(صليب الديك).. رجل مليشيا صاعد يروّع كردفان

عاين- 17 سبتمبر 2024

من السرقة وأعمال النهب تحت تهديد السلاح إلى أحلام الحكم والسلطة، تحولات تروي مسيرة “سليمان صليب الديك” الذي برز كزعيم عصابة تروّع المدنيين في إقليم كردفان، وتصدر المشهد المضطرب بعد تكثيف هجماته على القرى والمناطق الحيوية في الإقليم.

وبدأ “صليب الديك” البالغ من العمر 35 عاماً، نشاطه الإجرامي مع اندلاع الحرب الحالية في كردفان، وتحرك في مساحات واسعة بالجزء الشمالي الشرقي من ولاية غرب كردفان تحت مرأى، وسمع قوات الدعم السريع التي تسيطر على المنطقة والتي تنفي صلتها به، الشيء الذي مكنه من صناعة مناخ فوضوي يعمل خلاله بحرية في النهب المسلح، واختطاف المدنيين وإطلاق سراحهم بعد دفع مبالغ مالية.

ومع مضي الوقت تصاعدت طموحاته ليعلن عن نفسه زعيماً يرغب في السلطة، فاقتحم مدينة الخوي إحدى أكبر المدن في ولاية غرب كردفان مطلع سبتمبر الجاري، وأبلغ مواطنيها أنه يريد حكم المدينة، لكن الإدارات الأهلية وزعماء العشائر عارضوه بشدة، وطلبوا منه المغادرة، قبل أن يتصدى له مسلحون محليون أجبروه على الانسحاب، وفق ما نقلته مصادر بالمنطقة لـ(عاين).

يطرح الحراك الخطير الذي يقوده تساؤلات عمن هو “صليب الديك” الذي يثير الرعب في إقليم كردفان؟ وعلاقته بقوات الدعم السريع التي تسيطر ميدانياً على المنطقة، وحجم القوة المسلحة التي يتزعمها؟

لا خلفية عسكرية

لم يكن لصليب الديك واسمه الكامل سليمان محمدين بريمة، أي خلفية عسكرية قبل اندلاع الحرب الحالية بين الجيش وقوات الدعم السريع، بينما كان “لص يسرق الأغنام، وصدرت في حقه عدة أحكام قضائية بالسجن لأشهر بعد إدانته بالسرقة في منطقته”. وذلك حسب ما كشفه أحمد حسن (اسم مستعار لناشط في لجان المقاومة في إحدى مدن كردفان) لـ(عاين).

ليس لصليب الديك أي خلفية عسكرية، فهو همباتي تحول بعد الحرب إلى ممارسة النهب المسلح واختطاف المدنيين

 ناشط مدني

وبحسب حسن تعود جذور صليب الديك إلى منطقة المزروب في ولاية شمال كردفان، لكنه متزوج بامرأة من بلدة قليصة في ولاية غرب كردفان، ولد في نهاية ثمانينيات القرن الماضي، ولم يحصل أي مستوى تعليمي، إذ لا يجيد القراءة والكتابة.

قضى معظم حياته في البادية في رعي الأغنام، قبل أن ينتقل إلى عالم السرقة من خلال مرافقة متخصصين في قطع الطرق والنهب تحت تهديد السلاح في المناطق الصحراوية، وسرقة الماشية، وظل متمسكاً بهذا العمل الإجرامي، رغم صدور العديد من الأحكام القضائية في مواجهته، وسجنه على إثرها.

بعد اندلاع الحرب في منتصف أبريل من العام الماضي، فرضت الإدارة الأهلية في بلدة المزروب ضوابط مشددة للحفاظ على المنطقة من الانزلاق في الفوضى الأمنية، فصارت بيئتها – وما تزال – طاردة للمجرمين وقطاع الطرق، وبفضل هذه التدابير تحولت المنطقة إلى سوق كبير ومركز تجميع البضائع وتوزيعها على إقليمي كردفان ودارفور، ويتبادل المواطنون المنافع في بيئة آمنة خالية من أي مهددات.

الضوابط الأهلية الصارمة في المزروب، دفعت صليب الديك إلى التوجه نحو المناطق الواقعة شرق ولاية غرب كردفان وجنوب غرب ولاية شمال كردفان، وعندها التقى القائد الميداني لقوات الدعم السريع في المنطقة المقدم عبد المنعم شريا الذي قتل مؤخراً في معارك بمحيط مدينة الأبيض، وانخرط كمقاتل ضمن قواته بعدما وعده بفروض الولاء والطاعة.

انضم صليب الديك إلى قوات الدعم السريع، وتقرب إلى القائد الميداني عبد المنعم شريا، والذي جعله يتحرك بحرية في نشاطه الإجرامي

 مصدر بالدعم السريع

ويروي عنصر من قوات الدعم السريع كان ضمن قوة شريا لـ(عاين) أن سليمان صليب الديك تمكن من التقرب إلى القائد الراحل عبد المنعم شريا سريعاً، وصار ضمن الدائرة الضيقة المحيطة به، مستغلا صلة رحم وعلاقة نسب بينهما، مما مكنه من الحصول على السلاح واقتناء سيارة قتالية وأزياء عسكرية، وبعدها لم يلتزم بالبقاء في التجمعات الرسمية لقوات الدعم السريع، كما لم ينخرط في المعارك، وتفرغ لأعمال النهب.

درج شريا الذي كان يقود قوات الدعم السريع في المناطق من الدبيبات بولاية جنوب كردفان وحتى أم روابة في ولاية شمال كردفان، على تجنيد أبناء عشيرته في صفوف قواته تحت بند ما يعرف بـ”المناصرين”، ولم يمنحهم أي مخصصات مالية، لكنه يسمح لهم بتحصيل جبايات من السيارات المسافرة عبر طريق الأسفلت، كما لم يمنعهم من ممارسة النهب، وفق المصدر نفسه.

ويشير العنصر الذي انضم إلى الدعم السريع مناصراً، وطلب حجب اسمه لدواع أمنية، إلى أن صليب الديك امتطى سيارته القتالية ومعه بعض الأفراد تربطه بهم صلة رحم، وبدأ يمارس أعمال النهب المسلح بحرية كاملة، وكان على ثقة بأنه لا أحد يستطيع مواجهته أو التعرض له بناء على علاقته بالقائد شريا، وبعد أقل من ثلاثة أشهر من انضمامه إلى قوات الدعم السريع، ذهب وتمركز في منطقة قليصة شرقي محلية أبوزبد، وجعلها نقطة انطلاق لأعماله الإجرامية.

قتل صليب الديك 26 مواطنا في ولاية غرب كردفان إثر هجمات مسلحة نفذها على 6 مناطق خلال 11 شهرا مضت

شهود

ووثق مراسل (عاين) في إقليم كردفان لـ 6 هجمات كبيرة نفذها سليمان صليب الديك خلال 11 شهراً في ولاية غرب كردفان، قتل خلالها 26 مواطنا، واختطف العشرات من المواطنين ومطالبة ذويهم بدفع فدية مالية، وذلك بعد التحدث مع 9 شهود في المناطق التي وقعت فيها هذه الجرائم.

حوادث دامية

أولى الحوادث ارتكبها صليب الديك كانت في منطقة أبو ماهلة شرقي مدينة أبو قلب في ولاية غرب كردفان في شهر أكتوبر من العام 2023م، إذ هاجم مواطنا في زرعه خلال وقت حصاد محصول الفول السوداني، فقتل المزارع وجرح اثنين من أبنائه كانا بمعيته، وذلك بعد أن قاوموه ورفضوا منحه حصادهم.

بعدها هاجم سوق أم دورور في منطقة السعاتة الدومة في الجزء الشرقي من ولاية غرب كردفان، وفتح الرصاص الحي على المواطنين في مسعى لنهب المحال التجارية، مما أدى إلى مقتل 11 مدنياً وجرح آخرين، كما استحوذ على سيارات ودرجات نارية وبضائع من رواد السوق، الشيء الذي دفع السكان للامتناع من ارتياد السوق وهو أحد أبرز الأسواق المحلية في المنطقة.

ولم يمض طويلاً هاجم صليب الديك سوق منطقة ود البدين التي تقع شمال شرق محلية أبوزبد في ولاية غرب كردفان، وقتل 6 مواطنين من البلدة، وصاحب ذلك عملية نهب للمحال التجارية.

وفي مايو الماضي اقتحم مدينة ابوقلب التي تبعد نحو 10 كيلومترات شمالي محلية أبوزبد، والتي تضم تجمعاً كبيراً من قوات الدعم السريع، وقتل 7 من شباب البلدة بعد أن رفضوا تسليمه مقتنيات تخصهم، ونهب سيارة وعدد 4 تكتوك، إضافة إلى عدد من الدرجات النارية، واختطف شابين، وأفرج عنهما بعد دفع فدية مالية تقدر بثلاثة ملايين جنيه.

ونفذ صليب الديك عدد من الهجمات على منطقة الدودية الواقعة على الطريق الرابط بين مدينتي الخوي والأبيض وجميعها كانت بدافع النهب، وكان آخرها يوم 12 سبتمبر الجاري، إذ اقتحم البلدة بـ5 سيارات عسكرية ومعه قائد في قوات الدعم السريع، يدعى موسى أغيبش، وقاموا بعمليات نهب واسعة للسوق، واختطفوا شيخ الدودية، جعفر عطا المنان، والمواطن آدم أزرق، وانسحبوا باتجاه منطقة قليصة، وطالبوا بدفع مبلغ 13 مليون جنيه سوداني نظير الإفراج عن الرجلين، وما تزال المفاوضات جارية.

مخاوف واسعة

ومع قرب موسم الحصاد ترتفع مخاوف المواطنين في إقليم كردفان من تكثيف صليب الديك هجماته بغرض نهب المحصولات الزراعية مثل ما فعل خلال الفترة نفسها من العام الماضي، إذ روع المزارعون في مزارعهم، وأخذ حصاد بعضهم بقوة السلاح، في ظل صمت قوات الدعم السريع التي تحكم سيطرتها على المنطقة.

قوات الدعم السريع تتجاهل بلاغات المواطنين باعتداءات صليب الديك، وهي مسؤولة عن ما يحدث للسكان طالما تسيطر على المنطقة

 قيادي أهلي

ويقول قيادي في الإدارة الأهلية في غرب كردفان لـ(عاين) وطلب عدم ذكر اسمه، إن “المواطنين يبلغون قيادة قوات الدعم السريع المتمركزة في رئاسة محلية أبوزبد بعد كل حادثة نهب وقتل ينفذها سليمان صليب الديك، لكنها لم تتفاعل مع هذه الشكاوى، ولم تتبع هذا المجرم لتوقيفه، وربما هي تبارك نشاطه في الخفاء لضمان ولائه إليها”.

ويضيف:”كان المقدم عبد المنعم شريا يوفر الحماية إلى صليب الديك، ولكن حتى بعد رحيله لم تتحرك قوات الدعم السريع في مواجهته، رغم أنه ينفذ جرائمه بالقرب منها، فهي مسؤولة عن ما يجري للمواطنين في تلك المنطقة طالما هي تسيطر عليها ميدانياً، وسوف ترتفع التحديات عند موسم الحصاد فالسكان يعولون على المحصولات الزراعية للتغلب على شبح المجاعة الذي يهددهم”.

لكن طموحات صليب الديك ربما أصبحت متجاوزة لأعمال نهب المحصولات الزراعية، وصار يفكر في السيطرة على المدن وإدارتها، ففي مطلع سبتمبر الجاري دخل مدينة الخوي في ولاية غرب كردفان، وأبلغ سكانها أنه يريد أن يحكم المنطقة، وتصدى له القادة الأهليين في البلدة بالرفض القاطع، وطلبوا منه مغادرة المدينة حتى لا يتسبب في قصفها بطيران الجيش.

رفض صليب الديك طلب رجالات الادارة الأهلية وتمركز بقواته التي يصل عددها نحو 7 سيارات قتالية في منطقة الكافتيريا على طريق الأسفلت الرابط بين الخوي والأبيض والنهود، وانسحب منها بعد أن علم بتجمع أهلي مسلح ينوي مهاجمته، لكنه عاود الهجوم على الخوي بعد ثلاثة أيام من مغادرتها، وقتل مواطن وأصاب مواطنة ونهب سيارة وبعض الممتلكات، كما تعرض هو إلى إصابة في ذلك اليوم، وفق شاهد من المدينة.

دوافع

وظهر صليب الديك لأول مرة في مقطع فيديو، وهو يدحض شائعة سرت بمقتله، لكنه أقر بإصابته خلال الهجوم الذي نفذه على مدينة الخوي، وأن لا أحد يستطيع قتله، “كما أقسم بأنه لن يترك الخوي حتى ولو تبقى آخر وريد في جسده” في إشارة إلى أنه لن يتنازل عن مسعاه في السيطرة على المنطقة وحكمها.

ويشير الصحفي المتخصص في شؤون دارفور وكردفان أحمد حمدان، إلى أن التحول في مسيرة سليمان صليب الديك من قطع الطرق إلى السيطرة على المدن وإدارتها يمثل تطوراً طبيعياً، فهو يريد أن يفتح باباً أكبر للنهب ودون عناء من خلال الموارد الموجودة في مدن كالخوي، إذ يوجد سوق كبير للماشية والمحصولات الزراعية، وعبر الجبايات وحدها يمكن أن يبني إمبراطوريته المالية.

ويقول حمدان في مقابلة مع (عاين): إن “السيطرة على مدينة ربما توفر له حماية بخلاف وجوده في العراء الذي يجعله عرضاً للمطاردة من الفصائل المسلحة الأخرى، لكن الدافع الأكبر هو تحقيق أكبر قدر من المصالح، فهو يشاهد قادة قوات الدعم السريع الذين يديرون مناطق في محيطه، وتمكنهم من جمع مبالغ طائلة خلال فترة وجيزة”.