الحرب تقترب من تدمير أكبر منشأة نفطية في السودان
عاين- 25 يونيو 2024
مساء 20 يونيو الجاري شاهد سكان العاصمة السودانية تصاعد الدخان والنيران من منطقة مصفاة النفط في الخرطوم بحري عقب هجوم عسكري نُفذ قرب هذه المنشأة الواقعة تحت سيطرة الدعم السريع منذ 14 شهراً.
وتسيطر هذه القوات على مصفاة الخرطوم الواقعة على بعد 70 كيلومتراً شمال العاصمة السودانية بمنطقة الجيلي. وطالت الخسائر بعض الوحدات الفنية كما نُهبت بعض الأجهزة الحيوية وفق معلومات أدلى بها عاملون في قطاع النفط.
ورغم آمال الدعم السريع المتعلقة بالحصول على إمدادات منتظمة من الوقود بالاعتماد على المصفاة، إلا أن الإنتاج توقف من الحقول التي كانت تغذي المصفاة عبر الأنابيب وصولاً إلى شمال العاصمة عقب سيطرة قوات “حميدتي” على مناطق بليلة والفولة غربي البلاد الغنيتين بالنفط فيما ترجح مصادر أخرى حصول الدعم السريع على آلاف الأطنان من الوقود الذي كان في المستودعات الرئيسية قرب المصفاة.
توقف سلاسل الوقود
ويقول عاملون في قطاع النفط إن محيط مصفاة الخرطوم، تضم مستودعات عملاقة للوقود وهي المرافق الاستراتيجية المملوكة لوزارة الطاقة والنفط، وكانت توزع منها سلاسل الوقود إلى جميع أنحاء البلاد.
أُنْشِئَت مصفاة الخرطوم في العام 1997 بشراكة بين الشركة الوطنية الصينية والحكومة السودانية التي كان يهيمن عليها نظام البشير وقتئذ ودخلت حيز الإنتاج في العام 2000.
ونهاية العام الماضي تبادل الجيش السوداني والدعم السريع الاتهامات بشأن تدمير مصفاة الخرطوم على خلفية قصف جوي ومدفعي طال محيط المنشآت الحيوية.
وفي أواخر مايو الماضي اضطر الجيش إلى التراجع من تخوم مصفاة الخرطوم شمال العاصمة السودانية وفضل البقاء في حدود ولاية نهر النيل المتاخمة للخرطوم بحري وكانت مخاوف من أن تؤدي الاشتباكات إلى تدمير المصفاة.
مدنيون وسط النيران
ورغم دخول الحرب في شهرها الـ 14 لا تزال فرق الإطفاء التابعة للمصفاة تعمل في مكافحة الحرائق الناتجة عن القصف الجوي والمدفعي وفي 20 يونيو الجاري تمكنت هذه الفرق من إطفاء النيران التي اندلعت في وحدة مركزية في قرب التوصيلات المعدنية للمصفاة.
ويقول الوكيل الأسبق بوزارة الطاقة والنفط حامد سليمان حامد إن المعلومات المؤكدة تشير إلى المصفاة تعرضت إلى ضربة قوية أثرت في وحدة بجسم المصفاة مساء 20 يونيو الجاري.
ويضيف سليمان لـ(عاين): “تعرضت المصفاة لضربة عسكرية يوم 20 يونيو الجاري، وتصاعدت أعمدة كثيفة وحجم الضرر غير معروف وطرفي الحرب يتبادلان الاتهامات كالمعتاد”.
وفي محيط المصفاة هناك مصنع للبتروكيمياويات للصناعة البلاستيكية في السودان وهو المصنع الوحيد في البلاد إلى جانب مجمع قرّي الحراري لتوليد الكهرباء ومحطة الضخ الخام القادم من جنوب السودان وحقول النفط ومستودعات عملاقة للغاز ووقود الديزل كما يضم محيط المصفاة مساكن العاملين، إذ يوجَد المئات للحفاظ على هذه المنشآت الحيوية في ظروف أمنية بالغة التعقيد.
مسؤول سابق: أصول مصفاة الخرطوم تقدر قيمتها بـ 1.5 مليار دولار.
ويرى الوكيل الأسبق لوزارة الطاقة والنفط حامد سليمان حامد أن هذه المواقع تعتبر “مجمع الطاقة الحيوية” على مستوى البلاد ومصفاة الخرطوم وحدها تقدر قيمة أصولها بـ 1.5 مليار دولار.
ويقول سليمان إن حجم الأضرار في المصفاة لم يصل إلى مرحلة الدمار الكامل، لكن هناك خوفاً من تحول المصفاة إلى أرض محروقة جراء المعارك العسكرية.
ويضيف: “مصنع البتروكيماويات في محيط المصفاة ضمن منشآت مجمع الطاقة وهو الوحيد في السودان إذا دُمِّر ستفقد البلاد الصناعة البلاستيكية”.
تبادل الاتهامات
تبلغ طاقة مصفاة الخرطوم 100 ألف برميل يومياً، وتحصل على إمدادات الخام من حقول النفط غربي البلاد إلى جانب الخام القادم من جنوب السودان، وتحتاج هذه المنشأة النفطية إلى صيانة دورية كل عام بكلفة تقدر بـ 100 مليون دولار.
منذ ديسمبر العام الماضي تبادل الجيش والدعم السريع الاتهامات بشأن تدمير المصفاة جراء تبادل القصف المدفعي والجوي والاشتباكات المباشرة، ولم تفلح دعوات تجمعات نقابية للعاملين في قطاع النفط في مغادرة الطرفين المتنازعين المصفاة باعتبارها من المرافق المدنية الحيوية.
ويقول مصدر من تجمع العاملين بقطاع النفط لـ(عاين) إن المصفاة تقع وسط مناطق مأهولة بالمدنيين شمال العاصمة السودانية والقتال هناك مستمر منذ 14 شهراً دون توقف بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، ولا توجد تدابير لحماية المرافق والمدنيين في محيط المصفاة وداخلها.
مخاوف حريق انتقامي
ويرى المصدر مشترطاً عدم نشر اسمه في مقابلة مع (عاين) أن الطرفين المتنازعين يخوضان حرباً بلا هوادة فوق جسم المصفاة والدعم السريع تعمدت البقاء في المصفاة للحصول على إمدادات الوقود وحماية نفسها من هجوم الجيش الذي تجنب توجيه ضربات عسكرية على هذه القوات في الأسابيع الأولى للحرب، لكن حاليا لا توجد ضمانات حول استخدام قواعد الاشتباك المعروفة.
تجمع العاملون بالنفط: الحرب دمرت 30% من المصفاة.
وزاد المصدر قائلاً: “مع استمرار الحرب تفقد الأطراف المتنازعة مراعاة قواعد الاشتباك، كما أن الدعم السريع لا تتحلى بالمسؤولية اللازمة في حماية المدنيين والمرافق المدنية لذلك حتى إذا سيطر الجيش على المصفاة، فإن هذه القوات قد تقدم على حرق المصفاة بسبب شعورها بالهزيمة كما فعلت في مواقع أخرى”.
وأضاف المصدر: “الحرب دمرت 30% من المصفاة حسب المعلومات المتوفرة من العاملين في هذا القطاع” مُردفاً : “من المؤكد أن الأجهزة والآلات الدقيقة دمرت بشكل تام، لكن الوحدات العامة سليمة حتى الآن”.
وأردف: “في هذا القطاع يتم تعريف المنشآت الواقعة شمال العاصمة السودانية بمجمع الطاقة والنفط؛ لأنه يضم المصفاة ومحطة قري الحرارية ومصنع للبتروكيماويات ومحطة الضخ ومساكن العاملين ومستودعات التخزين”.
وأردف: “هذه الأصول مملوكة للشعب السوداني تقدر قيمتها بأكثر من خمسة مليارات دولار من بينها المصفاة التي تقدر تكلفة أصولها بـ 1.6 مليار دولار”.
وتابع: “المجمع حتى الآن ما زال محافظا على المنشآت إلى حد كبير، لكن إذا استمرت الحرب لأشهر قادمة قد يدمر كلياً”.
وأضاف: “نتطلع إلى تنظيم حملة بالتنسيق مع التجمعات العمالية للعاملين في النفط والنقابات الأخرى للمطالبة بوقف تدمير أصول وممتلكات الشعب السوداني لا بد من فعل شيء وعدم ترك الأمور تخرج عن السيطرة”.