إعدامات جماعية .. بشاعة الجريمة وتحدي المحاسبة

عاين- 10 أبريل 2025

أسابيع من العنف عاشها السودان، بعد تصاعد الاعتداءات على المدنيين، وزيادة حالات القتل خارج القانون، كأحد تداعيات حرب متطاولة بين الجيش وقوات الدعم السريع، والتي اقتربت من دخول عامها الثالث، وهي تمضي إلى جانب الانتهاكات، بتكلفة إنسانية عالية حصدت تعاطف العالم.

ومع تقدم الجيش السوداني في ولايتي الجزيرة وسنار والعاصمة الخرطوم، تزايدت حالات القتل خارج القانون، ووثقت جهات حقوقية محلية ودولية لإعدامات ميدانية نفذها عناصر الجيش في شرق وجنوب الخرطوم وود مدني بحق أشخاص يرتدون الزي المدني، وذلك بتهمة التعاون مع قوات الدعم السريع.

وتداول ناشطون في منصات التواصل الاجتماعي بالسودان، مقاطع مصورة تظهر عناصر من الجيش السوداني، وهم يعدمون مدنيين في ساحات عامة داخل الأحياء السكنية في الخرطوم، رميا بالرصاص.

الجيش السوداني أعدم عشرات المواطنين في جنوب الخرطوم وشرق النيل، بتهمة التعاون مع قوات الدعم السريع

متطوعين

وقال أحمد محمد وهو اسم مستعار لمتطوع في شرق الخرطوم لـ(عاين) إنه “تأكد من مقتل أكثر من 10 مواطنين على يد الجيش في الحاج يوسف، بينهم اثنان عاملين في مخبز وواحد صاحب بقالة، وفتاة بائعة شاي، ذُبِحُوا، بجانب أسرة أخرى قتلت داخل منزلها.

وأضاف: “عمليات القتل للمواطنين في شرق النيل كثيرة جد، ويصعب الوصول إلى أرقام حقيقية، لكن منسوبي الجيش حولوا ساحة كرتون بارونا، بعد سوق 6 في الطريق إلى الوادي الأخضر، والتي كانت مخصصة للمصارعة الشعبية، إلى مكان لذبح المواطنين والتخلص من جثثهم”.

وفي جنوب الخرطوم، أكد مصدر محلي لـ(عاين) مقتل أكثر من 20 شابا على يد الجيش في منطقة جنوب الحزام بتهمة التعاون مع قوات الدعم السريع، كما جرى اعتقال العشرات، ولا يعرف مصيرهم، وهي حالات أكدها مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك فولكر تورك، صدر يوم الخميس الماضي، كما أكدتها مجموعة محامو الطوارئ الحقوقية في السودان.

قلق أممي

ويومها أعرب تورك عن فزعه إزاء التقارير التي تفيد بوقوع عمليات قتل خارج إطار القانون، على نطاق واسع، ضد المدنيين في الخرطوم، وحث قادة القوات المسلحة السودانية على اتخاذ تدابير فورية لوضع حد للحرمان التعسفي من الحق في الحياة. وقال تورك: “أشعر بفزع كبير إزاء التقارير الموثوقة التي تشير إلى وقوع العديد من حالات الإعدام بإجراءات موجزة لمدنيين في عدة مناطق من الخرطوم، للاشتباه على ما يبدو بتعاونهم مع قوات الدعم السريع”.

وأوضح أن عمليات القتل نُسبت إلى القوات المسلحة السودانية وأفرادًا من الأجهزة الأمنية التابعة للدولة، بالإضافة إلى ميليشياتٍ ومقاتلين مرتبطين بالجيش السوداني. وأضاف “على سبيل المثال، يزعم أن ما لا يقل عن 20 مدنياً، بينهم امرأة واحدة، قتلوا في منطقة جنوب الحزام بجنوب الخرطوم على يد القوات المسلحة السودانية والميليشيات والمقاتلين المرتبطين بها”.

وزير الداخلية في حكومة بورتسودان يعترف بإعدامات تمت لمتعاونين مع قوات الدعم السريع، ويقول إنها تصرفات فردية، وليست توجه رسمياً

والاتهامات التي تلاحق الجيش بقتل مدنيين في الخرطوم والجزيرة، اعترف بها وزير الداخلية السوداني، خليل باشا سيرين والذي قال في تصريح صحفي هذا الأسبوع، إن الإعدامات الميدانية التي نفذت بحق المتهمين بالتعاون مع قوات الدعم السريع هي تصرفات فردية، وليس توجها رسميا من الدولة.

وذكر أن السودان دولة تحترم حقوق الإنسان وسيادة حكم القانون، لافتاً إلى وجود 950 متهما بالتعاون مع قوات الدعم السريع في ود مدني سيقدمون إلى محاكمات عادلة.

جرائم حرب

ومع بشاعة تلك الجرائم، تبرز تساؤلات في المشهد السوداني حول إمكانية تحقيق العدالة للضحايا وعائلاتهم، في ظل جهاز قضائي لا يتمتع بالاستقلالية الكاملة من واقع سيطرة أحد الأطراف عليه، كما بدت الحاجة إلى معرفة طبيعة هذه الانتهاكات وما إن كانت ترتقي لمستوى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، بما يتيح فرص تدخل العدالة الدولية.

ما يجري من إعدامات خارج نطاق القانون تمثل جريمة حرب تقطع مسؤولية على القيادة العسكرية

 خبير قانوني

ويقول مدير البرنامج القانوني في المركز الإفريقي للدراسات أمير محمد سليمان، إن أي عمليات اغتيال لأي مواطن مدني أي كان، واي كانت الجريمة التي ارتكبها هي جريمة ضد الإنسانية، التي يحاسب عليها القانون الجنائي الدولي، كذلك القانون الجنائي السوداني يحاسب على الجرائم التي ترتكب ضد الإنسانية، والإبادة الجماعية، حيث يتفق القانون السوداني مع القانون الدولي في تجريم الفعل بإعدام أي شخص خارج نطاق القضاء.

ويشير سليمان في مقابلة مع (عاين) إلى أن المسؤولية بالنسبة لمرتكبي الفعل من القوات العسكرية أو المليشيات، تكون على الأفراد والأشخاص الأعلى رتبة منهم في التراتبية العسكرية، لكن لا يعفي التعلل بإعطاء الأوامر، الأفراد من المحاسبة، بل يُحْسَبُون مع القادة الذين أعطوا الأوامر، لأن اتفاقيات جنيف الأربعة المعنية بحماية المدنيين خلال الحرب واضحة في هذا الجانب.

وقال سليمان: إن “تحقيق العدالة للضحايا يبدأ بإتاحة فرص العدالة للأشخاص، وفي حالة غياب العدالة داخليا توجد آليات أخرى تحاسب الأشخاص مرتكبي هذه الجرائم خاصة إذا كان النظام العدلي خلال فترة الحرب غير فعال، فالحل هنا إما تشكيل محكمة خاصة للسودان تنشئها الأمم المتحدة أو الاتحاد الإفريقي لتحاسب الأفراد والقادة على هذه الجرائم”.

وشدد أمير على أن النظام القضائي الموجود في السودان لا يمكنه تحقيق العدالة؛ لأنه تابع إلى أحد أطراف الحرب وهو الحكومة السودانية، والطرف الآخر هو الدعم السريع، والذي يتحدث أيضا عن أنه فتح نيابات في مناطق سيطرته، لكن غير معلوم أنه يطبق أي نوع من القوانين، لذلك فإن الطرفين غير مؤهلين لتحقيق العدالة، مما يستدعي ضرورة وجود جهة مستقلة ومحكمة خاصة أو مختلطة، يقوم عليها قانونيون أجانب وقضاة سودانيين مؤهلين، وتوفر لها كل الإمكانيات، فهي تحتاج إلى موارد كبيرة وتمويل.

تصفية حسابات

بدوره، يرى الخبير القانوني معز حضرة، أن ما قام به الجيش عقب دخوله ولايتي الجزيرة وسنار والعاصمة الخرطوم، تعتبر جرائم قتل خارج السودان وجرائم حرب يعاقب عليها القانون الجنائي السوداني، والقانون الدولي، حيث لا يوجد في القانون الجنائي السوداني جريمة اسمها التعاون مع قوات الدعم السريع.

ويشير حضرة في مقابلة مع (عيان) إلى أن ما يجري هو تفسير خاطئ للقانون الجنائي السوداني الصارم، ففي حال لا يتوفر فعل يوازي الجريمة وفق نصوصه يجب أن يشطب، لكن للأسف أن كتائب الإسلاميين تريد أن تصفي حساباتها مع كل منسوبي لجان المقاومة الثورية، وبعض المكونات العرقية في إقليمي دارفور وكردفان، حيث يعتقدون أنهم حواضن اجتماعية لقوات الدعم السريع.

جنود من الجيش السوداني امام القصر الجمهوري وسط الخرطوم- الجمعة 21 مارس 2024- الصورة مواقع التواصل الاجتماعي

ويقول: “ما يتم بواسطة الكتائب الإسلامية هو عملية تشريد وتهجير قسري للمدنيين، وستؤدي هذه الممارسات إلى حرب أهلية شاملة، وقد بدأت بالفعل مؤشراتها”.

وشدد أن المسؤولية التراتبية في هذه الجرائم تقع على قيادة القوات المسلحة، كما أن الجرائم التي ارتكبها أفراد قوات الدعم السريع، مسؤوليتها تقع على قيادتهم.

ويرى حضرة، أن طريق تحقيق العدالة والمحاسبة يبدأ بوقف الحرب، وتعزيز دور لجنة تقصي الحقائق الدولية التي عرقلة حكومة الجيش عملها، وأن يتم إصدار تفويض لها من مجلس الأمن الدولي وتمكينها من دخول السودان والقيام بمهمة تحقيق دولية من الداخل، على أن تشمل كل أنحاء السودان الذي عمته الجرائم.

وشدد أنه بدون تدخل آليات التقصي الدولية لن يتم تحقيق العدالة؛ لأن القضاء الوطني المحلي أصبح مسيس في يد الجيش السوداني، فالقضاء السوداني غير قادر وغير راغب على تحقيق العدالة، لذلك توفرت شروط تدخل محكمة الجنايات الدولية، ويجب على مجلس الأمن الدولي المسارعة بإصدار قرار واضح بهذا الخصوص.

من جهته، يقول الخبير القانوني محمد صلاح بناوي، أن الاعتداء على المدنيين، سواء قتل أو احتجاز أو تقييد حركتهم أو قصفهم عشوائيا، يعتبر جريمة حرب بموجب القانون الدولي واتفاقيات جنيف الأربع، والتي نصت على نحو صريح على حماية المدنيين أثناء الصراع المسلح.

وشدد مناوي في حديث لـ(عاين) أن الوضع الحالي المليء بالعنف في السودان يتطلب حشد المجتمع الدولي للضغط على الأطراف المتحاربة لوقف الهجمات والاعتداء على المدنيين في كافة أنحاء البلاد.

محاكم مختلطة

بينما يرى مدير البرنامج القانوني في المركز الأفريقي للدراسات أمير محمد سليمان أن تحقيق العدالة وإنصاف الضحايا وعائلاتهم يمنع تكرار هذه الجرائم، ويقلل وتيرة العنف ضد المدنيين في المستقبل، وقد شهد العالم عدة نماذج للعدالة عبر المحاكم الخاصة تم تشكيلها بعد انتهاء الصراع، وحدث ذلك في رواندا ويوغسلافيا وغيرها.

سيارة قتالية مدمرة عند مدخل حي الجريف شرق المطل على جسر المنشية

ويشير إلى وجود آليتين دوليتين تعملان على التحقيق في جرائم الحرب بالسودان، وهي لجنة تقصي الحقائق الدولية التابعة لمجلس حقوق الإنسان في جنيف، وهي تعمل الآن على تقصي الحقائق في كل الجرائم التي ارتكبت خلال الحرب الحالية منذ 15 أبريل 2023م، والمهم أنه حسب مهمة اللجنة، فإن خلاصة عملها هو تقديم المتورطين في تلك الجرائم إلى المحاكمة وفق ما يُحَدَّد لاحقا.

أما الآلية الثانية وفق أمير فهي لجنة تقصي الحقائق الأفريقية التي شكلها الاتحاد الأفريقي، وتعمل على التقصي في الجرائم التي ارتكبت خلال حرب السودان، وسترفع توصياتها إلى مجلس الأمن والسلم والاتحاد الإفريقي، والذي سيحدد كيفية التعامل مع توصياتها وخلاصتها.

كما يوجد مسار آخر وهو محكمة الجنايات الدولية التي تختص حاليا بالجرائم المرتكبة في دارفور فقط، لكن قد يمتد تفويضها لتشمل الجرائم المرتكبة في كل السودان في ظل الحرب الحالية، فجميعها آليات موجود وفق أمير، لكن المرجو هو توصل الأطراف إلى سلام، ويكون بند المحاسبة من ضمن أجندة السلام الأساسية.

وقد شهد السودان عدة اتفاقيات في تاريخ السودان منها اتفاقيتي نيفاشا وجوبا للسلام، لكن لم تحدث محاكمة لمرتكبي الجرائم أثناء الصراع، لذلك ظلت دائرة العنف تدور حتى الآن، وقد شاهدنا ذلك خلال الحرب الحالية، مما يستوجب جعل المحاسبة شيئاً أساسية في السلام القادم، وبدون ذلك نقع مجددا في دوامة العنف الشريرة.

أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *