تأوي عشرات المرضى.. هل تصمد مراكز غسيل الكلى بولاية نهر النيل؟
عاين- 12 نوفمبر 2023
بعد خروج مركز غسيل الكلى بضاحية الكدرو بالعاصمة السودانية عن الخدمة ونهب قوات الدعم السريع لمخزون المركز من براميل الوقود، سافرت أسرة حسن عثمان عبد الخالق- 55 عامًا المريض بالكلى من منطقة قرّي المصفاة إلى مدينة شندي بحثًا عن مركز علاج مستقر.
رحلة عبد الخالق وأسرته التي بدأت في بواكير الحرب إثر توقف المنظومة الصحية عن العمل جراء اندلاع حرب 15 أبريل بين الجيش والدعم السريع نموذج لمعاناة يومية يعايشها الآلاف من مرضى الفشل الكلوي وعائلاتهم بالسودان للحصول على عناية طبية خارج ولايات النزاع ، ومع امتداد أشهر الحرب امتدت يد المعاناة لتشمل هذه المراكز بعد الضغط الهائل عليها.
يقول عبد الخالق لـ(عاين) إن الحرب عطلت افتتاح مركز لغسيل الكلى بمنطقة قرّي في الخرطوم، والذي كان سيوفر عليهم معاناة الذهاب أسبوعيا إلى منطقة الكدرو، لكنه الآن أصبح في حالة ترحال مستمر وفق ما تفرضه عليه ظروف وأوضاع المراكز.
تنقّل “عبد الخالق” ما بين مراكز ولاية نهر النيل في مدن شندي والكتياب وأخيرا مركز غسيل الكلى في عطبرة.
في الثالث من أغسطس الماضي، أطلق المركز القومي لأمراض وجراحة الكلى مناشدة عاجلة لإنقاذ مرضى الفشل الكلوي بالسودان والبالغ عددهم حوالي 8 آلاف، ويعزى ذلك إلى صعوبة الحصول على العلاج ونقص الخدمات وندرة الفرص في أماكن النزوح لتلقي خدمة الإستصفاء الدموي. وأشار إلى أن “الوضع ينذر بكارثة مالم تُمَدّ مراكز الكلى بالمعينات اللازمة لاستمرارها”.
وظلت أزمة مرضى الكلى في البلاد ماثلة طوال فترة ما بعد الحرب رغم وصول بعض الإمدادات الخارجية التي شملت غسلات الكلى وأدوية السرطان وتوزيع غسلات الكلى الخاصة بالولايات.
ومع دخول الصراع المسلح في السودان شهره السابع تواجه المستشفيات التي تعمل بإمداد شحيح في ظروف خدمية سيئة، وفي أغلب الأحيان بجهد الخيرين والمنظمات في ظل عجز الوزارة الاتحادية وحكومة الأمر الواقع في البلاد عن الوصول لحلول لمعالجة الأزمة الصحية الراهنة.
واضطرت نحو 6 مراكز لغسيل الكلى في ولاية نهر النيل بمدن (شندي، والكتياب، والدامر، وعطبرة، وأبو حمد، وبربر) للعمل بالطاقة القصوى تحت الضغط الذي فرضه الواقع الجديد على المراكز والمرضى النازحين وغير النازحين بأمر الحرب.
يعمل مركز غسيل شندي في ظروف أكثر تعقيدا من مثلائه في الولاية، بسبب تبعيته لوزارة التعليم العالي وهو مركز أنشئ في العام 2006، ويتبع إداريا لجامعة شندي.
المهندس الطبي بالمركز، مجاهد عوض يقول لـ(عاين)، إن “المركز يعمل 20 ساعة كافة أيام الأسبوع عدا الجمعة بمعدل 5 مناوبات غسيل في اليوم في ظل عدم توفر ملحقات الغسيل والمحاليل والمستهلكات الطبية الأخرى الأمر الذي يؤثر في الإنتظام في الغسيل”.
مجاهد يقول إن “المركز به 25 ماكينة غسيل تعطلت ماكينتان منها مؤخرا”.
وبحسب مركز الإحصاء شندي فإن العدد الكلي للمرضى بالمركز حتى سبتمبر بلغ 365 مريضًا، بينهم 150 مريض وافد من الخرطوم فيما سجل المركز 21 حالة وفاة.
في الأثناء، يؤدي العاملون بالمركز مهامهم تحت ضغط عال وهم وفق ما علمت (عاين) صرفوا 60٪ من مستحقات مرتب أغسطس لينقطع الإمداد المالي عنهم بعدها وحتى اليوم.
انعدام محلول الغسيل الرئيسي:
منتصف أكتوبر الماضي، أغلق مركز غسيل الكلى الدامر لمدة ثلاثة أيام لعدم توفر مستهلكات الغسيل وبودرة الماكينات، ثم عاد إلى العمل بخدمات ضعيفة.
” لأكثر من شهر كان يتم عمل غسلة واحدة في الأسبوع لجميع مرضى غسيل الكلى بمركز الدامر لجهة عدم توفر مستهلكات الغسيل”. تقول الممرضة بالمركز، رشا أحمد -رحمة الله- لـ(عاين). وتضيف: “المعضلة الحقيقية التي تواجه المركز هي انعدام الكلية الصناعية والبودرة التي يصعب توفيرها من الخارج بالإضافة إلى انعدام حقن الإيبركس المسؤولة من تصنيع الدم وحقن الهيبارين التي كانت متوقفة في الأصل من المركز منذ ما قبل الحرب”.
وتتابع: “هنالك بدرة منعدمة لنوع من الماكينات تدعى فريزينيوس ، فيما يواجه المراكز خطر انقطاع محلول الغسيل الرئيسي الدايليستيد ما لم يتوفر دعم خارجي قريب”.
وتشير رجمة الله، إلى أن مركز غسيل الكلى الدامر كان يعمل بعدد 15 ماكينة غسيل أصبحت 13 بعد خروج اثنتين عن الخدمة ، وهذا العطل تسبب في تقليص عدد المرضى من 45 إلى 39 يتم عمل غسيل لهم بمعدل 3 مناوبات في اليوم تستوعب الوردية الواحدة منها عدد 13 مريض.”
ووفقا لرحمة الله، فإن عدد الوافدين من الخرطوم من مرضى المركز 58 مريض تُعْمَل مناوبات لهم 4 أيام بداية ونهاية الأسبوع، بالإضافة إلى عدد من المرضى المحولين في بعض الأحيان من مركر شندي والكتياب.
19 حالة وفاة بمركز عطبرة:
مركز عطبرة ثاني أكبر مركز في ولاية نهر النيل، وأكثر المراكز التي تستقبل أعدادا من المرضى القادمين من الخرطوم والمحولين من مراكز ثانية في الولاية، لكنه رغم وضعه الجيد مقارنة مع مراكز كثيرة في السودان والولاية لم يسلم من الانتكاسة.
ووفقًا لمسؤولة قسم الإحصاء بالمركز، مروة يحيى إلياس، في مقابلة مع (عاين)، فإن عدد الوفيات حتى السابع من نوفمبر بلغ 19، وعدد المرضى الكلي به 259 بينهم 116 نازحاً.
ورغم النشاط الكبير الذي تشهده الولاية في القطاع الصحي والحملات الشعبية التي تطلق من أبنائها بين الحين والآخر لتوفير أدوية ومستهلكات غسيل الكلى لسد العجز الكبير، وتوسعة مركز غسيل الكلى بمستشفى عطبرة ليستوعب 60 مريض اضافي إلا أن مراكز الولاية التي يبدو حالها أفضل من مراكز كثيرة في السودان ظاهريا ما تزال تعمل فقط بجهد وتبرعات جهات شعبية.