“إجهاض ووفيات”.. النساء الحوامل في حرب السودان
عاين- 30 مايو 2024
لم تنج سيدة حبلى من إحدى محليات الفاشر بولاية شمال دارفور بعد أن أجهضت جنينها من هول الرعب الذي أصابها بسبب الحرب وأصوات الأسلحة الثقيلة التي تدور منذ وقت في مدينتها.
وحاولت عائلة السيدة التى تسمى “فاطمة” إسعافها إلى المشفى بعد أن نزفت لساعات طويلة. “أخذوها عن طريق عربة تقليدية (كارو)، ولكن لم يتمكنوا من دفع نفقات العلاج التي كانت أعلى من قدرتهم المالية”. وتقول والدتها: “ابنتي أجهضت بسبب الرعب الشديد”، وتجسد حالة فاطمة الأوضاع القاسية التي تعيشها النساء في معسكر أبوشوك.
وتتحدث السيدة، زبيدة زكريا، نازحة بمعسكر ابوشوك، عن حدوث إجهاضات كثيرة بسبب الحرب، وفي فترة الشهرين الماضيين توقفت عنهم الأغذية كلها باستثناء المياه، وأن حوالي 13 مركز إيواء يعانون في الحصول على الغذاء والدواء، وجاء النازحون إلى هذا المعسكر من مناطق، شطة، وطويلة، وكورما ومن بقية المحليات. وتقول زبيدة لـ(عاين): “في الفترة الأولى كان الوضع أفضل وصلنا دعم من عدة منظمات، ولكن في الوقت الحاضر نعاني جدا خاصة الحوامل والمرضعات والأطفال”. وناشدت الجهات المعنية بدعم النساء؛ لأنهن أكثر من يعاني.
وتدور معارك ضارية بين الجيش السوداني والحركات المسلحة والدعم السريع في مدينة الفاشر أدت إلى فرار المدنيين مع انعدام الخدمات الصحية والغذائية.
نزيف وفقر دم
وبحسب حليمة آدم عبد الله سليمان، قابلة في معسكر ابوشوك، أنه “خلال ثلاثة أشهر حدثت حالات وفاة في أثناء الولادة، بسبب ضعف الدم والنزيف، ولم نتمكن من إنقاذ الأمهات في كثير من الأحيان، وتأتينا ما بين (30-40) امرأة بينهن خمس حالات نزيف ومضاعفات كثيرة بينها فقر الدم.
وتوضح حليمة في مقابلة مع (عاين) إن أسباب الإجهاض قلة الغذاء والأدوية التي تتعاطاها النساء في فترة الحمل من الفيتامينات والحديد، والرعب الشديد بسبب أصوات الأسلحة الثقيلة التي تؤدي إلى الإجهاض، وتصف خطورة الوضع الصحي في معسكر ابوشوك بأنه صعب جداً. وأضافت آدم: “نحتاج إلى كل الأدوات والأدوية والغذاء، وليس لدينا كوادر لنساعد الحوامل وإنقاذهن، غير أن الأوضاع المالية للأسر سيئة لذلك تنزف السيدة في المنزل لفترات طويلة، حتى يتمكنوا من إسعافها”.
وشهدت ولايات درافور المتأثرة بالحرب أحداث عنف جنسي منذ اندلاع الحرب، كما ورد في تقرير المركز الأفريقي لدراسات العدالة والسلام الذي نشر في يناير 2024، واشارته إلى أن 51 حادثة عنف جنسي ضد النساء والفتيات حدثت في محليتي زالنجي وقارسيلا بوسط دارفور. “وتعرف الضحايا/الناجون على رجال يرتدون زي قوات الدعم السريع، والميليشيات العربية المتحالفة، وفي بعض الحالات رجال يرتدون زي القوات المسلحة السودانية، باعتبارهم الجناة” كما ورد في التقرير.
حصار وانعدام خدمات الرعاية
وتؤكد المديرة الإقليمية للمبادرة الاستراتيجية للمرأة في القرن الأفريقي، هالة الكارب، أن أخطر ما في الأمر عدم إمكانية وصول خدمات الصحة الإنجابية إلى الفاشر لأنها محاصرة، وحرمها ذلك من وصول المعينات الطبية تحديداً ما يخص النساء، واُسْتُهْدِفَت مستشفيات النساء والتوليد بما فيها المستشفى السعودي الذي يقدم خدمات الصحة الإنجابية، رغم أنه يعود إلى العمل تدرجياً، ولكن خطورة الوضع تمنع السيدات من الذهاب إلى المستشفيات، وهناك كثير من السيدات في مخيم ابوشوك وغيرها من محليات الفاشر فقدن أطفالهن بسبب الأسلحة الثقيلة التي استخدمت بكثافة في تلك المناطق وقتل الكثير من النساء والأطفال.
وتقول الكارب في مقابلة مع (عاين) أن أوضاع النساء الحوامل صعبة للغاية في الفاشر، هناك طلبات كثيرة على المعينات الخاصة بمستشفيات النساء والتوليد بما فيها بروتوكول الاغتصاب ما يعني أن هناك حالات عنف جنسي كثيرة، وأضافت “هذه ليست صدفة استهداف النساء وضرب الفاشر بهذا الكم من الأسلحة واستخدام النساء كأحد أسلحة الحرب“.
ويرتفع الخطر في مناطق دارفور على النساء، وتتزايد المخاوف في ظل عدم سيادة القانون واتساع رقعة الحرب التي يزيد الانتهاكات، ويهدم النظام الصحي.
ووصفت الكارب، عدم وجود طريقة لإيصال المعينات الصحية بالأمر المقلق، وقالت: “هناك نساء فقد أطفالهن في الولادة تحت الأشجار وأخريات فقدن وأرواحهن في أثناء الفرار”. وتابعت: “بعد الولادة وعدم وجود أدنى رعاية صحية تموت الأم أو الطفل”.
وتشير هالة، إلى أن حجم الانتهاكات في دارفور متزايد منذ العام 2020م، وعدم تناول هذه القضايا بالشكل المطلوب من أكبر الأخطاء التي ارتكبت وجعلها تتفاقم، وشعر مرتكبي هذه الجرائم أنهم في مأمن، وأفلتوا من العقاب لذلك ما زالوا يرتكبون الجرائم، ويستخدمون النساء كسلاح ناجع شردوا به قرى دارفور.
وأضافت:”المجتمع الدولي يتعامل مع القتل والانتهاكات الإنسانية والأوضاع الغذائية ببرود كبير، لذلك تتفاقم الأوضاع في كل الاتجاهات خاصة النساء وشريحة الحوامل هي الأكثر معاناة”.
وقال بيان منسقة الشؤون الإنسانية بالأمم المتحدة في السودان، كليمنتاين نكويتا سلاميو، اليوم الخميس، إن الأنباء الواردة عن وقوع ضحايا وانتهاكات لحقوق الإنسان مروِّعة، وأنهم يتلقون تقارير مقلقة للغاية تفيد باستهداف أطراف النزاع للمرافق الطبية ومعسكرات النازحين والبنى التحتية المدنية الحيوي.، وإذ تُمنع العائلات، بما في ذلك الأطفال وكبار السن، من مغادرة المدينة بحثًا عن الأمان.
وأشار البيان، إلى أن أجزاء كثيرة من الفاشر تركت بدون كهرباء أو مياه، كما أن نسبة متزايدة من السكان لديها وصول محدود للحصول على الضروريات الأساسية والخدمات الأساسية، بما في ذلك الغذاء والرعاية الصحية، وأضاف “وبعد أكثر من عام من النزاع الوحشي، استنفدت العائلات مواردها الشحيحة، وتتآكل قدرتها على الصمود مع كل يوم من العنف”.
وطالب الأطراف المتقاتلة بتجنب استخدام الأسلحة المتفجرة في المناطق المأهولة بالسكان، ويجب أن تتخذ جميع الاحتياطات الممكنة لحماية المدنيين والبنى التحتية المدنية.