“الدخن” يختفي من أسواق دارفور
عاين- 27 يوليو 2024
شهدت أسعار الحبوب الغذائية ارتفاعاً قياسياً في إقليم دارفور غربي السودان، وسط ندرة في بعضها خاصة ذرة الدخن التي اختفت بشكل تام عن بعض المناطق وهي السلع الغذائية الأهم لسكان الإقليم.
وبلغ سعر جوال ذرة الدخن التي تشهد ندرة في المعروض في أسواق ولايات شرق وشمال وجنوب دارفور، 220 – 230 ألف جنيه، بدلا عن 140 ألف جنيه خلال الشهر الماضي، بينما صعد سعر جوال ذرة الفيتريتا إلى 160 ألف جنيه، بدلا عن مئة ألف جنيه في السابق.
ويصادف التصاعد في أسعار الذرة، وهي تمثل غذاء رئيسياً لمعظم سكان دارفور، مع فشل حتمي للموسم الزراعي الصيفي في الإقليم الذي يشهد اضطرابات أمنية واسعة بسبب القتال المحتدم بين الجيش وقوات الدعم السريع وتوسع نطاق انتشار المجموعات المسلحة، بينما اضطر غالبية سكان دارفور إلى الفرار من ديارهم إلى داخل وخارج البلاد بسبب الصراع المسلح.
ويعرب إسحاق علي وهو نازح في مخيم النيم بمدينة الضعين شرق دارفور، عن صدمته جراء ارتفاع أسعار الحبوب الغذائية، وأنهم تفاجأوا بهذا التصاعد الذي تجاوز الـ50 بالمئة عن السابق.
نداء استغاثة
ويقول إسحاق في حديثه لـ(عاين): “وصلت أسعار الذرة إلى مبالغ لا يستطيع معظم السكان توفيرها، فليس هناك أي مصدر دخل في الوقت الراهن، ونحن نخشى كنازحين مزيد من التدهور في وضعنا الإنساني، ونطالب بتدخلات عاجلة لإغاثتنا”.
وتؤوي مدينة الضعين عاصمة ولاية شرق دارفور نحو (76) ألف من النازحين الفارين من الحرب الدائرة بين الجيش وقوات الدعم السريع، يقيمون في مخيمات ومراكز إيواء منتشرة في تسعة محليات، يواجهون ظروفاً إنسانية قاسية، ولم يتلقوا مواد إغاثة من اندلاع القتال في أبريل من العام الماضي.
ولم تكن مدينة نيالا عاصمة ولاية جنوب دارفور التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع، بأحسن حالاُ حيث تشهد تصاعداً مماثلاً في أسعار الحبوب الغذائية ومجمل المواد التموينية؛ مما زاد معاناة المواطنين العالقين فيها.
وبحسب مصادر أهلية تحدثت لـ(عاين) من المدينة، فإن الإدارة المدنية لقوات الدعم السريع في نيالا، سعت لمنع نقل ذرة الدخن إلى خارج ولاية جنوب دارفور، لكنها فشلت بعد نجاح مهربين في ترحيل الكميات الموجودة إلى مناطق أخرى؛ مما أدى إلى مزيد من الارتفاع في سعرها.
وتلاحق الاتهامات طرفي الحرب في السودان، الجيش وقوات الدعم السريع بتعطيل وصول المساعدات الإنسانية للمدنيين وإغلاق المسارات واستخدام الغذاء كسلاح ضد المواطنين في العاصمة كلها الخرطوم وإقليم دارفور ومناطق الصراع الأخرى.
وفشلت محادثات غير مباشرة بين الجيش وقوات الدعم السريع، سيرتها الأمم المتحدة في جنيف الأسبوع الماضي، في التوصل إلى تفاهمات لإيصال المساعدات الإنسانية للسودانيين المهددين بشبح المجاعة، لكن ما تزال جهود واسعة تقودها أمريكا ترمي لدفع الطرفين إلى مفاوضات مباشرة لمعالجة الملف الإنساني.
توقف الإنتاج
ويعزي أستاذ الاقتصاد في جامعة نيالا الدكتور محمد عبد العزيز، ارتفاع أسعار الذرة في إقليم دارفور إلى تراجع قيمة العملة الوطنية، بجانب توقف إنتاج الذرة في الإقليم نتيجة للأوضاع الأمنية المتدهورة، فصارت ولايات دارفور تعتمد على الذرة المستوردة من ولاية الجزيرة والنيل الأبيض والقضارف، وهو ما يترتب عليه تكاليف مالية عالية.
ويقول عبد العزيز في مقابلة مع (عاين): “هناك استهلاك عالي ناتج عن تزايد أعداد النازحين القادمين من جميع مدن السودان، والذين تجمعوا في مدن وريف دارفور؛ مما شكل ضغطاً كبيراً على الموارد المحلية، في ظل غياب مؤسسات الدولة التي تضخ كميات كبيرة من المخزون الاستراتيجي كل عام في موسم الخريف للمحافظة على السوق والحد من ارتفاع الأسعار”.
ويضيف: “الأمل الوحيد لدرء كارثة المجاعة المحتملة في دارفور يكمن في وقف الحرب والسماح بتدفق الإغاثة إلى المتضررين في الإقليم”، مشيرا إلى أن التجار لهم دور كبير في إخفاء السلع عندما يتوقعون ارتفاع أسعارها، مستبعداً أن تكون هناك جهات منظمة وراء غلاء الأسعار لجهة أن السوق بعد الحرب الجارية أصبحت تحكمه سياسة العرض والطلب أكثر من أي وقت مضى.