شهد أبرز معارك حرب السودان.. ما لا تعرفه عن (جبل مويا)
عاين-19 أكتوبر 2024
دماء تسيل وعتاد عسكري محطم على محيط جبل مويا في ولاية سنار أواسط السودان، مشاهد تروي مدى ضراوة القتال بين الجيش وقوات الدعم السريع ضمن مساعيهما للسيطرة عليه، ما يطرح تساؤلات واسعة بشأن الأهمية العسكرية للمنطقة التي تتصدر دائرة الاهتمام لأكثر من ثلاثة أشهر ماضية.
ولم يعترف الجيش السوداني رسمياً بفقدانه السيطرة على جبل مويا عندما أعلنت قوات الدعم السريع اجتياح المنطقة الواقعة على الطريق القومي الرابط بين مدينتي سنار – ربك، في ولاية النيل الأبيض في يوم 25 يونيو الماضي، وظلت الدوائر المقربة منه تنفي سقوط المنطقة في يد قوات الدعم السريع، مع استمرار المناوشات العسكرية.
وعقب هدوء محدود عاد جبل مويا إلى دائرة الضوء بعدما أعلن الجيش أنه استعاد السيطرة عليه في الرابع من شهر أكتوبر الماضي، قبل أن يخرج قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان الشهير بـ”حميدتي” ويعترف خلال كلمة مصورة بهزيمة قواته في معركة جبل مويا وفقدانها، متهما الطيران المصري بترجيح كفة القوات المسلحة السودانية، ليخلف جدلاً واسعاً.
وبالتزامن مع المواجهات العسكرية في الميدان، احتدمت معارك بين مؤدي الجيش وقوات الدعم السريع على منصات التواصل الاجتماعي؛ بسبب جبل مويا بمستوى اهتمام يفوق المناطق الأخرى التي تشهد مواجهات مسلحة بين الطرفين، ما يعزز أهمية المنطقة.
جبل مويا كان حصناً لسلطنة سنار على مر تاريخها العريق، وسقوطه في يد قوات الدعم السريع جعل ظهر المنطقة مكشوفاً
مواطن بجبل مويا
ولم يكن جبل مويا مجرد سلسلة جبلية عادية بالنسبة إلى محمد أحمد عثمان – أحد سكان المنطقة تحدث لـ(عاين)، بقدر ما هو حصن لسلطنة سنار على مدى تاريخها العريق الذي امتد من 1504 – 1820، فهي بذلك لديها أهمية منذ زمن بعيد، وليست وليدة اللحظة، وبعد سقوطها في يد قوات الدعم السريع، أخذ الشباب السناري يردد مقولة مفادها أن ظهر سنار قد تكشف.
واختلف المؤرخون على مرجعية اسم المنطقة المثيرة للجدل، فبعضهم يرى أنه يعود إلى اسم الملك مويا وهو واحد من الذين حكموا المنطقة خلال حقبة زمنية سابقة، بينما يعتقد آخرون أن المسمى أتى نتيجة إلى وجود منابع للمياه في قمة الجبل، وفق ما أفاد به عثمان.
وتبعد منطقة جبل مويا نحو 20 كيلومتراً غرب مدينة سنار، وهي حلقة وصل بين ثلاث ولايات سنار، الجزيرة، النيل الأبيض، وتحتوي على سلسلة من الجبال وتضاريس حماية طبيعية، مما أكسبها أهمية عسكرية قصوى، نتيجة لموقعها الاستراتيجي.
وبحسب الناشط في العمل الطوعي في جبل سقدي أحد أفرع جبل مويا، إدريس الصديق، فإن منطقة جبل مويا ممتدة على مساحة 12 كيلومتراً مربعاً، وتضم مجموعة من القرى مثل فنقوقة، البليحاب، مهلة، جبص، ود أبو حواء، إلى جانب جبل مويا الكبير، وسقدي، وكمر الناير، والقلعة، وهي سرية هنري، ويلكم عالم الطب الذي شيدها فوق أحد جبال المنطقة.
وليس ببعيد من ذلك، يقول الكاتب والروائي السوداني مهند الدابي في مقابلة مع (عاين) إنه “عندما وصل جنود الحاكم المصري محمد علي باشا لغزو سنار في العام 1820، رفض ملكها في ذلك الحين بادي السابع تسليمها، وخرج بقواته التي كانت تعرف بجيش عرمرم، واحتمى في منطقة جبل مويا، وظل يقاوم لمدة 6 سنوات دون خسارة، وهو ما يؤكد الأهمية العسكرية للمنطقة.
ويشير الدابي الذي كتب رواية حول المنطقة، إلى أن الغزاة لم يتمكنوا من هزيمة بادي السابع بقوة السلاح، لكنهم لجأوا إلى حصارهم وتجويعهم لدرجة دفعتهم إلى مقايضة الذهب بالحبوب الغذائية، ومن ثم القضاء على بادي وجيش عرمرم.
منجم ذهب
وتُعَدّ منطقة جبل مويا من أشهر المناجم الغنية بالذهب في السودان، إذ بدأت عمليات التنقيب فيها مبكرا بواسطة السير هنري ويلكم، وهو يهودي أميركي، كان أول من نقب في هذه المناطق عام 1912م، واستطاع استخراج 88 طنا من الذهب الخالص والمشغول، لكن جهوده انتهت بمرضه ووفاته عام 1935م، وفق الكاتب مهند الدابي.
ولأغراض التنقيب، أنشأ ويلكم خط سكة حديد داخل الجبل الذي يحتوي على مناجم ذهب ومغارات وكهوف أثرية لا تزال موجودة حتى اليوم، وإلى الآن يتجمع السكان المحليون في سفوح الجبال عند موسم الأمطار أملاً في أن تجرف لهم السيول مشغولات ذهبية، والأواني الفخارية الأثرية من باطن الجبل.
ولم يمض طويلا على معارك ضارية في المنطقة، وصل قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، ونائبه شمس الدين كباشي إلى جبل مويا وتجولا في محيطه، مما يشير إلى أهمية المنطقة العسكرية بالنسبة لهم.
الموقع الاستراتيجي المتميز لجبل مويا جعله نقطة ارتكاز مهمة للطرف العسكري الذي يستولي عليه، ويمكنه من توسيع نطاق سيطرته الميدانية
خبير عسكري
وفي هذا السياق يقول الخبير العسكري عمر أرباب في مقابلة مع (عاين) إن الموقع الاستراتيجي لجبل مويا يجعله نقطة ارتكاز مهمة خلال الحرب، ويتيح للطرف الذي يسيطر عليه، التوسع إلى مناطق أخرى، وهو ما حدث مع قوات الدعم السريع التي اجتاحت مدينة سنجة، والدالي والمزموم، والدندر والسوكي، سريعاً بعد استلام جبل مويا في يونيو الماضي.
وشدد أن “وجود قوات الدعم السريع مكنها من محاصرة مدينة سنار ومحليتي التضامن وربك في ولاية النيل الأبيض، بجانب ولاية النيل الأزرق، كما تمكنت من قطع خطوط الإمداد بين وحدات الجيش الموجودة في تلك المناطق، مما دفع القوات المسلحة لأن ترمي بثقلها من أجل استعادة السيطرة على هذه المنطقة الاستراتيجية”.
حصار مضاد
وفي المقابل، وجدت قوات الدعم السريع نفسها محاصرة من عدة جبهات بعد أن فقدت السيطرة على منطقة جبل مويا في أوائل شهر أكتوبر، وبعدها خرج قائدها محمد حمدان حميدتي في كلمة مصورة مثيرة للجدل وردود الأفعال.
ويشير الخبير الأمني د. خالد محمد عبيد الله، إلى أن جبل مويا ليس مهما لولاية سنار فحسب، لكنه يمثل خط حماية للعديد من الولايات الحدودية مثل النيل الأزرق، والقضارف وكسلا والنيل الأبيض، وعندما سيطرت عليه قوات الدعم السريع كان هدفها تأمين خطوط إمداد داخلي، ومن حلفائها في الخارج، غير أن الجيش نجح في إحباط هذا المخطط، واستطاع محاصرة الدعم السريع والحد من تحركاته، قبل استعادة المنطقة.
وتوقع عبيد الله الذي تحدث لـ(عاين) سعي قوات الدعم السريع الانفتاح نحو منطقة الشقيق في ولاية النيل الأبيض الواقع غرب جبل مويا حال خسرت مدينتي سنجة والدندر من أجل تأمين منفذ لها، ومن المرجح أن يتجه الجيش لإعادة السيطرة عليهما.
من جهته، يرى الناشط السياسي أحمد الفحل، أن سقوط جبل مويا في يد قوات الدعم السريع سهل عليها التقدم إلى عمق ولاية سنار، ومن ثم محاصرة الجيش الموجود في النيل الأزرق والأبيض، وقطع خطوط الإمداد عنه، فضلاً عن واقع إنساني مأساوي خلفه هذا الاجتياح، لكن انقلبت الأوضاع على قوات الدعم السريع بعد أن سيطرت القوات المسلحة مجدداً على المنطقة الاستراتيجية.
وشدد الفحل في مقابلة مع (عاين) على إن منطقة جبل مويا أحدثت تغييرا في موازين القوة الميدانية لصالح الجيش، وأعطته وضعاً يسمح له بالتفاوض من موقع قوة، وقد ظهرت بعض المؤشرات وهي تصريحات من الحكومة التي تقودها القوات المسلحة في بورتسودان تبدي خلالها استعدادها لمحادثات السلام، في المقابل سيسعى الدعم السريع للسيطرة على المنطقة الهامة مجدداً.
المعارك في جبل مويا تسبب في فشل الموسم الزراعي في ولاية سنار بأكملها، الأمر الذي يهدد الأمن الغذائي لسكان المنطقة
خبير زراعي
وخلفت سيطرة قوات الدعم السريع على جبل مويا؛ ومن ثم سنجة والدندر والسوكي في ولاية سنار أوضاع إنسانية كارثية، حيث نزح آلاف السكان إلى ولايتي القضارف وكسلا بحثاً عن الأمن، كما تأثر الموسم الزراعي بشكل كبير، مما يكون له تأثير واسع على الأمن الغذائي.
وتعد منطقة جبل مويا نموذجاً لسودان مصغر؛ نظرا للتنوع الاجتماعي فيها، ويعمل سكانها في الرعي والتجارة وزراعة العديد من المحصولات، مثل السمسم والدخن، وتعتبر من أكبر المناطق الإنتاجية بعد القضارف ومحلية الدالي والمزموم، كما يهتم مواطنوها بتربية الأبقار والضأن والماعز، بالإضافة إلى الصناعات اليدوية لأغراض الزراعة، كالمحراث وغيره.
ويقول الطيب عبد الله وهو مهندس زراعي من سنار، إن المعارك العسكرية التي شهدها جبل مويا ومختلف المناطق أدت إلى فشل الموسم الزراعي في الولاية بشكل كامل، الأمر الذي سيكون له عواقب وخيمة على الأمن الغذائي في المنطقة، لأن معظم السكان يعتمدون على الزراعة في كسب معاشهم.
ويشير عبد الله في حديثه لـ(عاين) إلى “تأثر الأمن الغذائي في المنطقة بسبب الصراع المسلح، كما أن إغلاق الطريق عن منطقة جبل مويا لفترة طويلة أدى إلى توقف حركة انساب السلع والمواد الغذائية، الأمر الذي فاقم معاناة المواطنين في المنطقة”.