حرب السودان.. تطورات عسكرية وسيناريوهات محتملة
عاين- 30 يناير 2025
على عدة جبهات، تتصاعد العمليات الحربية في السودان بين الجيش والقوات المتحالفة معه وقوات الدعم السريع، ومع التقدم الملحوظ للجيش في العاصمة وولاية الجزيرة تتراجع قوات الدعم السريع من هذه المناطق، لكنها تشن هجوما منذ أيام هو الأعنف على مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور وآخر معاقل الجيش السوداني في الإقليم.
العمليات العسكرية مصحوبة بالتحركات السياسية للطرفين من شأنها إطالة أمد الحرب – وفقا لمحللين سياسيين وعسكريين وأمنيين تحدثت إليهم (عاين)، لجهة أن إصرار قوات الدعم السريع للسيطرة على الفاشر بالتزامن مع مضي قوى مدنية متحالفة معها إعلان حكومة موازية في مناطق سيطرتها، وإصرار الجيش السوداني على الحسم العسكري والابتعاد عن طاولة التفاوض يشير إلى أن مستقبل البلاد في طريقه لحكومتين، وهذا هو السيناريو المحتمل مع سيناريوهات أخرى بمواصلة الجيش تقدمه بعد الخرطوم والجزيرة إلى كردفان ودارفور.
تطورات عسكرية ميدانية
مع تقدم الجيش على الأرض في العاصمة السودانية مستحوذا على أجزاء واسعة من شمال الخرطوم محلية بحري ومصفاة الجيلي والتخلص من ترسانة الدعم التي حاصرت القيادة ووزارة الدفاع في تطورات متسارعة حدثت خلال يناير 2025. تشير مصادر عسكرية تحدثت لـ(عاين)، إلى أن القوات المسلحة السودانية تجري ترتيبات عسكرية جديدة لشن هجوم بري واسع النطاق على شرق العاصمة حول مباني القيادة العامة ووزارة الدفاع ومطار الخرطوم خلال الأسبوعين القادمين واضعا عينه على أهمية تسريع وتيرتها للسيطرة على العاصمة قريبا.
استعاد الجيش في محلية بحري الأحياء المأهولة بالمدنيين كما استعاد ودمدني عاصمة ولاية الجزيرة وسط السودان مع إمكانية تراجع هذه القوات إلى غرب البلاد ومع ذلك فإن المعطيات على الأرض تضع عددا من السيناريوهات في نظر الناشط في مجال السلام والديمقراطية مجاهد أحمد، بأن تلوذ قوات الدعم السريع بإقليم دارفور مدافعةً عن منطقة تضم أربع ولايات تحت سيطرتها، وفيما تشن هجمات على مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور آخر معاقل الجيش السوداني في الإقليم.
ويقول مجاهد أحمد، إن “الجيش يركز على استعادة العاصمة السودانية وولاية الجزيرة خلال الشهور القادمة قبل منتصف العام وهناك استعجال على إتمام هذه العملية العسكرية، حتى يستبق الجنرال عبد الفتاح البرهان تحولات دولية وإقليمية مع وصول دونالد ترمب إلى البيت الأبيض”.
وتابع: “لا يثق الجيش في موقف الولايات المتحدة الأميركية لذلك فهو متعجل للسيطرة على العاصمة الخرطوم بالكامل وولاية الجزيرة والتفاوض على بقية الولايات حال مواجهة ضغوط للذهاب إلى المحادثات”.
مغادرة
ويبلغ عضو في غرفة طوارئ بالخرطوم (عاين) أنه شاهد عشرات الشاحنات التي تغادر شرق العاصمة السودانية خلال هذا الأسبوع محملة بالعائلات والأمتعة، وتوجهت إلى إقليم دارفور. وأشار إلى أن مجموعات سكانية أخلت منازلها جنوب وشرق الخرطوم خشية حملات انتقامية حال وصول الجيش.
مقاتلون غير متحمسين لطموحات (حميدتي) يغادرون العاصمة السودانية مع تقدم الجيش
عامل إنساني
وأضاف: “أغلب عناصر قوات الدعم السريع من مجموعة المستنفرين يغادرون الخرطوم؛ لأنهم لا يتمسكون بأي مشروع سياسي، بينما الجنود الأساسيون من يدينون بالولاء للجنرال حميدتي ظلوا في مواقعهم مع ملاحظة انحسار ارتكازات عسكرية جنوب وشرق الخرطوم”.
ويوضح عضو غرفة الطوارئ الذي حجبت (عاين) اسمه لحمايته من الملاحقة الأمنية، أن الأمور باتت واضحة على الأرض على الأقل ما شاهدته شرق وجنوب الخرطوم.
خطط استعادة الخرطوم
يرى المستشار بأكاديمية الأمن العليا للدراسات الاستراتيجية والأمنية في السودان، اللواء معتصم عبد القادر الحسن في حديث لـ(عاين)، أن الجيش السوداني بدأ خطة التوسع نحو العاصمة السودانية منذ نهاية سبتمبر 2024 بعبور الجسور من أم درمان إلى الخرطوم بحري ووسط الخرطوم وكثافة التسليح وقوات المشاة البرية.
ويقول عبد القادر: إن “نجاح القوات المسلحة في السيطرة على مناطق بحري وسلاح الإشارة والقيادة العامة ومصفاة الجيلي تسهل أمامها الانطلاق في الفترة القادمة لتعزيز محور المقرن وسط العاصمة السودانية ما يعني السيطرة على القصر الرئاسي وسط السوق العربي ومقار الوزارات السيادية ومجلس الوزراء”.
وتابع: “من الملاحظ أن الجيش طوق قوات الدعم السريع داخل ولاية الخرطوم من محور العيلفون وحطاب والمقرن وسلاح الإشارة والقيادة العامة، وأحكم طوقه من ولايات نهر النيل والنيل الأبيض والقضارف، وتتميز بأنها خطوط مترابطة مع بعضها ومفتوحة الإمداد من الشمال والشرق وأم درمان”.
ويصف عبد القادر، ما يحدث لقوات الدعم السريع داخل العاصمة السودانية بـ”الكماشة التطويقية”. ولفت إلى أن القوات المسلحة السودانية قاب قوسين أو أدنى من السيطرة بشكل كلي على ولايتي الخرطوم والجزيرة.
ويتوقع المستشار في أكاديمية الأمن اللواء معتصم عبد القادر الحسن، إن القوات المسلحة عقب اكتمال خطط السيطرة على العاصمة السودانية وولاية الجزيرة والنيل الأبيض ستتوجه إلى ولايات كردفان، ومن هناك إلى إقليم دارفور.
الدعم السريع.. معركة مصيرية
قوات الدعم السريع التي تفرض حصاراً كبيرا على مدينة الفاشر منذ أشهر، وترفع من وتيرة هجماتها على المدينة التي يُحاصر بداخلها آلاف المدنيين، تحشد آلاف الجنود والسيارات في صحراء ولاية شمال دارفور، وتصر على السيطرة على آخر معاقل الجيش بدارفور.
ويقول الباحث العسكري والاستراتيجي حسن إدريس، إن “وقوات الدعم السريع في طريقها للتراجع نحو إقليم دارفور واضعةً عينها على مدينة الفاشر لتكمل السيطرة على كامل الإقليم مع الوضع في الاعتبار أن الإمداد والمعدات القتالية التي وصلت إلى هذه القوات خلال الأسابيع القليلة الماضية مخصصة للاستيلاء على الفاشر ومن الواضح أن هذه الأسلحة لن تنقل إلى بقية الولايات بما في ذلك العاصمة والجزيرة”.
مسيرات حديثة لدى الدعم السريع تهدد الفاشر بشكل كبير
محلل عسكري
ويشير إدريس، أن قوات الدعم السريع حصلت على مسيرات حديثة تجوب الفضاء لساعات طويلة، وتصوب بدقة مع التقاط صور دقيقة أيضا وهي مسخرة نحو مدينة الفاشر رغم أن الترسانة العسكرية للجيش والقوات المشتركة لا يمكن الاستهانة بها إلى جانب الرغبة الجارفة للمتطوعين في القتال بولاية شمال دارفور للدفاع عن أراضيهم من العوامل التي ساعدت الجيش على البقاء في الفاشر.
الفاشر تحدد مستقبل البلاد
ويقول المحلل العسكري حسن إدريس، إن “استراتيجية القوات المسلحة على المدى المتوسط السيطرة على العاصمة السودانية وولاية الجزيرة ومن ثم إكمال العمليات العسكرية في كردفان ودارفور في ذات الوقت تقاتل قوات الدعم السريع للسيطرة على مدينة الفاشر التي تعرضت إلى ضربات عسكرية من جانب قوات حميدتي ومع ذلك تمكن الجيش وحلفائه من الحفاظ عليها”.
وأضاف إدريس: “لا توجد خطة متفق عليها بين الجيش وقوات الدعم السريع بتراجع حميدتي إلى دارفور مقابل سيطرة القوات المسلحة على العاصمة والجزيرة هذا الأمر غير مطروح على أجندة الطرفين لذلك تعمدت قوات الدعم السريع أن ترمي بثقلها في الفاشر للسيطرة على كامل إقليم دارفور؛ لأنها تضع أربع ولايات تحت استحواذها العسكري”.
الحرب ستتحول إلى مركزين تنطلق من الخرطوم والفاشر
محلل عسكري
ويختم إدريس حديثه قائلًا: إن “مدينة الفاشر هي التي تحدد مستقبل البلاد وحفاظ الجيش عليها مع السيطرة الميدانية على جميع أنحاء ولاية الخرطوم والجزيرة والنيل الأبيض في ذات الوقت. أما انهيار الوضع في الفاشر يعني أن البلاد ستخوض حربا بين منطقتين مركزهما يتوزع بين العاصمة السودانية والفاشر”.
وأردف: “لكن يجب أن نضع في الاعتبار أن المجتمع الدولي لن يسمح بهذه الحرب أن تستمر طويلا متى تحسن موقف الجيش إذا تمكن من الاستيلاء على العاصمة السودانية وولاية الجزيرة سيذهب إلى التفاوض؛ لأنه لا يرغب في القتال للأبد”.