مقرات يوناميد بدارفور.. نهب بقوة السلاح 

10 يناير 2020

خلال ساعات من ليلة الخامس والعشرين من ديسمبر الفائت، تحول المقر الرئيسي للبعثة المشتركة بين الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة “يوناميد” بمدينة الفاشر في ولاية شمال دارفور إلى خراب وجرى نهب ما يقدر قيمته بملايين الدولارات من أصول مقر البعثة المنسحبة من الإقليم.

وكان مجلس الأمن الدولي أنهى في ديسمبر من العام الماضي ولاية العملية المختلطة للاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة في دارفور(يوناميد)، بعد مرور أكثر من عشر سنوات على نشر البعثة المختلطة، بهدف حماية المدنيين في إقليم دارفور ، الذي شهدا نزاعا مسلحا بين الحكومة والجماعات المسلحة، أسفر عن مقتل الآلاف وتشريد الملايين من سكان الإقليم.

وقبل خروجها النهائي  سلمت البعثة جميع المواقع إلى حكومة السودان، ولكن بعد عمليات النهب التي تعرضت لها عدد من المرافق عقب تسليمها، شرعت البعثة في ترحيل الا شياء القيمة إلى رئاسة البعثة بالفاشر حتى لا يتم نهبها.

 وبحسب وثيقة التسليم والتسلم التي وقعت بين حكومة السودان والبعثة، أن تخصص الاصول الثابتة والمتحركة المهداة للسودان بعد الخروج النهائي لـ”اليوناميد”  في الاغراض المدنية لرفع قدرات المجتمع.

اتهامات

طالت اتهامات القوات النظامية وقوات الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق سلام جوبا بالتعدي على أصول البعثة، ورصدت (عاين) عدد من السيارات ماركة “نيسان” تتجول في مدن الإقليم وهي تحمل شعار البعثة يقودها عناصر  يتبعون للأمن السوداني والحركات المسلحة.

آلية ثقلية منهوبة في حي سكني باقليم دارفور

وعقب وصول الحركات المسلحة للبلاد وفقا لاتفاقية جوبا للسلام الموقع في الثالث من أكتوبر من العام قبل الماضي، قامت الحركات بنشر  عناصرها بشكل كبير في درافور وخاصة مدينة الفاشر .

واستولى رئيس حركة جيش تحرير السودان وحاكم إقليم دافور مني اركو مناوي على منزل رئيس بعثة اليوناميد واعتمده مقر له ونشر فيه عدد من قواته، بينما انتشرت الحركات الأخرى في مواقع مختلفة من المعسكر.

وقال مصدر رفيع بلجنة تصفية أصول “اليوناميد”  فضل حجب اسمه ” لـ (عاين) إن حاكم إقليم دارفور مني اركو مناوي قام بشراء حوالي ثمانين عربة من البعثة يحتفظ بها الآن بضاحية درجة أولى شمال الفاشر وسط حراسة مشددة من قوات حركته.

سرقات ممنهجة

عقب بدء الانسحاب التدريجي للبعثة العسكرية التابعة للأمم المتحدة من دارفور تعرضت معظم المواقع التابعة لها  إلى عمليات نهب واعتداء بالرغم من أن حكومات الولايات التزمت بحماية هذه المقار، وأرسلت تعزيزات أمنية إلى كل المواقع .

ويقول الحاكم المدني السابق لولاية وسط دارفور، اديب يوسف، أن هنالك أسباب دفعت المواطنين للهجوم على هذه المواقع. ويضيف لـ(عاين)، “تم الاعتداء على موقع شنقل طوباي جنوب الفاشر من قبل المواطنين بعد أن شاهدوا عمليات نهب باستمرار من قبل القوات المرابطة في الموقع وعدد من المسؤولين”.

شاحنة منهوبة من مقر البعثة بالفاشر

وما ذهب إليه اديب أكده والي شمال دارفور السابق محمد حسن عربي، في حوار سابق مع اذاعة محلية قائلا “إن سلوك وتصرفات المسئولين بالمحليات هي التي أدت إلى نهب هذه المواقع والأصول”. واستشهد عربي بأن اللجنة  المفوضة لبيع أصول “اليوناميد” بمحلية سرف عمرة اختلست  حوالي 5 مليار جنيه سوداني لصالحها وتكررت نفس العملية في محلية كتم مما دفعه إلى حل لجنة محلية سرف عمرة وقتها.

حركات متورطة

يتهم مسؤول في لجنة تصفية اصول “اليوناميد” في مقابلة مع (عاين) الحركات المسلحة المرابطة أمام مقر البعثة قامت بالاستيلاء على عدد من السيارات التي سلمتها اليوناميد لمنظمتي  “الفاو” و ال”يو ان دي بي” ، لكن رئيس حركة جيش تحرير السودان مني اركو مناوي – حاكم اقليم دارفور- وجه قواته بارجاع العربات فوراً وأيضا قيادة حركة جيش تحرير السودان المجلس الإنتقالي استطاعت أٌقناع قواتها بإرجاع السيارات لكن حركة العدل والمساواة لم تقم بذلك- بحسب المسؤول الحكومي الذي فضل حجب اسمه.

(عاين) حاولت الاستفسار من مكتب حاكم إقليم دارفور للتأكد من صحة هذه الإتهامات لكن المسؤولين في المكتب لم يردوا على الاتصالات، وتواصلت (عاين) مع نائب حاكم الإقليم محمد موسى عليو، الذي قال بإقتضاب” صعب أن نرد على هذه الأسئلة في هذا التوقيت لأننا ما زلنا في اجتماعات مستمرة”. في وقت رفض فيه مبعوث مناوي الخاص بملف تصفية أصول اليوناميد التصريح في هذا الخصوص وقال لـ(عاين)،” انني في اجتماعات مستمرة واعتذر عن الرد”.

وكان رئيس بعثة الامم المتحدة في السودان “يونتامس”، فولكر بيرتس حمل مسؤولية اجتياح قاعدة “اليوناميد” إلى الحركات المسلحة والقوات النظامية.

في وقت اتهم فيه حاكم إقليم دارفور مني اركو مناوي الحكومة المركزية في الخرطوم بالاستيلاء على 99% من أصول اليوناميد وترحيلها إلى العاصمة القومية  قبل مجيئهم إلى الداخل لكن لم الحكومة الانتقالية لم ترد  على هذه  الإتهامات بشكل رسمي حتى الآن.

قوات نظامية تنهب

وينقل شهود بمدينة نيالا عاصمة ولاية جنوب دارفور لـ(عاين) مشاركة القوات النظامية في نهب مقر اليوناميد، وشوهدت عدد من السيارات العسكرية محملة بأصول اليوناميد قبل وبعد اجتياح المعسكر .

وكانت البعثة اتهمت في بيان لها عقب الاعتداء على موقع نيالا القوات النظامية بالضلوع في عملية نهب مقرها السابق.

بالفيديو "عاين" ترصد استمرار حالات الاغتصاب في دارفور

وفي ولاية شمال دارفور،  اضطرت قوة مسلحة حكومية لمحاصرة ثكنات القوات المسلحة بعد أيام من عملية نهب المقر الرئيسي في الفاشر وعثرت القوات على عدد من المفقودات  التي تم نهبها. وتشير متابعات (عاين) إلى أن السلطات المحلية شنت حملة داخل مدينة الفاشر حيث قامت بإرجاع عدد من الآليات الثقيلة بعضها لا يستطيع أحد تحريكها الى بمساعدة رافعات مما يوضح أن عمليات النهب سبقت اجتياح القاعدة في ٢٥ديسمبر وكانت بشكل ممنهج.

محاسبة منتظرة

يعتقد الحاكم السابق لولاية وسط دارفور،  أديب يوسف، أن عمليات النهب التي طالت مقار اليوناميد لن تمر دون محاسبة. ويعتقد أديب، أن الأمم المتحدة ربما تقوم بمطالبة حكومة السودان بالتعويض في جميع الأصول التي نهبت. وأضاف في مقابلة مع  (عاين) أن سفارة الولايات المتحدة  بالخرطوم كانت على متابعة دورية بأوضاع  أصول “اليوناميد” منذ زمن مبكر لربما تقوم واشنطن بتحريك هذا الملف في اروقة الأمم المتحدة.

 وكانت قوات “اليوناميد” منتشرة في 35 موقعاً في محليات ولايات  دارفور المختلفة، إلى أن صدر القرار “2559 ” من مجلس الأمن القاضي بإنهاء مهام البعثة في 31 ديسمبر من العام 2021 ، حيث سلمت “اليوناميد”  كميات كبيرة من الأصول في جميع المواقع لحكومة السودان، وشملت الأصول مباني سكنية، مستشفيات مجهزة، ناقلات، سيارات دفع رباعي، مولدات، محطات وقود، ومواد اخرى تقدر بملايين الدولارات .

تنقسم اصول “اليوناميد” في دارفور  إلى قسمين ممتلكات تتبع للأمم المتحدة وبعثات الدول المشاركة في فريق حفظ السلام، وممتلكات تعتبر هدية من البعثة  لحكومة السودان.