الحرب تضع احتياجات ملايين السودانيين على المحك
30 أبريل 2023
مركز صغير لتوزيع طحين القمح “الدقيق” في مدينة بورتسودان بولاية البحر الأحمر شرق البلاد أصبح مكتظاً بعشرات الشاحنات القادمة من ولايات السودان نتيجة توقف مطاحن الغلال في العاصمة الخرطوم جراء اندلاع المعارك بين الجيش والدعم السريع منذ منتصف أبريل الجاري.
سلاسل الإمداد الغذائي والدوائي والخدمي “ضُربت في مقتل” كما يقول مصدر حكومي من ولاية القضارف شرق السودان رداً على سؤال (عاين) حول التدابير لتوفير الدقيق والوقود والدواء للمواطنين في الولاية الحدودية مع إثيوبيا.
فيما يقول سائق شاحنة عبر الهاتف من مدينة بورتسودان، “كنا نقف لساعات فقط في مستودع لتوزيع طحين القمح، لكن حاليا ننتظر منذ أسبوع لاستلام شحنة مخصصة لمدينة كسلا شرق البلاد”.
ومع اعتماد ملايين السودانيين على الخبز في الوجبات مرتين على الأقل في يوميا فإن توزيع الدقيق على الولايات قد يواجه مشكلة في ظل نقص الإنتاج الذي يتركز أغلبه في مطاحن غلال رئيسية بالعاصمة حيث تستعر المعارك هناك.
وجراء الطلب المرتفع على طحين القمح ارتفع كيس صغير 25 كيلو جراما من 9 آلاف جنيه (16 دولار أمريكي ) الى 17 ألف جنيه (29 دولارا أمريكيا ) خلال نهاية الأسبوع الماضي.
يقول كارم عبد الله العامل السابق في وكالة اغاثة أممية لـ(عاين)، إن الضغط سيكون مضاعفا على طحين الخبز وأن المشكلة الرئيسية تكمن في عدم توفر ممرات آمنة”.
وأردف : “كيف يمكن إيصال الشحنات الى نحو عشرة ملايين شخص عالقون في العاصمة السودانية لأن الهدنة التي أقرها الطرفان خمسة مرات لم توفر ممرات آمنة الى جانب عدم توفر البنية التحتية بالشكل الذي يتيح وضع خيارات لسلاسل الإمداد في العاصمة”.
ويضيف :”ربما تخطط وكالات الأمم المتحدة لبناء مستودع مساعدات مقرها سيكون في مدينة بورتسودان شرق البلاد وإذا تحقق هذا يمكن حل مشكلة ملايين الأشخاص لكن تبقى هناك مشكلة التوزيع وضمان وصول المساعدات الى المتأثرين بالحرب خاصة في العاصمة والأبيض والفاشر ونيالا”.
ومع استمرار القتال في ظل انعدام تقارب بين الطرفين حول قبول دعوات دولية للحوار والتفاوض فإن الوضع الانساني المتعلق بالأدوية والمراكز الصحية يثير مخاوف السودانيين.
يقول أحمد عابدين وهو مالك شركة استيراد أدوية مقرها العاصمة السودانية، لـ(عاين)، إن الحرب أوقفت الاستيراد والتوزيع لأن جميع الأعمال متوقفة حاولنا التواصل مع المصانع المحلية لكنهم أيضا توقفوا عن العمل وبعضها لم ينج من أعمال النهب”.
ويشير عابدين، الى أن الأدوية المتوفرة هي التي وصلت الصيدليات قبيل اندلاع الحرب وبعض المستشفيات حصلت على أدوية شحيحة من متطوعين لكن الإمداد الرئيسي لن يعمل قبل شهر من الآن حتى إذا توقفت الحرب لأن النهب والسلب طال الشركات والمستودعات.
يضيف عابدين :”مشكلة حرب الخرطوم أنها تغوص في فوضى النهب والناس يتخوفون من النهب والفوضى أكثر من الحرب “.
ويرى عابدين، أن الحظ قد يكون حليفا السودانيين إذا حصلوا على الدواء بسعر مضاعف في ظل الوضع المرتبط بالحرب لذلك لن يكون بإمكان المرضى الحصول على الجرعات الضرورية إذا لم يكونوا في مناطق آمنة والأفضل أن تكون خارج العاصمة.
وتضع المعارك العسكرية المستمرة في مناطق العاصمة السودانية حياة ملايين السودانيين على المحك بسبب صعوبة الحصول على الأدوية والخبز وحتى النقود بسبب ضعف قدرات البنوك، بحسب مصعب الحسن العامل في منظمة طوعية.
ويرى الحسن، في مقابلة مع (عاين)، أن الحرب في بلد مثل السودان يجب أن يتم حصارها لأن هذا البلد يفتقر الى البنية التحتية حتى الآن لا يمكن التكهن بمصير سلاسل الإمداد متى ستبدأ في توزيع الغذاء إلى الأحياء في العاصمة السودانية البعض يقضي في طوابير الوقود يومين او ثلاثة ولا يحصل عليها لسيارته.
منذ بدء القتال بين الجيش والدعم السريع في الخرطوم يقول وكلاء محطات الوقود إن شاحنات الوقود لم تصل الى محطات التوزيع والعديد من الولايات تعمد على العاصمة كنقطة عبور مثل ولايات دارفور.
ومع ارتفاع درجات الحرارة وتزايد الاستهلاك في قطاع الكهرباء لا يمكن التكهن بمصير هذه الخدمة الحيوية في ظل استمرار الحرب بالعاصمة سيما في ظل نقص الانتاج و برمجة القطوعات منذ سنوات.
يقول الخبير الاقتصادي محمد ابراهيم لـ(عاين)، انه جرى تشكيل لجنة حكومية تضم وزراء الاختصاص للأزمة لكن المشكلة أن الحرب جاءت بعد فراغ حكومي استمر لعام ونصف بالتالي الأوضاع لم تكن مواتية منذ البداية على تجنب الأزمات أثناء الحرب”.
ويرى ابراهيم، أن مشكلة الحرب آثارها التي تطال المدنيين حتى في تلك الولايات الآمنة مثل ارتفاع الأغذية والسلع الضرورية وظهور السوق الموازي للوقود ونقص الكهرباء وشح السيولة النقدية وتعطل تطبيقات البنوك على الانترنت”.
ويشير ابراهيم، إلى أن الجيش ربما يعتقد أنه بالإمكان إنهاء المعركة على الأقل في العاصمة في غضون ثلاثة أسابيع أو شهر لكن في ظل الوضع الراهن لا يمكن أن يتحقق ذلك.
واردف :”بمعزل عن التأثير السياسي يجب أن يشكل الجيش خلية لادارة الأزمة لاستيراد السلع الضرورية وتوزيعها بالسعر المحدد قبل الحرب والتواصل مع الأمم المتحدة لتوفير ممرات آمنة بالضغط على الدعم السريع لضمان التوزيع “.
وأضاف :”لا يمكن نقل الوقود الى خزانات عملاقة تغذي محطات الكهرباء شمال العاصمة السودانية لأنها تحت سيطرة الدعم السريع اذا خرجت هذه المحطة عن الخدمة ستخسر الشبكة العامة حوالي 350 ميغاواط /ساعة “. وأردف :”في الحروب الجيوش تقوم بحراسة سلاسل الامداد والتوزيع والنظام لكن الجيش السوداني ترك المدنيين يواجهون مصيرا مظلما”.