(عاين) تكشف خفايا الحكومة المرتقبة في السودان
عاين- 23 ديسمبر 2024
ترتب قوى سياسية وحركات مسلحة لإعلان حكومة في المناطق الخاضعة لسيطرة قوات الدعم السريع في السودان، لتشكل نقطة تحول كبيرة في مسار الحرب المستمرة في البلاد لأكثر من عام ونصف، وتضرب موعداً مع انسداد جديد لأفق التسوية السلمية للصراع.
وبعدما كانت فكرة ومقترحاً طُرح داخل أروقة تحالف القوى المدنية الديمقراطية “تقدم”، أصبح واقعاً ومن المنتظر إعلانها في أي وقت، عقب اكتمال المشاورات وسط التنظيمات المؤيدة لقيامها، والتي قطعت شوطاً بعيداً وصل حد تحديد هياكل السلطة، والتي ستكون من مستوى سيادي أعلى، وفيدرالي مركزي- وولائي وتشريعي، وفق ما أكده قياديان في الحراك لـ(عاين).
وبحسب المتحدث الرسمي لتحالف القوى المدنية المتحدة “قمم” نجم الدين دريسة الذي تحدث لـ(عاين)، فإن الحكومة التي هم بصدد تكوينها ستعمل من الأرض في السودان، وستكون بكامل الصلاحيات والسلطات السيادية والتنفيذية بما في ذلك استخراج الوثائق الثبوتية للمواطنين، وإصدار العملة، وامتلاك طيران، كما سيكون لها ترتيبات دستورية وقانونية مستقلة بعيدا عن الوثيقة الدستورية التي قال إنها “انتهت مع انقلاب قائد الجيش عبد الفتاح البرهان في 25 أكتوبر 2021م”.
السلطة ستكون مدنية كاملة، ولا يستبعد إسناد الوزارات ذات الطابع العسكري إلى ضباط في قوات الدعم السريع؛ لأن الحكومة ستكون في مناطق سيطرتهم
تحالف (قمم)
ومع تأكيده بأن السلطة ستكون مدنية كاملة، لا يستبعد إسناد الوزارات ذات الطابع العسكري إلى ضباط في قوات الدعم السريع؛ لأن الحكومة ستكون في مناطق سيطرتهم، وذلك في إطار التنسيق الذي سيكون عالياً بين الجانبين، وبغرض الاطلاع بالجانب الأمني.
وبدأت الفكرة بتكوين حكومة في المنفى بعد انهيار مشاورات جنيف التي كان يعول عليها أن تضع حداً للحرب المدمرة في السودان، وكان الهدف ما أسموه نزع الشرعية عن الحكومة التي يقودها الجيش من بورتسودان، لكن في نهاية الأمر رفض تحالف القوى المدنية الديمقراطية “تقدم” المقترح خلال اجتماعات الهيئة القيادية التي أقيمت مطلع ديسمبر الجاري في مدينة عنتيبي الأوغندية، وعدته مدخلاً لتقسيم البلاد.
من يقف وراء الحكومة المرتقبة؟
لكن الأطراف صاحبة الفكرة مضت بخطوتها بمفردها بعيداً عن “تقدم” بل قررت أن تعمل الحكومة من الأرض بدلا عن المنفى، لتحدث تمايز واسعاً في صفوف التحالف السياسي الذي يقوده رئيس الوزراء السوداني السابق د. عبد الله حمدوك، مع حالة من ارتباك كبيرة بعد أن استطاع قادة المقترح استمالة عناصر مؤثرة.
ويقف خلف فكرة الحكومة الموازية عضو مجلس السيادة السابق محمد الحسن التعايشي، ووزير العدل سابقاً نصر الدين عبد الباري، إذ طرح المقترح منذ وقت مبكر على “تقدم” بحسب مصدر من التحالف تحدث لـ(عاين) ووجد تأييداً من قبل مكونات في الجبهة الثورية بما في ذلك رئيسها الهادي إدريس، ورئيس تجمع قوى تحرير السودان الطاهر حجر، ورئيس مؤتمر البجا أسامة سعيد، ورئيس حركة العدل والمساواة سليمان صندل.
وإلى جانبهم قيادات في أحزاب مدنية مثل إبراهيم الميرغني ومحمد عصمت، بينما يجد المقترح معارضة من حزبي المؤتمر السوداني والتجمع الاتحادي، والحركة الشعبية التيار الثوري التي يقودها ياسر عرمان، بالإضافة إلى كيانات نقابية ومهنية، مما أدى إلى سقوط مقترح تشكيل حكومة المنفى خلال اجتماعات عنتبي.
وبدا واضحاً أن قادة المشروع يملكون أكثر من خطة لتنفيذه، وبالتزامن مع التحركات داخل “تقدم” مضت في تشكيل تحالف سياسي آخر تحت مسمى القوى المدنية المتحدة “قمم” والذي عقد أول ملتقى له في مناطق سيطرة قوات الدعم السريع في مدينة الخرطوم في فبراير الماضي، وأُعْلِن تأسيسه رسميا خلال اجتماع جرى في العاصمة الأوغندية كمبالا في شهر سبتمبر المنصرم، وأسندت رئاسته إلى القيادي في مجلس الصحوة الثوري هارون مديخير، والأمانة العامة إلى كبير مفاوضي حركة العدل والمساواة في محادثات جوبا الماضية، إبراهيم زريبة.
ويشكل تحالف قمم الذي جرى الإعلان عنه أنه يضم أكثر من 60 كياناً سياسياً ومهنياً ومدنياً، سند أساسي لدعاة تشكيل حكومة في مناطق الدعم السريع، وفور تلقيهم نتيجة اجتماعات “تقدم” الأخيرة في عنتبي، انخرطت مكونات الجبهة الثورية، والتحالف الذي يقوده هارون مديخير في مشاورات واسعة بدولة كينيا وفق تنسيق مسبق بينها، وخلص إلى تكوين حكومة تعمل من الأرض في السودان، بعدما تعهد الدعم السريع بتوفير الدعم والحماية لها، وفق مصدر رفيع تحدث لـ(عاين).
تنسيق عال
وبحسب المصدر، فإن سلطان عموم الفور، أحمد حسين أيوب علي دينار، قام بأدوار رفيعة في تنسيق اجتماعات كينيا الخاصة بترتيبات الحكومة المرتقبة، وهو يدعم بقوة تكوين السلطة الجديد.
ومع احتمالية أن يكون مقر الحكومة المرتقبة دارفور غربي البلاد، تبرز تساؤلات بشأن الموقف الذي ستتخذه منها حركة جيش تحرير السودان بقيادة عبد الواحد محمد نور، والتي تسيطر على مناطق واسعة في الإقليم.
ويقول المتحدث الرسمي لحركة جيش تحرير السودان محمد الناير إنهم “التقوا هذه المكونات مؤخراً، وأوضحوا لهم رؤيتهم الداعية إلى تشكيل جبهة مدنية عريضة تضم كل السودانيين عدا المؤتمر الوطني، قبل التفكير في تكوين حكومة، لأن الإجماع السياسي والشعبي يحقق سنداً للسلطة وبالتالي نجاحها، وتكون ضعيفة دون ذلك”.
ويضيف الناير في تصريح لـ(عاين): “نحن سلمنا رؤيتنا، وإذا مضوا في تكوين الحكومة ساعتها سندرسها، ومن ثم اتخاذ موقف بشأنها، ولكل حدث حديث”.
وبخلاف الموقف الرسمي لتحالف “تقدم” فإن مكونات مؤثرة تدعم فكرة تشكيل حكومة في مناطق سيطرة قوات الدعم السريع، من بينهم زعيم حزب الأمة القومي فضل الله برمة ناصر، الذي يؤيد المقترح ليس عن قناعة، لكن خشية منه أن يشكل محمد حسن التعايشي حزبا سياسياً، ويسحب الجماهير التاريخية لحزب الأمة، والذين يتمركزون في إقليمي كردفان ودارفور، وبعض من النيل الأبيض وفق مصدر مقرب أبلغ (عاين).
وسأل مراسل لـ(عاين) المتحدث الرسمي للقوى المدنية الديمقراطية “تقدم” د. بكري الجاك عن مستقبل التحالف، والتدابير التي سيقوم به عقب مضي بعض مكوناته في تشكيل حكومة بمناطق سيطرة قوات الدعم السريع، رغم رفض الفكرة في اجتماعات عنتيبي، وقال “القضية أحيلت برمتها إلى آلية سياسية شُكِّلَت، وهي ستفتي في كيفية معالجة تنفيذ الرؤية السياسية وإدارة كل المآلات”.
استعادة الشرعية
ومع بروز فكرة الحكومة الموازية لم يتوقف الجدل في المشهد السوداني، وسط مخاوف واسعة من أن يكون هذا التحول مدخلاً لتقسيم البلاد، بينما يدافع أصحاب المقترح عنه بشدة، مبررين بخطوات انفصالية تمارسها السلطة في بورتسودان. في وقت تشير تقارير صحفية إلى تأييد ودعم قوات الدعم السريع للخطوة
ويقول رئيس الجبهة الثورية الدكتور الهادي إدريس في مقابلة مع (عاين) إنهم “يدعون إلى تكوين حكومة مدنية تسعى إلى استعادة شرعية الحكم المستندة إلى ثورة ديسمبر المجيدة. فهذه ليست حكومة المنفى أو حكومة الدعم السريع كما يروج لها أصحاب الأغراض الشخصية”.
الحكومة المرتقبة ستطرح ميثاقها السياسي التأسيسي لجميع قوى الثورة والتغيير
الهادي إدريس
ويضيف: “تمر بلادنا بفراغ دستوري نتيجة الحرب المستعرة، وتحاول سلطات بورتسودان ملء هذا الفراغ بسلطة فاقدة للشرعية. وتستغل هذه السلطة الشرعية المدعاة لتعطيل عملية السلام عبر رفضها لكافة المبادرات، بل تسعى جاهدة إلى تقسيم البلاد من خلال إجراءات أحادية غير قانونية، مثل طباعة العملة، ومنح الأوراق الثبوتية والهوية لمناطق معينة دون غيرها”.
ويشير إلى حرمان 60 بالمئة من الطلاب في غير مناطق سيطرة الجيش من الجلوس لامتحانات الشهادة السودانية، وتنفيذ قانون الفصل العنصري (الوجوه الغريبة)، فضلاً عن استهداف مناطق معينة بالطيران، كما حدث في مجزرة سوق كبكابية الأسبوع الماضي، وغيرها من الانتهاكات”.
وشدد إدريس: “من أجل هذه الأسباب وغيرها، نحن نرى أن هنالك حاجة ملحة لتكوين حكومة جديدة تؤسس لشرعية الحكم والإدارة في البلاد، وتعمل على إحلال السلام وتحقيق الوحدة الوطنية. القوى المدنية والثورية التي تؤمن بفكرة إنشاء هذه الحكومة ستطرح ميثاقها السياسي التأسيسي لجميع قوى الثورة والتغيير، على أن يتم بناء الحكومة المدنية على أساسه، بهدف وقف الإجراءات التقسيمية التي تقوم بها سلطات بورتسودان”.
وتابع: “هذه الحكومة ستؤسس لوحدة وطنية على أسس جديدة تساهم في وقف الحرب وإنهائها. إذا لم تتحرك القوى الوطنية الآن نحو إنشاء هذه الحكومة الشرعية التي تمثل جميع السودانيين، فإن البلاد ستنقسم بناءً على الإجراءات التقسيمية الحالية التي تتم وفق توجيهات دولة النهر والبحر من الحركة الإسلامية”.
المخاوف من أن تقود الخطوة إلى انقسام، غير منطقية لأن إجراءات الانقسام تقوم بها السلطة في بورتسودان
تحالف (قمم)
من جهته، يرى المتحدث الرسمي لتحالف القوى المدنية المتحدة “قمم” نجم الدين دريسة، أن المخاوف التي تبديها “تقدم” وبعض الدوائر من أن تقود الخطوة إلى انقسام، غير منطقية لأن إجراءات الانقسام تقوم بها السلطة في بورتسودان، فعندما نعلن حكومة من الخرطوم سيؤسس ذلك للوحدة الوطنية، فهناك ضرورة ملحة، وهي ليست قفزة في الظلام، بل قائمة على رؤى وتصورات ومبررات موضوعية.
تحييد الطيران
ويقول دريسة في مقابلة مع (عاين):”سيكون هناك تأسيس قانوني ونظري للحكومة الجديدة بعيدا عن الوثيقة الدستورية التي انتهت بانقلاب البرهان، وستكون بصلاحيات كاملة، كما تعمل مع المجتمع الدولي لحظر الطيران في السودان، وكذلك تستطيع تحييد الطيران بوسائل كثيرة بينها امتلاك طيران، ومضادات، كل ذلك وارد”.
وجود حكومة ثانية في السودان يعني تقسيماً فعلياً وإعلاناً رسمياً لتقسيم البلاد لدولتين
فيصل محمد صالح
بينما يشير وزير الإعلام الأسبق فيصل محمد صالح، إلى أن وجود حكومة ثانية في السودان، رغم رأيه بعدم شرعية حكومة بورتسودان يعني تقسيماً فعلياً وإعلاناً رسمياً لتقسيم البلاد لدولتين على نحو ما حدث في ليبيا وسوريا واليمن، ما زاد الوضع تعقيداً، إذ لم يتمكنوا من إقامة انتخابات أو وضع خطة للسلام، ولا توجد أي صيغة تنفي التقسيم، كما أن المبررات المقدمة ضعيفة.
وشدد صالح في مقابلة مع (عاين) أن الحكومة المرتقبة ستواجه مصير الإدارات المدنية التي شكلتها قوات الدعم السريع في مناطق سيطرتها، لأن منسوبي هذه القوات لن ينصاعوا إليها، وستكون سلطة شكلية.
ويرى صالح، أن المكونات الداعمة لهذا الاتجاه بعضها لديها صلات مباشرة مع قوات الدعم السريع، بينما يعتقد آخرون بأن تشكيل حكومة سيكون خطوة إيجابية فلا ينبغي التشكيك في النوايا بشكل عام.
ويقول: “يعتقد البعض أنهم سيسحبون الشرعية من حكومة بورتسودان، ولكن هذا وهم، فلن تعترف أي دولة في العالم بهذه الحكومة، فهناك نموذج قائمة مثل صومالاند، كما أن وجود حكومتين يمثل إعادة شرعية إلى البرهان، فكل الوساطات كانت تقدم الدعوة إلى الجيش والدعم السريع، وليس حكومة، مما يعقد وضع التفاوض مستقبلاً”.