انتهاكات مجزرة القيادة…ومأزق حكومة حمدوك
تقرير: عاين 2 اكتوبر 2019م
يعد الكثير من الثوار قضية تحقيق العدالة وتقديم المتورطين في قضية قتل المتظاهرين لا سيما ما بات يعرف بمجزرة فض الاعتصام، أمرا محوريا في مستقبل الحكومة الإنتقالية وعلاقة العسكريين والمدنيين فيها. ويحذر آخرون من إمكانية نسف الإستقرار في البلاد وعرقلة مسيرة الفترة الانتقالية برمتها في حال عدم اطمئنان المواطنين لسير تحقيق العدالة بشفافية.
شراكة وضغوط
بإنتهاء ثورة 19 ديسمبر السودانية التي أدت الى الشراكة بين العسكر والمدنيين، تردد في تجمعات الثوار هتافات “الدم قصاد الدم ما بنقبل الدية”..ودم الشهيد بي كم ولا السؤال ممنوع؟” وغيرها من الهتافات التي تطالب المدنيين الممثلين في حكومة الثورة بحق الشهداء الذين مهرت دمائهم هذه الثورة. والوقائع تشير إلى مأزق الشق المدني في السلطة إزاء الوصول الى العدالة في الجرائم التي ارتكبت بحق المدنيين إبان فترة المجلس العسكري الذي يتقاسم معهم المقاعد داخل القصر الرئاسي في اعلى هرم السلطة -المجلس السيادي. أبرز هذه الجرائم احداث فض اعتصام القيادة العامة “مجزرة القيادة” التي شهدت صنوفا من الانتهاكات والقتل والاغتصاب.
لجنة وطنية
تحت ضغط الشارع السوداني المستمر لإنجاز العدالة لشهداء ثورته، نصت الوثيقة الدستورية وبعد جدال كبير على لجنة وطنية مستقلة لا يمانع في استعانتها بغرف العدالة في الاتحاد الافريقي لإنجاز المهمة، وقبل يوم واحد من تحديد الوثيقة الدستورية تشكيل اللجنة بعد شهر من التوقيع عليها، أصدر رئيس مجلس الوزراء عبد الله حمدوك في الثاني والعشرين من الشهر الفائت قراراً بتشكيل لجنة تحقيق المستقلة في أحداث فض اعتصام القيادة العامة والأحداث التي وقعت إبان تولي المجلس العسكري للحكم بعد سقوط البشير . تضم اللجنة (7) أعضاء في عضويتها وهم قاضي محكمة عليا “رئيسا”، ممثل لوزارة العدل “مقررا”، وممثلا لوزارة الدفاع “عضوا” وممثلا لوزارة الداخلية “عضوا”، بالإضافة لشخصية قومية مستقلة “عضوا”، و محامين مستقلين “أعضاء”.وتكون للجنة جميع سلطات التحقيق الواردة في قانون لجان التحقيق ١٩٥٤، كما يحق لها الاستعانة بمن تراه مناسبا بما في ذلك الاستعانة بدعم أفريقي و استلام الشكاوى من الضحايا و أولياء الدم و الممثلين القانونيين. وتكمل اللجنة أعمالها خلال ٣ أشهر و يحق لها التمديد لمدة مماثلة إذا اقتضت الضرورة ذلك، حيث تعمل اللجنة باستقلال تام عن اي جهة حكومية او عدلية أو قانونية. هذا وسيتم اعلان اسماء عضوية اللجنة لاحقا”.
جدل كثيف
تلى القرار جدلاً كثيفاً بالنظر الى صلاحيات اللجنة، التي يرى البعض أنها ضمت في عضويتها أعضاء اللجنة الامنية؛ الذين أتى بهم المجلس السيادي المسؤول الأول عن الأحداث. إبان فترة حكمه وتقاسم من بعد السلطة مع المدنيين؛ الذين يواجهون حرجا بالغا بعد صدور القرار بتشكيل اللجنة وهي تضم في عضويتها أعضاء اللجنة الامنية؛ ما يجعل تحقيق العدالة في ظل هذه اللجنة بعيد المنال. وهو ما يقوله الناشط المدني وعضو لجان مقاومة شرق النيل في العاصمة الخرطوم، وليد عبد اللطيف، لـ(عاين)، ” تحقيق العدالة في ظل هذا القرار مستحيل”. ويضيف عبد اللطيف الذي يقول إنه يعمل مع لجان المقاومة في تجهيز ملفات الشهداء الذين سقطوا ابان الحراك الثوري في مناطق الحاج يوسف والجريف شرق وغيرها من أحياء شرق النيل.
يشير وليد الى انهم اكملوا حتى الآن تجهيز ملفات أكثر من 14 شهيدا في المنطقة ويواصلون عملهم الدؤوب لإكمال هذه الملفات التي قال إنهم لن يسلموها لأحد ما لم يطمئنوا لسير العدالة معه. واشار الى ان معظم حالات الاستشهاد دونوا فيها بلاغات في اقسام الشرطة وينتظرون الظرف المناسب للتقدم بها قانونيا.
ليست شعارات
يضيف “يا نجيب حقهم يا نموت زيهم..هذا ليس شعارا يردده وانتهى الأمر، على الاقل بالنسبة لي شخصيا سأفعل ذلك. ويروى هنا عبداللطيف بأسى ” من منا لم يتذكر شهيد الترس في الثامن من رمضان الماضي، الطفل الشهيد محمد عيسى دودو و ابن حيه في الحاج يوسف، مات دودو وانا صديقه الذي ارافقه يوميا عبر ركشته من الحي إلى مقر اعتصام القيادة، وقبل استشهاده بأيام اتصل دودو بأسرته واخبرهم بانه لن يعود مجددا الى المنزل وعليهم أن يأتوا الى مقر القيادة لاستلام ركشته التي يعمل عليها ومن ثم استلم مهمة احدى التروس على شارع النيل قبل أن يفارق الحياة بطلق ناري في يوم 8 رمضان”. ويضيف عبد اللطيف “دم محمد وإخوانه في رقابنا جميعا”.
تشاؤم واحباط
يبدي عضو نادي أعضاء النيابة العامة، احمد سليمان العوض، عدم تفاؤله بأن تحقق لجنة التحقيق المستقلة المطلوب. ويشير عوض الى ان قرار تشكيل اللجنة استند على قانون لجان التحقيق لسنة 1954م، ومن سلطاته إعطائه لرئيس الجمهورية أو من يفوضه سلطة تعيين لجان تقصي حقائق، كذلك اعطى كل وزير تكوين هذه اللجان في دائرة اختصاص وزارته. ينوه العوض الى المأخذ الاساسي على قرار تكوين اللجنة وفقا لهذا القانون بأنه لا يسمح باستخدام البيانات التي تتحصل عليها اللجنة أمام المحاكم ،وبالتالي : ان هذه اللجنة غير مرجو منها تحقيق أي نتيجة على أرض الواقع. ويضيف العوض لـ(عاين)، ان الجرائم ضد الانسانية تواجه بعقوبات رادعة وفقا للقانون الجنائي السوداني، لكن اللجنة ليس من صلاحيتها الاحالة الى المحكمة وكل ما يمكن تحققه هذه اللجنة هو تقصى الحقائق والتوصل الى نتائج لكن من يحقق ومن يحيل المتهمين للمحاكمة هذا غير مفهوم في نص القرار. ويضيف “العبرة بالعمل..أساسيات مهام لجان التحقيق التوصل إلى المتهمين وإحالتهم للمحكمة”.
استقلالية
يقول العوض”لجنة التحقيق المستقلة يجب أن تنشأ بقانون مستقل يسمى مثلا قانون لجنة التحقيق للعام 2019 ويعطي هذه القانون اللجنة صلاحيات نيابة عامة” يقول أحمد سليمان، ويزيد ” المعروف دوليا أن النيابة العامة هي الجهة الوحيدة في الدولة التي تحيل القضايا الى المحاكمة وفق قانون الأمم المتحدة بشأن استقلال النيابة العامة والسلطة القضائية وهى امينة الدعوة القضائية بواسطة السلطة القضائية”. ويشير العوض إلى أن استبعاد النيابة العامة من القرار أمر غير موافق إطلاقا وغير مطابق للمعايير الدولية في العدالة الجنائية، وربما وفقا للعوض ان اي نتائج تنشأ على هذا التكوين المعيب للجنة قد يواجه بعدم اعتراف من قبل العدالة الدولية.
تكوين معيب
حول تجاوز القرار وتحديد أسماء بعينها للمهمة يقول العوض “قرار تكوين اللجنة معيب وبالتالي ليست هناك دواعي للتسليم به وعدد نواقصه من حيث إعلان الاسماء او غيرها”. ويشدد على أن رؤيتهم في نادي النيابة متمثلة في نشأة هذه اللجنة وفقا لقانون مستقل بموجب صلاحيات مجلسي الوزراء والسيادي بنص الوثيقة الدستورية التي منحتهم الحق في إصدار التشريعات حتى تشكيل المجلس التشريعي.
تحفظات
اما القانوني والقيادي بـ تجمع المهنيين، إسماعيل التاج، يرى أن قرار تشكيل اللجنة جيد غض النظر عما يدور حول صلاحياتها ومهامها. لكنه يشدد على أنه من الضروري عدم حصر صلاحياتها في إطار ضيق، وليس بالضرورة أن تخضع اللجنة لقانون محدد. يشير التاج: إلى أن قرار تشكيل اللجنة أثار تحفظات مشروعة لدى العديدين من واقع أن عضوية اللجنة ضمت نظاميين من الشرطة، الجيش والأمن، كان على العكس تماما ان تضم عضوية اللجنة مستقلين لجهة أننا نتحدث عن مجزرة وبالتالي جريمة كبيرة ارتكبت في حق المدنيين.ويقول التاج لـ(عاين)، ان وزير العدل لم يقم بالمشاورات الكافية حول تشكيل اللجنة سيما المسائل المرتبطة بالانتهاكات المتعلقة بالقانون الدولي وحقوق الانسان. وقال التاج ، “كان على وزير العدل تحديد إطار واضح للجنة وصلاحياتها”. ويشير إلى ما سماه بالقصور الذي اعترى تكوينها وضمها لأعضاء اللجنة الامنية وكان بالامكان تشكيلها من آخرين على علاقة بالعمل الأمني والشرطي من المعاشيين المستقلين. كما يُقر التاج بأخطاء كبيرة لمن وضع تصور تشكيل اللجنة وتجاوزه لطلب اي استشارات، لكنه يعود ويؤكد “هناك متسع من الوقت لاعادة النظر في تشكيل اللجنة حتى يطمئن الجميع في أنها ستؤدي دورها كاملا في تحقيق العدالة عن طريق الوصول إلى الحقيق ومعرفة الجناة. وحول تجاوز قرار تشكيل اللجنة للنيابة العامة ومن يقوم بإحالة الجناة الى المحاكمة يقول التاج، احالة المتهمين الى المحاكمة هذه ليست من مهام اللجنة، وعليها التوصل الى الحقائق ومن ثم هناك جهات عديدة أخرى هي التي تقوم بالاتهام والقبض. ويضيف التاج، أن هناك قصورا بائنا شاب قرار تكوين اللجنة لكنه سيراجع وسيفتح الحديث مجددا مع رئيس الوزراء حول القرار.