اصطفاف سياسي جديد.. كيف تستعيد الأحزاب السودانية ثقة الشارع؟
14 ديسمبر 2021
تغيرت معادلة الحكم في السودان بعد الانقلاب الذي نفذه الجيش السوداني 25 أكتوبر، طمعاً في الإستئثار بالسلطة، لكن لجان المقاومة السودانية تواثقت على الإطاحة بهذه المعادلة وتأسيس سلطة مدنية كاملة بمعزل عن العسكريين، فيما اتسعت الهوة بين لجان المقاومة والأحزاب السياسية، التي شاركت في الحكم لأكثر من عامين، فكيف تستعيد القوى السياسية الحزبية ثقة الشارع من جديد؟ وما هي أبرز الملفات التي يجب أن يتضمنها الاتفاق على نحو عاجل؟
وأطاح القائد العام للجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان في الخامس والعشرين أكتوبر الماضي بالحكومة الانتقالية وزج بقياداتها في السجن. لكن إنقلاب البرهان قوبل بالرفض الشعبي منذ يومه الأول، عندما خرجت الجموع تندد بالإنقلاب على السلطة الشرعية، بينما طالب المجتمع الدولي القائد العام للجيش بالتراجع عن قراراته.
وعلى الرغم من عودة رئيس مجلس الوزراء عبد الله حمدوك لسدة الحكم من جديد بواسطة إتفاق سياسي إطاري وقعه مع “البرهان” إلا أن لجان المقاومة وبعض القوى السياسية الفاعلة في المشهد السياسي سارعت برفضه.
ومن المتوقع أن يعمل المُوقعين على الإتفاق السياسي الاطاري، على تطويره إلى إعلان سياسي بمشاركة قوى الحرية والتغيير المنقسمة والمقربة من العسكريين، الأمر الذي سيتم رفضه من بعض القوى السياسية ولجان المقاومة و تجمع المهنيين السودانيين. وفي الوقت الذي يواجه “حمدوك” صعوبات بالغة في تكوين حكومته، وضعت لجان المقاومة جدولاً تصعيداً منذ مطلع الشهر الجاري وحتى نهايته، يتضمن عدداً من المواكب والوقفات الإحتجاجية والأنشطة الثورية، بهدف الضغط على السلطة الانقلابية، وصولاً لتسليم السلطة للمدنيين.
“الحراك الشعبي المستمر، الذي تقوده لجان المقاومة يحتم على القوى السياسية التي شاركت في ثورة ديسمبر المجيدة الإسراع في وضع برنامج سياسي، يتصالح مع الشارع ويستصحب المتغيرات الجديدة التي أعقبت إنقلاب “البرهان” كما يحتم عليها البدء في نقد التجربة السابقة، واللحاق بالشارع الموصوف بتجاوزه للقوى السياسية” كما قال مراقبون وسياسيون تحدثوا لـ (عاين).
إعادة الثقة
ودعا تحالف القوى المدنية، المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير تقديم نقد ذاتي والاعتذار عن قصور أدائها الذي أدى إلى تفجر الأزمة السياسة بتحرك قادة الجيش ضد الشركاء المدنيين. وقالت القوى المدنية، في بيان، الأحد الماضي إنها تدعو “المجلس المركزي لتقديم نقد ذاتي واعتذار عن أدائها الذي جعل هذا الانقلاب ممكنا”.
وبحسب أستاذ العلوم السياسية بجامعة النيلين، مصعب محمد علي، فإن المطلوب من الأحزاب السياسية إجراء نقد مؤسسي للتجربة السابقة، كما عليها العمل بجد لمحو صورتها الذهنية السالبة لدى الشارع والسعي لتحسينها. ودعا علي، لضرورة أن تفتح الأحزاب السياسية الباب لمشاركة القوى الشبابية الكبيرة، والتحلي بالمرونة التي تُناسب التغيرات الاجتماعية التي حدثت في السودان، مع ضرورة مراجعة الأيدلوجيات السياسية، على أن تصبح أحزاب برامجية، قادرة على التكيف مع الواقع السوداني، بدلاً أن تكيف الواقع حسب ايديولوجيتها.
بينما يرى صدقي كبلو وهو أكاديمي وسياسي بارز ومؤلف كتاب “نظرية الثورة السودانية“، في مقابلة مع (عاين) ضرورة نقد التجربة السابقة من قبل القوى السياسية، داعياً لردم الهوة بين الأحزاب السياسية والشارع، مشيراً إلى أن النقد الذاتي سيكون بمثابة إعتراف بأن الشعب هو صاحب القرار، مشيراً إلى أن الشعب هنا تمثله لجان المقاومة التي تعد صاحبة القوى الأكثر تأثيراً في الشارع.
ويتفق صديق أبو فواز، القيادي بالحرية والتغيير مع “كبلو” على أهمية استباق الإصطفاف السياسي الجديد، بمراجعة أداء القوى السياسية، خلال الفترات التي سبقت انقلاب 25 أكتوبر. وأشار أبو فواز في حديث لـ (عاين) إلى أن الشعب السوداني والثوار بتشكلاتهم المختلفة المتمثلة في لجان المقاومة والمهنيين والنقابات ومنظمات المجتمع المدني تتوقع من قوى إعلان الحرية والتغيير التحلي بالشجاعة بمراجعة المواقف السياسية خلال الفترات السابقة، مشيراً إلى أن ذلك سيؤدي لعودة الثقة المفقودة في الأحزاب السياسية، والانطلاق لتشكيل اصطفاف سياسي واعِ يُسهم في قيادة المرحلة السياسية الراهنة.
ودعا “أبو فواز” قوى الحرية والتغيير، الشروع في صياغة دستور انتقالي جديد، وتكوين حكومة ظل من كفاءات وطنية مشهود لها، وأيضاً الإعلان عن تكوين المجلس التشريعي الثوري بمشاركة الجميع، خاصة لجان المقاومة والنساء والشباب وممثلي الأقاليم مع الإحتفاظ للقوى السياسية بحقها وضرورة تمثيلها التمثيل الذي يليق بها.
اصطفاف جديد
وبالعودة لأستاذ العلوم السياسية بجامعة النيلين مصعب محمد علي، فإنه يتوقع نشوء اصطفاف سياسي جديد في السودان، يتكون من القوى السياسية السودانية، موضحاً أنه سيضم القوى السياسية التي شكلت الحاضنة السياسية للحكومة وأحزاب سياسية اخرى، مشيراً إلى أن هدفه سيكون صُنع تحالف سياسي مدني لتحقيق التحول الديمقراطي المأمول. بينما يدعو القيادي بالحرية والتغيير صديق أبو فواز لأن تتبنى قوى الحرية والتغيير شعارات الثوار والشارع السودان.
ويرى القيادي السياسي صدقي كبلو أن الإصطفاف السياسي الجديد، يستمر في التشكل في “الشارع”، مشيراً إلى أن السؤال الآن هو كيفية التعبير عنه سياسياً، لافتاً إلى إن الإصطفاف الجديد، ضمن نقده للتجربة الماضية يجب عليه أن يناقش محاولة بعض القوى السياسية، الفترة الماضية، فرض برامجها السياسية، كبديل عن برنامج الحد الأدنى الذي تم الإتفاق عليه.
وينادي “كبلو”، بعدم تقسيم الشارع إلى لجان مقاومة وتجمع مهنيين وأحزاب سياسية، مشيراً إلى أن التصنيف التنظيمي بهذه الصورة سيخلق تناقضاً بين القيادة السياسية والشارع الذي تقوده لجان المقاومة بسبب عدم وجود الاندماج اللازم في البرامج والأهداف.
ويرى بضرورة إعتماد كامل السلطة للجان المقاومة لأنها هي “الجماهير” الفاعلة في الشارع، مشيراً لضرورة أن يبدأ ذلك بالسلطة المحلية من الأحياء صعوداً لأعلى حتى الوصول لبرلمان يختار أجهزته السيادية والتنفيذية على نحو مباشر. ودعا “كبلو” لضرورة قبول الأحزاب السياسية بقيادة الجماهير ممثلة في لجان المقاومة الإنتقال المقبل، وطالب بأن تستمع القوى السياسية للشارع الجديد، لافتاً إلى أن “الشارع” بات مختلفاً عما كان عليه أبان إنطلاق ثورة ديسمبر المجيدة.
وأوضح أن الثوار على الأرض ظلوا يقاومون النظام البائد ويقودون التظاهرات، تاركين مهمة التفكير السياسي وإعداد الخطط والبرامج للأحزاب السياسية، لكن في عقب إنقلاب 25 أكتوبر اختلف الوضع من منظور الشارع، الذي صار يضع برامجه ومواثيقه السياسية بنفسه. ولفت كبلو إلى أن الأحزاب مطالبة بالإقتراب من لجان المقاومة والإستماع لها ومحاولة نيل ثقتها، مشيراً إلى أن عدم حدوث ذلك ينذر بانقسام قوى الثورة، داعياً لضرورة الخضوع لرأي الشعب.
ما المطلوب؟
ومن المتوقع أن يناقش أي اصطفاف سياسي جديد، عدة قضايا أبرزها الهيكل التنظيمي، ومسألة الدستور، والملفات الاقتصادية، والعلاقة مع المؤسسة العسكرية. ويرى أستاذ العلوم السياسية، مصعب محمد علي، أن المطلوب من التحالف السياسي الجديد الإتفاق على نقاط مشتركة بموجبها يتم تكوين نموذج سياسي يعمل على الإعداد لعملية الحكم وطرح برامج سياسية واقتصادية، مشيراً إلى ضرورة قيام هيكل تنظيمي واضح المعالم لا تسيطر فيه قوى سياسية على حساب أخرى، كما يجب إلا يقع مرة أخرى في خطأ القيادة الأفقية التي كانت سبباً في أغلب الانشقاقات السياسية.
ولفت “علي” إلى أن تجربة الحكم في السودان سواء أن كانت عسكرية أو مدنية، عانت من عدم وجود دستور دائم متفق عليه، مشيراً إلى أن مسألة الدستور تُعد من أبرز الملفات التي يجب طرحها والتشاور حولها مع القطاعات المدنية والسياسية والإدارات الأهلية ومكونات المجتمع السوداني، وصولاً لاتفاق يفضي لدستور دائم في البلاد.
وإتفق أستاذ العلوم السياسية مع “كبلو” على أهمية الإتفاق حول ماهية طبيعة العلاقات المدنية والعسكرية، عن طريق إجراء حوار عميق، يمهد لاحقاً لتحديد العلاقة بينهما في المسألة السودانية، لافتاً إلى أن المؤسسة العسكرية وتحالفات مع بعض القوى السياسية حكمت السودان لفترات طويلة، مشيراً إلى أن ذلك يحتم التوافق على ميثاق يُلزم الطرفان بأن تحكم الأحزاب السياسية بواسطة التداول السلمي للسلطة.
تحديات بارزة
أبرز التحديات التي تواجه الإصطفاف السياسي الجديد، هو إستمرار وحدة القوى الثورية، الأمر الذي يتطلب أن تحل القوى السياسية مشكلاتها مع “الجماهير” بأسرع فرصة يقول كبلو لـ(عاين)، ويؤكد على ضرورة مناقشة العلاقة مع قوات الشعب المسلحة، عن طريق إيجاد حل ديمقراطي سلس، لوضعيتها المُعقدة، مشيراً إلى أن الشعب ظل يردد أن “الجيش جيش السودان وليس جيش البرهان” لافتاً إلى أن هذا الشعار ليس مكايدة سياسية، بل هو إعتراف الشعب بأهمية الجيش، وهو ما يجب التعبير عنه سياسياً وشعبياً عن طريق برنامج واضح يجيب على سؤال كيف يصبح الجيش جيشاً سودانياً، مشيراً إلى أن ذلك لن يكون سهلاً.
ويضيف “ليس هناك جيشاً واحداً في السودان بل جيوش تدعي أنها جيوش السودان، بينما الجيش القومي النظامي مقهور وخارج المعادلة التي تشكل المشهد في السودان”، ويشير إلى أن الجيش السوداني “مُختطف” من قبل قيادة لا تعبر عنه، وأن هذه أزمة ستظل موجودة مثل الشوكة في جسد الثورة إلى أن يتم حلها.
الكتلة الفاعلة
وبخصوص لجان المقاومة، التي تمثل الكتلة الشبابية الأكبر، يقول أستاذ العلوم السياسية، أن القوى الشبابية، هي الأكثر فاعلية بعد ثورة ديسمبر المجيدة، ولها قدرات تنظيمية عالية. ويشير علي، إلى أن هذه الكتلة الشبابية بحاجة لتحديد صفتها بشكل أكثر وضوحاً وتجيب على الاسئلة الملحة “هل هي جماعات ضغط لتحقيق التحول الديمقراطي؟ أم هي في طريقها لتكوين حزب سياسي هدفه الوصول للحكم؟” مشيراً لضرورة الإسراع في الإجابة على ذلك، لأن أي فراغ في العملية السياسية يملأه الأكثر تنظيماً.