أبو عاقلة كيكل .. هل يصنع الجيش السوداني (حميدتي) آخر؟

عاين- 26 مارس 2025

من مجموعة مسلحة في جبال الغر بسهل البطانة شرقي السودان، إلى تصدر المشهد العسكري والسياسي في البلاد، تحولات توري مسيرة ثلاث سنوات لقوات درع السودان وقائدها أبو عاقلة كيكل، الذي يتصاعد نفوذه يوماً بعد الآخر بفضل قتاله خلال الفترة الأخيرة الماضية إلى جانب الجيش، وما تبعه من تغيير في خارطة السيطرة الميدانية للحرب.

نفوذ كيكل المتصاعد يشكل مصدر قلق إلى بعض التيارات السياسية والعسكرية المتحالفة مع الجيش السوداني، لا سيما الحركة الإسلامية التي أظهرت تخوفاً من أن يشكل عقبة في طريق انفرادها بالمشهد والحكم في البلاد، فبرزت ملامح من الخلاف بينهما وصلت حد الملاسنات العلنية على وسائل التواصل الاجتماعي.

خلافات مماثلة أطلت برأسها كذلك بين كيكل والحركات المسلحة التي ينحدر قادتها ومقاتلوها من إقليم دارفور “القوة المشتركة” مما يعيد إلى الأذهان الأيام الأولى لتأسيس قوات درع السودان في ديسمبر من العام 2022م، إذ أظهرت وقتها العداء للحركات المسلحة، وطلبت إلغاء اتفاقية جوبا للسلام، والتي شاركت بموجبها تلك الحركات في هياكل السلطة الانتقالية.

تصاعد الخلاف وسط حلفاء الجيش حتى قبل حسم المعركة مع قوات الدعم السريع، يكشف ملامح مرحلة ما بعد الحرب الحالية، والتي ربما يكون من بين سيناريوهاتها صدام جديد بين تحالف اليوم، والذي تمتلك جميع أطرافه قوات مسلحة في ظل انتشار واسع للسلاح، الأمر الذي يدعم فرضية حلول مرحلة أخرى من العنف والاضطراب، وفق ما أجمع عليه محللون تحدثوا مع (عاين).

محور الصدام

مرحلة الاضطراب المحتملة، يرجح أن يكون محورها قائد قوات درع السودان أبو عاقلة كيكل، حيث يجري تشبيه ظاهرته بقوات الدعم السريع، لما تجمعهما من قواسم مشتركة، أبرزها النفوذ العسكري المتصاعد والأطماع في السلطة والوقوف كعقبة أمام عودة نظام الحركة الإسلامية التي أنشأتهما إلى الحكم مجدداً، رغم أن كيكل لم يعلن ذلك صراحة حتى اللحظة، كما أبدى استعداده لتسليم سلاحه للجيش بمجرد انتهاء الحرب.

على خلاف الحركة الإسلامية يظهر قائد الجيش عبد الفتاح البرهان دعمه الواسع إلى قوات درع السودان وقائدها أبو عاقلة كيكل

غير أن ما يضمره كيكل في أجندته لما بعد الحرب، تكشف عنه حالة القلق وسط التيارات الإسلامية، وبدأت أذرعها الإعلامية مهاجمته بقوة، رغم أدواره الميدانية التي غيرت خارطة السيطرة العسكرية إلى صالح القوات المسلحة سريعاً، وفي مقابل ذلك أظهر قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، دعمه الواسع إلى قوات درع السودان وقائدها أبو عاقلة كيكل في سياق الاصطفاف الحاصل، بصورة مشابهة لما كان يفعله مع قوات الدعم السريع، فهل أنجب رحم الجيش “حميدتي” آخر؟

“يوجد تشابه كبير بين حالتي كيكل وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان حميدتي في البدايات وربما النهايات، فكلاهما من صنع حزب المؤتمر الوطني الحاكم، وما يجري حالياً وسط حلفاء الجيش يعكس خلاف تيارات داخل المؤتمر الوطني، ربما تكون عواقبه انشقاقات ونذر حروب جديدة في البلاد”، يقول نائب الأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي، د. محمد بدر الدين لـ(عاين).

قوات درع السودان

وبالنسبة إلى بدر الدين، فإن مستقبل العلاقة بين هذه التيارات تحدده الإجابة عن السؤال الصعب، وهو هل ستخضع كل هذه الفصائل المسلحة بما فيها كيكل إلى الجيش السوداني وتندمج بداخله؟

ويرى بدر الدين، أن كيكل يعيش حالة فترة “شهر العسل” مع النظام الذي هو جزء منه، فقد أسسه المتحدث السابق للقوات المسلحة الصوارمي خالد سعد، وما يجري الآن يعكس ربكة داخل أروقة المؤتمر الوطني في كيفية التعاطي مع الواقع الحالي، وربما نشهد انشاق قادة ومواجهات، ما لم يتمكن الجيش كمؤسسة من إخضاع كل الفصائل المسلحة إلى داخله.

انطلاق درع السودان

تشكلت قوات درع السودان بعد أيام قلائل من تأسيس قوة “كيان الوطن” بواسطة المتحدث الرسمي السابق للقوات المسلحة الصوارمي خالد سعد ومعه ضباط متقاعدون عقب انقلاب قائد الجيش عبد الفتاح البرهان على الحكومة الانتقالية، وفي يوم 27 ديسمبر 2022 أعلن أبو عاقلة كيكل عن نفسه قائدا لدرع السودان من جبال الغر في سهل البطانة شرقي السودان، وبدأ يتحرك بقواته في حرية إلى أن وصل تخوم العاصمة عند منطقة حطاب شمال الخرطوم، دون أن يعترضه الجيش.

وفي ذلك الحين اتهمت دوائر سودانية قوات درع السودان التي أعلنت أن عدد مقاتليها 35 الف، بأنها جاءت كامتداد لقوة “كيان الوطن” التي اختفت من المشهد سريعاً، بتدبير من الاستخبارات العسكرية التابعة للجيش بغرض إحداث توازن في ملف الترتيبات الأمنية مع الحركات الموقعة على اتفاقية جوبا للسلام، وكذلك بهدف مواجهة ارتفاع نفوذ قوات الدعم السريع.

وبحسب معلومات حصلت عليها (عاين) في وقت سابق، فإن قائد قوات درع السودان أبو عاقلة كيكل كان ضابطاً في الجيش السوداني، ووصل حتى رتبة الرائد قبل إحالته للتقاعد، وشارك بفاعلية مع القوات المسلحة في حربها ضد الحركات المسلحة في إقليم النيل الأزرق وجنوب شرق البلاد، ويعتقد بأنه كان حلقة وصل في تزويد حلفاء نظام المؤتمر الوطني المعزول في الدول المجاورة بالأسلحة.

تهمة التخابر

ولم يمض طويلا اندلعت الحرب، وفي أغسطس من العام 2023م أعلن كيكل انضمامه إلى قوات الدعم السريع، وظهر في مقاطع مصورة مرتدياً زيها العسكري محاطًا بعشرات الجنود وسط أناشيد حماسية، وقال إنه انضم للدعم من أجل المهمّشين ولمحاربة “الكيزان”، وشارك معها في تمدد الحرب إلى ولايتي الجزيرة وسنار أواسط السودان.

قوات الدعم السريع اكتشف ولاء كيكل للجيش قبل انسلاخه منها، لكنها قررت عدم مواجهته خشية التصعيد في المنطقة

 مصدر عسكري لـ(عاين)

وخلال تلك الفترة لاحقته اتهامات بالتخابر مع الجيش، وخصصت استخبارات قوات الدعم السريع الضابط وليد وحل للتقصي من ذلك، والذي توصل إلى وجود علاقة تربط قائد قوات درع السودان مع القوات المسلحة، لكنها قررت عدم مواجهته خشية التصعيد، وفق ما نقلته مصادر عسكرية لـ(عاين). وفي أكتوبر 2024 انشق كيكل، وانضم إلى القتال مع الجيش، وقال إن السبب هو استمرار قوات الدعم السريع في النهب والانتهاكات.

الصلة القديمة لكيكل بالجيش، أكدها قائد القوات المسلحة عبد الفتاح البرهان خلال لقاء جماهيري منتصف مارس الجاري، عندما قال “لقد بدأنا كلام زمان قبل الحرب مع كيكل؛ لأننا كنا ندرك أن البلاد مقبلة على شيء، فحدثت مستجدات، لكن الآن ما ضاع شيء الرجال والسلاح موجودون، والعدو موجود”.

“خيوط كثيرة تربط أبو عاقلة كيكل باستخبارات الجيش، ومن الواضح أنه انضم إلى قوات الدعم السريع في وقت سابق في سياق خديعة استراتيجية نفذها الجيش، كما أشارت بعض الأصوات من جنود الدعم السريع لاحتمال تورطه في الإرشاد بمكان قائد الدعم السريع في سنار عبد الرحمن البيشي الذي تمت تصفيته بطائرة مسيرة، لذلك فإن كيكل أشد ارتباطاً بالمطبخ العسكري والقائد العام للجيش عبد الفتاح البرهان بشكل شخصي ومباشر، مما يجعله في وضعية مختلفة عن حميدتي” يقول الصحفي والمحلل السياسي وائل محجوب لـ(عاين).

وبحسب وائل، فإن النفوذ المتصاعد لكيكل يأتي نتيجة للانقلاب الذي أحدثه في موازين القوى لصالح الجيش بانتصارات عسكرية في وسط السودان والعاصمة الخرطوم، وأن مسألة إعادة تقديمه وتقييمه مرتبطة بالامتنان للأدوار الكبيرة التي قام بها.

حصل كيكل على دعم بالمال والمقاتلين مواطني البطانة وشرق الجزيرة بالأموال والمقاتلين، مما أتاح له فتح مراكز للتجنيد ومقرات عسكرية

 مصدر محلي

وتصاعد نفوذ كيكل بعد التفاف واسع حوله من المكونات الأهلية في شرق ووسط السودان خاصة منطقة سهل البطانة بولاية القضارف، وشرق ولاية الجزيرة حيث دُعِم بالمال والمقاتلين.

وقال مصدر أهلي محلي لـ(عاين): إن “أبناء تلك المناطق المغتربين في الخارج والتجار في الداخل فتحوا حملة تبرعات مالية لدعم قوات درع السودان”، لافتاً إلى جمع أموال طائلة حيث بلغ تبرع أصغر قرية في البطانة وشرق الجزيرة 100 الف ريال سعودي، فهم ينظرون إليه كحامي لهم وأنقذهم من انتهاكات قوات الدعم السريع.

ووسع كيكل نشاطه التعبوي والاستقطاب وسط الأهالي في كل المناطق التي تعتبر حاضنة اجتماعية له، كما افتتح رسميا مركز للتجنيد لصالح قوات درع السودان في منطقة حلفا الجديدة بولاية القضارف الشهر الحالي، إلى جانب مقرات في عدد من المدن وفق المصدر، وهي تحركات أثارت مخاوف تنظيم الحركة الإسلامية الذي بدأت واجهاته الإسلامية في مهاجمة كيكل.

 وحدد المحلل السياسي فائز السليك سببين لمهاجمة الإسلاميين لكيكل، الأول هو علاقته مع الدعم السريع والمحمولات الأخلاقية المرتبطة بمجازر الجزيرة ذهابا وإيابا؛ لأنه ينسف مزاعمهم حول أنهم يحاربون حميدتي بسبب الانتهاكات والجرائم؛ مما يسقط ورقة التوت، ويعري المزاعم الحقوقية التي تحولت إلى أوراق سياسية.

السبب الثاني وفق السليك الذي تحدث لـ(عاين) هو أن الإسلاميين يريدون أن يكونوا هم القادة وعيونهم مفتوحة تجاه ما بعد الحرب حيث يجعل الوضع الحالي قوات كيكل منافساً لهم على السلطة، وستحدث المواجهة متى ما توقفت الحرب ما لم يتمكنوا من ترويضه.

عدم انتماء كيكل ايدلوجيا للحركة الإسلامية، وخشية من ارتباطات خارجية دفعت الإسلاميين لمواجهته، لأنه يهدد بإجهاض مشروعهم السياسي

 المحلل السياسي عروة الصادق

من جهته، يشير المحلل السياسي عروة الصادق إلى أن صعود أبو عاقلة كيكل وقوات درع السودان، ليس مجرد ظاهرة عابرة، بل تعبير صارخ عن انهيار المؤسسة العسكرية السودانية وتحلل فكرة الدولة، وهو برز كقائد ميداني في قلب المعارك مع الدعم السريع قبل أن ينقلب عليه، يستمد قوته من تحالفات قبلية متجذرة في البطانة وشرق الجزيرة، ومن فراغ تركه الجيش.

ويقول عروة في مقابلة مع (عاين): إن “صعود كيكل ليس وليد عبقرية استراتيجية، بل نتاج طبيعي لتفتت السلطة المركزية وتحولها إلى كيانات شبه عسكرية تتغذى على الانقسامات الاجتماعية، وأفلحت الاستخبارات العسكرية في استثماره كواجهة قبلية حققت التفافا حولها.

قائد الجيش السوداني

ورأى أن المقارنة بين قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان حميدتي وكيكل مشروعة إلى حد ما، مع وجود فروقات، فالأول استطاع بناء إمبراطورية عسكرية ومالية وارتباطات خارجية على مدى عقود، بينما لا يزال الأخير في طور التكوين، لكن يمكن أن يكون “حميدتي جديداً” إذا استمر الجيش في التخلي عن دوره كحامي السيادة الوطنية.

وبالنسبة لعروة، فإن ثلاثة أسباب وراء قلق الإسلاميين من كيكل، الأول هو لا ينتمي إلى أيديولوجيتهم، بل يعتمد خطاباً قبلياً وإقليمياً يُضعف قبضتهم على الجيش كأداة لعودتهم إلى السلطة؛ والثاني صعوده يكشف عجزهم عن السيطرة على القادة الميدانيين الجدد، مما يُهدد بإعادة تشكيل الجيش بعيداً عن نفوذهم التاريخي، أما السبب الثالث أنهم يخشون أن يكون كيكل مدعوماً من أطراف إقليمية معادية لهم، كمصر أو غيرها، مما يجعله رأس حربة لإجهاض مشروعهم السياسي.

 فيما يرى المحلل السياسي وائل محجوب أن غضب الإسلاميين من قوات درع السودان وهجومهم على قائدها كيكل، السبب الرئيسي فيه هو تصورهم أنه احتل مكانا كانوا هم الأحق به، ولقناعتهم بأنه سيؤدي دورا قادما في مواجهتهم، وفي تعديل ميزان القوى لصالح الجيش وقائده.