كردفان.. الحرب تقطع أوصال الحياة وحملة اعتقالات لمتطوعي الإغاثة
عاين- 20 يونيو 2025
منذ مارس الماضي، ركز طرفا الحرب في السودان الجيش والدعم السريع على توسيع نفوذهما في إقليم كردفان، شمال، وجنوب، وغرب، وشهدت الفترة الماضية معارك طاحنة بين قوات الدعم السريع والجيش وحلفائه من القوة المشتركة في غرب كردفان مدن النهود والخوي، فيما درات معارك خلال اليومين الماضيين بولاية جنوب كردفان بين قوات الحركة الشعبية قيادة (الحلو) والجيش السوداني.
الصراع المعقد في الإقليم فرضا واقعا مؤثرا وبشكل خطير على الظروف الإنسانية، وفي جنوب كردفان تواصل سلطات الولاية الخاضعة للحكومة التي يسيطر عليها الجيش حملتها القمعية ضد متطوعي العمل الإنساني عبر حملات اعتقالات وتهديدات بالقتل. بينما يستمر النزوح الجماعي للآلاف من المناطق التي سيطرت عليها قوات الدعم السريع بولاية غرب كردفان إلى مدينة الأبيض وبعض بلدات ولاية شمال كردفان.
في 21 أبريل، أصدر مدير الإغاثة الحكومي الذي يسيطر عليه الجيش، فضل الله عبد القادر، توجيهاً بتعليق عمليات 20 منظمة مجتمع مدني وطنية ودولية في جنوب كردفان. كان من بينها منظمات دولية كبرى مثل “وورلد فيجن” (World Vision)، والمجلس الدنماركي للاجئين (DRC)، والمجلس النرويجي للاجئين (NRC)، بالإضافة إلى منظمات مجتمع مدني محلية مثل “واي-بير جنوب كردفان” (Y-Peer South Kordofan) ومنظمة “الكدقلي شارع الحوادث”. ركزت هذه المنظمات بشكل أساسي على تقديم المساعدات الطارئة وبناء السلام وحقوق المرأة، وفقًا لمتطوعين محليين.
أدانت غرف الطوارئ في جنوب كردفان، وهي شبكات محلية للمتطوعين في مجال المساعدات الإنسانية أنشئت لدعم المتضررين من الحرب، هذه الخطوة بشدة.
ومنذ منتصف أبريل وحتى مايو 2025، بدأت السلطات المحلية في كادوقلي باعتقال متطوعي ونشطاء غرف الاستجابة للطوارئ (ERR). في 12 مايو، تم احتجاز ستة نشطاء، بينهم امرأة لم يتم إطلاق سراحها بالكامل ولكن سمح لها بالعودة إلى المنزل خلال ساعات الليل فقط.
محتجزون لمساعدتهم الآخرين
روى *يزين، وهو محتجز سابق يبلغ من العمر 29 عامًا، لـ(عاين) أنه تم اعتقاله يوم السبت، 24 مايو 2025، في سوق الجلاب بمدينة الترتر، محلية التضامن، من قبل جهاز المخابرات والأمن العام (GISS). “لقد تم اعتقالي بسبب مشاركتي في غرف الطوارئ في جنوب كردفان. تم استجوابي واتهامي بأنني عميل”.
تعرض يزين للترهيب والتهديد بالإعدام، بما في ذلك توجيه أسلحة نارية إلى رأسه. وتعرض للضرب في الصدر والجسم والرقبة؛ وتعرض للتعذيب في غرفة مغلقة لا تهوية فيها؛ وأجبر على الجلوس في أوضاع مؤلمة لساعات. تم فتح قضية ضده بموجب المادة 64 من القانون الجنائي. صودر هاتفه، وسجن في زنزانة مساحتها 4×3 أمتار مع أربعة عشر آخرين.

تزامنت موجة الاعتقالات مع تكثيف الحملات العسكرية في المنطقة، خاصة بعد وصول قادة كتيبة البراء بن مالك الإسلامية، الذين أطلقوا حملات تجنيد محلية. في محلية التضامن وحدها، تم اعتقال أكثر من ستة شبان – بينهم أطباء ومعلمون ونشطاء مجتمع مدني. على الرغم من إطلاق سراح يزين في 3 يونيو، إلا أنه أخبر (عاين) أنه لا يزال تحت مراقبة أمنية مشددة. لا يزال حاسوبه المحمول مصادراً، على الرغم من إعادة هاتفه.
يمثل يزين واحداً من 26 عضواً آخرين على الأقل من أعضاء المجتمع المدني الذين اعتقلوا من قبل السلطات العسكرية في ولاية جنوب كردفان بين أبريل ومايو من هذا العام.
وفقًا لمصدر تحدث إلى (عاين) – وهو نفسه اعتقل وأُفرج عنه في مايو – لا يزال ثلاثة أفراد رهن الاحتجاز في كادوقلي حتى تاريخ نشر هذا التقرير. أولئك الذين أُطلق سراحهم يواصلون مراقبتهم من قبل قوات الأمن، مع منع بعضهم من مغادرة مناطقهم. تركزت الاعتقالات في أبو جبيهة (4)، وكادوقلي (9)، والعباسية (5)، وتلودي (2) – وجميعها حدثت بين منتصف أبريل ومايو. أخبر المصدر (عاين) أن كادوقلي لا تزال تحت الحصار، وهناك نقص في الخدمات الإنسانية، بما في ذلك حظر تجول يومي يبدأ الساعة 6 مساءً.
تدهور الأوضاع الأمنية
منذ اندلاع الحرب في السودان في 15 أبريل 2023، تدهورت الأوضاع الأمنية في جنوب كردفان بشكل أكبر، لتصبح ساحة معركة بين ثلاث قوى: القوات المسلحة السودانية (SAF)، وقوات الدعم السريع (RSF)، والجيش الشعبي لتحرير السودان-شمال (SPLA-N). بين ديسمبر 2023 وأبريل 2024، نزح أكثر من 47,000 شخص من محلية هبيلا وحدها؛ بسبب الهجمات التي قادتها قوات الدعم السريع والقتال العام. في مايو 2025، فر ما لا يقل عن 565 عائلة من بلدة الدبيبات مع اشتداد الاشتباكات بين الأطراف المتحاربة.
في فبراير، وقع قائد الحركة الشعبية لتحرير السودان-شمال عبد العزيز الحلو ميثاقاً مع قوات الدعم السريع والجماعات المتحالفة في نيروبي، كينيا، لتشكيل “حكومة سلام ووحدة” كسلطة موازية وسط الحرب الأهلية في السودان. شكل هذا التحالف تحولاً كبيراً في ديناميكيات الحرب، مما وضع الحركة الشعبية لتحرير السودان-شمال كحليف لقوات الدعم السريع ضد الجيش وتكثيف الصراع داخل الولاية.
أخبر عضو في غرف الاستجابة للطوارئ في جنوب كردفان (عاين) أن هذا التطور قد عرض النشطاء لمزيد من الخطر، حيث أصبحوا الآن مستهدفين من قبل جميع السلطات الثلاث. قال المتطوعون المحليون إن المناطق الأكثر خطورة تشمل كادوقلي، والدلنج، والجبال الشرقية، وأبو جبيهة، والعباسية، والرشيد. في هذه المناطق، يلاحق جهاز الاستخبارات العسكرية النشطاء باستمرار، بينما تورطت قوات الحركة الشعبية لتحرير السودان-شمال وقوات الدعم السريع أيضاً في تهديدات واعتقالات وحتى محاولات اغتيال ضد نشطاء المجتمع المدني.
غرف الطوارئ في جنوب كردفان تدعو للتدخل
مع تصاعد الاحتياجات الإنسانية وخنق عمل المجتمع المدني، تدعو غرف الاستجابة للطوارئ في الولاية إلى تدخل إقليمي ودولي عاجل. يخشون أن تؤدي حملة الترهيب المستمرة إلى إغلاق كامل لعملياتهم من قبل السلطات، وهي نتيجة ستؤثر بشدة على المجتمعات الضعيفة.

أخبر عضو في غرف الاستجابة للطوارئ (عاين) أن مبادرتهم تأسست على يد متطوعين، وليس لها أجندة سياسية. كانت أولى إجراءاتهم توزيع الطعام من خلال مطابخ مجتمعية بالشراكة مع منظمات دولية.
تعمل شبكات المتطوعين الآن على التوسع في جميع محليات جنوب كردفان. أحد أهدافهم الرئيسية هو إنشاء وتفعيل وحدة حماية تتصدى للعنف الجنسي والعنف المرتبط بالنزاع وتقدم الدعم للمحتجزين. ستربط هذه الوحدات الناجين بخدمات الحماية والمساعدة القانونية. أضاف متطوع في غرف الاستجابة للطوارئ: “نحن نحاول العمل مع شركاء آخرين لتغطية الخدمات التي لم نتمكن من تقديمها، ونريدهم أن يشاركوا معنا في توفير احتياجات الحماية والتدريب”.
جبهات قتال مشتعلة في كردفان
في شمال كردفان، استغرقت عائلة عثمان أسبوعين للوصول إلى مدينة الأبيض عاصمة شمال كردفان في رحلة نزوح بدأت من مدينة النهود في غرب كردفان، واضطرت للسفر بواسطة شاحنة قديمة عبر القرى والمدن بالمسارات الترابية لتجنب الحواجز العسكرية لقوات الدعم السريع على الطريق البري الرئيسي.
خسر الجيش السوداني مدينة النهود مطلع مايو الماضي؛ بسبب استخدام قوات الدعم السريع الطائرات المسيرة الحديثة التي حلقت بكثافة عالية في المدينة، وأجبرت حشود القوات السودانية وحلفائها بالتراجع إلى القرى والبلدات المجاورة.
ركز الجيش والدعم السريع المتنازعين عسكريا على حشد المقاتلين والأسلحة الحديثة كالطائرات المسيرة والمدافع الثقيلة على إقليم كردفان منذ نهاية مارس الماضي باعتباره منطقة تشكل شريان الحياة إلى إقليم دارفور معقل قوات (حميدتي) بشكل أساسي. أما في مدن غرب وجنوب كردفان التي تستعر فيها العمليات العسكرية يهدد التصعيد الحربي أكثر من مليون شخص تحولت حياتهم إلى نوع من الجحيم وفق عاملين في المجال الإنساني.
وأشار أحمد عثمان الذي وصل رفقة عائلته إلى مدينة الأبيض إلى أن رحلة النزوح استغرقت قرابة الأسبوعين للوصول إلى شمال كردفان لتجنب الحواجز العسكرية التي نشرتها قوات الدعم السريع على الطريق البري بين النهود والأبيض.
وأضاف عثمان لـ(عاين): “مررنا بأكثر من 18 قرية وبلدات صغيرة في غرب وشمال كردفان للوصول إلى الأبيض بواسطة شاحنة متهالكة، وقبل ذلك كان يتعين علينا شراء الوقود بكمية معقولة من السوق الموازي بأسعار باهظة … عمليات إجلاء المواطنين في كردفان تحدث على النفقة الخاصة للمواطنين من يتعثر ماليا يضطر للبقاء في منزله وهو يشعر بالرعب”.
تصعيد عسكري مرتقب
وتوعدت قوات الدعم السريع بشن هجمات جديدة على الجيش السوداني في كردفان بإرسال (15 متحركا) من إقليم دارفور إلى كردفان في 15 يونيو 2025 الأمر الذي يرجح نشوب معارك عنيفة في المدن المتأثرة بالنزاع المسلح التي يقطن فيها أكثر من مليون شخص.
وتقول مريم أبو بكر العاملة في المجال الإنساني في شمال كردفان إن المعارك العسكرية والتطورات الميدانية بتقدم قوات الدعم السريع إلى النهود والخوي والحمادي والدبيبات في غرب وجنوب كردفان أغلقت الممرات الآمنة، وأصبح المواطنون إما تحت الحصار أو المخاطرة بالطواف بين القرى سيرا على الأقدام أو استئجار شاحنات قديمة للوصول إلى الأبيض وكادوقلي المدينتين الرئيسيتين في إقليم كردفان.
وتابعت بالقول: “بعض العائلات وصلت إلى الأبيض من الخوي والدبيبات والنهود دفعت قرابة 1.5 مليون جنيه سوداني للشاحنة نظير المخاطرة عبر طرق بعيدة عن عناصر قوات حميدتي التي تعرقل خروج المدنيين من مناطق سيطرتها”.
وكان مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية بالأمم المتحدة أوضح الشهر الماضي أن المعارك العسكرية أدت إلى إغلاق الممرات الآمنة التي يستخدمها المدنيون للتنقل وسلاسل الإمداد والمساعدات الطارئة في إقليم كردفان.
توقف سلاسل الإمداد
ويشير محمد النعمان الناشط في قضايا إقليم كردفان إلى أن هجمات الدعم السريع وتراجع الجيش السوداني إلى الأبيض تاركا أربع مدن في غضون شهر واحد خلال مايو الماضي وضع قرابة 1.2 مليون شخص على المحك والبقاء في مناطق شبه محاصرة؛ بسبب توقف سلاسل الإمداد وتعطل آبار المياه والمرافق الصحية.

ويعتقد النعمان في حديث لـ(عاين) أن المواطنين، وهم من الفئات المنتجة للحبوب الزراعية تكبدوا خسائر فادحة مع استيلاء الدعم السريع في مدينة النهود على سبيل المثال على 80 شاحنة محملة بالفول السوداني ونقلها إلى إقليم دارفور.
وأردف قائلًا: “أطلقت عناصر الدعم السريع النار على بعض الشبان بحجة التخابر مع الجيش في النهود والدبيبات ظلت الجثث ملقاة في الشوارع قبل أيام قليلة”.
ويوضح النعمان أن إقليم كردفان لا يزال تحت الخطر بسبب تحشيد الجيش والدعم السريع عسكريا ولوجستيا بتكثيف الاعتماد على المسيرات الحديثة وهي من الأسلحة النوعية التي شكلت معادلة جديدة في حرب السودان.
وتابع: “الأمم المتحدة والمنظمات الدولية عاجزة عن إجلاء المدنيين أو إدخال المساعدات في مدن إقليم كردفان الواقعة تحت سيطرة الدعم السريع، وسيدفع المدنيون الثمن الأكبر إما بنزوح محفوف بالمخاطر أو البقاء مع الجوع وانعدام مياه الشرب والدواء”. وقال النعمان إن مئات العائلات من إقليم كردفان عبرت الحدود إلى جنوب السودان والبعض وصل إلى مخيمات اللاجئين شمالي أوغندا بسبب المعارك العسكرية في الإقليم.
*تم تغيير بعض الأسماء لحماية المصدر.