هل يتجه الجيش السوداني للتفاوض؟ 

عاين- 16 سبتمبر 2023 

في ظل تدهور ملحوظ لأوضاع المدنيين في السودان بالمدن التي يستعر فيها القتال بين الجيش والدعم السريع تلاشت الآمال بشأن عودة الجيش إلى مفاوضات جدة بالمملكة العربية السعودية منذ مغادرة وفده في نهاية يونيو الماضي إثر خلافات على بعض النقاط المرتبطة  بانتشار قوات الدعم السريع سيما في العاصمة السودانية.

وأسفرت الحرب بين الجيش والدعم السريع منذ 15 أبريل الماضي عن مقتل أكثر 5 آلاف شخص وإصابة 12 ألف شخص ووفاة حوالي ألف طفل بالعنف المسلح والجوع ونزوح أكثر من 5 ملايين أغلبهم من العاصمة الخرطوم ولجوء حوالي مليون شخص إلى دول الجوار- بحسب تقارير دولية.

ويُطرح سؤال مُلح في أروقة المجتمع المدني في السودان عن موعد عودة الجيش إلى مفاوضات جدة أو متى سيتفاوض؟ قياسا بالأوضاع على الأرض حسب عضو التيار الوطني والناشط في منظمات المجتمع المدني في السودان نور الدين صلاح الدين الذي يقول: “الجيش لا يمكنه التفاوض وهو على هذه الوضعية ولن يذهب إلى جدة قبل استعادة القصر ومحيط القيادة العامة الواقعة تحت سيطرة الدعم السريع”.

صعوبة العودة

يُعضد إفادة نور الدين، تقرير نشرته بعثة اليونتامس مطلع الشهر الحالي ويبين التقرير سيطرة الدعم السريع على غالبية مناطق العاصمة السودانية  فخلال شهر أغسطس الماضي ارتفعت وتيرة المعارك العسكرية خاصة مع محاولات الدعم السريع للاستيلاء على سلاح المدرعات جنوب الخرطوم بتنفيذ نحو 48 هجمة عسكرية في 12 يوما بشكل متوال كل هذه التطورات تعكس رغبة الطرفين في تحسين الوضع العسكري خاصة مع نوع من اللامبالاة التي أظهرتها الولايات المتحدة الأميركية وقد تكون متعمدة في نظر الباحث السياسي أحمد مختار.

محلل سياسي: الولايات المتحدة من الجهات الراعية لمنبر جدة وقد تغض الطرف عن المعارك العسكرية والوضع في السودان حتى يصل الطرفان إلى “توازن الضعف”

يضيف مختار قائلا لـ(عاين)، إن الولايات المتحدة من الجهات الراعية لمنبر جدة وقد تغض الطرف عن المعارك العسكرية والوضع في السودان حتى يصل الطرفان إلى “توازن الضعف” وهي تعتقد أن الجيش ليس في موقف تفاوض ولذلك في بعض الأحيان الدبلوماسيون الأميركيون يحاولون منح فرصة للطرف المطلوب منه التنازلات أن يحصل على “بعض النقاط ” التي تجعله قادرا على تقديم التنازلات علاوة على ذلك فإن العقوبات التي طالت قادة الدعم السريع مؤخرا تؤثر على الوضع العسكري لهذه القوات وهي بمثابة تهديدات أميركية ضد دقلو حتى يقوم بلعب دور حقيقي في إيقاف الحرب بتقديم التنازلات المطلوبة منه يضيف مختار .

تعتبر مطالب الجيش في مفاوضات جدة أو حتى في مبادرة الاتحاد الأفريقي متعلقة بوضعيته على طاولة التفاوض في مواجهة ممثلي الدعم السريع فهو يريد أن يكون ممثلا للسيادة والحكومة والشعب السوداني وفق ما طرحه ممثلون عنه في مفاوضات جدة في يوليو الماضي وطُرح ذلك أمام رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فكي عبر وزارة الخارجية السودانية.

يقول عضو التيار الوطني نور الدين صلاح الدين، إن المجتمع الدولي في نظرته إلى “طرفي الصراع” يعتبره قتال بين قوتين عسكريتين ويستند إلى قانون الدعم السريع الذي أُجيز في 2017 في عهد المخلوع إلى جانب وضعية هذه القوات في الوثيقة الدستورية في 2019.

رسائل الجيش

في شهر أغسطس الماضي أرسل الجيش رسالة إلى رعاة منبر جدة ومفوضية الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة بالتعامل مع قوات الدعم السريع كـ”مليشيات ” دون وضعها على مسافة واحدة مع القوات المسلحة وهي شروط في نظر الجيش إذا حدثت قد تساعد على وقف القتال. بحسب مصدر عسكري لـ(عاين).

مصدر عسكري: الجيش يعلم أن النتائج المترتبة على المفاوضات قد تجعل الدعم السريع قوة عسكرية مستقلة وقد تتفاقم الأمور إلى اسوأ لذلك لا خيار سوى الذهاب نحو تذويب هذه القوات في الجيش الوطني الذي يمثل الشرعية حسب قانون القوات المسلحة.

ويرى المصدر العسكري، أن الجيش يعلم تماما أن النتائج المترتبة على المفاوضات قد تجعل الدعم السريع قوة عسكرية مستقلة وقد تتفاقم الأمور إلى اسوأ لذلك لا خيار سوى الذهاب نحو تذويب هذه القوات في الجيش الوطني الذي يمثل الشرعية حسب قانون القوات المسلحة.

وحول مصير مفاوضات جدة يقول المصدر: “سيذهب وفد الجيش لكنه لا يمكن التوصل إلى تفاهمات واختراق إلا بمشاركة بمستوى رفيع من كبارة قادة الجيش لأن الوفد الحالي لا يملك الصلاحيات ربما يعمل على الإجراءات الفنية والشروط الممكنة في نطاق صلاحيته لكن القرارات الحاسمة سيتخذها قادة عسكريين كبار”.

بينما يقول أحد قيادات قوى الحرية والتغيير “المجلس المركزي” ممن لهم صلة بالجولات الخارجية في حديث لـ(عاين)، إن وصول وفد الجيش إلى جدة أمر حتمي سيحدث آجلا أم عاجلا لكن قبل ذلك من المرجح أن يزور القائد العام للقوات المسلحة المملكة العربية السعودية بعد غد الاثنين.

كيف رأيت الخرطوم بعد (3) أشهر من الحرب؟ مراسلة لـ(عاين) تعود للعاصمة وتتجول لوقت قصير في شوارع المدينة

ويعتقد المصدر أن المجتمع الدولي لم يتخل عن ضغوطه على طرفي الصراع في السودان بل لديه تقديرات لها صلة بالوضع العسكري على الأرض لأن الطرفين يجب أن يكونا على قناعة بضرورة الخيار السلمي بديلا للحل العسكري ودون المزيد من التفاصيل يمكنني أن أقول أن الوقت قد حان في نظر الولايات المتحدة الأميركية لإيقاف القتال في السودان”.

مراكز متعددة داخل الجيش

يعزو المحلل السياسي عباس التجاني في حديث لـ(عاين)، التعقيدات التي تواجه استئناف التفاوض في منبر جدة بالمملكة العربية السعودية إلى تعدد المبادرات الإقليمية من مبادرة الإيقاد ورئاسة كينيا للجنة الرباعية المرفوضة من جانب الجيش علاوة على مؤتمر دول الجوار الذي عقدته مصر في يوليو الماضي.

محلل سياسي: منبر جدة غير فعال، وهناك تعدد مراكز اتخاذ القرار داخل الجيش ما بين خيار الحسم العسكري والحل السلمي.

 ويرى التجاني، أن الملف السوداني ينتقل من عاصمة إلى عاصمة وتمكن الجيش إزاء هذه التطورات من الحصول على هامش المناورة السياسية والدبلوماسية.

ويتابع التجاني بالقول: “منبر جدة نفسه غير فعال ولا يملك القدرة على ممارسة الضغوط على الطرفين المتحاربين في السودان كما لا يوجد قرار مركزي داخل المؤسسة العسكرية ومن الواضح هناك تعدد المراكز ما بين خيار الحسم العسكري والحل السلمي”.

ويعتقد التجاني، أن منبر جدة يجب أن يكون مؤثرا ويجب ترفيع التمثيل العسكري للوفدين وفتح المفاوضات بشكل أكبر مع دمج جميع المبادرات الإقليمية لتحقيق اختراق في المفاوضات”.

ونفذ البرهان خلال أسبوعين أكثر من سبعة جولات إقليمية شملت مصر وجنوب السودان وإرتريا وقطر وتركيا وأوغندا كان الهدف منها الحصول على دعم إقليمي لتشكيل حكومة في مدينة بورتسودان.

رفض إقليمي لحكومة بورتسودان

يوضح دبلوماسي سابق بوزارة الخارجية السودانية في حديث لـ(عاين) أن جميع هذه الدول أبلغت البرهان بضرورة الذهاب نحو المفاوضات والحل السلمي لوقف القتال بين الجيش والدعم السريع.

دبلوماسي سابق: دوافع استمرار البرهان في خطته لتسويق تشكيل حكومة تصريف الأعمال خشية من انقلاب داخلي عليه من ضباط ينتمون إلى الحركة الإسلامية. 

ويتابع بالقول: “رفضت الكويت إستقبال قائد الجيش السوداني عندما تقدم بطلب وقد تكون هناك تدخلات من المملكة العربية السعودية التي ترعى منبر جدة وتعتقد أن البرهان يمضي في اتجاه الخيار الآحادي”.

ويقول المصدر الدبلوماسي، إن البرهان معزول من معرفة ما يدور حوله لدرجة أنه لم يزر أي مركز لإيواء النازحين عقب مغادرته مباني القيادة العامة نهاية أغسطس الماضي بترتيبات إقليمية ودولية وهناك من يصور له أن تكوين حكومة تصريف أعمال ضرورة حتمية حتى وإن لم تحصل على الاعتراف الدولي والإقليمي يمكنها الحصول عليها لاحقا مع مرور الوقت.

ويشرح هذا المصدر، دوافع استمرار البرهان في خطته لتسويق حكومة تصريف الأعمال خشية من انقلاب داخلي عليه من ضباط ينتمون إلى الحركة الإسلامية خاصة الدفعة 40 في الكلية الحربية وهم اليوم في رتبة اللواءات ويقودون غالبية الحاميات العسكرية.

في ذات الوقت يرى المصدر الدبلوماسي، أن هامش المناورة لدى البرهان أصبح ضيقا ولم يعد يمتلك العديد من أوراق اللعبة كما كان يفعل قبل الحرب بين القوى المدنية والدعم السريع والإسلاميين والحركات المسلحة ولجان المقاومة.

تراجع الجيش يُشل التفاوض

بينما يقول الباحث في الشؤون الإستراتيجية محمد عباس في حديث لـ(عاين)، أن الجيش لديه رغبة في تحسين وضعه الميداني ليتفاوض هو يقف على أرض صلبة لكنه لا يستطيع تحقيق ذلك في المنظور القريب لأنه غير جاهز فنيا وعسكريا وحملات التجنيد لا يمكن أن تحقق هذا الهدف لأن الدعم السريع لديه إمكانيات في التجنيد يتفوق كثيرا على الجيش خاصة في مهام القوات البرية المطلوبة في حرب المدن مثل الحروب التي تدور حاليا في الخرطوم ونيالا وزالنجي والأبيض والفاشر.

ويقول عباس، إن الجيش حاول إحراز تقدم ميداني الشهرين الماضيين لكن أقصى ما حصل عليه حماية قواعده العسكرية الإستراتيجية مثل سلاح المدرعات والمهندسين وسلاح الإشارة وأجزاء من القيادة العامة بينما قوات الدعم السريع تحاصر جميع هذه المقار وعلى الأحياء السكنية في العاصمة السودانية.

 ويضيف عباس: “منبر جدة جاء برعاية المملكة العربية السعودية التي لديها تأثير على الاتحاد الأفريقي والولايات المتحدة والعواصم التي زارها البرهان لذلك لم يتلقى تأييدا حول خياره الذي يتمثل في تكوين حكومة البحر الأحمر”.

وأردف: “لا أعتقد أن الحكومة لديها فرصة نجاح على ساحل البحر الأحمر الذي يعد ملفا استراتيجيا بالنسبة للملكة العربية السعودية”.

وأردف: “حتى إذا مضى في خيار تكوين حكومة تصريف الأعمال في بورتسودان لن يتركه المجتمع الدولي ويدير له ظهره سيلجأ إلى التدخل العسكري الدولي عبر القوات الأممية وهو مؤشر بدأ يلوح في الأفق مع تمترس مراكز القرار السياسي داخل المؤسسة العسكرية بخيار الحل العسكري”.