مرضى الكلى في السودان.. أي مصير يواجهون؟  

عاين- 31 أكتوبر 2023

تضع الحرب الدائرة في السودان الآلاف من مرضى المواطنين الكلى في مواجهة الموت بسبب توقف مراكز العلاج الرئيسية في العاصمة الخرطوم، بينما تعمل بعض المراكز في الولايات بمستوى متدنٍ بسبب عدم أو انقطاع الإمدادات الدوائية الأمر الذي يهدد حياة المرضى.

وتعتبر المستشفيات والمراكز الصحية الواقعة خارج العاصمة السودانية الخرطوم هي الملجأ الأخير لآلاف المرضى بعد توقف عمل المستشفيات التي كانوا يتلقون فيها العلاج داخل الخرطوم العاصمة. لكن ومع استمرار القتال لنحو 7 أشهر فإن المستشفيات والمراكز الموجودة خارج العاصمة تكاد تحتضر أمام الصعوبات اللوجستية والأمنية التي تعيق وصول الإمدادات الطبية.

وسبق وقالت الأمم المتحدة إن أكثر من 60 مستشفى توقفت عن العمل في مناطق القتال، وهناك 29 مستشفى عرضة للإغلاق أيضا بسبب انقطاع التيار الكهربائي والمياه ونقص الأطقم الطبية.

ففي ولاية الجزيرة فإن المستشفى الوحيد المتخصص في أمراض الكلى بالسودان يواجه ظروفاً بالغة التعقيد في ظل ارتفاع أعداد مرضى الغسيل الدموي الكلوي من النازحين القادمين من مراكز ومستشفيات غسيل الكلى بالعاصمة الخرطوم التي توقفت عن العمل بسبب المعارك العسكرية بين الجيش وقوات الدعم السريع التي اندلعت منتصف أبريل الماضي.

وبحلول الأسبوع الأخير من يوليو الماضي، فإن نحو 460 من مرضى الفشل الكلوي في مدينة بورتسودان شرقي السودان يواجهون خطر الموت بسبب التدهور المريع لمركز غسيل الكلى وهو المركز الوحيد الذي يتلقى فيه المرضى الرعاية الصحية.

كيف حبست "كورونا" أنفاس الجزيرة؟

 

ويعاني المركز من نقص حاد في الأدوية وماكينات غسيل الكلى والمياه، تكدس أعداد المرضى وعدم خضوعهم لجلسات الغسيل اللازم، بينما بدأت الكوادر الطبية إضراباً عن العمل بسبب عدم تلقيها مستحقاتها المالية طوال 5 أشهر متواصلة.

لا يشعر المريض، عبد الحي إدريس، بالتحسن بعد أربع ساعات من خضوعه لغسيل الكلى بأحد المراكز الولائية المتخصصة في علاج مرضى الكلى. يقول إدريس، أنه يشعر أنها ساعة واحدة ويعزي ذلك لمشكلات ماكينات الغسيل مؤخراً والتي خرج بعضها من الخدمة بسبب عدم توفر الصيانة.

 منذ خمس سنوات يتردد عبد الحي إدريس، وهو مريض بالفشل الكلوي على مركز الجميح بمدينة الأبيض في ولاية شمال كردفان لتلقي الرعاية الصحية.

 يقول إدريس في مقابلة مع (عاين):” إن المرضى بالمركز واجهوا خلال الأسبوعين الماضيين عدد من المشكلات من بينها عدم توفر المياه العذبة المستخدمة في عملية غسيل الكلى”.

 وأفاد بأن عدم وجود المحاليل الوريدية أدى لأن يتحمل المرضى عبء شرائها بأموالهم الخاصة، كما أدى لتقليص عدد الغسلات من ثلاثة إلى غسلة واحدة في الأسبوع.

 وأشار إدريس، إلى وجود فوضى ضاربة بالمركز من حيث زيارات المواطنين واستخدام ثلاجات المرضى على نحو مزعج. ولفت إلى أن الوجبة التي يتم تقديمها لمرضى غسيل الكلى لا تطابق الروشتة الغذائية الموصوفة لهم من قبل اختصاصيي التغذية.

 وأكد إدريس، ضرورة قيام المركز بإجراء فحص الفيروسات قبل إخضاع المرضى لعملية غسيل الكلى منعاً لانتقال العدوى للمرضى الآخرين، مع ضرورة تخصيص ماكينات بعينها للمصابين بأمراض فيروسية.

ودعا إلى ضرورة صيانة ماكينات غسيل الكلى المعطلة حتى لا تخرج عن الخدمة والحيلولة دون تضارب مواعيد الغسلات مع مرضى آخرين.

 وانتقد إدريس البيئة العامة للمركز وإلزام المرضى بشراء معدات الغسيل، مثل “الشاش” والمحاليل الوريدية وإجراء الفحوصات الدورية من أموال المرضى الخاصة، الذين يعانون من المرض وعدم القدرة المالية.

تقليص عمليات غسيل الكلى 

المدير العام لمركز الجميح لغسيل الكلى بمدينة الأبيض بولاية شمال كردفان، يوسف حامد، يقول: إن “المركز يقدم خدمات الغسيل الدموي لمرضى غسيل الكلى المزمن والحاد كما يقدم خدمات العيادات المحولة مجاناً”.

وبحسب حامد، فإن المركز قبل الحرب ظل يقدم الخدمات العلاجية لأكثر من 200 مريض،  وعقب الحرب، زاد عدد المرضى الراغبين في العلاج بالمركز بسبب توافد النازحين من الخرطوم العاصمة والولايات الأخرى، ما أثر على عدد الغسلات التي يحصل عليها المريض أسبوعياً.

وأوضح حامد في مقابلة مع (عاين) أن المركز قبل الحرب كان يقدم غسلتين في الأسبوع لكل مريض على الرغم من أنها ليست كافية.

"كورونا" في السودان.. قاتل يجول بحرية

 وتابع: “مع تزايد عدد المرضى بات المركز يقدم غسلة واحدة في الأسبوع بدلاً عن غسلتين لمدة 6 ساعات مع وجود تقييم طبي للمرضى الذين يحتاجون الغسلتين”.

 وأكد حامد، خروج المركز عن الخدمة  لمدة أربعة أيام الأسبوع الماضي، بسبب ضعف الإمداد الدوائي مما أجبر المركز على تقديم خدمة الغسيل الطارئ فقط. وأشار إلى أن المركز عاد للعمل بعد استجلاب 500 غسله من  مدينة كوستي ليعود إلى تقديم خدمة الغسلة الواحدة.

 ويعتبر مدير مركز الجميح أن “غسلة” واحدة للمريض غير كافية، ويوضح:  على الأقل يجب أن تكون عدد مرات الغسيل للمريض خلال أسبوع غسلتين على الأقل.

 ويؤكد أن توقف ميزانية تسيير أعمال المركز بسبب الحرب أدى لعدم توفر القسطرة الدائمة والمؤقتة حيث يضطر المريض لشرائها ودفع رسوم تركيبها.

وفيات

وبحسب وزارة الصحة الإتحادية يوجد بالسودان نحو (8000) مريض غسيل كلوي يتلقون خدماتهم عبر حوالي (105)  مركز للغسيل الكلوي في كل ولايات السودان.

 كما يوجد حوالي (4,500) زارع كلى كذلك يتلقون علاجهم عبر مراكز تواجدهم بالولايات، تقول وزارة الصحة الإتحادية إن هذه الخدمات من غسيل كلوي أو أدوية تقدمها حكومة السودان مجاناً للمرضى بتنسيق مع المركز القومي للكلى عبر برنامج العلاج المجاني.

وقال بشرى محمد إبراهيم وهو مهندس بمركز الجميح أنهم يواجهون معاناة في تشغيل ماكينات الغسيل وتوفير الاسبيرات اللازمة للتشغيل.

 وأوضح في مقابلة مع (عاين) أن قطوعات الكهرباء المتكررة، فضلاَ عن عدم توفر الوقود هي التي تسبب مشكلات تشغيل ماكينات الغسيل.

ولفت إلى أن وجود مخازن اسبيرات الماكينات في العاصمة الخرطوم يمثل مشكلة بسبب صعوبة خروجها ودخولها لولاية شمال كردفان.  

وقالت النسيم عبد الحميد وهي ممرضة بمركز الجميح، في مقابلة مع (عاين) إن الحرب تسببت في تعب المرضى وأدت لشح أو انعدام معدات غسيل الكلى والمحاليل والأدوية المنقذة للحياة.

وأشارت إلى أن انعدام الأمن وصعوبة المواصلات يجبران عدد من المرضى على قطع غسلاتهم حتى يتمكنوا من الخروج من المركز والوصول لمنازلهم في وقت مناسب.

 وأكدت أن العاملين في المركز يجدون صعوبة في الوصول للمركز بسبب الظروف المالية السيئة التي يمرون بها وأضافت: “يجاهد العاملون في الوصول للمركز، لا يمكننا ترك المرضى والمكوث في المنازل.. إن المرضى مسئوليتنا إنهم همنا الأول والأخير.

 ومع انعدام المحاليل الوريدية والحقن والأدوية المنقذة للحياة والأوكسجين فإن العاملين في المركز يجاهدون لتوفير هذه الغسلة الواحدة للمساهمة في إنقاذ أكبر عدد من المرضى. تقول النسيم وتضيف: “مؤخراً توفي عدد كبير من المرضى بسبب المضاعفات الصحية التي يسببها عدم الخضوع لغسيل الكلى”.

"كورونا" في السودان.. قاتل يجول بحرية

وعلى الرغم من صعوبة حضورها كل يوم للمركز فإن النسيم تؤكد أنها تحرص من أجل الحضور لتقديم الخدمات الصحية للمرضى.

أما محمد عبد الرحمن، وهو أحد المرضى الذين يتلقون العلاج بمركز الجميح ويخضع لعملية غسيل الكلى منذ 8 سنوات، يقول إنه كان يخضع لعملية غسيل كلى مرتين من كل أسبوع إلا أنه بعد الحرب بات يخضع لعملية غسيل واحدة  كل أسبوع.

يقول عبد الرحمن، في مقابلة مع (عاين) إن توقف العمل بالمركز لمدة أربعة أيام سببه نقص الإمدادات الدوائية وهو الأمر الذي أثر عليهم كمرضى تأثير كبير.

وناشد عبد الرحمن القائمين على أمر الولاية والسلطات الحكومية، العمل على توفير عدد غسلات كاملة للمرضى، وأوضح أن غسلة واحدة في الأسبوع لمريض الكلى غير كافية.

سمير أمين زيدان، وهو مريض آخر يتلقى علاجه بمركز الجميح ، يقول في مقابلة مع (عاين): إن الحرب وويلاتها تسببت في توقف الإمداد الدوائي القادم للمركز ما أدى لتوقفه عن العمل لعدة أيام.

وبحسب زيدان فإنه لم يعد يشعر بالتحسن بعد إجراء عملية غسيل الكلى مؤخراً كما كان يفعل في السابق. ويقول: أشعر أن الغسيل بات غير مجدي.

من جانبها فإن وفاء عبد الله، وهي ممرضة بمركز غسيل الكلى بمدينة بورتسودان شرقي البلاد، تقول إن نقص عدد مرات الغسيل الأسبوعية لمرضى الكلى يؤدي لتدهور اوضاعهم الصحية  مما يؤدي للموت. وأكدت أن مريض الكلى يحتاج من (2) ــــ (3)  “غسلات” من كل أسبوع.

وأوضحت عبد الله، أن مركز غسيل الكلى بمدينة بورتسودان، توقف عن العمل الثلاثاء الماضي بسبب عدم توفر سيور الغسيل.

وتابعت: “على الرغم من وصول 600 سير للمركز في اليوم التالي إلا  أنها تكفي لمدة أسبوعين فقط مما يشير إلى توقف العمل عن المركز مرة أخرى”.