الجبال الغربية.. نجت من حرب جنوب كردفان وتحصد سلام ما بعد الثورة
لقاوة:3 مارس 2020م
يسأل “عبدالله توتو 56 عاماً، الطبيبة الصيدلانية داخل صيدليتها في مدينة لقاوة غربي السودان، عن بعض الأدوية التي يحتاجها عدداً من أفراد أسرته المقيمين داخل ما يعرف بالجبال الغربية في المناطق التي تسيطر عليها الحركة الشعبية لتحرير السودان-شمال، بقيادة عبد العزيز الحلو.
جمع “توتو” أدويته في حقيبة ورقية صغيرة، وخرج إلى بهو مجاور كان يركن فيه دراجة بخارية تحوى صندوقاً صغيراً في الخلفية وضع عليه العديد من مستلزمات أسرته الغذائية استعدادا لمغادرة سوق المدينة.
خط فاصل
أقل من عشر دقائق هي المسافة التي تستغرقها السيارة من قلب سوق مدينة لقاوة بولاية جنوب كردفان لوصول منطقة جبل الطرين وهي أول نقطة عسكرية تتبع لقوات الحركة الشعبية ومنها إلى بقية مناطق سيطرة الحركة الشعبية، وعلى بعد اقل من كيلومترين من نقطة ارتكاز قوات الحركة الشعبية تتمركز قوات الجيش السوداني.
“عبدالله توتو” بعد ان جمع حاجياته وهو يستعد للانطلاق إلى مقر اقامته داخل المناطق المقفولة، داعب في سوق المدينة عدد من معارفه، وتبادل السلام والتحايا مع آخرين ووعد بعضهم بالعودة خلال ايام للتسوق مجدداً. (عاين) سالت الناشط المدني في المنطقة عبد الرحيم مصطفى سعيد، بأن عودة توتو ستكون سالكة، وهل يأتي عادة اهالي المناطق المقفولة دون تعقيدات امنية للتسوق في مدينة لقاوة.
يجيب سعيد: في السابق-اي قبل سقوط نظام الرئيس المخلوع عمر البشير- كان ذلك شبه مستحيلاً، لكن بعد نجاح الثورة السودانية، اصبح هذا التواصل ممكناً بعد فتح بعض المسارات التي تربط بين المنطقتين، ويقول سعيد وهو يشير إلى مجموعة من الدراجات البخارية تقف في سوق – ويطلق عليها محليا (التكتك)- كل هذه الدراجات يملكها سكان في المناطق المقفولة الخاضعة لسيطرة الحركة الشعبية، هؤلاء المواطنين ياتي بعضهم للتسوق في ايام السوق بمدينة لقاوة، ومؤخرا أصبحوا يمدون السوق بمنتجاتهم الزراعية والحيوانية، ويأخذون بقية حاجياتهم الغذائية من المدينة.
اختراق شعبي
رسمياً لا اتفاق سياسي بين الحكومة الانتقالية في السودان، والحركة الشعبية حول هذا التواصل، لكن عسكريون يتبعون للجيش الحكومي التقتهم (عاين) في المدينة اكدوا ان توجيهات عسكرية من قيادة المنطقة امرت بتسهيل حركة السكان بين المنطقتين، لكن الناشط المدني، ورئيس مبادرة شباب من اجل لقاوة، عبد الرحيم مصطفى سعيد يقول، “كنا منذ سنوات ننشط في مسألة السلام المجتمعي والتعايش السلمي بين مكونات المنطقتين، وعليه ظللنا طوال السنين الماضية في تواصل شعبي مع عبر القيادات الاهلية في المنطقتين، وكانت أعياد الحصاد الموسمية أكبر تجمع لنا داخل مناطق سيطرة الحركة ويذهب نشطاء مدينة لقاوة جمعات لحضور الاحتفال ومخاطبته بالدعوات المتكررة للسلام وحرية التواصل بين الشعوب”.
ونجت مدينة لقاوة، ومناطق الجبال الغربية، مما يتعارف عليه بـ”الكتمة” في يوم 6-6-2011 تاريخ اندلاع حرب جنوب كردفان، بعد توترات بين حكومة الرئيس المخلوع عمر البشير حول انتخابات حاكم الولاية والترتيبات الأمنية الواردة في اتفاق السلام الشامل لعام 2005. الامر الذي سارعت على اثره القيادات الاهلية في المنطقتين بتوقيع ميثاق وعهد يرفض العودة مجددا للحرب في المنطقة.
منذ ذلك التاريخ، ورغم التوجس و التفلتات الامنية في المنطقة والتصعيد السياسي الذي كان في قمته بين حكومة المخلوع البشير والحركة الشعبية بقيادة الحلو، خاطرت المعلمة والناشطة المدنية في المنطقة، جواهر بالل برشم، في ترتيب زيارة لـ50 من القيادات الاهلية لدخول مناطق سيطرة الحركة الشعبية، ورغم قرب المسافة لكن الطريق كان وعراً ومحفوفاً بالمخاطر بالنسبة لجواهر ومرافقيها الخمسين، وتقول برشم لـ(عاين)، “نعلم انها مخاطرة كبيرة ان نذهب من ارض تحكمها حكومة باطشة الى معاقل جيش شعبي صارم، لكن ايماننا بالسلام المجتمعي والوصول اليه كان كبيراً ودافعاً لتجاوز صعوبات قد تصل لحد فقدان حياتنا”.
قاد ايمان، الناشطة جواهر برشم، بالسلام ومخاطرتها لاجئة الى تحقيقات مطولة بعد عودتها من جهاز الأمن السوداني قبل عام تقريباً من سقوط نظام البشير، وتقول “اجلسوني كالمجرم في مكاتبهم وأخذوا يسألوني بفظاظة عن العمل الذي قمت به وزيارة مناطق سيطرة الحركة.. قلت لهم هذا ايماني وايمان من كان معي بان السلام هو الذي يصنع لنا الحياة الكريمة وسنتواصل شعبياً، ونحن نقدر المواقف السياسية للاطراف“.
مشاهد من الداخل
بعد سقوط نظام البشير، استمرت برشم في زيارات متعددة للمنطقة، وهي تقود عدد من المبادرات المتعلقة بالسلام والتعايشي السلمي وتعمل الى جانب منظمات دولية في ذات الاتجاه داخل مناطق الحركة، وتشير الى نشأة أجيال من السودانيين بثقافات مختلفة بعد تلقى أبناء هذه المناطق تعليمهم بمناهج تعليمية من جنوب السودان وكينيا، لكن يبقى ذلك خيارهم بالنظر إلى الموقف السياسي والفكري المعلن للحركة الشعبية “الحلو” من الدولة الدينية في سودان ما قبل ثورة 19 ديسمبر.
وتقول برشم التي عاودت الزيارة لمناطق سيطرة الحركة قبل ايام، ان الطريق من مدينة لقاوة إلى منطقة تيما التي تمثل رئاسة الجيش الشعبي وعاصمة اقليم الجبال الغربية حوالى ساعتين ونصف، وطوال هذه المسافة المتعرجة بين الجبال صعوداً وهبوطاً، ترقد في حضن 9 جبال قرى مأهولة بالسكان وتدب فيها الحياة على فقرها، فالناس هناك، “محترمون ومحبون للسلام ويتطلعون اليه بشغف”، ومن اول نقطة عسكرية للجيش الشعبي في منطقة الطرين، تتعدد بعدها نقاط عسكرية اخرى في مسافات قريبة كمناطق نمر شاقو، تولوشي وراس الفيل وصولا الى منطقة تيما.
معابر ومتاريس
“المتاريس التي وضعتها حكومة المؤتمر الوطني المخلوع، هي مزالة الآن بأمر الشعب وثورته المجيدة”، بحسب ما يقول لـ(عاين)، رئيس تجمع شباب من اجل لقاوة، مصطفى سعيد، ويضيف، لكن ما زالت هناك تعقيدات في المنطقتين، فما زالت البضائع والمستلزمات الحيوية كالوقود والسكر والدقيق تحتاج لتصديق من جهاز المخابرات العامة، والاستخبارات العسكرية السودانية حتى تعبر الى مناطق سيطرة الحركة الشعبية”.
ويشير سعيد، إلى أنه مع تكوين الحكومة الانتقالية في البلاد تم فتح المعابر بصورة تدريجية لكن حتى الآن هناك ترتيبات تحتاج للمزيد من الترتيبات، ونحن نامل في تواصل اقتصادي شامل بيننا وبين رفاقنا في مناطق الحركة الشعبية. وقال ” نريد ان نتواصل ونتبادل السلع والمنافع داخل الوطن الواحد من دون اي هواجس واوراق رسمية والتخلى عن ما كانت تفعله حكومة المؤتمر الوطني المحلول والتي كانت تمنع اي صادر او وارد من المنطقة وتغلقها تماماً الا عن طريق التهريب”.
يبدي القيادي في قوى اعلان الحرية والتغيير، بمدينة لقاوة، خميس احمد، حماساً في ان تسبق عملية السلام الشاملة في جنوب كردفان والاتفاق السياسي عملية سلام اجتماعي “بيننا وبين إخواننا في الجبال الغربية”. “جربنا الحرب ولا يمكن ان نعود اليها.. كل المجتمع متفائل بسلام حقيقي واستقرار للناس الأمن والسلام “، يقول خميس لـ(عاين) ويضيف، ” بعد اندلاع الحرب بجنوب كرفان في 2011 جنبنا المنطقة الحرب كإدارات اهلية.. والآن الدور حكومي ورسمي ننتظر انها عملية السلام لننخرط لبناء سودان معافي”.