خلف الله، ويرى أن هذا القرار إذا تم إصداره فحكومة ترامب في أواخر أيامها لذلك فقد لا يكون ذو فعالية وقد يراجع او يلغى أن تولت زمام الأمور حكومة أخرى بعد الانتخابات. تماما كما حدث حينما رفعت حكومة أوباما الحظر الاقتصادي عن السودان في آخر عهدها وهو القرار الذي لم يكن فعالا ولم يستفد السودان منه طبقا لحديث خلف الله.
كما يؤكد خلف الله ان التطبيع نفسه لا يعتبر شيكا على بياض يجلب للسودان المكاسب الإقتصادية المؤكدة كما يشيع البعض، مشيرا إلى ان دولة مطبعة مع إسرائيل منذ عقود مثل الاردن تعاني اقتصاديا بصورة بالغة كما أن موريتانيا و المغرب وسلطنة عمان دول لديها علاقات مع إسرائيل ولم يثمر تطبيعها ازدهارا اقتصاديا بل يعاني كثير منها من ضوائق اقتصادية معلومة، دولة وحيدة تستفيد من التطبيع هي مصر لأهميتها السياسية والاستراتيجية في المنطقة.
إسرائيل المستفيد الأكبر
من جانبه يتفق جيكي حوجي الصحفي بإذاعة الجيش الإسرائيلي مع خلف الله في أن إسرائيل توطد علاقتها مع الجانب العسكري في السودان بصورة أكبر، ويقول حوجي لعاين: أعتقد ان الاسرائيليين لاحظوا أن العسكريين هم الذين يتولون الحكم، ولو بشكل وقتي، وبالتالي إسرائيل أسست العلاقة معهم. ولكنها ستسعى للتقرب إلى الجانب المدني بعد قيام الانتخابات باعتباره ممثلا للشعب.
كما يرى حوجي أن المستفيد الأكبر من التطبيع هي إسرائيل حيث أن التطبيع مع السودان يتيح لإسرائيل التواجد في مناطق مهمة واستراتيجية كمنطقة البحر الأحمر من جهة وليبيا من جهة أخرى وما لذلك من أهمية امنية وسياسية لإسرائيل، إضافة إلى أن تطبيع العلاقة مع السودان يفتح لإسرائيل المجال الجوي السوداني مما يسهل وصول الطيران الإسرائيلي لأمريكا الجنوبية بسعتين إضافيتين وهو مكسب اقتصادي كبير.
عودة اللاجئين السودانيين
يتواجد بإسرائيل حوالي 6500 مواطن سوداني هربوا من الحرب في مناطق الصراع في دارفور وجبال النوبة يواجهون حسب وسائل إعلام معاملة صعبة ولا ينظر إلى طلبات لجوءهم، يقول حوجي لعاين: أن إعادة هؤلاء المواطنين السودانيين إلى بلادهم يعتبر احد أهم المكاسب الإسرائيلية من التطبيع وهذا ما أكده وزير الاستخبارات ايلي كوهين حيث أكد أن اي اتفاق مع السودان لابد ان يتضمن إرجاع اللاجئين السودانيين إلى بلادهم ، وعند سؤاله عن المخاوف المصاحبة لإجبار اللاجئين على الرجوع وتجاهل المخاطر التي تصاحب خطوة إرجاعهم، رد حوجي أن إسرائيل لا تعتبر أن إرجاع مواطن إلى بلده يعتبر نوعا من التشريد او التعريض للخطر.
تطبيع وشيك بمساهمة إماراتية
من جانبه يرى روعي كايس وهو صحفي مختص في الشؤون الشرق اوسطية بهيئة البث الإسرائيلي أن السودان ينظر إليه في الأوساط الإسرائيلية انه الدولة القادمة التي ستنضم إلى اتفاقيات التطبيع بعد الإمارات ويشير إلى أن هذه الاخيرة بالذات تلعب دورا محوريا في دفع عجلة التطبيع بين البلدين، ويتوقع كايس أن الاتفاق يبدو وشيكا رغم نفي وزارة الخارجية السودانية للتواصل مع إسرائيل وهو نفي يعتبره كايس غير مؤثر لأن هذا الملف بيد رئيس مجلس السيادة البرهان، وهذا ما أكده ايلي كوهين وزير الاستخبارات حيث اشار الى ان الفرق الدبلوماسية في البلدين تعمل على ان يتم الاتفاق قبل نهاية العام الحالي.
يقول كايس لـ(عاين) : أن التطبيع مع إسرائيل يمكن ان يضمن للسودان شطب اسمه من قائمة الدول الراعية للإرهاب إضافة إلى رفع العقوبات الاقتصادية كما ان اسرائيل يمكن ان تتعاون مع السودان اقتصاديا في شتى المجالات لا سيما الزراعة والتكنولوجيا والتعدين وغيرها.