“علاج السودانيين في خطر” .. أدوية الإمدادات الطبية على شفا تحرير الأسعار

1 ديسمبر 2022

يشكل الحصول على الدواء عبئاً ثقيلاً على ملايين العائلات السودانية، خاصة الذين لا تشملهم مظلة التأمين الصحي، وبينما برز إتجاه لتحرير سعر الدولار لدى الصندوق القومي للامدادات الطبية، فإن صيادلة وخبراء يحذرون من مغبة المضي في ذلك.

في وقت سابق، نظمت وزارة الصحة الاتحادية بحضور وزيري الصحة والمالية بحكومة الانقلاب، ورشة عمل، بعنوان إصلاح تمويل النظام الصحي، وتضمنت توصيات الورشة، إعتماد سعر الدولار المحرر في تسعير الدواء بواسطة صندوق الإمدادات الطبية، لتحويل بنود دعم الإمدادات إلى العلاج المجاني والتأمين الصحي وتحقيق الوفرة الدوائية وسداد مديونية صندوق الإمدادات الطبية المتراكمة.

لكن وزير المالية، في حكومة الإنقلاب، جبريل إبراهيم، سارع إلى نفي الخبر وتكذيبه، في حسابه الرسمي على تويتر، كما نفت وزارة المالية، أن يكون الوزير قد وجه برفع الدعم عن الدواء، في الورشة إليها التي انعقدت في 19 نوفمبر العام الجاري.

إلا أنه وبحسب توصية الورشة المشار إليها فإن هناك اتجاه داخل الامدادات الطبية نفسها يدعو إلى تسعير دولار أدوية الامدادات بالسعر التجاري، بحسب مصدر بالامدادات الطبية.

ومنذ تحرير سعر صرف العملات الأجنبية، في الحكومة الانتقالية المُنقلب عليها، فإن الإمدادات الطبية تقوم بتسعير أدوية الأمراض المزمنة والأدوية المنقذة للحياة بواقع 285 جنيه للدولار، على أن يتم تغطية فارق سعر الدولار بواسطة وزارة المالية.

مشاكل التأمين

ويواجه التأمين الصحي في السودان مشكلات عديدة، بينها عدم وجود قاعدة بيانات تمكنه من تقديم خدماته العلاجية وفق التوزيعات السكانية مقابل النوافذ العلاجية، فضلاً عن تغطيته لنسبة ضئيلة من السكان مقابل العدد الكلي لسكان السودان.

والخدمات العلاجية التي يقدمها التأمين الصحي تعتبر محدودة وضعيفة ولا تشمل عدد من الأمراض مثل السرطان والفشل الكلوي وزراعة الأعضاء وجراحة القلب والقسطرة العلاجية والتشخيصية والجراحات الدقيقة والعمليات الكبرى.

أزمة الدواء في السودان.. لا سبيل لإنقاذ الحياة !

ولا تتضمن الخدمات الصحية التي يشملها التأمين الصحي، الخدمات العلاجية؛ التشخيص المتطور والأشعات المقطعية وغيرها.

كما أن جودة الخدمات العلاجية التي تقدم للمواطنين المدرجين تحت مظلة التأمين الصحي، متدنية ما دفع غالبية الشركات الحكومية والهيئات الكبيرة والمؤسسات الخاصة إلى تقديم الخدمات العلاجية بواسطة الشركات التأمينية الخاصة.

وقال سالم عثمان 35 عاماً، وهو مواطن خارج مظلة التأمين الصحي، لـ(عاين): “أن أسعار العلاجات في السودان الذي يشهد ضائقة إقتصادية، تعتبر مرتفعة الثمن ولا تتناسب مع متوسط دخل الأفراد في السودان، خاصة أولئك الذين ليس لديهم وظائف ثابتة، وبالتالي لا توجد مؤسسة يدرجوا تحت مظلتها التأمينية، وإعتبر أن التأمين الصحي الحكومي ضعيف وعاجز عن توفير أغلب الأدوية العلاجية.

وتوفر الامدادات الطبية، المسئولة عن الأمن الدوائي، عبر صيدلياتها في الخرطوم العاصمة والولايات، الدواء لملايين المواطنين بسعر معقول، خاصة مع غلاء الأدوية في الصيدليات العادية، بحسب مختصين تحدثوا لـ(عاين).

وقال تجمع الصيادلة السودانيين، أن خطوة تحرير سعر الدولار بالامدادات الطبية، ستقود إلى مضاعفة أسعار الأدوية، خاصة الأدوية المنقذة للحياة التي لا تتوفر إلا في الإمدادات الطبية. وهو الأمر الذي سيجعل الحصول عليها غاية في الصعوبة للمواطن العادي منخفض الأجر.

أزمة الدواء في السودان.. لا سبيل لإنقاذ الحياة !

وأكد، في بيان، أن الدعم الحكومي غير المباشر للدواء يأتي عبر الصندوق القومي للإمدادات الطبية حيث كان يتم تسعير الدواء بـ 18 جنيه مقابل الدولار حتى أكتوبر من العام 2019 ، بعدها تمت زيادة التسعيرة إلى (55) جنيه مطلع العام 2020. وفي العام 2020 تم تسعير الدواء بـ (165) جنيهاً مقابل الدولار، وتوالت الزيادات بعدها وصولاً لتسعيره بسعر الدولار المحرر بالكامل.

وسبق وحذر تجمع الصيادلة المهنيين من الإنفلات القادم في الدواء وأثره على المواطن والنظام الصحي، كما حذر من تحول الصندوق القومي للإمدادات الطبية من توفير الأدوية المنقذة للحياة إلى مؤسسة ربحية منافسة للقطاع الخاص في مسار تجفيفها.

مسألة وقت

وقال مصدر في الامدادت الطبية، أن قرار رفع الدعم عن أدوية الإمدادات الطبية، لم يتم اتخاذه بعد، إلا أن هناك توقعات قوية تشير إلى ذلك، معتبراً أن تحرير سعر الدولار داخل الإمدادات مسألة وقت.

وبينما يرى المصدر الذي تحدث لـ(عاين)، طالباً حجب إسمه، أن وضعية الأدوية داخل الإمدادات الطبية تشهد حالة تحسن، بالمقارنة مع فترات سابقة، إلا أنه قال أنها لم تصل إلى الوضع الأمثل، حسب وصفه.

ومن جانب آخر، فإن المصدر، إعتبر أن الإمداد الدوائي من الأصناف الدوائية الضرورية والمنقذة للحياة، يتسم بعدم الاستقرار في الإمدادات الطبية.

وعزا أسباب عدم الاستقرار في الادوية الضرورية والأدوية المنقذة للحياة بسبب وجود مديونيات كبيرة على الإمدادات الطبية من الشركات الموردة للدواء.

وأكد على أن بعض الأودية مثل الأنسولين بأنواعه يواجه شح كبير بسبب انعدامه في الإمدادات الطبية. وأشار إلى أن الديون تراكمت على صندوق الإمدادات الطبية منذ فترة النظام البائد، إلا أنه أشار إلى أن تراكم الديون في الإمدادات الطبية إستمر في أعقاب ثورة ديسمبر. وقال أن الديون مردها عجز الدولة عن التزاماتها المالية.

وأكد المصدر أن الأجهزة المسؤولة إذا مضت في اتجاه تحرير سعر أدوية الإمدادات الطبية، فإن هذا الأمر سيقود إلى صعوبة حصول المرضى على أدويتهم، مثل المحاليل الوريدية وأدوية الفشل الكلوي والسرطانات وغيرها من الأدوية مرتفعة الثمن التي توفرها الإمدادات بسعر مضبوط بسبب تضاعف الأسعار المتوقع.

ولفت إلى أن الأوضاع في ولايات السودان المختلفة، أسوأ من الأوضاع في الخرطوم العاصمة، رغم وجود فرع في كل ولاية، إلا أن تمركز السكان في العاصمة، يجعلها تستحوذ على النسبة الأكبر من أدوية الإمدادات الطبية.

وفرة ولكن؟

من جهته، يرى صيدلي يعمل بمدينة الخرطوم أن أسعار الدواء، قبل نحو عام من الآن كانت في متناول الجميع، إلى حد ما، مقارنة بدخل المواطن والضائقة المعيشية التي يمر بها أغلبية المواطنين، بسبب دعم الحكومة للدواء في ذلك الوقت.

ولفت إلى هذا الأمر تغير عندما قامت الحكومة التي كانت تخصص نسبة 10% من إيرادات الصادر لدعم إستيراد الأدوية بتحرير سعر الدواء بالكامل بالتوقف عن ذلك.

وأشار الصيدلي، إلى أن تحرير الدواء عمل على تحقيق  نسبة وفرة في الأدوية بنسبة 80 ـــــــــ 90%  مقارنة بنسبة توفر تقدر بــ 30 ـــــ 50% في السابق.

إلا أنه أشار إلى أن ذلك أدى لنشوب أزمة جديدة تتمثل في غلاء أسعار الأدوية، خاصة أدوية الأمراض المزمنة مثل أدوية السكري والضغط والأمراض النفسية والعصبية، وهي  أدوية مرتفعة الثمن.

وعن الآثار السالبة المتوقعة حال تحرير سعر دولار أدوية الإمدادات الطبية، يرى أن الإمدادات الطبية، توفر جزء مهم من الأدوية التي يستخدمها المرضى من الشرائح الخاصة، مثل الأدوية المنقذة للحياة والمحاليل الوريدية الأنسولين وأدوية زارعي الكُلى ومرضى الفشل الكلوي وأدوية مرضى السرطان، وهي أدوية غالية الثمن يتوجب على الدولة توفيرها والعمل على دعمها.

وعلى الرغم من أن هذه الأدوية المشار إليها تنقطع عن الإمدادات الطبية، إلا أنها متوفرة في أغلب الأحيان، لكن إذا مضى إتجاه تحرير هذه الأدوية ، فسيكون من الصعوبة على المواطنين الحصول عليها بسبب إرتفاع أسعارها في الصيدليات العادية. يقول الصيدلي ويضيف: “سيؤدي تحرير أدوية الإمدادات الطبية إلى نشوء سوق موازي للأدوية، وهو أمر خطير لأنه سيقود إلى يبيع التجار العاملين في سوق الدواء، أدوية مغشوشة وغير مضمونة الفاعلية الدوائية.

اضراب صيادلة السودان احتجاجاً على إنعدام الدواء

ودعا إلى ضرورة العمل لمنع أي إتجاه يذهب جهة تحرير سعر الدولار لدى الإمدادات الطبية، وأضاف الصيدلي في مقابلة مع (عاين): “إذا مضت السلطات في تنفيذ هذا القرار فإن ذلك يتطلب وضع خطة من أجل تطوير وتوسيع مظلة التأمين الصحي والدواء الدائري في الخرطوم العاصمة والولايات، كما يتطلب رفع سقف التأمين الصحي وزيادة عدد الأدوية التي يغطيها وزيادة أعداد مستخدميه”.

“أدوية كثيرة يحتاج لها بعض المرضى لكن يصعب الحصول عليها، لغلاء ثمنها أو لعدم توفرها، الأمر الذي يجعل هؤلاء المرضى يضطرون إلى جلبها من الخارج، أو عن طريق ما درجت تسميتهم بتجار (الشنطة). يقول طبيب يعمل بإحدى المستشفيات الحكومية لـ(عاين)، ويضيف:” صندوق الإمدادات الطبية يوفر جزء مهم من الأدوية الضرورية”.

عجز

يفيد صيدلي آخر (عاين) بأن تحرير سعر دولار صندوق الإمدادات الطبية، يعني عدم تمكن المواطنين من الحصول على الدواء بيسر كما كان يحدث في السابق.

ويوضح، أن أدوية الإمدادات الطبية، هي أدوية مسجلة فقط لدى وزارة الصحة الاتحادية وليس بإمكان الصيدليات العادية الحصول عليها.

وأضاف، “حال سماح الجهات ذات الصلة، للشركات باستيراد أدوية الإمدادات الطبية للصيدليات العادية، فإن هذه الأدوية ستكون غالية الثمن، وسيعجز المواطنين عن الحصول عليها”.