(السلطة للشعب).. كيف تأسس المجلس الأهلي بمدينة كوستي؟
19 نوفمبر 2022
منذ بداية الفترة الانتقالية التى أعقبت ثورة ديسمبر 2018م، تعيش البلاد حالة من الفراغ الدستوري والإداري بعدم تشكيل المجلس التشريعية والمجالس المحلية وغيرها من هياكل الحكم بسبب عدم الاستقرار الذى انتهى إلى انقلاب عسكري في الخامس والعشرين من أكتوبر الماضي.
نشطت عدة مبادرات أثناء حكم الشراكة الانتقالي بين العسكريين والمدنيين، في محاولات تنفيذ شعارات الحكم المحلي لاستدامة ديمقراطية الحكم ومدنيته، ولكن أغلبها باءت بالفشل إذ لم تصل إلى أرض الواقع لتنفيذ مراميها.
وكان مجلس وزراء حكومة الشراكة، أعلن عن إجازته مشروع قانون ” تنظيم الحكم اللامركزي والعلاقات بين أجهزته تمهيداً للمصادقة عليه عبر تشريع مشترك بين مجلسي السيادة والوزراء، حيث حدد مشروع القانون مستويات الحكم اللامركزي الاتحادي، والحكم الإقليمي الولائي والحكم المحلي، كما حدد القانون إنشاء الأجهزة العدلية ممثلة في الجهاز القضائي والإدارة القانونية والمجلس التشريعي الولائي والجهاز التنفيذي على مستوى كل ولاية، فيما ترك مهمة تحديد عدد الوزارات الولائية ومسمياتها بواسطة رئيس مجلس الوزراء لكل ولاية.
وفي مدينة كوستي بولاية النيل الأبيض، اتخذت مجموعات شبابية مبادرة لتنفيذ الحكم المحلي بعد مؤتمر النيل الأبيض للحكم المحلي، والتقطوا المبادرة للبدء في تنفيذ نموذجهم من الحكم المحلي والذي أسموه “المجلس الأهلي لمحلية كوستي”.
جرى تكوين المجلس في أكتوبر من العام 2021، حيث اتخذ المبادرون آليات ديمقراطية تعتمد التمثيل لكل مكونات المحلية بالانتخاب عن طريق لجان الخدمات والتغيير بالأحياء التي تولت تنفيذ المجلس بالاضافة للغرفة التجارية بسوق كوستي الكبير.
وبحسب إفادات أعضاء في المجلس، فإن عمله يتمحور حول إيصال صوت المواطن لإشراكه في السلطة المحلية وإدارتها من قبل أصحاب المصلحة الحقيقيين، وتجسير الفجوة بين السلطات المحلية والمواطنين الذي يحتاجونها في حياتهم اليومية، حيث ينشط المجلس في الأسواق في تحديد الضرائب والجبايات التي تفرضها السلطة والتفاوض على معقوليتها وعدم تركها للمحلية للانفراد بتحديدها، ومن ثم مراقبة أوجه صرفها لضمان الإبقاء عليها لصالح المواطنين. كما يعمل في الأحياء بالإشراف على توزيع الخدمات والسلع المدعومة وإيصالها للمواطنين بطريقة سلسة.
قانون فوقي
ويقول أحد المبادرين بفكرة المجلس الأهلي لمدينة كوستي، معتصم كركاب لـ(عاين)، إن عددا من مواطني مدينة كوستي رفضوا فرض قانون الحكم المحلي عليهم باعتباره فوقيا ولم يشارك المواطنين في صياغته، ورأوا أن ينتزعوا حقهم في الحكم المحلي دون انتظار قانون مركزي يتم فرضه عليهم.
وأضاف كركاب، أن مسألة الحكم المحلي أحد الأشياء المُغفلة في النقاش السياسي. وأشار إلى أنها أهم حلقة من حلقات الثورة والحكم، واعتبر أن وصول الثورة للمواطنين يتم عن طريق الأجسام المحلية التي تتعامل بشكل مباشر مع المواطن وسعيها في توفير احتياجاته وتسهيل حياته، ودعا لإشاعة التشاور حول نسب المحليات والولايات والمركز من عوائد أسواق المحليات باعتباره يصب في خانة تقسيم السلطة والثروة بالشكل العادل.
النصيب من الثروة
ونوه كركاب أن ثمار تجربة المجلس الأهلي بمحلية كوستي، بدأت في الظهور بعد مطالبات عديدة للمواطنين في مدن السودان المختلفة بأنصبتهم من ثروات الولايات واحتجاجاتهم المستمرة لانتزاع حقوقهم وتكوين الأجسام التي تعبر عنهم في ذلك، واعتبر تلك المطالبات هي الضامن الأساسي لاستمرار واحدة السودان بالشكل الحقيقي المطلوب.
عمل المجلس الأهلي لمدينة كوستي لم يتأثر بانقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر بسبب القبول العالي للمجلس وسط الأهالي وأبناء المنطقة من السلطات. رئيس المجلس شمس الدين أحمد
وبدوره يقول رئيس المجلس الأهلي لمحلية كوستي شمس الدين أحمد الزين لـ(عاين)، إن الفكرة نبعت من الحاجة لإدارة شؤون المحلية وسد الفراغ الدستوري الذي تعيشه البلاد، وشرح أن تكوين المجلس تم وفقا للوحدات الإدارية بمحلية كوستي لإضفاء الشرعية عليه، وكشف أن التمثيل تم بانتخاب 3 أفراد من كل وحدة إدارة ومن ثم إضافة الكيانات الأخرى مثل المحامين والأطباء والغرفة التجارية واتحاد الصناعات وغرفة النقل والمزارعين.
ويعمل المجلس، وفقا لشمس الدين، على حل النزاعات بين مكونات مدينة كوستي وترقيع قطاعات التعليم والصحة، وأوضح شمس الدين أن سير عمل المجلس الأهلي لمدينة كوستي لم يتأثر بانقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر بسبب القبول العالي للمجلس وسط الأهالي وأبناء المنطقة من السلطات، وأكد أن قوة المجلس وقبوله يأتيان من كونه جهة أهلية تهدف للعمل الطوعي وتحسين حياة المواطنين.
دعم ذاتي
يقول رئيس المجلس أنهم يعملون بمجهودات ذاتية ومصادر محدودة يتمثل دعمها المالي في الاشتراكات الشهرية التي فرضت على أعضاء المجلس، مؤكدًا أن المصادر المالية منحصرة في مساهمات الأعضاء واشتراكاتهم، على أمل انتظار التبرعات من أبناء المدينة بالمهجر و المقتدرين.
ومن جانبه قال مقرر المجلس الأهلي لمحلية كوستي، عمار السر أحمد البشير لـ(عاين)، إن أحد ضرورات قيام المجلس هي مسألة إدارة العلاقة بين المحلية والمواطنين، وإن المحلية كانت تقوم بفرض الرسوم على المواطنين والتجار دون استشارتهم، ما أدى في أحايين كثيرة لامتناعهم عن دفع الرسوم والجبايات لجهة عدم تلقيهم عوائد الرسوم في أي شكل من أشكال الخدمات أو غيرها في ظل وجود مشاكل ملموسة في النفايات وتنظيم الأسواق و التعليم والصحة.
فخ السلطة
وعن الصعوبات التي واجهت المجلس، كشف عمار عن تعنت المدير التنفيذي لمحلية كوستي بعد انقلاب 25 أكتوبر ورفضه التعامل مع المجلس الأهلي بحجة أنه غير شرعي ولا يعترف به، ولكنهم تغلبوا على ذلك بالتواصل مع الوالي مباشرة لاستمرار عملهم ومن ثم نقل المدير التنفيذي للمحلية.
التعامل مع السلطة التنفيذية لا تنفي ثورية المجلس وسعيه لانتزاع السلطة لتكون القوة الأكبر فيها للشعب. مقرر المجلس
وأشار عمار ، إلى أن التعامل مع السلطة التنفيذية لا تنفي ثورية المجلس وسعيه لانتزاع السلطة لتكون القوة الأكبر فيها للشعب، موضحًا ذلك بأن تكوين المجلس تم بطريقة قاعدية الأمر الذي يماثل عددا من مواثيق لجان المقاومة القاضية بسلطة الشعب، ونبه إلى أن تجربة المجلس الأهلي تثور المواطنين على استلام السلطة بنفسها وإدارة شؤونها بفرض أجندتها على السلطات التنفيذية والضغط عليها.
وتأكيدا لدور المجلس الأهلي، أوضح مقرره عمار أن للمجلس خارطة طريق تديرها لجان تمثل الخدمات والصحة والتعليم والنقل النهري وغيرها مما يهم حياة المواطن، وأضاف أن لكل لجنة من اللجان المذكورة برنامج لطريقة عملها وما تستطيع تقديمه في سبيل تحسين حياة الناس بالمحلية، لافتا إلى أن تلك اللجان ستعتمد على قاعدة بيانات شاملة سيضعها المجلس لكل مواطني المحلية واحتياجاتهم، ما يعد تيسيرا لعمل الإحصاء وتوزيع الميزانية في منافذها وفق الحاجة.
مستقبل المجلس
وكشف عمار أن المجلس الأهلي لمدينة كوستي سيظل موجودا حتى بعد استعادة الوضع الدستوري ديمقراطيا، ببقائه مساندا ومعاونا للسطات التنفيذية المحلية المنتخبة، ولفت إلى أن مصير المجلس النهائي سيكون بيد أعضائه حسب الواقع في اللحظة المحددة والتشاور في أمر بقائه للضرورة أو إلغاءه وحله بنهاية الدور المناط به.
ونبه عمار إلى اتجاههم لتسويق فكرة المجالس الأهلية في كل محليات النيل الأبيض التسع، لمناشدة أهالي المحليات لاستلام سلطتهم الشعبية وإدارة شؤونهم بأنفسهم، في خطوة لتكوين مجلس أهلي جامع لكل مواطني النيل الأبيض باسم المجلس الأهلي لولاية النيل الأبيض، واعتبر ذلك أمرا في غاية الأهمية في الوقت الراهن، ودعا سكان الولايات السودان لتكوين مجالسها الأهلية وتعميم تجربة مدينة كوستي لكونها تجربة حقيقية في طريق الوصول للسلطة الشعبية.