السودان: الانقلاب العسكري يعيد إمبراطورية الإخوان المسلمين الاقتصادية
27 ديسمبر 2022
يسعى انقلابيو السودان بخطى حثيثة إلى إعادة إمبراطورية الإخوان المسلمون في السودان، التي عملت حكومة الفترة الانتقالية على تفكيك بنيتها، وبينما يقاوم السودانيون إيقاف الردة في مؤسسات الدولة بالعزم على إسقاط إنقلاب25 أكتوبر 2021، فإن الإسلاميين يجاهدون لإستعادة وضعيتهم القديمة بدعم قادة الانقلاب.
الخميس الماضي، أعلن وزير المالية والتخطيط الاقتصادي لحكومة الانقلاب، جبريل إبراهيم، إلتزام الوزارة باستكمال تسليم مقار وأصول منظمة الدعوة الاسلامية، تنفيذاً لقرار المحكمة العليا.
الوزير الذي التقى وفد منظمة الدعوة الاسلامية عن طريق إجتماع ترأسه الأمين العام للمنظمة موسى المك كور المعروف، وعد بتذليل العقبات التي تواجه عملها. بينما أثنى وزير التنمية الاجتماعية، أحمد آدم بخيت باستئناف المنظمة لنشاطها الذي يقع ضمن اختصاص وزارته، وأشار إلى أن الوزارة تحتاج لتضافر جهود المنظمات الوطنية والإقليمية والدولية لتتكامل أدوارها مع الحكومة.
وفي الخامس والعشرين من أبريل العام الحالي، أي بعد ستة أشهر من إنقلاب “البرهان” أصدرت المحكمة القومية العليا قراراً نهائياً ببطلان القرار (156/2020) الذي صدر من لجنة إزالة التمكين واسترداد الأموال المنهوبة الذي بموجبه تم حل وإلغاء تسجيل منظمة الدعوة الإسلامية وإلغاء الإجراءات المترتبة عليه.
وكانت لجنة التمكين المجمدة أصدرت في العاشر من أبريل 2020 قراراً بحل وإلغاء تسجيل منظمة “الدعوة الإسلامية”، وحجز واستعادة ممتلكاتها وأصولها داخل السودان وخارجه لصالح الدولة على أن تؤول لوزارة المالية، وإلغاء سجل الشركات المملوكة للمنظمة ومشاريعها الاستثمارية، والغت اتفاقية المقر، وإغلاق مكتب السودان.
كما أشارت اللجنة وقتها، إلى أن مقر المنظمة بالعاصمة الخرطوم، شهد تسجيل البيان الأول لانقلاب الرئيس المعزول عمر البشير قبل استلامه للسلطة في يونيو 1989.
دولة داخل دولة
وأنشأ تنظيم الأخوان المسلمين، في السودان، بقيادة حسن عبد الله الترابي، منظمة الدعوة الإسلامية في العام 1989 وفق قانون الهيئات التبشيرية لعام 1961 وبناءً على إتفاقية أُقرت وفق قانون أجازه مجلس الشعب ووقع عليه الرئيس الأسبق جعفر نميري.
وشغل المشير سوار الذهب المعروف بميوله الإسلامية منصب رئيس مجلس أمناء المنظمة منذ تركه رئاسة حكومة السودان في 1985 وحتى رحيله في 2018 . وبعد عام من إنقلاب الإسلاميين في السودان، تم تجديد القانون وهو ما منح المنظمة امتيازات وحصانات وإعفاءات جمركية وضريبية.
وقال عضو مجلس السيادة السابق، والرئيس المناوب للجنة إزالة التمكين المجمدة بواسطة قرارات “البرهان”، محمد الفكي سليمان لـ (عاين): أن إنقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر، جمد لجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو 1989، وفتح الباب لنقض كامل قراراتها.
ولفت الفكي، إلى أن السودان عقب إستيلاء الجيش على السلطة شهد عودة كافة المنظمات والمؤسسات التي أوقفتها لجنة إزالة التمكين، كما تم إرجاع الموظفين الذين تم إيقافهم عن العمل. وأشار سليمان، إلى أن عودة منظمة الدعوة الاسلامية، بقرارات الانقلابيين، لا تنفصل عن السياق الكلي الذي تمت فيه هذه القرارات الارتدادية.
“إهتمام جماعة الإخوان المسلمين بمنظمة الدعوة الإسلامية مرده إلى أن المنظمة تعتبر مركز لدعم تنظيمهم منذ قبل إنقلاب 1989، كما أنها دُعمت بالأموال والقوانين الخاصة”. يقول عضو مجلس السيادة الانتقالي السابق، محمد الفكي سليمان.
ويضيف:”المُطلع على قانون منظمة الدعوة الإسلامية، لا يساوره الشك في أن المنظمة تعتبر دولة داخل الدولة”.
وأكد الفكي، أن منظمة الدعوة الإسلامية ليست مجرد منظمة عادية، وأمر إستعادتها مهم بالنسبة للأخوان المسلمين ويعتبرونه إنتصاراً مادياً ومعنوياً لهم.
ونوه الرئيس المناوب للجنة إزالة التمكين المجمدة، إلى أنه تحت مظلة منظمة الدعوة الإسلامية يوجد عدد كبير من الشركات التي تعمل في عدد من المجالات مثل “النقل والمقاولات والآليات الثقيلة، مروراً بالأدوية وغيرها من الأنشطة”.
ممتلكات
في تقرير الأعمال السنوي، الذي أعدته لجنة إزالة التمكين المجمدة بأوامر قائد الانقلاب عبد الفتاح البرهان، والصادر في أبريل 2021. اعتبرت اللجنة أن المنظمة تعد من كُبــرَى الواجهات التابعـة لنظــام الثالثيــن مــن يونيو 1989، وأعلنت أيلولة جميـع أمـوال المنظمـة وممتلكاتها وأصولها الثابتـة والمنقولـة، لحكومـة السـودان بواسطة وزارة الماليـة والتخطيـط الاقتصـادي.
وأحصى التقرير 21 قطعة أرض سكنية بمساحات متفاوتة موزعة على الخرطوم العاصمة، مملوكة للمنظمة، كما لفت التقرير إلى أن بعثات الولايات تمتلك 7 قطع سكنية بولاية كسلا و12 قطعة بولاية شمال دارفور و7 قطع بالإقليم الأوسط و4 بالميرم و26 قطعة بولاية جنوب كردفان، فضلاً عن قطعتين بولاية النيل الأزرق و4 قطع بولاية جنوب دارفور، وقطعتين بولاية غرب دارفور.
كما فصّل التقرير إمتلاك المؤسسة الأفريقية للتعليم، التابعة لمنظمة الدعوة الإسلامية لـ31 قطعة أرض مقسمة على 5 ولايات.
وأوضح التقرير، أن المنظمة تمتلك عدد من الشركات التي تدار تحت مؤسسة دانفوديو القابضة والتي تضم مؤسسة دانفوديو القابضة، ودانفوديو التجارية، ودانفوديو للمقاولات والطرق والجسور، ودانفوديو لخدمات البترول، وشركة الكنار للأدوية، وشركة دانفوديو للصناعات المتطورة “سوريبا”، وشركات مواصلات المدنية “عابرة”، وشركة طيبة للهندسة والمقاولات المحدودة، وسنتكس للاستشارات والدراسات الهندسية، بالإضافة إلى شركة بلسم للأدوية. وبحسب التقرير فإن هذه المنظمة تمتلك هذه الشركات بنسبة مئوية كاملة أو كجهة مساهمة.
وأشار التقرير، إلى أن شركة دانفوديو التجارية تمتلك 5 أقسام: دانفوديو للآليات الثقيلة وتمتلك وكالة حفارات ولودرات دوسان الكورية، ودانفوديو للسيارات وتمتلك وكالة سيارات الأيسوزو وشاحنات وبصات دأيو، ودافو الزراعية التي تمتلك وكالة تراكتورات فارمتراك و قسم خدمات ما بعد البيع وهو القسم المسؤول عن صيانة واسبيرات جميع الوكالات، فضلاً عن امتلاك المنظمة لدانفوديو للأعمال الكهربائية وهي شركة مختصة في تركيب المصاعد الكهربائية ووحدات التكييف المركزي.
وأوضح التقرير، أن المنظمة تمتلـك أسـهماً فـي كل مـن بنـك الشـمال الإسلامي، البنك الإسلامي السـوداني، الشركة الوطنية للإجارة، الشـركة السودانية للبتـرول، شركة النيل الأبيض للاستثمار في التعليم العالي، وهي الجهة المالكة لجامعة السودان العالمية، بالإضافة إلى شركة التنمية الإسلامية ومصنع “منى” للادوية.
وأكد عضو مجلس السيادة الانتقالي السابق، محمد الفكي سليمان، أن تقييم أصول وممتلكات منظمة الدعوة الإسلامية بشكل دقيق يحتاج إلى متخصصين، إلا أنه وصف أموال المنظمة بالطائلة.
دعم الارهاب
وقال مصدر قيادي بقوى الحرية والتغيير، فضل حجب اسمه لـ(عاين): “أن إرجاع أصول ومقرات منظمة الدعوة الاسلامية سيئة السمعة، وإلغاء القرارات التي أصدرتها لجنة إزالة التمكين المُجمدة بواسطة الانقلابيين، يمثل ردة بالغة عن أهداف الثورة، كما يفضح مزاعم قادة الانقلاب العسكري حول تصحيح مسار الثورة.
وأضاف المصدر، أن قرار عودة منظمة الدعوة الاسلامية، يظهر بوضوح أن أحد أهداف العسكريين من الانقلاب، هو قطع الطريق على أكمال أهداف الثورة المتمثلة في مكافحة الفساد، ومحاربة الأنشطة الداعمة للارهاب، وهو ما تتهم به منظمة الدعوة الاسلامية، برؤوس أموالها الضخمة الموزعة على أكثر من 40 دولة أفريقية وآسيوية.
وفي أغسطس 1998 شهدت سفارتي الولايات المتحدة في كل من مدينتي دار السلام ونيروبي، تفجيرات في وقت واحد تزامناً مع الذكرى السنوية الثامنة لقدوم القوات الأمريكية إلى السعودية.
وعلى إثر ذلك واجه السودان؛ الذي كان يحكمه الإخوان المسلمون وقتها، إتهامات بإمداد تنظيم “القاعدة” بالدعم المادي والتقني، وقتل في الهجومين، الذين نفذهما تنظيم القاعدة، أكثر من 200 شخص وأصيب الآلاف.
واضطرت الحكومة الانتقالية، في إطار جهودها الرامية إلى رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب لدفع 335 مليون دولار كتعويضات تاديبية لبعض ذوي ضحايا السفارتين.
محاكم شعبية
من جهته، فإن المتخصص في علم الاجتماع الديني حيدر إبراهيم، يرى أن حكومة الفترة الانتقالية، كان يجب عليها إنشاء محاكم شعبية تقوم لجنة “إزالة التمكين” بتنفيذ أوامرها ضد كل من نهب أو أفسد خلال الثلاثة عقود الماضية.
ولفت في حديث مع (عاين) إلى أن القانون المًكون للجنة “إزالة التمكين” كان به العديد من الثغرات التي استطاع الانقلابيين النفاذ من خلالها، وأدى ذلك إلى إلغاء جزء كبير من قراراتها.
وتعليقاً على قرار إلغاء حل منظمة الدعوة الاسلامية، يقول المتخصص في علم الاجتماع الديني، أن دول المنطقة، تشهد إنحساراً كاملاً للتيار الإسلامي وخصوصاً الإسلام السياسي، الذي تمثله منظمة الدعوة الإسلامية.
ودلل إبراهيم، على تراجع التيار الاسلامي وما يُسمى بالإسلام السياسي بما يحدث في إيران والسعودية، وعدة بلدان أخرى. ولفت إلى أنه وفي ظل هذه التغيرات التي تشهدها دول المنطقة فإن منظمة الدعوة الإسلامية لن تكون قادرة للقيام بأدوارها القديمة التي كانت تقوم بها في ظل النظام السابق.
وقال حيدر إبراهيم: “ثورة ديسمبر لا تزال ناقصة، لأنها قطعت نصف الطريق نحو التغيير، ما يعني ضرورة إكمال مهامها عن طريق قيادات وبرامج وأساليب عمل جديدة.. وفي حال عودة الإسلاميين إلى السيطرة على منظماتهم وشركاتهم من جديد فسيكون ذلك بسبب ضعف القوى المدنية والديمقراطية في البلاد”.