قاعدة روسية على ساحل السودان.. قلق المدنيين وطموحات الجيش

17 ديسمبر 2020

أثار إعلان روسيا إنشاء القاعدة البحرية بالقرب من مدينة بورتسودان، جدلاً في الأوساط السودانية، حول مدى قانونية الخطوة في ظل مرحلة الانتقال السياسي التي تمر بها البلاد، وإمكانية الإستفادة منها في تحقيق مصالح إستراتيجية للدولة، الأمر الذي دفع رئيس هيئة أركان الجيش السودانى، الفريق أول ركن محمد عثمان الحسين، منتصف نوفمبر الماضي، للتصريح بعدم وجود اتفاق كامل مع روسيا بشأن إقامة قاعدة فى البحر الأحمر، والتأكيد بأن الإتفاق مع روسيا بشأن القاعدة العسكرية يخضع للدراسة.

ونشر موقع قانوني يتبع للحكومة الروسية في الثامن من ديسمبر، وثيقة تحوي مدة وشروط استخدام القوات البحرية الروسية للقاعدة البحرية التي أعلنت نيتها انشائها على الساحل السوداني. وأشارت الوثيقة إلى اتفاق بين روسيا والسودان في الأول من ديسمبر الحالي، ينص على أنه باستطاعة الأسطول الروسي استخدام “مركز لوجيستي” في السودان لمدة 25 عاماً، قابلة للتمديد تلقائياً لمدة 10 سنوات أخرى، إذا لم يتم إلغاء الإتفاق كتابياً بواسطة أحد الأطراف، وذلك عبر إبلاغ الطرف الآخر من خلال القنوات الدبلوماسية قبل عام من تاريخ انتهاء أجل الاتفاقية.

وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، اصدر في نوفمبر الماضي، تعليمات لوزارة الدفاع الروسية لإنشاء مركز لوجستي للبحرية الروسية في السودان، وذلك بعد رفع رئيس الوزراء الروسي ميخائيل ميشوستين، مسودة الاتفاق إلى رئيس الدولة للتوقيع على الوثيقة. وبحسب الوثيقة التي نشرها الموقع الحكومي الروسي، فإن المركز اللوجيستي الغرض منه صيانة السفن الحربية الروسية وتموينها، بجانب قدرته على استيعاب السفن المزودة بالتجهيزات النووية، مقابل تقديم روسيا اسلحة ومعدات عسكرية مجانية للسودان لتنظيم الدفاع الجوي للمركز اللوجيستي.

قاعدة روسية على ساحل السودان.. قلق المدنيين وطموحات الجيش

يشير خبراء إلى أن حوالي 800 مليار دولار من المنتجات النفطية يتم نقلها سنوياً عبر الموانئ السودانية إلى الدول الأوروبية والصين وتركيا، وأن هذا الإتفاق خطوة أولى لتوسيع التعاون بين روسيا والسودان في هذا الشأن، وأن التواجد في المنطقة يضمن مشاركة روسيا في جميع العمليات الإقليمية.

مصالح متبادلة

تشير الوثيقة التي نشرها الموقع الحكومي الروسي، إلى أن المركز اللوجستي يأخذ طابعاً دفاعياً يتوافق مع أهداف الحفاظ على السلم والإستقرار في المنطقة، وأن السودان سيوفر الأرض التي سيتم عليها إنشاء المركز مجاناً، بينما تقوم روسيا ببناء المنشأة، وتجهيزها بالمعدات اللازمة، وتنفيذ أعمال التحديث أو الإصلاح، وصيانة المركز.

وسيضم المركز ما لا يزيد عن 300 كادر من العسكريين والمتخصصين المدنيين، ويمكن زيادة العدد بالإتفاق مع الجانب السودان، على أن لايزيد عدد السفن الحربية الروسية المسموح لها بالبقاء في وقت واحد عن 4 بما فيها التي تعمل بالطاقة النووية. ويتمتع العاملون بالمركز بالحصانات والامتيازات المنصوص عليها في اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية، فيما يتم العمل بالقانون الروسي على أراضي المركز، وأن يتولى الجانب السوداني الحماية الخارجية لحدود المنطقة.

مخالفة الدستور

أستاذ القانون الدستوري بجامعة النيلين، ياسين عمر يوسف، إلى عدم دستورية إبرام هذه الاتفاقية في الوقت الحالي، ذلك لأنها لم تعرض على الحكومة التنفيذية للموافقة عليها، قبل وضعها أمام البرلمان لإعتمادها، وعلى هذا الأساس يرى أنها حتى الآن لا تستند على أساس قانوني. وأكد يوسف لـ(عاين)، أن المؤسسة العسكرية لايحق لها القبول بالاتفاق قبل عرضه بواسطة وزير الدفاع على مجلس الوزراء ثم تقديمه للبرلمان عبر وزير العدل، ويُضيف: “إذا تم قبوله من خلال هذه الإجراءات حينها يصبح قانونياً”.

لكن أستاذ القانون الدستوري، يرى أن مثل هذه الاتفاقات يجب أن لا تُعرض إلا على برلمان مُنتخب بواسطة الشعب، ذلك لأنها تمس سيادة الدولة، وأن البرلمان المؤقت ليس من شأنه البت في القضايا الحساسة. بينما يرى الطيّار المُتقاعد بالجيش السوداني، حامد عوض، أن طبيعة الإتفاقيات ذات المهام العسكرية تندرج ضمن الإستراتيجية الشاملة للدولة، التي يتم التوافق عليها وتحديد إطارها العامة بواسطة الدستور الدائم.

ويُضيف: “عمل الجيش يرتبط بهذه الإستراتيجية طويلة المدى، ولا يرتبط ببرامج الحكومات التي تتغير بتغيُّر الحكومة عند انتهاء دورتها البرلمانية المحددة بسنوات قصيرة”. وبحسب ماذكر عوض لـ (عاين)، فإن الدولة السودانية لم تتمكن خلال مرحلة ما بعد الإستقلال عن بريطانيا في العام 1956، وحتى اليوم من بلورة إستراتيجية تُحددد مصالحها العليا، وذلك لتطاول فترات الحكم الشمولي مقابل الفترات الديمقراطية.

صراع نفوذ

المحللّ السياسي والإستراتيجي، الحاج حمد، يؤكد ان الخطوة التي اتخذتها روسيا بإنشاء قاعدة عسكرية في البحر الأحمر ليست بمستغربه في ظل وجود قواعد عسكرية لكل من فرنسا والصين والإمارات بدولة جيبوتي، وأن ذلك ينبع من الأهمية الإستراتيجية لمضيق باب المندب الذي تمر به 60% من حجم التجارة العالمية.

وأشار إلى أن اول موطئ قدم لروسيا على ساحل البحر الأحمر، كان في إثيوبيا، خلال حقبة الإتحاد السوفيتي، عبر تواجد قطعها العسكرية البحرية في مينائي عصب ومصوّع، لكن بعد انهيار الإتحاد السوفيتي اعتمد الوجود العسكري الروسي على ميناء طرطوس السوري المُطل على البحر الأبيض المتوسط، بجانب توقيعها اتفاقاً مع مصر لعبور سفنها الحربية من خلال قناة السويس وكذلك الاستفادة من الموانئ المصرية بتزويد سفنها بما تحتاجه من وقود.

قاعدة روسية على ساحل السودان.. قلق المدنيين وطموحات الجيش
الخطوة التي اتخذتها روسيا بإنشاء قاعدة عسكرية في البحر الأحمر ليست بمستغربه في ظل وجود قواعد عسكرية لكل من فرنسا والصين والإمارات بدولة جيبوتي، وأن ذلك ينبع من الأهمية الإستراتيجية لمضيق باب المندب الذي تمر به 60% من حجم التجارة العالمية.

ولفت حمد، إلى أن نظام الرئيس السوداني المخلوع عمر البشير، كان قد منح الولايات المتحدة الامريكية قاعدة عسكرية في منطقة سوبا جنوبي العاصمة الخرطوم، لتصبح جزء من قيادة قواتها في افريقيا المعروفة بـ “افريكوم”، وأن ذلك هو دفع روسيا للبحث عن موطئ قدم في السودان، حيث عملت على بناء قاعدة ارتكاز على الحدود السودانية مع افريقيا الوسطى لمنع تمددّ الصراع الدائر هناك إلى السودان.

ويُضيف بأن البشير، وعقب شعوره بالتورط مع الولايات المتحدة والسماح لها ببناء قاعدة عسكرية على اراضيه دون مقابل، واحساسه بسعيها للتخلص من نظامه، سارع بالإتجاه نحو روسيا وطلب الحماية من الرئيس، فلاديمير بوتن.

أواخر العام 2017، زار روسيا الرئيس المخلوع عمر البشير، وطلب من الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، تعزيز التعاون العسكري مع موسكو، وتوفير الحماية لنظامه. وحافظت روسيا علاقات وثيقة مع الدكتاتور السابق عمر البشير ، وبالتالي مع الممثلين العسكريين في مجلس السيادة السوداني شريك الحكم بعد الاطاحة بنظام البشير في ابريل 2019. والتقى رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين في سوتشي خلال القمة الروسية الأفريقية في أكتوبر الماضي. وبالنظر إلى علاقة روسيا الماضية والحالية، فان السودان يعتبر ثاني أكبر مشتر للأسلحة من روسيا في إفريقيا.

قاعدة روسية على ساحل السودان.. قلق المدنيين وطموحات الجيش

تدخل إقليمي

يشير خبراء إلى أن حوالي 800 مليار دولار من المنتجات النفطية يتم نقلها سنوياً عبر الموانئ السودانية إلى الدول الأوروبية والصين وتركيا، وأن هذا الإتفاق خطوة الأولى لتوسع التعاون بين روسيا والسودان في هذا الشأن، وأن التواجد في المنطقة يضمن مشاركة روسيا في جميع العمليات الإقليمية.

لكن المحللّ السياسي الحاج حمد، أكد لـ (عاين)،  أن التعاون بين روسيا والجيش السوداني ليس بجديد، وذلك من واقع اعتماد الأخير على استيراد الأسلحة من موسكو أو دول أوروبا الشرقية التي تعتمد بدورها على التكنولوجيا الروسية، وأنه من الصعب عليه الإنتقال للتسليح الغربي، في ظل وجود قوانين تمنع منح الأسلحة للحكومة السودانية، الأمر الذي جعلها تعتمد في هذا الجانب على الصين وروسيا.

واعتبر حمد، أن وجود قاعدة روسية على الساحل السوداني، امر تقتضيه المصالح المُشتركة بين البلدين، وأضاف: “رغم انها اقل قيمة من القاعدة الأمريكية الحالية، إلا انه ما تزال هناك إمكانية للحصول على الأسلحة الروسية”.

مخاوف داخلية

وحول امكانية تدخل روسيا في الشأن الداخلي السوداني، من خلال دعم الشق العسكري الذي يرتبط بمصالح مع موسكو، يقول الحاج حمد: “روسيا في العادة لاتتدخل في السياسة المحلية للدول، ولديهم اتفاقيات مع دول افريقية لنقل التكنولوجيا الروسية، بجانب اهتمامها بالاستثمار في مجال المعادن”.

بينما رفض الحديث عن استقواء الشق العسكري من الحكومة الإنتقالية بروسيا، وأوضح بأن المدنيين تركوا أمر السياسة الدفاعية خلال الفترة الإنتقالية للعسكريين، وتابع: “إذا كان هنالك ثمة خطأ فهو خطأ المدنيين، لأن العسكريين في هذا الحالة يمارسون حقاً منصوص عليه في الوثيقة الدستورية الحاكمة”. والمح حمد، إلى امكانية تقديم الخرطوم تنازلات في هذا الجانب، ارجعها لضرورات المصالح الدفاعية بجانب الضغط الإقتصادي الذي يعاني منه الجيش السوداني.

أشارت الوثيقة إلى اتفاق بين روسيا والسودان في الأول من ديسمبر الحالي، ينص على أنه باستطاعة الأسطول الروسي استخدام “مركز لوجيستي” في السودان لمدة 25 عاماً، قابلة للتمديد تلقائياً لمدة 10 سنوات أخرى

بينما يذهب الطيّار المُتقاعد حامد عوض، إلى أن الإتفاق على أعمال عسكرية مُشتركة مع دول أخرى في مرحلة الإنتقال الحالية التي يمر بها السودان، لايصب في خدمة المصالح العليا السودانية، لأنها قد تعبّر عن وجهات نظر أو افكار تخص افراد، قد تفيد أو تضر مستقبلاً.وأضاف: “الجوانب العسكرية لاتحتمل الخيارات، وذلك لصعوبة التراجع عنها أو التكلفة العالية لتبعات اتخاذ مثل هذا القرار حال ثبت فشله”، واستدل على ذلك بقرار مشاركة الجيش السوداني في حرب اليمن، والذي أثار جدلاً عقب التغيير الذي حدث في البلاد بسقوط نظام الرئيس المخلوع عمر البشير.