الحرب تقترب من القضاء على الثروة الحيوانية في بادية كردفان
عاين-30 يوليو 2025
وجد أحمد الهادي وهو مربي ماشية في محلية الخوي بولاية غرب كردفان، نفسه مضطراً للاحتفاظ بأغنامه في منزله ورعيها في محيط بلدته، وذلك نتيجة المهددات الأمنية الواسعة التي منعته من الذهاب إلى المراعي الطبيعية مترامية الأطراف في المنطقة، فالرعي بعيداً ربما يكلفه حياته، وفقدان أغنامه.
واعتاد الهادي وجميع أصحاب الماشية في كردفان، على الترحال بأغنامهم خلال فصل الخريف بعيداً عن المناطق السكنية، بغرض التمتع بالمراعي الطبيعية وتحسين صحة الحيوانات، على أن يعودوا بحلول الصيف، لكن هذه السنة تحولت تلك المراعي إلى ساحات للمعارك العسكرية بين الجيش وقوات الدعم السريع، لتسدد ضربة كبيرة لقطاع الثروة الحيوانية.
تسببت الحرب في تقلص مساحات الرعي وإغلاق المسارات والمراحيل، مما يهدد الثروة الحيوانية في كردفان
مربي ماشية
ويخشى أحمد الذي تحدث مع (عاين) ضياع أغنامه بسبب عدم الترحال في فصل الخريف، لأنها ستكون هزيلة، ولا تستطيع مقاومة ظروف الصيف القاسية، إذ تقل الأعشاب والمياه في المنطقة، وفي ذلك تهديد كبير لمستقبله المعيشي؛ لأنه يعتمد بشكل أساسي على الثروة الحيوانية في إعالة أسرته وتوفير احتياجاتها الحياتية.
ووضعت الحرب الجارية قطاع الثروة الحيوانية في إقليم كردفان، وسط مخاطر واسعة، إذ تقلصت مساحات المراعي الطبيعية، وتوقفت عمليات التسويق نتيجة انعدام الأمن، وسط مخاوف واسعة من تلوث بيئي مضطر بصحة الحيوانات جراء استخدام مكثف لمختلف الأسلحة في القتال الحالي، في عدة مناطق.
وتُعد ولاية غرب كردفان، الأكثر تأثراً بمخاطر الحرب على الثروة الحيوانية، إذ تدور معارك عسكرية ضارية منذ أبريل الماضي في مناطق واسعة خاصة مدينتي النهود والخوى وقرى محيطة بها، وهي أماكن كانت تخصص للرعي، وتعد مركزاً لإنتاج الضأن الحمري، كما تضم أكبر الأسواق لتجارة الماشية.
خارطة المواشي
وتتمركز الاشتباكات في الجزء الشمالي من ولاية غرب كردفان، وهي مناطق تشتهر بتربية الماعز والضأن والإبل، مما يجعل هذه الفئة من الماشية الأكثر تضرراً بالصراع، بينما يهتم السكان في الاتجاه الجنوبي من ولاية غرب كردفان بتربية الأبقار، ورغم أن هذه المناطق مستقرة أمنياً، إلا أنها تأثرت بالمعارك الأخيرة، حيث توقف ترحال الأبقار شمالاً خلال فترة الخريف، وهو نشاط مهم لصحتها نسبة لانتشار الذباب والأمراض في الجنوب في موسم الأمطار.
وبحسب مراسل (عاين)، فإن الثروة الحيوانية في محلية القوز الواقعة في الجزء الشمالي من ولاية جنوب كردفان، تأثرت بشكل كبير بسبب المعارك الأخيرة التي دارت بين الجيش وقوات الدعم السريع في الدبيبات والحمادي وكازقيل، حيث نزح السكان بصورة جماعية، وتركوا كل شيء خلفهم بما في ذلك الماشية، ولا يعرف مصيرها الآن.
ولم تتوقف الأضرار عند تقلص المراعي الطبيعية، لكنها امتدت إلى تهديدات على حياة الرعاة، وفق أحمد الهادي، حيث ينتشر المسلحون بكثافة في هذه المناطق التي تقع في نطاق السيطرة الميدانية لقوات الدعم السريع، إذ يمارسون النهب للمواشي، ويتصادمون مع أصحابها.
وقال الهادي لـ(عاين): “يوم الأربعاء 23 يوليو الجاري، هاجم مسلحو قوات الدعم السريع أحد الرعاة في قرية بريمة رشيد الواقعة على الطريق بين النهود والخوي، وطلبوا منه منحهم عدد من الخراف؛ لأنهم يريدون أكلها، وعندما رفض قيدوه، ودهسوه بالسيارة القتالية، فتوفي في الحال، وبعدها نهبوا أغنامه”.
ويضيف:”حدثت العديد من الحوادث المشابهة في منطقتنا، لقد أصبح الرعاة وملاك الماشية هدفاً لمسلحي قوات الدعم السريع، مما جعلنا نرعى أغنامنا في محيط القرى، لأن الذهاب بعيداً يهدد حياتنا”.
وتابع: “هناك غياب تام لتسويق الماشية في ولاية غرب كردفان، نتيجة إغلاق الأسواق الرئيسية في الخوي والنهود والزليطة، في مقابل تدن في أسعار الأغنام، وارتفاع جنوني في أسعار اللحوم، ولا ندري ماذا نفعل. تربية الماشية في منطقتنا أصبح أمراً صعباً، ولا يمكننا التخلص من أغنامنا والاستفادة من عائدها نتيجة دمار الأسواق”.
شبح الانهيار
وانتقل الصراع المسلح إلى الجزء الشمالي من ولاية غرب كردفان، في مايو الماضي، في أعقاب سيطرة قوات الدعم السريع على مدينتي النهود والخوي، ودارت معارك ضارية بعد محاولات من الجيش والقوة المشتركة المتحالفة معه استعادة السيطرة عليها تلك المناطق، وتوسع النزاع إلى المناطق الواقعة شمال ولاية جنوب كردفان (محلية القوز) حتى تخوم مدينة الأبيض، وتمدد كذلك إلى المحليات الشمالية الشرقية من ولاية شمال كردفان، وجميعها أماكن مأهولة بالثروة الحيوانية.
ورغم تراجع وتيرة الاشتباكات في ولاية غرب كردفان، إلا أن المنطقة تشهد انتشار غير مسبوق للمسلحين، في واقع يجسد لحالة من السيولة الأمنية الحادة والفوضى الشاملة، مع تصاعد وتيرة أعمال النهب تحت تهديد السلاح، والتي تستهدف المواشي بشكل أساسي.
نعيش وضع قاسي بسبب شبح الانهيار الكامل الذي يهدد الثروة الحيوانية في كردفان، إذ أصبح امتلاك المواشي سبباً لفقدان الحياة
تاجر مواشي
ويقول آدم الزبير وهو تاجر مواشي من ولاية غرب كردفان لـ(عاين): “نعيش وضع قاسي وصدمة كبيرة؛ بسبب شبح الانهيار الكامل الذي يهدد الثروة الحيوانية، لقد توقفت تجارة الماشية بشكل كامل، وانعدمت المساحات الآمنة للرعي، وأصبح امتلاك الأغنام سبباً كافياً للقتل وفقدان الحياة، لقد توجهت كل الأسلحة على الثروة الحيوانية والرعاة”.
ويضيف: “جميع التجار ومربي الماشية يحاولون التخلص منها، ومغادرة المنطقة، لكن المشكلة الأساسية هي عدم وجود أسواق أو حتى مشتريين، لا أحد يرغب في إنفاق أمواله في نشاط تجاري غير مضمون الربح، وربما يتسبب في فقدان رأسماله، أو فقدان حياته في أغلب الاحتمالات، ونتيجة تدهور الوضع الأمني نزح معظم التجار إلى المناطق الآمنة”.
نهب حصاد العمر
ولم يستثن المسلحون المنتشرون بكثافة في إقليم كردفان، النساء اللاتي يعملن مشاريع صغيرة لتربية المواشي بغرض إعالة أطفالهن، ففي إحدى القرى الواقعة شمال مدينة الخوي، فقدت السيدة أسماء آدم (اسم مستعار) جميع أغنامها في لحظة واحدة، وهي تمثل حصاد عمرها ومصدر رزقها الأساسي لمساعدة زوجها في تغطية تكاليف الحياة.
وتقول هذه السيدة لـ(عاين): “في شهر يونيو الماضي، اقتحم مسلحون يمتطون سيارة عسكرية مزرعتي القريبة من القرية، كنت وقتها أرعى أغنامي، ونحضر الأرض للموسم الزراعي، وطلبوا منا أن نمنحهم جميع أغنامي، وعددها 11 معزة، فقلت لهم لا أملك غيرها وهي أملي الوحيد في الحياة، وأعتمد عليها في اللبن لأطفالي، ومع ذلك نهبوها، وقالوا لي سامحينا نحن نريد ذبحها وأكلها”.
وتضيف: “اضطررت إلى العودة إلى قريتي، وأنا لا أمك أي شيء، لقد ضاع كل حصاد عمري، حتى في داخل القرية لم يتركنا مسلحو قوات الدعم السريع، وهم يبحثون عن الأغنام لذبحها وأكلها”.
وفي السياق، يقول أحمد علي عديل، وهو أحد زعماء الإدارة الأهلية في ولاية غرب كردفان لـ(عاين): “أثرت الحرب بشكل كبير على الثروة الحيوانية، خاصة فيما يتعلق بحركة الرعاة، في ظل انتشار واسع للحرامية والذين أصبحوا قوة ضاربة، وفي ذلك تهديد كبير للحيوانات وصحتها وإنتاجها”.
ويضيف: “هناك مشكلات كبيرة فيما يخص المرعى والمياه، حيث كانت الماشية تتحرك بحرية من الجنوب إلى الشمال خلال الخريف، ومن الشمال إلى الجنوب في فصل الصيف، لكن هذه السنة توقفت هذه المراحيل، وكان للصراعات الأهلية تأثير في تفاقم هذه المشكلة كذلك، ومن الضروري وقف الحرب كمدخل لإنقاذ الإنسان والحيوانات في إقليم كردفان”.
تفشي الأمراض
غياب الأدوية واللقاحات في كردفان يهدد بانتشار العديد من الأمراض وسط المواشي مثل اللسان الأزرق والجدري، فالثروة الحيوانية أمام خطر كبير
باحث
ويرصد الباحث في مجال الثروة الحيوانية د. محمد أحمد الطاهر عدة تأثيرات للحرب الحالية على قطاع الثروة الحيوانية في إقليم كردفان، حيث تسبب انعدام الأمن في كثير من المشاكل للرعاة خاصة في ما يتعلق بتأمين الطرق والمسارات التي تمكنهم من التنقل الآمن في المراعي الطبيعية ومصادر مياه الشرب.
ويشير الطاهر في مقابلة مع (عاين) إلى أن توقف عمليات التصدير إلى الخارج أدى إلى تدني أسعار المواشي بجميع أنواعها، مما ألقى بتأثيرات واسعة على الثروة الحيوانية والرعاة.
ويشير الطاهر، إلى إن الحرب تسبب في عدم توفر اللقاحات والخدمات البيطرية للمواشي، مما قد يتسبب لها في العديد من الأمراض الخطيرة، مثل وباء اللسان الأزرق الذي يصيب الماعز والأبقار، بجانب مرض الجدري، وغير من الوبائية التي تظهر خلال فترة الخريف، فالثروة الحيوانية بكردفان، أمام مخاطر كبير.