(عاين) جبل مرة: اختطاف مواطنين بواسطة مليشيات مسلحة

(عاين) توثق من شرق جبل مرة اختطاف مواطنين بواسطة مليشيات مسلحة طلبا للفدية

تقرير: عاين 24 ديسمبر 2019م

أمضى الطفل “عمر عبدالله عمر”، (٦) أشهر وعشرة أيام خلال العام 2018 مختطفاً من قبل مليشيات مسلحة من بلدة “بلي السريف” في إقليم دارفور المضطرب غربي السودان، ولا يعلم “عبدالله” كل هذه الفترة الأسباب التي قادت المسلحين لاختطافه مع قريبه قبل أن يتمكن من الهرب ويعلم لاحقاَ ان الغرض من اختطافه طلب فدية مالية من عائلته. 

“عاين” التقت عمر عبدالله وأسرته وتحدثت اليهم عن حادثة الاختطاف التي تعد استمرار لحالات أخرى في بلدتهم التي تقع في منطقة تعد حدودية تبعد نحو 10 كيلومترات بين المناطق الخاضعة لسيطرة الحركات المسلحة والحكومة في منطقة شرق جبل مرة. حادثة اختطاف عمر عبدالله عمر ليست الوحيدة في تلك القرية المنكوبة اذ تعرض سكانها لحالات اختطاف مماثلة في أوقات سابقة وصلت الى 75 حالة خلال العام الفائت -وفقا لاحصائيات قيادات اهلية ونشطاء مدنيين في المنطقة- من قبل المسلحين، منطقة حدودية 

وتبعد منطقة (بلي السريف) نحو 155 كم شمالا من حاضرة ولاية جنوب دارفور مدينة نيالا التي تتبع لها اداريا، وتسكن المنطقة نحو 450 اسرة عادوا طواعية إليها بعد أن وقعت مجموعة من أبناء المنطقة انشقت عن حركة تحرير السودان جناح عبدالواحد محمد نور اتفاقية سلام مع حكومة جنوب دارفور، بمسمى حركة تحرير السودان القيادة التاريخية بقيادة ابن المنطقة الدكتور عثمان ابراهيم في العام 2011. 

طلب فدية 

تعود تفاصيل حادثة الاختطاف الي العام الماضي عندما هاجم مسلحون مجهولون ‘مر عبدالله وعددا من أفراد أسرته في القرية واقتادوهم الي مناطق شرق جبل مرة. ويروي عمر كيف تعرضوا للتعذيب من قبل المليشيات المسلحة. “هاجمنا مسلحين انا وخالي آدم أحمد وهددونا بالقتل وقاموا بربط ايدينا وارجلنا بسلاسل حديدية وعصموا اعيننا واقتادونا معهم” يقول لـ(عاين)، الطفل عمر عبدالله، ويضيف ” اخبرنا الخاطفين بعد مضي ايام  ان ابناء عمومتنا في الحركات المسلحة استولوا على ماشية تتبع للمسلحين وذهبوا بها الى اعلى الجبل في منطقة سيطرتهم والتي يصعب الوصول إليها وأنهم في حال لم ترد الماشية لن يعودا الى اهلهم مرة اخرى، وحينها كانوا يفعلون بنا شتى انواع التعذيب الأمر الذي أدي الى شلل في يده و رجله اليسرى”.

يقول “عمر”،  بعد 45 يوماً تمكن خالي من الهرب، ليخبر عائلتي بحالتي الصحية السيئة، ومع ذلك كان الخاطفين يطالبون بفدية مقابل اطلاق سراحي، لكنهم فقدوا الامل بعد ان تدهور حالتي الصحية وأتوا بي في مكان قريب من المزرعة التي اختطفوني منها وأخبر أحد الخاطفين عبر الهاتف عائلتي بمكاني، ويضيف ” بعدها نقلتني أسرتي للعلاج بمدينة (نيالا) عاصمة ولاية جنوب دارفور، الا ان الطبيب نصح عائلتي بتحويلي إلى العاصمة الخرطوم للعلاج لخطورة الأمر”.

حزن 

والده عبدالله يقول لـ(عاين)، إن اختطاف ابنه تسبب له في انقطاع عن التعليم بعد ان قضى اكثر من اربعة أشهر في الاختطاف ومثلها في مقابلات الطبيب للعلاج و إنهم أنفقوا كل ما لديهم من مال والى هذه اللحظة علاجه لم يكتمل بعد. فيما اعترت والدته فاطمة آدم حالة من الحزن وهي تحكي لـ(عاين)، الظروف التي مرت بها الأسرة بعد اختطاف ابنها الوحيد وأنها حاولت كل السبل لإعادته الى حضن الاسرة، إلا أن كل محاولاتها لم تكلل بالنجاح. والدته “فاطمة” تقول لـ(عاين)، أن حالة الأسرة ازدادت سوءا خاصة بعد أن رجع خاله الذي تمكن من الهرب واخبرهم بوضع عمر الصحي وتعرضه للشلل وانه لا يستطيع الحركة، في وقت كنا عاجزين عن دفع مبلغ الفدية وأن أعمالنا كلها توقفت و مزارعنا تعرضت للتلف بسبب انشغالنا باختطاف ابننا”. 

اختطاف بزي عسكري 

الاداري الأهلي في المنطقة، محمد مصطفى أحد الذين شملتهم ظاهرة الاختطاف في العام الماضي. و يروي محمد مصطفي لـ(عاين)، قصة اختطافه ويقول   هو ايضا اختطفته الميليشيات المسلحة التي داهمت منزله في الصباح الباكر بعربتين لاندكروزر مدججة بالسلاح قدرهم بنحو ٣٠ مسلحا يرتدن الزي العسكري يقولون انهم يتبعون ل(قوات الدعم السريع) (بحسب قوله)، يدعون بأن أهالي المنطقة قاموا بسرقة أبقارهم، لافتا أنهم أمروه بالذهاب معهم إلى قيادة الجيش بمنطقة (دوبو المدرسة) القريبة من المنطقة لكنه لا يعلم أن ذلك كان مكيدة لاختطافه، و اقتادوه رهينة.

وقال محمد مصطفى، إنهم قاموا بعصب عينيه وتقييده بسلاسل حديد لفترة تجاوزت الشهرين مضيفا أنهم هددوه بالقتل وقتل عشرون شخصا من منطقته حال لم تعد ابقارهم أو دفع قيمتها عن طريق (الفدية) لافتا الى أنه بعد خمسة واربعين يوما من الاختطاف اضرب عن الطعام لستة أيام وتدهورت حالته الصحية، مما دفعهم لفك السلاسل وبعدها تمكن من الهرب ليلا حتى وصل منطقة (دوبو العسكرية) الذين قاموا بإسعافة ونقله الى مدينة نيالا . وكشف محمد مصطفى ان ابنهم حامد عيسى لازال مختطفا لدى المليشيات منذ اربعة أشهر لا يعلمون مكانه إلا أنه أشار ان الجهات الخاطفة طالبتهم بدفع فدية أو استرداد ابقار  تمت سرقتها. وأشار  مصطفى، الى ان المليشيات تقوم بالاختطاف وهم رجال مدججين بالسلاح على ظهور العربات والدواب وليس لهم موقع ثابت يرتكبون الجرائم ويتجولون حول المنطقة وليس لهم قيادة معروفة حتى يتم التعامل معها والاغرب من ذلك أنهم يرتدون الزي العسكري.

(عاين) توثق من شرق جبل مرة اختطاف مواطنين بواسطة مليشيات مسلحة طلبا للفدية
أحصى مؤتمر للصلح والسلم الاجتماعي بمحلية “شرق الجبل” في ولاية جنوب دارفور من العام الماضي (٢٨) حالة اختطاف شهدتها المنطقة لمواطنين كرهائن لدى مليشيات مسلحة

عشرات الحالات 

وحالة اختطاف “عمر ” وقريبه، ليست الوحيدة في البلدة، ويقول القيادي الأهلي في منطقة بلي السريف، حسب الكريم محمد، وهي وحدة ادارية بشرق جبل مرة  أن حالات الاختطاف وصلت إلى (٧٥) حالة في عام 2018، وقال لـ(عاين)،  “بعض المختطفين تم إطلاق سراحهم مقابل فدية مالية وصلت أكثر من مليون جنيه للفرد الواحد في بعض الحالات، بينما بعض المختطفين فروا هاربين وآخرين لازالوا رهن الاختطاف”.

فيما أحصى مؤتمر للصلح والسلم الاجتماعي بمحلية “شرق الجبل” في ولاية جنوب دارفور من العام الماضي (٢٨) حالة اختطاف شهدتها المنطقة لمواطنين كرهائن لدى مليشيات مسلحة، كان (٨) منهم، بينهم طفلين، قيد الاحتجاز حتى نهاية المؤتمر تم إخلاء سبيلهم لاحقا عن طريق الفدية وهروب آخرين.

وأشار الى ان عمليات الاختطاف وسط مواطني المنطقة تصحبها وقائع تعذيب  من قبل رجال المليشيات وتعد الاحصائية كأكبر رقم يشهده إقليم دارفور خلال السنوات الماضية، مضيفا في مقابلة مع (عاين)، “لازال سكان المنطقة يدفعون فاتورة الحرب التي لم تتوقف حتى بعد سقوط نظام الرئيس المخلوع عمر البشير في الرابع من ابريل الماضي، الذي أطلق العنان للمليشيات التي تقاتل معه لضرب المجموعات السكانية التي تدعم الحركات المسلحة بعد أن رفعت الاخيرة السلاح ضد نظامه”.

يقول آدم هرون أحد مواطني المنطقة ل (عاين)أنه عندما يحدث نهب او سرقة ماشية من الرعاة في شرق جبل مرة عموما ويصعد الجناة بها الى قمة الجبل ولم يتمكن أصحابها من استردادها من الجناة يعودون ويأخذون المزارعين العزل أسفل الجبل رهائن على خلفية أن أبناءهم في المعارضة استولوا على ماشية الرعاة، وانهم يأخذونهم رهائن حتى يرد عناصر الحركات المسلحة الماشية أو يقتلوهم حتى لايحاول عناصر المعارضة نهب الماشية مرة أخرى.

المحامي جمال ضحاوي من هيئة المحاميين الديمقراطيين يقول  أن ملف الاختطاف في دارفور لابد أن يفتح ويجد حظه من العدالة خاصة بعد تفكيك مؤسسات المؤتمر الوطني التي كانت تتستر على جرائم الاختطاف الممنهج الذي ظل يرتكبه أفراد ومجموعات نظام الرئيس المخلوع عمر البشير، في حق مواطني دارفور خاصة مناطق شرق جبل مرة. ودعا ضحاوي في مقابلة مع (عاين) كل الذين تعرضوا للانتهاكات مثل الاختطاف عليهم إيصال شكاويهم للعدالة دون تخوف من العواقب وانه شك أن العدالة ستكون بجانبهم.