“بعد النهود”.. خارطة السيطرة واتجاهات الحرب في كردفان

عاين- 5 مايو 2025

عززت قوات الدعم السريع موقفها الميداني في إقليم كردفان بعدما تمكنت من السيطرة على مدينتي النهود والخوي في ولاية غرب كردفان، في الوقت الذي يتراجع فيه نفوذ الجيش السوداني في بعض أنحاء الإقليم، لتعيد هذه التطورات العسكرية إعادة رسم خارطة السيطرة للطرفين، وتفتح الباب أمام تصاعد جديد للأعمال القتالية.

تلك التطورات تنبئ بارتفاع وتيرة المعارك في إقليم كردفان بولاياته الثلاث، خاصة في ظل تحالف قوات الدعم السريع والحركة الشعبية – شمال قيادة عبد العزيز الحلو، إذ بدأ الجيشان بالفعل قتال مشترك في الاتجاهين الغربي والشرقي من ولاية جنوب كردفان، ضد الجيش، وذلك إنفاذا لمقررات تحالف السودان التأسيسي الذي ضم قوى سياسية وحركات مسلحة واسعة، وتم توقيع ميثاقه في العاصمة الكينية نيروبي فبراير الماضي.

وأتى التصعيد العسكري من جانب قوات الدعم السريع بعد توغل متحرك “الصياد” التابع للجيش السوداني في الاتجاهين الغربي والجنوبي من مدينة الأبيض عاصمة ولاية شمال كردفان، وإعلان عزمها التوجه إلى إقليم دارفور غربي السودان معقل الدعم السريع. وسبق ذلك فقدان الدعم السريع سيطرته على معظم العاصمة الخرطوم وولايتي الجزيرة وسنار وسط البلاد.

ومع وصول متحرك “الصياد” إلى تخوم ولاية جنوب كردفان، وتجاوزه منطقة كازقيل متجها نحو الدبيبات بطريق الأسفلت قادماً من الأبيض، هاجمت قوات الدعم السريع مدينة النهود يوم الخميس 1 مايو الجاري، وتمكنت من السيطرة على رئاسة اللواء 18 التابع للجيش، كما سيطرت في اليوم التالي على مدينة الخوي، بولاية غرب كردفان بعدما نسحب الجيش وحلفائه إلى الأبيض بولاية شمال كردفان.

سيطرت قوات الدعم السريع على النهود والخوي ستؤمن ظهرها في دارفور تتيح لها التقدم شرقاً، وتضعف وضعية الجيش في إقليم كردفان

 صحفي متخصص في المنطقة

ولم تعزز مدينتي النهود والخوي السيطرة الميدانية لقوات الدعم السريع في ولاية غرب كردفان فقط، لكنها وفق للصحفي المتخصص في شؤون المنطقة أحمد حمدان، ستؤمن ظهره في إقليم دارفور، وفي المقابل ستجعل ظهر الجيش في مدينة الأبيض بولاية شمال كردفان مكشوفا، نظرا للموقع الاستراتيجي لهذين المدينتين اللتين تقعان على طريق الأسفلت المؤدي من وسط السودان إلى غربه، وكانتا تشكلان خط الدفاع الأول عن الأبيض التي ما تزال تخضع إلى سيطرة الجيش السوداني.

وقف التوغل

وبحسب حمدان الذي تحدث مع (عاين) أن سقوط النهود والخوي، قطع طريق الجيش للتوغل في إقليم كردفان، كما رفع مستوى التهديد على ما تبقى له من قواعد عسكرية في الإقليم خاصة مدينة الأبيض التي ربما تكون هدفاً قريباً وسهلاً لقوات الدعم السريع، بالتزامن مع تصعيد الهجمات المشتركة للدعم السريع والحركة الشعبية -شمال، في مواجهة الجيش.

ويقول مصدر في قوات الدعم السريع لـ(عاين) إنهم خططوا بشكل جيد للسيطرة على مدينة النهود التي باتت تشكل خطرا كبيرا عليهم في الفترة الأخيرة، وارتفع عدد المقاتلين فيها، وقد كانوا على علم بنية متحرك الصياد ومهاجمة قواتهم في ابوزبد والفولة، لافتاً إلى أنهم سددوا ضربة استباقية”.

أصبح الجيش يسيطر على منطقتين فقط في غرب كردفان هما بابنوسة وهجليج، وتقعان حالياً تحت حصار شديد بعد قطع خطوط الإمداد

 مصدر عسكري

وبعد سقوط النهود والخوي أصبح الجيش السوداني، يسيطر على رئاسة الفرقة 22 بابنوسة، واللواء 90 هجليج الذي يعمل على تأمين الحقل النفطي، فقط في ولاية غرب كردفان التي بات تحت سيطرة قوات الدعم السريع.

وتقع قاعدتا الجيش في بابنوسة وحقل هجليج النفطي، تحت حصار شامل مما يصعب وصول الإمداد، وقال مصدر عسكري لـ(عان): إن “اللواء 90 هجليج كان يتلقى الإمداد من ولاية جنوب كردفان وسوق النعام، لكن قوات الدعم السريع قطعت هذا الطريق بالسيطرة على منطقة لقاوة في نهاية مارس الماضي”.

سنار .. سلطنة تهزم البنادق وتحاصرها الأزمات

وبحسب المصدر العسكري، فإن الوضع تأزم أكثر بعد تمدد قوات الدعم السريع والحركة الشعبية – شمال، في الاتجاه الشرقي من لقاوة، وبعمل عسكري مشترك تمكنا من السيطرة على منطقة أم عدارة الاستراتيجية في منتصف شهر أبريل الماضي، وهي ملتقى طرق تؤدي إلى سوق النعام على الحدود مع دولة جنوب السودان، وإلى كادوقلي والدلنج شرقاً، ولقاوة غرباً.

وفي الأسبوع الماضي تقدمت قوات الدعم السريع والحركة الشعبية – شمال، شرق أم عدارة، وتمكنا من السيطرة على منطقة القوارير التي تبعد نحو 70 كيلومتراً غرب مدينة كادوقلي، بينما انسحبت قوات الجيش إلى منطقة برنو المجاورة، وفق المصدر العسكري.

منفذ واحد

وبعد هذه التحولات العسكرية الميدانية أصبح المنفذ الوحيد أمام حقل هجليج النفطي هو جنوبا نحو دولة جنوب السودان، وقال مصدر من هجليج لـ(عاين) إن شركات البترول لجأت إلى مسار جديد لوصول موظفيها، وهو نقلهم بالطائرة من الحقل إلى مدينة الرنك داخل جنوب السودان، ومن ثم استغلال سيارات إلى معبر جودة الحدودي، ومنه إلى مدينة ربك بولاية النيل الأبيض، ومن ثم الانتقال إلى ولايات البلاد المختلفة حسب وجهة أي موظف.

ويشير المصدر، إلى أنه لا يوجد توجه واضح من الشركات لسحب موظفيها ومهندسيها من حقل هجليج النفطي، وأن حركة السفر مرتبطة بالإجازات الدورية الروتينية للعاملين وفق للاشتراطات الصحية التي تقتضي تبديلهم بعد كل فترة، لكن الجميع في حالة توجس وخوف من هجمات محتملة قد تشنها قوات الدعم السريع.

لكن قيادياً أهلياً في غرب كردفان يشير  في مقابلة مع (عاين): إلى أن قوات الدعم السريع ستلجأ إلى خيار التفاوض مع قاعدتي الجيش السوداني في بابنوسة وهجليج، وتوفير مسارات آمنة لهم للانسحاب أو حتى التخلي عن السلاح، ولن تقوم بعمل عسكري في مواجهتهم لسببين، الأول أن كلا المقاتلين في الجيش والدعم السريع ينتميان إلى مكون اجتماعي واحد، أما السبب الثاني فهو، تخوف قيادة قوات الدعم السريع من أن يؤدي العمل العسكري إلى إتلاف وتخريب منشآت البترول في هجليج مثلما حدث في السابق مع حقل بليلة النفطي.

ويشير القيادي الأهلي الذي طلب حجب اسمه، إلى أن القصف الذي نفذته قوات الدعم السريع على مصفاة البترول في الأبيض هو محاولة إلى إيقاف ضخ النفط، وبذلك تنتفي أسباب وجود الجيش في حقل هجليج، وينسحب من المنطقة.

كردفان على موعد مع حرب طويلة الأمد ومدمرة ما لم تسارع الأطراف بالجلوس إلى طاولة تفاوض توقف تمدد المعارك العسكرية

 ناشط سياسي

التغير الكبير في ولاية غرب كردفان سيلقي بظلال على تطورات عسكرية كبيرة في بقية أنحاء الإقليم، وفق الناشط السياسي في كردفان محمد صالح المرضي، الذي يرى أن إقليم كردفان أصبح على موعد مع تصعيد كبير وواسع في الصراع المسلح، وسيسهم في إطالة أمد الحرب في كل ربوع السودان، ما لم تسارع الأطراف بالجلوس إلى طاولة الحوار.

ويشير المرضي في حديث لـ(عاين) إلى أن الحسم العسكري لم يتحقق طوال تاريخ الحروب السودانية، مهما كان صغر حجم الحركة المسلحة، وانتهت جميعها بالتفاوض، وفي هذه الحرب تكاد موازين القوة تكون متكافئة بعد منافسة قوات الدعم السريع للجيش في صراع الأجواء، إذ تمكن من استهداف 16 موقعاً خلال الشهرين الماضيين في عمق سيطرة الجيش.

عمق كردفان

ويتوقع المرضى أن تتمدد الحرب في إقليم كردفان لتصل إلى عمق ولاية جنوب كردفان خاصة بعد التحالف بين قوات الدعم السريع والحركة الشعبية – شمال بقيادة عبد العزيز الحلو، وانخراطها في قتال مشترك في مواجهة الجيش، كما يتوقع انتقال الحرب إلى عاصمة ولاية شمال كردفان الأبيض، وسيكون لذلك تداعيات إنسانية كبيرة على المواطنين.

ويقول جمعة لـ(عاين) إن الجيش ربما يضحي بقاعدتيه في بابنوسة وهجليج مؤقتاً بغرض الدفاع عن مدينة الأبيض، والتي تؤمن ظهره في ولاية النيل الأبيض، وتعزز سيطرته على ولاية جنوب كردفان، بينما ستعمل قوات الدعم السريع على الاستيلاء على الأبيض لكونها تمثل مفتاحاً لتقدمها وإسناد قواتها في مدينة أمدرمان، وستؤمن ظهرها في النهود وصولاً إلى إقليم دارفور، وتنهي طموحات الجيش في التوغل غرباً عبر متحرك “الصياد”.

ويرى أن الطبيعة المفتوحة في بعض أنحاء الإقليم والمليئة بالسهول والوديان، بجانب التعقيدات في جنوب كردفان ستجعل حسم المعركة لصالح أحد الأطراف مسألة شبه مستحيلة، مما يؤدي إلى حرب طويلة في المنطقة، وستكون فاتورتها عالية على المواطنين.

قوات الدعم السريع اتخذت مدينة بارا وجبل عيسى غرب وشمال الأبيض قواعد عسكرية كبرى عززتها بآلاف الجنود ومنصات المدفعية الثقيلة

 مصدر مقرب

تلك الترجيحات يعززها ما كشفه مصدر مقرب لـ(عاين) عن اتخاذ قوات الدعم السريع مدينة بارا الواقعة على بعد 50 كيلومتراً شمال الأبيض، كقاعدة عسكرية كبرى عززتها بالآلاف من الجنود والآليات العسكرية، وكما أسست قاعدة في منطقة جبل عيسى، ونصبت فيها منصات للمدفعية الثقيلة، وذلك بغرض تأمين خط تحركها الرئيسي من أمدرمان إلى غرب السودان، وقصف مدينة الأبيض.

وقال مصدر محلي لـ(عاين) إن مدينة الأبيض تشهد حركة نزوح إلى ولاية النيل الأبيض منذ سقوط مدينتي النهود والخوي في يد قوات الدعم السريع، خشية انتقال المعارك إلى مدينتهم التي تتعرض بالفعل إلى قصف مدفعي وبالطائرات المسيرة.

تعقيد في جنوب كردفان

وتبدو الأوضاع أكثر تعقيداً في ولاية جنوب كردفان، والتي شهدت بعض التغييرات في خارطة السيطرة الميدانية في أعقاب التحالف بين قوات الدعم السريع والحركة الشعبية – شمال وقيدتها معارك مشتركة، حيث تمكنا من قطع الإمداد إلى مدينتي كادوقلي والدلنج، بعد سيطرتهما في منتصف أبريل الماضي على منطقة أم عدارة الاستراتيجية، والتي تعتبر ملتقى طرق ومنفذ إلى سوق النعام في الحدود مع دولة جنوب السودان.

وفي الأسبوع الماضي سيطرت قوات الدعم السريع والحركة الشعبية – شمال على منطقة القوارير غرب كادوقلي، وانسحب الجيش إلى منطقة برنو، بينما نزح سكان تلك المناطق بشكل جماعي إلى منطقة البرداب وكادوقلي، وفق ما نقلته مصادر محلية لـ(عاين).

وبحسب المصادر، فإن يوم أمس الأحد، انتقلت المعارك إلى منطقة كيقا بمحلية الريف الشرقي في ولاية جنوب كردفان، وهي متاخمة لمدينة كادوقلي من الناحية الشمالية، ما يشير إلى تقدم الدعم السريع والحركة الشعبية – شمال في المحور الغربي لولاية جنوب كردفان.

لكن المحور الشرقي استطاع الجيش السيطرة على الهجمات عليه، وفتح مسار إمداد مع مدينتي أمروابة والأبيض، بعدما تمكن من استعادة السيطرة على منطقة جبل الداير الاستراتيجية، وأم بريمبيطة، كما احتفظ بخارطة سيطرته الميدانية مع تغيير طفيف، حيث يسيطر الجيش على المدن الرئيسية الثمانية في الاتجاه الشرقي من ولاية جنوب كردفان وهي، دلامي والتضامن ورشاد والعباسية، وابوكرشولا، والليري، وتلودي، وكلوقي، بالإضافة إلى كادوقلي والدلنج غربي الولاية بما في ذلك طريق الأسفلت الرابط بين المدينتين، وفق مصادر محلية تحدثت مع (عاين).

ومع تصاعد المعارك، نفذ الجيش اعتقالات واسعة بحق المتطوعين في مدينة كادوقلي آخرها كان أول أمس السبت، حيث اقتاد ثلاثة متطوعين في غرفة الطوارئ إلى جهة غير معلومة، ولا يعرف مصيرهم حتى الآن، بينما صادر أجهزة الإنترنت الفضائي “ستار لنك” من المحليات الشرقية؛ مما وضعها في عزلة تامة، وذلك بحسب ما نقلته مصادر محلية لـ(عاين).

وبحسب المصادر تسيطر الحركة الشعبية – شمال قيادة عبد العزيز الحلو تسيطر على المناطق شرق كادوقلي، حتى تخوم دلامي وبعض القرى التابعة للمحليات الشرقية، إلى جانب المناطق جنوب غرب كادوقلي حتى معقلها الرئيسي كادوا.

بينما سيطرت قوات الدعم السريع عبر معارك مشتركة مع الحركة الشعبية – شمال على عدة مناطق صغيرة شرق ولاية جنوب كردفان مثل خور الورل والفيض آدم عبد الله، حتى تخوم أبو كرشولا بالإضافة إلى سيطرتها القديمة على مثلث طيبة والدبيبات والحمادي في الجزء الشمالي من ولاية جنوب كردفان.

أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *