توغل الدعم السريع بود مدني يعرّض حياة آلاف المرضى للخطر
عاين- 18 ديسمبر 2023
بات النظام الصحي في ولاية الجزيرة على موعد مع صدمة جديدة في أعقاب خروج مستشفيات ومراكز طبية حيوية عن الخدمة، بعد توغل قوات الدعم السريع في عاصمة الإقليم اليوم الاثنين بعد معارك استمرت لثلاثة أيام شرق المدينة.
وبحسب مصادر طبية تحدثت مع (عاين)، فإن مستشفيات تخصصية، مثل مركز علاج الأورام وجراحة المخ والأعصاب، ومركز جراحة الأطفال وعلاج القلب والجهاز الهضمي خرجت بشكل تام عن الخدمة بعد أن غادرها المرضى بشكل جماعي خوفا مع نيران المعارك العسكرية الدائرة في بين الجيش وقوات الدعم السريع.
ويعمل المستشفى التعليمي في ود مدني بأسلوب متحفظ مع توقف العديد من أقسامه، وسط نقص حاد في الكوادر الطبية التي نزح غالبيتهم إلى مناطق آمنة خوفاً على سلامتهم الشخصية، بينما عاود مركز غسيل الكلى العمل يوم الاثنين، وفق المصادر نفسها.
وهرب المرضى إلى مناطق آمنة، وهم يواجهون مصيراً مجهولاً في ظل عدم وجود مراكز تخصصية بديلة في ولايات السودان الأخرى يمكن أن تقدم الخدمة الطبية المطلوبة خاصاً لمرضى السرطان والكلى والقلب.
وأبدت خديجة بابكر، وهي مريضة بسرطان الرحم ومقيمة في مدينة سنار خشيتها من عدم حصولها على جرعة العلاج الكيماوي المقرر لها نهاية الشهر الحالي بعد سماعها نبأ توقف العمل بمستشفى ود مدني للأورام الذي ظلت تتابع فيه العلاج على مدار عامين.
وقالت بابكر لـ(عاين): “ليس هناك مركز قريب يمكن أن نذهب إليه لمواصلة العلاج، ولم تسمح ظروفي الاقتصادية لي بالسفر إلى أماكن بعيدة أو حتى السفر إلى الخارج، ونحن نواجه محنة كبيرة صراحة، وننتظر الفرج من المولى عز وجل”.
بدروها، قالت حفية نور الدائم وهي صحفية سودانية لـ(عاين) إن “إحدى جاراتها في السكن اضطرت للسفر إلى مدينة المناقل غربي الجزيرة لمتابعة علاج جرح بعد أن أجريت لها عملية استئصال ورم خلال مدى قريب في مركز مدني للأورام وهي في ظروف صحية قاسية”.
وجهة وحيدة
وبعد انهيار القطاع الصحي في الخرطوم، أصبحت مدينة ود مدني الوجهة الوحيدة للمرضى في كل أنحاء السودان بعد تأسيس وتأهيل مراكز علاجية ذات تخصصية دقيقة مثل الأورام السرطانية وجراحة القلب والمخ والأعصاب ومراكز للأمراض المعدية كنقص المناعة والدرن، ومع غياب البدائل، فإن الحال يمضي نحو انهيار القطاع الصحي وكارثة صحية وإنسانية، بحسب رئيس اللجنة التمهيدية لنقابة الأطباء الدكتورة هبة عمر إبراهيم خلال مقابلة مع (عاين).
“يواجه المرضى بمستشفيات ود مدني بما فيهم جرحى الحرب والمرضى في أقسام العناية المركزة مصيراً مجهولاً بجانب نقص في الكوادر الطبية التي نزحت إلى خارج المدينة“
رئيسة اللجنة التمهيدية لنقابة الأطباء- هبة عمر إبراهيم
وتقول إبراهيم: “يواجه المرضى الآن بما فيهم جرحى الحرب والمرضى في أقسام العناية المركزة مصيراً مجهولاً نتمنى لهم الشفاء والعافية، كما يوجد نقص في الكوادر الطبية التي نزحت إلى خارج ود مدني؛ بسبب انعدام الأمن لهم وعدم احترام المواثيق الدولية التي تحيدهم خلال هذه الحرب”.
وتشير هبة إلى وجود مخزون كبير من الأدوية والمعينات الطبية في ودمدني، وتعمل بها أعداد كبير من المنظمات الإنسانية التي تمد ولاية الجزيرة، وبالتالي توزع المساعدات إلى بقية ولايات السودان، لكن أغلقت الصيدليات وشركات الأدوية، وأصبحت أغلب المراكز الصحية إما خارج الخدمة، أو تعمل بكفاءة وسعة ضعيفة جداً مقارنة بالحاجة الحقيقية.
وتلفت إبراهيم الانتباه إلى صعوبة وصول المعينات والكوادر والمرضى بسبب إغلاق الجسور والطرق المؤدية إلى مدني من الجهة الشمالية والشرقية وعدم أمانها، مناشدة المنظمات العاملة في المجال الصحي والإنساني لتقديم يد العون لإنقاذ النظام الصحي من الانهيار.
معارك مستمرة
وبدأ الدعم السريع يوم الخميس الماضي عملية عسكرية قال إنها تستهدف السيطرة على مدينة ود مدني التي تأوي ملايين الفارين من حرب العاصمة الخرطوم، وعلى إثر ذلك شهدت المدينة عمليات نزوح جماعية للسكان نحو المناطق الآمنة، وعلقت البعثات الإنسانية نشاطها في المدينة، كما فرض والي الجزيرة حظرا للتجوال من الساعة السادسة مساء وحتى السادسة صباحا والاستمرار.
وأصدرت اللجنة التمهيدية لنقابة أطباء السودان يوم الاثنين، بياناً أدانت فيه بأشد العبارات ما وصفته توسيع قوات الدعم السريع نطاق الحرب والتمدد نحو مدينة ود مدني التي يتخذها ملايين من الفارين من حرب الخرطوم ملاذا آمنا لهم، مشيرة إلى أن ذلك يهدد بانهيار النظام الصحي في البلاد.
وقالت اللجنة إن قوات الدعم السريع هاجمت مدينة رفاعة الواقعة في الجزء الشمالي الشرقي من ولاية الجزيرة، واقتحمت مستشفى المدينة، ونعت مقتل الممرض نادر الحاج زروق، كما أوضحت بأن طبيبن وممرض آخر من مستشفى رفاعة هم في عداد المفقودين.
وبحسب شهود تحدثوا مع (عاين) فإن السكان في مناطق شرق ولاية الجزيرة خاصة ود راوة وتمبول والهلالية ورفاعة، يواجهون صعوبات كبيرة في الوصول إلى المستشفيات والمراكز الصحية لتلقي العلاج في ظل تراجع مضطرد في الأوضاع الأمنية والانتشار الكثيف لمسلحي قوات الدعم السريع.
ويشير الشهود، إلى قرب نفاد مخزون الغذاء وسط إغلاق للأسواق والمحال التجارية باستثناء بعض المتاجر تعمل بأسلوب متحفظ، كما توجد أزمة حادة في مياه الشرب وتدهور في إمداد الكهرباء وخدمات الاتصالات والإنترنت، ومع الغياب الكامل لسلطة الدولة يخشى السكان من انفلات تام للأوضاع الأمنية.
تهديد حياة المرضى
وكانت وزارة الخارجية الأمريكية، دعت في تصريحات أمس الأحد، قوات الدعم السريع للتوقف عن استهداف مدينة ود مدني التي تضم ملايين النازحين وما يترتب على ذلك من تداعيات على المواطنين في معاشهم وأمنهم وكافة الخدمات بما في ذلك الخدمة الصحية.
وتشير أخصائية الأورام في مستشفى الذرة بمدينة ود مدني د. ندى عثمان خلال مقابلة مع (عاين) إلى أن استمرار توقف العمل في المركز الخاص بالأورام يعتبر كارثياً بحق المرضى، وأن تأخير تلقي الجرعات الكيماوية والإشعاعية يفاقم الوضع الصحي للمريض.
“خرج المرضى بشكل جماعي من المستشفى وبعضهم نزع أنابيب البطن من شدة الرعب“
طبيبة بمركز علاج الأورام في ود مدني
وتقول عثمان: “خرج المرضى بشكل جماعي من المستشفى وبعضهم نزع أنابيب البطن من شدة الرعب. لقد طلب مدير الصحة عودة العمل بالمشافي وهناك حماس ورغبة من الكوادر الطبية لاستئناف نشاطهم، لكن ربما المرضى وأولياء أمورهم ما زالوا متخوفين، وبعضهم نزح إلى خارج المدينة”.
“لم تتمكن أي ولاية سودانية أخرى استيعاب صدمة النظام الصحي مثلما فعلت ودمدني بعد دمار الخرطوم، لأنها كان مهيئة وبها أغلب المرافق من الدرجة الثانية والثالثة، فقد أصبحت قبلة للمرضى من كل السودان بما في ذلك دارفور وكردفان”. يقول حسام الأمين وهو طيب بمركز الجهاز الهضمي والمناظير في ودمدني خلال مقابلة مع (عاين).
ويضيف: “تمكن الأطباء بمساعد الجهات الرسمية والدولية من تطوير النظام الصحي في ودمدني وتأسيس مراكز تخصصية جديدة مثل مركز الجهاز الهضمي والمناظير، وتطوير مراكز جراحة الأطفال والمخ والأعصاب والقلب وغيرها، والتي خرجت جميعها عن الخدمة، ولا توجد ولاية أو مدينة أخرى لها طاقية استيعابية لكل ذلك”.
“الوضع يمضي نحو كارثة صحية شاملة، بعد توقف المراكز العلاجية التخصصية ونزوح الكوادر الطبية من ود مدني لتجربتهم السابقة في حرب الخرطوم التي تم فيها استهدافهم“
طبيب بود مدني
ويختم حديثه، بأن الوضع يمضي نحو كارثة صحية شاملة، بعد توقف المراكز العلاجية التخصصية ونزوح الكوادر الطبية من ود مدني؛ نظرا لأنه لديهم تجربة سابقة في حرب الخرطوم حيث تم استهدافهم ولم يوفر لهم الأمان الشخصي.