التدخل الإنساني بجبل مرة في دارفور .. القيود مستمرة

 التدخل الإنساني بجبل مرة في دارفور .. القيود مستمرة

تقرير: عاين 24 نوفمبر 2019م

على سنوات ظل وصول المنظمات الانسانية الى مناطق النزاع في دارفور مستحيلاً، بفعل القيود التي فرضها نظام الرئيس السوداني المعزول عمر البشير، لاعتبارات يوكد من خلالها ان هذه المنظمة تعمل وفق سياسات دولية معادية لنظامه الاسلامي، بينما تعتبر حركات مسلحة تقاتل في الاقليم ومنظمات مدنية سودانية مستقلة ان النظام السابق اراد بخطوة منع المنظمات من الوصول الى المناطق المتاثرة بالحرب ان يخفي حقيقة الانتهاكات الانسانية وجرائم الحرب التي ترتكبها قواته والمليشيات التي تقاتل بجانبه في دارفور، خاصة في محيط جبل مرة الذي يمثل نقطة انطلاق الحركات المسلحة.

وطردت حكومة المخلوع 13 منظمة دولية وعلقت نشاط ثلاث منظمات سودانية في اعقاب صدور مذكرة توقيف بحقه من محكمة الجنايات الدولية في العام2009 بتهم ارتكاب جرائم حرب  في دارفور. وذكر موظفو اغاثة وقتها ان القرار سيترك 1.1 مليون شخص دون غذاء و1.5 مليون شخص دون رعاية طبية ومليون شخص على الأقل دون مياه شرب، وفقاً للأمم المتحدة التي وصفت هذه المنظمات بأنها جزء لا يتجزأ” من أكبر عملية إنسانية في العالم.

وبعد سقوط نظام الرئيس المخلوع عمر البشير، وما ان عقدت اول جلسة للمفاوضات بين الحكومة الانتقالية والحركات المسلحة كان الملف الانساني حاضراً بتعهدات تنفيذ من الاطراف المتحاربة بفتح الممرات الانسانية وتمكين المنظمات من الوصول لمناطق النازحين ومتاثري الحرب.

جبل مرة..حوجة ماسة

 التدخل الإنساني بجبل مرة في دارفور .. القيود مستمرة

هذه الخطوة وجدت ترحيباً في اوساط النازحين لاسيما في مناطق جبل مرة بدارفور. واشار عدد منهم الى ان هناك إعدادا كبيرة من النازحين في المناطق شرق، جنوب وغرب الجبل، في اعقاب المعارك الاخيرة التي وقعت بين قوات النظام السابق وحركة تحرير السودان جناح عبدالواحد، لافتين إلى انهم في أشد حاجة التدخل الإنساني. ويقول مدير مدرسة “دربات”، آدم حامد، وهي أكبر تجمع سكاني بجبل مرة لـ(عاين)، ان المنطقة في حاجة ماسة لتقديم الخدمات في التعليم والصحة والزراعة والبنى التحتية التي دمرتها الحرب، واعادة التأهيل النفسي والتنموي لطلاب المدارس، مشيرا إلى وجود بعض المنظمات التي وصفها بشبه الوطنية حركتها محدودة تعمل بحذر داخل منطقة “دربات” حاضرة محلية شرق جبل مرة، حتى لا تصبح ضحية صراع الأطراف واتهامها بالوقوف مع طرف دون الآخر او الجاسوسية.

من جهته، يقول زكريا أبكر وهو احد قيادات النازحين بمنطقة نرتتي بولاية وسط دارفور لـ(عاين) إنهم كانوا يتوقعون دخول منظمات إنسانية دولية كبيرة للمنطقة خاصة بعد وصول اليوناميد الى منطقة جبل مرة، لكن حتى هذه اللحظة التدخل الانساني لم يكن بالطريقة المتوقعة. واشار الى انحصار عمل المنظمات داخل منطقة زالنجي حاضرة الولاية، داعيا الجهات الحكومية بالسماح للمنظمات حتى تستطيع تقديم خدماتها مشيرا الى ان منطقة وجنوب وغرب جبل مرة شهدت نزوح في الفترة الاخيرة بين مليشيات عمر البشير وحركة جيش تحرير السودان بقيادة عبدالواحد نور التي تسيطر على جزء كبيرة من المنطقة

التقييد مستمر

وأصدر والي ولاية شمال دارفوراللواء ركن مالك الطيب قرارا الاسبوع قبل الماضي، بالسماح للمنظمات الانسانية في الوصول الى كل مناطق الولاية بما فيها منطقة جبل المرة التي يخضع جزء كبير منها الى سيطرة حركة تحرير السودان جناح عبدالواحد محمد نور، مشيرا الى ان القرار جاء انفاذا لتوجيهات مجلس الوزراء القومي الجديدة للعمل الانساني في البلاد، وكشف عن تلقيه قراراً جديداً من مفوضية العون الانساني الاتحادية يأمر بفتح الطريق بصورة فورية لمنظمات العمل الانساني واتخاذ الاجراءات والتدابير اللازمه لتسهيل وتسريع عملها بكل مناطق بدارفور بما فيها مناطق سيطرة الحركات المسلحة، الامر الذي يعني فتح الممرات لوصول المساعدات الانسانية للمناطق المستهدفة، لتسهيل وصول المساعدات الانسانية، وتسريع الاجراءات لتوصيل المساعدات دون قيود في إشارة الى التصاريح والتعليمات الامنية.

والغي القرار العمل باذن التحرك واستبداله باخطار التحرك فقط، والغاء اختام الولايات والاكتفاء بختم المفوضية الاتحادية في الاخطارات الصادرة من العاصمة الخرطوم، على ان تقوم الوكالات والمنظمات ومنسوبيها الذين تم منحهم اخطارات ايداع صورة منها فقط بمكاتب المفوضية الولائية للعلم والاطلاع، ومنح المفوضيات الولائية اخطارات التحرك لمنسوبي الوكالات والمنظمات الاجنبية العاملة بالولاية في ذات اليوم دون تأخير أو تعقيد.وقال في هذا الاتجاه، مفوض العون الانساني بولاية جنوب دارفور جمال يوسف لـ(عاين) إن التوجيهات وصلتهم من المفوضية الاتحادية في السادس من نوفمبر الجاري لتسهيل عمل المنظمات والسماح لها بالدخول الى كل المناطق حتى التى تخضع لسيطرة الحركات المسلحة، دون قيود مسبقة.

إلا ان جولة لمراسل(عاين)، داخل مفوضية العون الانساني بولاية جنوب دارفور ، استوثقت من الاجراءات الادارية التي تسير بنفس الاسلوب المتبع مسبقا، واكدت العمل باذن المرور، هذا الى جانب ان المفوضية ما زالت تمارس الرقابة الامنية على المنظمات من خلال إلزامها باستخراج اذن مرور حركة المنظمات الذي يحمل توقيعات واختام المفوضية الى جانب الجهات الامنية، الأمر الذي يؤكد تضارب بين الأجسام الاتحادية والولائية التي ما زالت تخضع الى التعليمات الامنية.

وما تحقق منه مراسل عاين، يؤكده مسؤول عن العمليات الانسانية في منظمة دولية مقرها مدينة نيالا . ويقول لـ(عاين) بعد ان فضل حجب اسمه، ” ما زالت المفوضية تتعامل معهم بالعقلية الامنية القديمة ولغة التهديد بعرقلة العمل والإجراءات القديمة ولا يوجد أي تغيير في العمل، مما جعلهم مضطرين لتنفيذ تعليماتها”.

من جهته وعزا مجددا مفوض العون الانساني بجنوب درافور، جمال يوسف، الإجراءات التي سماها بالروتينية في حركة المنظمات الى حرصهم كجهة حكومية على سلامة العاملين في المنظمات سيما الذين يحملون الجنسيات الأجنبية لجهة أن المنطقة مازالت تعمل في مناطق خارج سيطرة الحكومة.

 التدخل الإنساني بجبل مرة في دارفور .. القيود مستمرة

اختطاف..مخاوف المنظمات

تاكيدات الحكومة الانتقالية وفق ما رشح عن مفاوضات عملية السلام في مسارات المتعددة تاتي ملتزمة بإعادة المنظمات الإنسانية الدولية التي طردت في عهد الرئيس المعزول عمر البشير بجانب المنظمات الأخرى الراغبة في الوصول الى المناطق المتأثرة دون شروط مسبقة، مع السماح لها بالوصول لمناطق المتأثرة مضيفا “ولن ننظر للأمر باعتباره “بزنس” كما كان يفعل النظام السابق”. وفق ما افاد عضو مجلس السيادة، محمد حسن التعايشي،في تصريحات سابقة. وهذا ما يقلل من المخاوف الامنية لعدد من المنظمات الدولية من عمليات الاختطاف لموظفيها. وقال ضباط امن سابق احيل للتقاعد وعمل في ملفات قريبة من عمل المنظمات بدارفور ،  لـ(عاين)، ان “عملية اختطاف الاجانب العاملين بالمنظمات الدولية في دارفور كان أمرا مدبرا من جهاز أمن البشير عن طريق أفراد مليشيات تم تدريبهم لتنفيذ المهمة حتى يؤكد للعالم أن دارفور ليست آمنه وانهم منعوا سفر الاجانب الى دارفور حفاظا على سلامتهم وانهم لايضمنون سلامتهم حال السفر الى دارفور”.واضاف ضابط الامن المتقاعد الذي فضل حجب اسمه، “هذا الأمر أسهم في تجفيف العنصر الأجنبي من المنظمات وتقليص عملها”.