الطريق إلى الخرطوم ليس سالكًا

عاين- 19 أبريل 2025

انقلبت حياة أكثر من عشرة مليون شخص في العاصمة السودانية الخرطوم رأسا على عقب حينما اندلع النزاع المسلح بين الجيش والدعم السريع منتصف أبريل 2023 واليوم لا توجد مؤشرات على عودة وشيكة لغالبية المواطنين إلى منازلهم مع استمرار الظلام والانتشار العسكري وشح مياه الشرب وتوقف المستشفيات.

يشكل نازحو ولاية الخرطوم 60% من إجمالي الأشخاص الذين غادروا منازلهم عندما نشبت الحرب في البلاد قبل عامين وعددهم 13 مليون شخص، فيما تقول الأمم المتحدة في تقريرها الصادر بتاريخ 17 مارس 2025 عن الوضع في العاصمة عقب سيطرة القوات السودانية إن الوصول لبعض المناطق خاصة الواقعة غربا محفوف بالمخاطر والتحديات.

الدمار يحجب الأمل

وأشارت الأمم المتحدة، إلى أن الاشتباكات للسيطرة على العاصمة السودانية قبل أن تستعيدها القوات السودانية نهاية مارس الماضي، دمرت أجزاء واسعة من البنية التحتية.

 ويعكس مازن الذي يقيم في حي الأزهري جنوب الخرطوم لـ(عاين) حالة اليأس التي تلازم أحياء العاصمة السودانية قائلا: “الشيء الوحيد الذي تبدل في الخرطوم عودة جزئية لشبكات الاتصال فيما لا تزال الأوضاع كما هي عليه في فترة الحرب، ولا يحصل معظم المواطنين على الطعام لانعدام وسائل جني المال”.

ويرى مازن، أن التجول في الخرطوم بات ممكنا بالمقابل لا يمكن زيارة مواقع مدمرة بالكامل لم يعد بالإمكان إحياء السوق العربي المركز التجاري الأبرز وسط الخرطوم لمساعدة مليوني شخص على كسب المال.

ويكمل قائلا: “في أي مكان يبحث الأشخاص أولا عن سُبل كسب المال هو الطريق الوحيد لإحداث الاستقرار”.

لا حياة قبل الإعمار

يقول محمد خليل وهو مهندس مدني لـ(عاين): إن “الخرطوم مدينة لا تزال تحت وطأة الخراب وبحاجة عاجلة إلى تمويل كبير لإعادة الكهرباء وتشغيل محطات المياه والناس إذا لم يحصلوا على الخدمات الأساسية لا يمكنهم مغادرة مواقع النزوح التي يتوفر بها الحد الأدنى من خدمات الكهرباء والمياه والمستشفيات والمدارس”.

ويؤكد خليل، أن استعادة العاصمة السودانية من حيث الكثافة السكانية تعتبر أولوية للحكومة لرفع الإيرادات العامة جراء عمل الأسواق والمؤسسات التجارية والعامة. بالمقابل، فإن هذه المهمة تبدو شاقة دون ضخ الأموال، والتي تبلغ -حسب تقديرات خليل- في المرحلة الأولى نحو مليار دولار لبناء ما دمرته الحرب.

جانب من السوق العربي وسط الخرطوم

ويردف بالقول: “الحرب مستمرة لا يمكن التفكير بعقلية ذهب القتال بعيدًا عن مركز الدولة وهي العاصمة لا أعتقد أن الحياة بهذه الطريقة ستكون آمنة حتى مطار الخرطوم لن يعمل طالما أن المسيرات تحلق في السماء، وتضرب المطارات والسدود في شمال البلاد”.

أما في أم درمان يلجأ المواطنون في بعض الأحياء للوقوف في صفوف لشحن الهواتف من محلات توفر مولدات الكهرباء هذا المنظر يمنح مثالا حيا وفق عمر الشاب الناشط في لجان المقاومة لأوضاع الناس في العاصمة.

أما في الأحياء الواقعة بمدينة الخرطوم الأكثر تعرضا للدمار وسط المدينة لا تزال فرص الحياة تختبر نفسها يوميا مع خلو الشوارع من المارة والسيارات وانتشار اللصوص في بعض الطرقات.

صعوبة تدبير الطعام

تقول جواهر التي لم تفارق منزلها بحي الجريف شرق الخرطوم لـ(عاين): إن “أقصى طموح للمواطن في الحي الحصول على طحين القمح لصنع الخبز المنزلي أو الوصول إلى مطبخ جماعي لتوفير الطعام المجاني من المتطوعين”.

وحول عودة المواطنين تشير هذه السيدة، إلى أن أغلب الذين عادوا إلى منازلهم يواجهون مشاكل إما أن الأثاثات نُهبت أو لا توجد حلول أمامهم وماذا يفعلون لجعل الحياة ممكنة.

مخلفات حرب

وتعد المخلفات الحربية والألغام واحدة من الأزمات التي تثير مخاوف المواطنين في الخرطوم فيما أكدت الأمم المتحدة الأسبوع الماضي أنها بصدد نشر فريق لإزالة المخلفات العسكرية من العاصمة السودانية، رغم اعترافها بمحدودية التمويل لهذه الأنشطة.

ويعمل فريق حكومي لإزالة الجثث والذخائر والأسلحة من مباني معمل ستاك المركزي التابع لوزارة الصحة في شارع القصر وسط الخرطوم تسير هذه الأعمال ببطء شديد لشح التمويل الدولي.

ويقول ماجد أحمد وهو عامل سابق في منظمة دولية لـ(عاين): إن “المدن التي تعيش شهورا طويلة في نطاق النزاعات المسلحة عادة تستغرق وقتا طويلا؛ لأن الحروب  تلتهم الأموال والحكومة الحالية عاجزة عن توفير التمويل لاستعادة الخدمات الأساسية”.

ويرى أحمد، أن السودان لم يطلق حتى الآن مشروعا موحدا لإزالة مخلفات الحرب والوضع الراهن تديرها المحليات بولاية الخرطوم بشكل متقطع، ولا توجد عمليات كبيرة لاستعادة الكهرباء وشبكة الاتصالات والأسواق.

مبنى محترق في الخرطوم

وأردف: “من الصعب أن يعود الناس إلى منازل وأحياء غارقة في الظلام حتى الوضع الأمني لا يسمح بذلك والجيش لا يكشف حقيقة الوضع العسكري داخل الخرطوم”.

ويقول محمد نجيب وهو خبير في الحكم المحلي: إن “آمال المواطنين بالعودة إلى الخرطوم انهارت قياسا بالواقع المرير، سواء توقف الحياة العامة والخدمات الضرورية والحيوية أو الوضع الأمني وعدم وجود يقين لدى الحكومة حول مستقبل الخرطوم”.

ويضيف قائلا: “استمرار الحرب مع سيطرة الجيش على العاصمة قد تعيد الآلاف إلى منازلهم، لكن ليس بالضرورة أن يحصلوا على الخدمات الحيوية لا يمكن توفير مركز صحي في حي صغير في هذا الوضع”.

ويقول نجيب لـ(عاين): “لم نر قائد الجيش عبد الفتاح البرهان عندما زار القصر الجمهوري الشهر الماضي يتحدث عن خططه لاستعادة الحياة بالخرطوم من الواضح أنه لا يملك شيئا يقوله للمواطنيين على الأقل في الوقت الراهن”.

 

أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *