المعدنون يواجهون الإفلاس والسجن بسبب الطوارئ

المعدنون يواجهون الإفلاس والسجن بسبب الطوارئ

تقرير: عاين 26مارس 2019م

بات عشرات الاف من المعدنين الأهليين في السودان مهددون بخطر الافلاس وربما السجن جراء فرض حالة الطوارئ وأوامرها التنفيذية التي تحظر تخزين بيع المحروقات وتطبق عقوبات قاسية تصل للسجن ومصادرة الممتلكات على كل من يمتلك مشتقات بترولية لادارة دفة العمل. يتهم معدنون وبرلمانيون، الحكومة بعدم الإيفاء بتعهداتها ومحاربة المفسدين ومخربين الاقتصاد بل تطبيق قوانين الطوارئ على من يبحثون عن الرزق وسط صحاري ووديان السودان البعيدة، وسط معاناة كبيرة وظروف قاسية أدت في أحيان كثيرة إلى الموت عطشا أو تحت انقاض ابار التعدين اضافة للمخاطر البيئية الكثيرة التي تواجه المُعدنيين.

ويحذر معدنون من مخاطر تعرضهم للافلاس وربما السجون لجهة أن أعدادا مقدرة دخلت إلى سوق التعدين بعد حصولها على قروض من بعض البنوك وستسبب أزمة الوقود حال تعثرهم عن السداد. وتقول احصائيات رسمية أن أكثر من مليون مواطن سوداني ينشطون في مناطق التعدين الأهلي في البلاد، الذي يغطي 18 ولاية وينتشر في 81 موقعا وينتج أكثر من 90% من إنتاج البلاد من الذهب. ويحتل السودان المركز الثالث في تصدير الذهب في أفريقيا بعد جنوب أفريقيا وغانا، وبلغ إنتاجه من الذهب في العام 2018 حوالي مائة طن.

مصادرات ومحاكمات

المعدنون يواجهون الإفلاس والسجن بسبب الطوارئ

حالة الطوارئ التي أعلنها الرئيس البشير أواخر فبراير الماضي، نتج عنها  تعطيل إنتاج 90% من الذهب في السودان على أثر الأمر التنفيذي الرئاسي القاضي بحظر توزيع وتخزين وبيع ونقل المحروقات والسلع المدعومة خارج القنوات الرسمية. وبأمر الرئيس البشير توقف آلاف المعدنين التقليديين عن إنتاج الذهب في مواقع متعددة بالبلاد امتدت لعدة ولايات شملت شرق السودان والشمالية ونهر النيل وغيرها من الولايات. وأسفر تنفيذ أمر الطوارئ الذي أمر به البشير بالفعل عن محاكمة العديد من المنقبين ومصادرة شاحناتهم والآليات الثقيلة من لودرات وحفارات يعتمدون عليها في عملية الإنتاج إضافة الى مصادرة كميات كبيرة من الجازولين الذين يشترونه من أسواق سوداء تشرف عليه الحكومة بعد انعدامه تماما في المحطات وبالاسعار الرسمية.

ويغذي سوق ضخم بمنطقة الهودي شرق مدينة عطبرة مناطق التعدين بولاية نهر النيل بالوقود القادم من مدينة بورتسودان، وترعى حكومة ولاية نهر النيل هذا السوق الأسود للجازولين الذي يزود آلاف الآليات التي تعمل في مجال الذهب، إلا أنه وبعد إعلان حالة الطوارئ في البلاد أغلق هذا السوق بالكامل في وجه المعدنين وتعرض من حاول العمل بعيدا عن أعين الحكومة لمحاكمات فورية قضت بعضها بمصادرة أموال وسيارات.

 

أسواق سوداء برعاية حكومية

منذ ان فرضت حالة الطوارئ في البلاد.. توقفت عن العمل وركنت اللودر الذي اعمل عليه مع 15 شخصا من عائلتي بسبب انعدام الوقود“. هكذا بدأ المعدن الاهلي، محمد الحوري حديثة لـ(عاين)، ويضيف في السابق كنت اشترى الجازولين من الأسواق السوداء شبه الحكومية، يبيعه أصحاب محطات وشاحنات ويأتي من مدينة بورتسودان، لكن مع إعلان الطوارئ توقف الامر ولم يكن امامنا خيار سوى التوقف عن العمل واللجوء إلى مهنة اخرى نتكسب منها لنعيش“.

وبحسب الحوري، فان حوالي خمسة آلاف لودر وآلية ثقيلة أخرى توقفت عن العمل في منطقة أبو حمد وحدها. ويشير الى انه  وفي السابق كان جهاز الأمن والمخابرات الوطني، يقوم بتصديق اربعة براميل لكل صاحب لودر، لكن في الاغلب يتم تسليم الحصة في نحو شهر وبعدها يضطر صاحب العمل الى اللجوء الى السوق الاسود لتكملة احتياجاته من الوقود، ويباع برميل الوقود بحوالي 2500 الى 3500 ألف جنيه. لكنه وقبل يومين في مدينة ابوحمد تباع الكميات القليلة المتوفرة بحوالي 6 الف جنيه للبرميل، كما جرت مصادرات وغرامات للعديد من أصحاب الشاحنات الذين وجدت بحوزتهم كميات قليلة من الوقود وهي مخصصة للاستخدام.

ويضيف الحوري الذي ينقب عن الذهب نواحى دنقلا، قبل ايام ابلغنا معتمد محلية الدبة في الولاية الشمالية استعداده لتوفير الجازولين لكل المنقبين شريطة أن يدفعوا مقابل البرميل 4600 جنيه نقداً و10% من إنتاج كل آلية تعمل في التنقيب. وزاد هذا الامر كان مضحكا بالنسبة لنا ولم يعمل احد بشرط رجل الحكومة الاول في منطقة الدبة بالولاية الشمالية“.

وضع كارثي  

المعدنون يواجهون الإفلاس والسجن بسبب الطوارئ

وينص أمر الطوارئ المتعلق بالمحروقات بحظر توزيع وتخزين وبيع ونقل المحروقات والسلع المدعومة خارج القنوات الرسمية ويحظر هذا الأمر على أي شخص تخزين أو بيع أو نقل أي محروقات بترولية (جازولين بنزين غازفيرنس) إلا بموجب تصديق من السلطات المختصة، وحظر نقل المحروقات خارج الحدود السودانية، كما حظر على أي جهة تعمل في نقل المحروقات (تفريغ أي شحنة أو جزء منها في أي موقع يخالف ما هو محدد في استمارة الشحن والتخصيص الصادرة من المؤسسة العامة للنفط .

وشملت أوامر الطوارئ حظر أي محطة خدمة بترولية ان تقوم ببيع أو تعبئة أي محروقات مخالفة للضوابط التي تصدرها السلطة المختصة، كما يحظر على أي محطة خدمة بترولية أن تقوم ببيع أو تعبئة أي محروقات (جازولين بنزينغازفيرنس) الا داخل الوعاء المصمم لذلك( التنك)، وحظر بيع الجازولين البنزينالغازالفيرنس خارج محطات الوقود أو المستودعات.ويرى رئيس اتحاد التعدين الأهلي في محلية أبو حمد بولاية نهر النيل مبارك عباس، أن التنفيذ الخاطئ لقانون الطوارئ تسبب في أوضاع كارثية حتى الآن في مناطق إنتاج الذهب بولايات السودان المختلفة سيما ولاية نهر النيل التي ينتشر في صحاريها آلاف المعدنين.

ويشدد عباس، وهو نائب برلماني مستقل، علي اعتراضه من قبل على أوامر الطوارئ الخمس التي اصدرها الرئيس البشير، متابعا قلناها لوزير العدل وهو يبرر فرض الطوارئ في البرلمان ان هذه الطوارئ لن يطال المفسدين الحقيقيين وسيكتوى بجمرها المتعبون في مناطق التعدين عن الذهب والمزارعين واصحاب الشاحنات وغيرهم من البسطاء في أطراف البلاد ولن يقع في ايديه المخربين الحقيقيين لاقتصاد البلاد والمفسدين الذين يهربون الوقود وغيره من منتجات البلاد الى الخارج.

ويستغرب عباس، فرض الطوارئ والمحاكمة عبرها على الجازولين وهو سلعة إنتاج، ويضيف الحكومة لا توفر الجازولين من الأساس ومن أرادوا توفيره عبر حر مالهم وبالاسواق السوداء حاكموهم وتم إلقاء القبض عليهم.. هذا لا يستقيم“.واشار الى ان هناك الآلاف من المعدنين الذين اضطروا الى شراء الوقود من السوق الموازي لانعدامه في الاسواق الرسمية، ومن ثم اضطرارهم ايضا الى العمل لجهة أن الآليات التي يعملون عليها مرهونة للبنوك ولديهم اقساط واجبة السداد لدى بنوك او تجار مستوردون لهذه الآليات هذا الى جانب ان مصدر رزق الملايين من المعدنين عن الذهب رهين بعمل هذه الآليات وبالتالي توفير الجازولين.

تراجع الإنتاج

والمؤسف بالنسبة لمبارك عباس، فإن القانون المفروض يطبقه جندي عادي لا يعرف الحق الإنساني في الدستور والقوانين التي تمنح المواطن الحق في التنقل والعمل وغيرها، كل ما جره القانون على السودانيين حتى الآن هو أن يقف على راسك جندي و يأمرك بكذا وكذا، قبل ان يضيف متسائلا”هل يعلم هؤلاء أن المعدنون التقليديون عن الذهب ينتجون نحو 90% من إنتاج الذهب في البلاد وبالتالي خزينة الدولة، وهل الدولة لديها موارد يعتد بها غير الذهب منذ سنوات”.

ويأسف عباس أيضا، لعدم اهتمام الحكومة بمعالجة ازمة الوقود التي تواجه المعدنين منذ سنوات وفاقمتها بقانون الطوارئ الحالي، مشيرا إلى اتصالات عديدة تمت مع جهات ذات صلة إلا أنها لا تملك ولا ترغب في حلول، في النصف الأخير من العام 2018 انخفض إنتاج البلاد من الذهب الى الثلث مقارنة مع العام الذي سبقه وينخفض اكثر اذا استمر الوضع كما هو عليه الآن.

وكانت وزارة النفط والغاز السودانية أكدت في بيان لها قبل ايام انها بصدد وضع حلول عاجلة لأزمة الجازولين في مناطق التعدين بسبب قوانين الطوارئ. وقال بيان لوزارة النفط والغاز تحصلت ( عاين) على نسخة منه أن الوزارة بصدد وضع معالجات فورية لتوفير وتأمين توزيع الجازولين في مناطق التعدين.

المعدنون يواجهون الإفلاس والسجن بسبب الطوارئ

توسع الأزمة

اما النائب البرلماني، عن دائرة القضارف مبارك النور يقول لـ(عاين)، ان قانون الطوارئ ارتد بنتائج عكسية على المسالة الاقتصادية، مشيرا إلى التنفيذ المتعسف للقانون خاصة في حركة الوقود والجازولين على وجه الدقة. ويفيد النور بتوقف آلاف الآليات الثقيلة التي تعمل في تنقيب الذهب في سهول البطانة بولاية القضارف وغيرها من مناطق التعدين. وأوضح النور بأن هذه المشكلة تنطبق على جميع مواقع التعدين في جميع ولايات البلاد.

ويرى النور، أنه وحيال استمرار القانون ستفقد البلاد مورد اقتصادي مهم، و بفقدانه ستتضاعف المشكلات الاقتصادية القائمة اصلا. وزاد هناك حاجة ماسة لمعالجة فورية.. تعطلت مصالح الآلاف الآن، بتنفيذ القانون الخاطئ سينسحب ذلك على الزراعة والحركة التجارية والمواصلات في جميع الولايات“. من جهته يرى الخبير الاقتصادي، محمد رشاد، ان ما أدى لتوقف المنقبين عن الذهب بانعدام الجازولين سينسحب مباشرة على صادرات البلاد من الذهب وبالتالي وارد العملية الاجنبية. وقال لـ(عاين)، حتى في خلال السنوات الاخيرة الحكومة تحدثت عن صادر وفير من الذهب وفاخرت بذلك لكنه وعمليا لم نرى عائدا انعكس على حياة الناس وإلا لما كانت هناك مشكلة الآن في توفير الجازولين“.