“نزيف الدماء بدارفور” .. من يشعل حرب الأهالي وماذا يريد؟

7 ديسمبر 2021

وسط إحصائيات متضاربة لعدد قتلى وجرحى الإقتتال القبلي في ولاية غرب دارفور، تنتقل المواجهات بين بلدات ومدن الولاية وسط اتهامات مباشرة لقوات الأمن السودانية بالتراخي في فرض سيطرتها، ويعزو البعض ذلك لضعف إمكانياتها في الاقليم مقارنة مع تسليح وعتاد الأهالي العسكري.  

وتجددت أعمال العنف الأهلي في بلدة “جبل مون” بولاية غرب دارفور، مؤخرا وخلفت (42) قتيلا في أول إحصائية رسمية من السلطات الولائية بجانب الحريق الكامل لنحو (16) بلدة علاوة علي واقع إنساني مأساوي ونزوح نحو (4300) مدنيا بحسب إفادات مفوض العون الانساني بولاية عمر عبدالكريم (عاين). فيما تؤكد وكالة الشؤون الانسانية التابعة للأمم المتحدة “أوتشا”مقتل ما لا يقل عن 50 شخصًا، ونزوح 6655 شخصًا، وفر 2261 شخصًا إلى تشاد ، وتم إحراق ونهب 594 منزلًا.

والسبت انتقل القتال إلى بلدة كرينك شرقي مدينة الجنينة، وقال والي ولاية غرب دارفور خميس عبد الله أبكر في تصريحات نقلتها وكالات إخبارية “بدأت الأحداث في سوق منطقة كرينك شرق الجنينة عاصمة الولاية بمشاجرة مساء يوم السبت وتطور الأمر وقتل ستة أشخاص” مضيفا ” هاجم من بعد مسلحين أحياء مدينة كرينك واشتبكت مع القوات الحكومية وقتل أكثر من أربعين شخصا”، فيما أكدت لجنة الأطباء المستقلة مقتل 48 شخصا بالرصاص.

"نزيف الدماء بدارفور" .. من يشعل حرب الأهالي وماذا يريد؟

وتتكرر أعمال العنف ذات الطابع الأهلي في إقليم دارفور غربي السودان كل مرة وتتسبب في مقتل المئات وحرق عشرات القرى والبلدات سنويا، دون التوصل الى حلول جذرية لأسباب الصراع، الذي يزداد حدة مع بداية العمليات الزراعية وموسم الحصاد

وعلى مدى نحو  أسبوع من القتال في “جبل مون” إمتدت أعمال عنف أهلية مماثلة إلى بلدة بلدة “مرشينج” شمال مدينة “نيالا” عاصمة ولاية جنوب دارفور “الأربعاء” أدت لمقتل (٥) مدنيين في إحصائية أولية إثر نزاع مسلح بين مزارعين ورعاة، سرعان ما تحول إلى عنف الأهالي واحتجاجات أدت الى قفل الطريق الرئيسى لولايات دارفور في بلدة “منواشي” (75) كيلومتر شمال “نيالا” من قبل المحتجين الغاضبين وقاموا بمنع حركة الشاحنات والبصات السفرية منذ يوم “الجمعة” الماضية قبل أن يعيدوا فتح الطريق

في الأثناء يقول صلاح الموج المدير التنفيذي لمحلية مرشينج إن صراع بين رعاة ومزارعين في بلدة “أبو حمرة” الواقعة على بعد (100) كلم شمال “نيالا” أستخدم فيه السلاح الناري أودي بحياة مزارع وآخر راعي، قبل أن يتواصل لليوم التالي ويبلغ عدد القتلى (٥) مدنيا معظمهم من المزارعين

مسؤول محلي: الإمكانيات العسكرية للأهالي تتفوق على قدرات القوات الأمنية  

وأقر المدير التنفيذي صلاح في تصريح لـ(عاين) بعدم قدرة القوات العسكرية وأضاف: القوات العسكرية بشكلها الحالي من حيث العدد والعتاد لا يمكنها السيطرة على الأوضاع مقارنة بالامكانيات العالية للاهالي، لافتا الى غلق طريق رئيسي بسبب الاحتجاجات المنددة والمطالبة بوضع حد للقتال.

وبالرغم من الإهمال الحكومي للأحداث في “جبل مون” على المستوى الولائي والاتحادي إلا أنها حظيت باهتمام كبير في مواكب الشارع السوداني الاحتجاجية المناهضة للانقلاب العسكري على الحكومة المدنية التي شهدتها عددا من الولايات بالعاصمة السودانية الخرطوم.

لجان مقاومة بدارفور: تجاهل المكون العسكري للاحداث القبلية مقصود لوضع البلاد في نقطة اللا أمن لتعزيز سيطرته على مقاليد الحكم.

الى ذلك نظمت لجان المقاومة في مدن الخرطوم، نيالا، الفاشر ومدن أخرى وقفات احتجاجية تنديداً بالانتهاكات التي حدثت في منطقة “جبل مون” بولاية غرب دارفور متهمين المكون العسكري في الحكومة بالتجاهل المقصود لأحداث العنف الأهلي في دارفور، ووضع البلاد في حالة الا  أمن لإيجاد مبررات في إحكام السيطرة على مقاليد الحكم وقطع الطريق على التحول المدني في السودان

ورفع المشاركون في المواكب الاحتجاجية لافتات تندد بالأحداث وتحمل السلطات مسؤولية ما حدث بسبب عدم قدرتها على بسطها الأمن والحد من إنتشار السلاح في دارفور، متهمين قوات الامن السوداني بالإهمال في حماية المدنيين وانشغالهم بالسيطرة على السلطة، وشدد المتظاهرون في مدينة “نيالا” عاصمة ولاية جنوب دارفور على ضرورة تحمل قوات الأمن مسؤوليتها كاملة في الحفاظ على أرواح وممتلكات المدنيين.

"نزيف الدماء بدارفور" .. من يشعل حرب الأهالي وماذا يريد؟

الصراع الأهلي والسلطة

وحول سبب إستمرار الصراع القبلي على نطاق واسع في دارفور بعد سقوط نظام المخلوع عمر البشير المتهم بتسليح القبائل العربية لمواجهة التمرد، تقول “نهلة الخزرجي”، الناشطة بمنظمات المجتمع المدني بجنوب دارفور، أن سلاح الصراع الأهلي في دارفور أصبح واحد من أسلحة عناصر النظام البائد لإستعادة السلطة.

وقالت نهلة لـ(عاين) إن النظام الشمولي في السودان خلال الثلاثة عقود الماضية ظل يحتفظ بالقيادات الاهلية والمحلية ويقدم لهم الامتيازات باستمرار ووظفتهم لخدمة مصالحة ومنحهم حق اختيار الممثلين في المناصب التنفيذية والتشريعية، وجعل من القبائل حلقة الوصل للسلطة، الأمر الذي خلق تنافس أهلي بين المكونات الاجتماعية والسكانية وتحول هذا التنافس الى غبن وصراع بين المكونات أصبح يدفع فاتورته المواطن حتى بعد سقوط في أبريل ٢٠١٩.

ولاية غرب دارفور، أكثر ولايات الإقليم التي شهدت صراعا أهليا والأعلى من حيث عدد الضحايا وتبعات الوضع الإنساني.

وتأتي ولاية غرب دارفور، في مقدمة ولايات دارفور التي شهدت صراع أهلي واسع النطاق الأعلى من حيث عدد الضحايا وتبعات الوضع الإنساني خلال العام ٢٠٢١م، بين قبيلتي المساليت والعرب الرزيقات التي تتقاسم الأحياء السكنية داخل المدينة، وتسبب في مقتل (٢٨٥) مدنيا معظمهم من النازحين داخل مخيمات النازحين في مدينة الجنينة حاضرة الولاية

الى ذلك أعرب عضو لجنة حصر خسائر مخيمات النازحين بالولاية وأعرب إسحق أبكر، عن قلقه في مقابلة مع (عاين) من انتقال الصراع في “جبل مون” الى مدينة الجنينة التي تعاني من تأثيرات الصراع، خاصة وأن الأطراف المتقاتلة لم تصل لوثيقة سلام بصورة عملية بين المواطنين.

أسباب مختلفة

وتختلف أسباب الصراع الأهلي من منطقة الى أخرى لكن يظل عامل الصراع على الاراضي أو ما يعرف محليا بـ “الحاكورة” في دارفور هو الاقوى ويظل القاسم المشترك في كل الصراعات المميتة التي شهدتها دارفور، لجهة أن معظم المصالحات التي حدثت في دارفور تصدم بمسألة الأراضي وتبعيتها التاريخية لقبائل معينة في الوقت الذي لا ترضى فيه قبائل أخرى التعايش كتابع للقبائل صاحبة الأرض.

ويقول مدير مركز دراسات السلام وفض النزاعات في جنوب دارفور ، د. ايدام عبدالرحمن آدم، إن ظاهرة الخروج عن القانون هو سبب رئيسي في النزاعات في المناطق الجنوبية من ولاية جنوب دارفور أما النزاع حول الأراضي الزراعية والحواكير سبب ثانوي في الصراع .

ويوضح ايدام، أن عدم قدرة السلطات المحلية والولائية العسكرية والسياسية على فرض قوة القانون ساعد في تنامي أعمال العنف الأهلي، وأدى الى ظاهرة التفلت التي جعلت من مجموعات وعصابات مسلحة هي التي تقود وتوجه القبائل وتقوم بأعمال النهب والاعتداء على المزارع على حساب القبيلة “المكون الاجتماعي “.

ويقول ايدام، إن إلغاء قانون الحكم المحلي من قبل نظام البشير في العام ٢٠٠٣ دون دراسة كافية خلق تنافس وصراع بين المكونات الاجتماعية بعد أن قسم المحافظات الى محليات على أساس قبلي وخلق نوع من الفوضى وأنهى ما يعرف بقواعد الأمن الوقائي المتمثلة في صلاحيات الضباط الاداريين، زعماء القبائل، شرطة المناطق، المحاكم الريفية والقضاء.

الموقف الانساني 

من جهته، يقول مفوض العون الانساني بولاية غرب دارفور عمر عبدالكريم، إن أعمال العنف القبلي أصبحت سبب اساسي في تفاقم الأوضاع الإنسانية بالولاية. مبينا أن أكثر من (80%) من النازحين بالمخيمات في غرب دارفور بسبب الصراع الأهلي بين المكونات الاجتماعية، وتحولت المؤسسات التعليمية والخدمية في مدينة “الجنينة” عاصمة الولاية الى مخيمات لإيواء أكثر من (35000) نازح جراء العنف الأهلي الذي شهدته المدينة خلال العامين الماضيين.

وأشار عمر في مقابلة مع (عاين)، إلى أن أحداث العنف في “جبل مون” أضافت واقع انساني مأساوي جديد في الولاية ولفت إلى أن المسح الانساني الأولي للمناطق التي شهد صراع في وحول جبل مون أظهرت نزوح (4300) نازح على الاقل وأكثر من (16) بلدة تأثرت بصورة مباشرة بالأحداث وفر سكانها خوفا من القتل ونهب ممتلكاتهم، مشيرا الى ان عشرات الاسر عبرت الحدود الى دولة تشاد المجاورة.

"نزيف الدماء بدارفور" .. من يشعل حرب الأهالي وماذا يريد؟

(400)  مؤتمر صلح

أكثر من (400) مؤتمرا للصلح الأهلي والتعايش السلمي شهدتها ولايات دارفور خلال تفجر الصراعات الاهلية في الاقليم، إلا أن هذه المؤتمرات أتت بنتائج عكسية بدلا عن حلول جذرية للصراع، ويرى مراقبون إنها سبب في إشعال الحرب في دارفور بصورة أوسع، لجهة إنها لم تناقش قضايا تبعية الأرض خاصة بعد قانون الحكم المحلي لسنة ٢٠٠٣ الذي أعاد تشكيل مستويات الحكم المحلي وقسم المحافظات التي محليات كانت سببا في انفجار الصراع الأهلي في دارفور

فيما يرى مسؤول المصالحات السابق في ولاية جنوب دارفور، ابراهيم عبدالله، أن مؤتمرات الصلح ولجان المصالحات في دارفور لها تأثير إيجابي وتحركت بصورة فاعلة لوقف القتال ونزيف الدم، وتمهد للصلح بين الأطراف، وأبان عبدالله في مقابلة مع (عاين) إنه شهد أكثر من (400) مؤتمرا وجلسة صلح أهلي ونجحت المصالحات في وقف القتال في كثير من الأحيان وتعثرت في أخرى خاصة في مسألة تبعية الأرض والحاكورة، لافتا الى عدم قدرة الأهالي على دفع الديات بسبب الأعداد الكبيرة للقتلى في الصراعات.

في وقت يرى آخرون أن مؤتمرات الصلح الأهلي في دارفور تعتبر سببا في استمرار الصراع في دارفور، لجهة أنها تتم بين قيادات أهلية والحكومة بينما نتائجها بعيدة عن مسببات الصراع الجوهرية وقضايا المجتمعات المحلية، وعادة ما ينتهي مؤتمر الصلح بحرب مباشرة بعد التوقيع عليه. مدير مركز دراسات السلام وفض النزاعات بولاية جنوب دارفور، د. ايدام عبدالرحمن (عاين)