“حشد وتجنيد بدارفور”.. مقاتلون جدد يغذون حرب السودان
عاين- 21 نوفمبر 2024
تُظهر السيدة حليمة حمدان، قلقًا بائنًا على مصير ثلاثة من أبنائها التحقوا حديثًا بمعسكرات تجنيد لقوات الدعم السريع افتتحتها مؤخرًا هذه القوات التي تقاتل الجيش السوداني في عدد من الولايات التي تسيطر عليها في إقليم دارفور.
وعقب آخر خطاب مصور ألقاه قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو “حميدتي” أكتوبر الفائت، نشطت الإدارات المدنية والقيادات الأهلية في مناطق سيطرة الدعم السريع في عمليات حشد واستنفار واسعة للمقاتلين استجابة لدعوة “حميدتي” بحشد مليون مقاتل.
وتغري قوات الدعم السريع المقاتلين الجدد بدفع راتب شهري قدره (مليار جنيه سوداني)، وهذا ما دفع أبناء “حليمة حمدان” الثلاثة للانضمام إلى معسكرات التجنيد؛ نظرا للظروف الاقتصادية السيئة التي تعيشها عائلتها بسبب الحرب.
وتقول “حمدان” التي تسكن حي الوحدة في مدينة نيالا عاصمة ولاية جنوب دارفور لـ(عاين): “الأوضاع المعيشية الصعبة أجبرت ثلاثة من أبنائي على الالتحاق بمعسكرات تدريب قوات الدعم السريع في نيالا خاصة بعد أن وعدهم الدعم السريع بدفع راتب شهري مليار جنيه”.
وتضيف حليمة (52) عاماً:” لا أعلم ما سيجرى لأبنائي.. وأنا أسمع كل يوم أخبارا سيئة عن الحرب، ومقتل عشرات الشباب من أبناء منطقتي في معارك الخرطوم والفاشر”.
عائلة حليمة حمدان واحد من بين مئات العائلات في دارفور الذين أجبرت الأوضاع المعيشية الطاحنة أبناءهم على الانخراط في صفوف القتال إثر حملات التحشيد والتعبئة الجارية التي تنظمها قوات الدعم السريع والحركات المسلحة المتحالفة مع الجيش السوداني في إقليم دارفور.
وتصدرت ولاية جنوب دارفور في محليات برام، تلس، السلام، والفرسان، نتيقة ونيالا شمال عمليات الحشد والاستنفار، وشكلت لجان استنفار وتعبئة على مستوى المحليات والوحدات الإدارية جابت قرى وبلدات الولاية.
ويعتقد القادة الأهليون في المجموعات العربية الذين يديرون عمليات الحشد، أن مواصلة القتال إلى جانب قوات الدعم السريع من أجل وجودهم في المنطقة، لجهة أنه حال انتهاء الحرب الجارية ميدانياً لصالح الجيش سيكون لا وجود لهم في الإقليم بعد تحالف الجيش مع المجموعات الأهلية غير العربية عبر القوات المشتركة للحركات المسلحة.
قتال لأجل البقاء
وفي لقاء جماهيري لعملية الاستنفار للقتال مع قوات الدعم السريع، جرى في بلدة داريا غرب مدينة نيالا الأسبوع قبل الماضي، قال القيادي الأهلي ورئيس لجنة التعبئة بولاية جنوب دارفور، عليكم بالتحرك للقتال فإن لم تذهبوا سيأتون ويقاتلوكم في بلداتكم وبيوتكم”
وفي حشد مماثل في بلدة “نتيقة” شمال شرق مدينة نيالا، أشار القيادي في مجموعة المسيرية الأهلية، غلام الله التجاني عبدالقادر، إلى أن مشاركة عشيرته في القتال مع الدعم السريع يتعلق بوجودهم في المنطقة لجهة أن لا خيار أمامهم غير مواصلة القتال.
وفي ولاية غرب دارفور شهدت منطقة تندلتي بفوربرنقا، استنفاراً واسعاً للمقاتلين للانضمام لقوات الدعم السريع بإشراف قيادات أهلية وضباط قوات الدعم السريع.
ونقلت مصادر متعددة لـ(عاين)، عمليات استنفار ودعوة إلى المقاتلين للانضمام لقوات الدعم السريع في قرى قيلو، ورهد قرض، وكلانج، ومرورو، التابعة لمنطقة تندلتي بولاية غرب دارفور.
ولفت مسؤول في إدارة التدريب بقوات الدعم السريع قطاع جنوب دارفور، في مقابلة مع (عاين)، إلى أنهم افتتحوا (7) معسكراً للتدريب معظمها في ولاية جنوب دارفور، رغم تحديات التمويل التي تواجههم.
ووفقاً للقائد -الذي اشترط عدم الإشارة إلى اسمه- أن الحشد الجاري في دارفور يهدف بالدرجة الأولى للدفع بمزيد من المقاتلين إلى جبهة القتال خاصة إلى مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور آخر معاقل الجيش وحلفائه من الحركات المسلحة في الإقليم الذين يُدافعون عنها بضراوة منذ مايو من العام الماضي.
وبالتزامن مع حملة الاستنفار كثفت قوات الدعم السريع هجماتها على مدينة الفاشر خلال الأسبوعين الماضيين بعد أن شهدت تراجعاً كبيراً خلال الشهر الماضي.
وصاحبت حملات التعبئة أعمال عنف ذات طابع أهلي شهدتها بلدات عدة في شمال وغرب دارفور، تسببت في حرق قرى وموجة نزوح لمئات الأسر من شمال غرب الفاشر إلى مناطق كرنوي وأمبرو أقصى شمال ولاية شمال دارفور مطلع نوفمبر الجاري.
تحشيد مضاد
بالمقابل، شهدت مناطق أمبرو، كرنوي، أبو قمرة والطينة الحدودية مع تشاد استنفاراً موازياً تقوده الحركات المسلحة المتحالفة مع الجيش كردة فعل لحشود قوات الدعم السريع.
وحشدت هذه القوات آلاف المقاتلين إلى صفوفها بدوافع حماية قراهم من هجمات مسلحة تشنها مليشيات أهلية تساند قوات الدعم السريع على بلداتهم.
ويقول القيادي الأهلي بشمال دارفور، هرون جمعة خاطر لـ(عاين): إن “استنفارا واسعاً تقوده مجموعات أهلية لحشد أبنائها من دول ليبيا وتشاد عبر معسكرات تجنيد في بلدات الطينة وكرنوي وامبرو لمنع تقدم المليشيات الأهلية التي تقاتل بجانب قوات الدعم السريع في المناطق والأراضي التاريخية لهذه المجموعة الأهلية شمالي مدينة الفاشر”.
وتتطابق رواية خاطر مع أفادت مصادر عسكرية في القوات المشتركة للحركات المسلحة، عن وصول مئات الشباب المقاتلين إلى بلدة الطينة للاستنفار في صفوف القوة المشتركة للحركات المسلحة لمواجهة تمدد المجموعات المسلحة المتحالفة مع قوات الدعم السريع في مناطق شمال وغرب كتم وحرقها عشرات القرى خلال أكتوبر ونوفمبر الجاري.
ونسبة للوضع الاقتصادي المتدهور التي يشهده إقليم دارفور جراء الحرب، وجدت حملة التحشيد الأهلي استجابة وإقبالاً كبيراً، لا سيما من فئة الشباب والأطفال جرى تجميعهم الأسابيع الماضية من أربع ولايات تقع تحت سيطرة الدعم السريع في دارفور.
أصوات معارضة
وبالرغم من الاستجابة الواسعة لحملات التحشيد، إلا أن مجموعة من النشطاء المدنيين عبروا عن رفضهم عملية الحشد. وقادوا حملات مضادة للاستنفار الذي تقوده الإدارة الأهلية في محليات عديدة بالإقليم.
ويحذر حسين هرون، وهو أحد الناشطين الذين يعارضون عمليات الحشود الأهلية للمشاركة في الحرب، الشباب من الانخراط في عمليات الحشد الجارية التي تتزعمها الإدارات الأهلية في دارفور دون مراعاة لنتائجها في المستقبل.
ويقول هرون في مقابلة مع (عاين): “بدأ كثير من الشباب يدركون أن التوجه نحو الاستنفار لم يعد مفيداً، لجهة أن الوعود بتقديم مكافآت مالية لكل من يقاتل في صفوف الدعم السريع غير منطقية، ولم تُنَفَّذ من قبل”.
فيما يرى الخبير العسكري، على إيدام، أن عواقب كارثية تنتظر الإقليم نتيجة للتحشيد والتحشيد المضاد للمجموعات الأهلية في دارفور من قبل طرفي الحرب.
ويشير إيدام في مقابلة مع (عاين) إلى أن التحشيد الجديد لقوات الدعم السريع جاء منظم أكثر من الوقت السابق، وذلك بعد تمثيل هذه المجموعات الأهلية في هياكل الحكومات المدنية التي شكلها الدعم السريع في أربع ولايات بالإقليم؛ مما ينذر إلى إطالة أمد الحرب.